اليومَ وبعدَ مرورِ ثلاثةٍ وثلاثين عاماً على تاريخ الرحلة (الحدث) الفاصل في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني حينها، أعودُ لأذكِّر وأتذكر تلك الحكاية التي بقيت “مغبونةً ” ولم يأتِ على ذكرها أحدٌ وكأنَّها جزءٌ من “نعمة النسيان”!
سفينةُ العودةِ كانت “فكرةً” خلاّقةً أثبتت، كما جاءَ في افتتاحيةِ مجلةِ (النشرة – العدد 106 – 1988): “أولاً عن وجودِ قدرةٍ فائقةٍ عند القيادة الفلسطينيةِ، قادرةٍ على استنباطِ أساليبٍ نضاليةٍ ثوريةٍ جديدة، تتماثل تصاعداً مع واقعِ وتاريخ حركة كفاحِ الشعب العربي الفلسطينيّ، خاصةً مع انتفاضتهِ المستمرة والمتصاعدة في وجه أعتى احتلالٍ استعماريّ – استيطانيّ في هذا العصر.. كما وأثبتت حقيقةً ثانيةً لطالما تغنّى وحلمَ وقاتلَ من أجلها الشعب الفلسطيني وعبَّرت عنه “سفينةُ العودة”، وهي الإصرار الفلسطيني على العودة إلى أرض الوطن، وأنَّ ما كان في السابقِ “حلماً” أصبح اليومَ وبفعل الثورةِ المستمرةِ حقيقةً واقعةً، بعد سنواتٍ طوالٍ من عمرِ النّكبةِ الأولى، استمرت أربعين عاماً….”
أيامُ الفعلِ العمليّ طاولَت “العشرة الساخنة”، أمّا أيامُ الإعدادِ والتحضيرِ طاولَت “أياماً وأسابيعاً إغريقيةً” راقصةً على أنغام زوربا والتضامن الثوري والإنسانيّ الوجداني بقيادةِ صديقِ ورفيقِ أبو عمار المايسترو السياسي البارز “أندرياس باباندريو”، الذي جعَلَ برودةَ طقسِ أثينا حينها أكثرَ سخونةً وعروبةً ودفئاً من كثيرٍ من العواصمِ العربية.
حينها ومنذ التاسعِ من شباط/ فبراير حتى الثامن عشر منه، تحوَّلَت أثينا إلى مدينةٍ عربيةٍ فلسطينيةٍ أمميّةٍ بامتياز. من أجل تنفيذِ مشروعِ “سفينة العودة” شكَّلَ الزعيمُ الراحلُ أبو عمّار لجنةَ إشرافٍ تتولى المسؤولية “الإعلامية والتنفيذية” بقيادة مستشاره الإعلامي والسياسي بسام أبو شريف أمده الله بالصحة والذاكرة الحيّة، والعزيزُ الراحل فؤاد البيطار سفيرُ فلسطين في اليونان، وأسماءَ أخرى غيرَ معنيةٍ بالظهورِ الإعلامي المباشر.
بدأت الوفودُ والشخصياتُ المدعوّةُ و”المتطوعة” بالمشاركة بالوصولِ تباعاً إلى العاصمة اليونانية أثينا. فنادقٌ ثلاثةٌ “بريزدنت، جولدن ايدج، والإنتركونتيننتال” شكّلت مراكزَ إقامةِ المشاركين.
المشاركون، وِسْعَ الجغرافية “الإنسانية”.
كلُّ من آمنَ بالحقِ الفلسطينيّ وعدالته واعتمرَ “الكوفية الفلسطينية” حَضرَ أو حاولَ الحضور والمشاركة.
أثينا فتحت ذراعيها للجميع، شخصياتٍ سياسيةٍ، ثقافيةٍ، فكريةٍ، نقابيةٍ، وفنية.
الشيخُ عبد الحميد السايح رئيسُ المجلسِ الوطني الفلسطيني، المطران هيلاريون كاوبوتشي، محمد ملحم عضو اللجنةِ التنفيذية لمنظمةِ التحرير الفلسطينية، محمد ميعاري عضو “الكنيست” عن القائمة التقدمية السلام. العشراتُ من المبعدين الفلسطينيين قبلَ الانتفاضةِ وبعدها، من بينهم -وهو ليسَ استثناءً- الأسير مروان البرغوثي.
كتابٌ وشعراءَ وصحافيينَ وفنانين يونانيين، عرب وأجانب -سآتي على ذكر بعضهم لاحقاً-، العدو الإسرائيليُّ لم يقف مكتوفَ الأيدي أمام هذا الفعل الفلسطيني التاريخي غيرِ المسبوق. ردُّه الأوّلُ كان اغتيال الفدائيين القادة الثلاث في قبرص 14/2: (حمدي التميمي، أبو حسن قاسم، ومروان الكيالي).
وبعدَ يومين، كما جاءَ في افتتاحيةِ “النشرة”: كما يؤكدُ ذلك موقفَ العدو الصهيوني نفسَه من هذه العمليةِ والارباك الشديد الذي وقع فيه، حيث كان واضحاً ومنذ اللحظة الأولى للإعلان عن فكرة “سفينة العودة”، بأنَّهُ سيفشلها بأيّة طريقةٍ وبكل الوسائل…
لذلك فقد جنًّد كلّ قدراته:
السياسية: تصريحات شامير، بيريز ورابين، بأنّ السفينة تُعتبرُ هدفاً عسكرياً معادياً، وإنّ انطلاقها يعني إعلانَ حالة الحرب على إسرائيل…
والعسكرية: حين قامَ بتوجيه الانذاراتِ إلى أصحاب السفن وتهديدهم بقتلِ أسرهم، وتهديد بعض الصحافيين الأجانب المرافقين للسفينة، وأخيراً قيامه بتفجير السفينة “المستأجرة” في قبرص.
هذا الجزءُ الأولُ من حكاية أوّلِ مبادرةٍ مباشرةٍ اصطلحَ على تسميتها وعُرِفَت لاحقاً بسفينة العودة.
شاهد أيضاً
قضية دير مار الياس الكرمل: الديني والسياسي (1)
القسم الأول آلاف من الحجاج المسيحيين واتباع الطوائف المسيحية العربية في الوطن يؤمّون دير مار …