1 – كما لو أنني سارد محايد!
كيف أكون فلسطينيا وأنا أتابع أخبار ما يجري في غزة؟
هل أكون مثل السارد الإله الذي يعرف كل شيء فيصف ما يجري ويتنبأ بما سيحدث ولا يترك شاردة وواردة إلا عرفها فكتبها؟
سيسخر مني أهل غزة وكتابها وسيقترحون عليّ أن أضع نفسي في مكانهم وأن أجرب النزوح والعيش في خيمة والوقوف في الطابور متعدد الأشكال؛ طابور المراحيض وطابور الحصول على الرغيف وطابور الحصول على الماء وطابور الحصول على كيس طحين أو خيمة أو جرة غاز أو …
الراوي كلي المعرفة أو الراوي الإله لن يقنع مواطني غزة، كما لن يقنعهم السارد من الخارج. عليك أن تكون ساردا من الداخل لتصف وتقنع وتقول ما يجري، ولكن …
حتى السارد من الداخل. السارد المشارك. حتى هذا السارد يعجز عن سرد الحكاية كلها سواء أكان محايدا / السارد – الكاميرا، أو منحازا / السارد المتعاطف.
في الكتابة عن غزة حاولت أن أكون، في التعامل مع كتابات أبناء قطاع غزة مختلفة الرؤى، مثل سارد محايد، وأظن أنني فشلت. ثمة ظلم تاريخي يطغى علي في لحظة الكتابة تجعلني أدافع عن رواية لا تتماثل مع رواية غزيين متأثرين باللحظة التي يعيشونها ولا أعيش لحظة تشبهها. ذلك فارق بين ساردين؛ واحد يروي من الداخل / سارد مشارك، وثان يروي من الخارج ، سارد غير مشارك . ولقد حرصت أن أنقل نصوصا لكتاب من قلب غزة – رواة من الداخل – وأخرى لأدباء لم يكونوا شهودا على ما يحدث – رواة من الخارج وأنا من ضمن هؤلاء.
الكتابة السابقة فذلكة في زمن الحرب.
2 – معنى جديد للبطولة:
في العام 2018 طلبت مني الكاتبة أحلام بشارات أن أشارك في ندوة في معرض الكتاب في رام الله وأتحدث عن البطولة في أدب الانتفاضة. وموضوع البطولة موضوع قديم – جديد. البطل وفق المفهوم التقليدي كان هو القائد الذي يقاوم ويخوض الحروب ويحقق الانتصارات. هكذا كتبت مرة، وأنا طالب ماجستير، دراسة عن البطل نور الدين زنكي في شعر الحروب الصليبية. ثم قرأت لاحقا عن البطل السلبي مجسدا في شخصية سعيد ابي النحس المتشائل في رواية إميل حبيبي. أن تتغابى وتتحايل لتحيا. أن تبقى صامدا في أرضك حتى لا تقتلع منها. ألا تسلم نفسك بثمن بخس لعدو ماكر يريد اجتثاثك. هذه كلها بطولة تشبه بطولة ” الجندي الطيب شفيك ” في رواية الكاتب التشيكي (ياروسلاف هاتشيك) لا تقل بطولة عن بطولة (يوليوس فوتشيك) صاحب ” تحت أعواد المشانق “
من هم الأبطال في غزة الآن؟
هل هم فقط من قاموا بـ 7 أكتوبر واجتازوا الحدود؟
أهل غزة كلهم أبطال لأنهم تحملوا ما لا يحتمل، وآخر صورة لواحد منهم هي صورة الطبيب حسام أبو صفية الذي صمد في مشفى كمال عدوان حتى اللحظة الأخيرة، ثم ذهب إلى الجنود الإسرائيليين المحصنين بالدبابة منتصب القامة غير خائف.
الطاقم الصحي في غزة كل أعضائه أبطال ومثلهم رجال الإسعاف ولا يختلف عنهم النساء والأطفال والرجال الذين واجهوا جحيم دبابات وطائرات الجيش وتحملوا النزوح والإقامة في الخيام جائعين بردانين فاقدين أبناءهم ورجالهم و …. .
في ندوتي في 7 / 5 / 2018 التي نشرت ملخصا لها في جريدة الأيام الفلسطينية في 13 / 5 / 2018 اتكأت على ديوان محمود درويش ” حالة حصار ” (2003) فقد كتب في أوج انتفاضة الأقصى، وفيه يقول:
” أن تقاوم يعني: التأكد من
صحة القلب والخصيتين
ومن دائك المتأصل:
داء الأمل “
في ” واجب شخصي ” من ” أثر الفراشة ” (2008) ينتهي البطل التقليدي الذي قاوم وقام بواجبه ففقد ذراعه، ينتهي وحيدا، فالذين احتفوا به في أثناء قيامه بواجبه ودفاعه عن وطنه سرعان ما انفضوا عنه بعد توقف الحرب، كأنه صار منتهي الصلاحية مثل المعلبات منتهية الصلاحية ” فللبطولة أيضا تاريخ انتهاء صلاحية ” يكتب درويش.
3- جدل قديم: الفلسطيني المحايد
في شتاء وربيع العام 1982 انتهيت من كتابة اطروحة الماجستير حول القصة القصيرة في مناطق الاحتلال الثاني – أي الضفة الغربية وقطاع غزة. وركزت على الفترة بين 1967 و1981 وتناولت، في عشر صفحات، شخصية الفلسطيني تحت الاحتلال كما عكسه كتاب القصة. كتبت عن الفلسطيني المقاوم والفلسطيني المتخاذل والفلسطيني الخائن والفلسطيني المحايد، والأخير يريد أن يمشي الحيط الحيط ويقول: يا ربي السترة ومن يتزوج أمي أقول له: عمي. لاحق الإسرائيليون الفلسطيني المقاوم واحتضنوا الفلسطيني الخائن ولم ينج الفلسطيني المتخاذل والمحايد وغالبا ما دفعا ثمنا ولو بالصدفة.
في غزة انتخب نصف الشعب حركة حماس ولم ينتخبها النصف الثاني ولم تميز إسرائيل في حربها بين النصفين. الكل دفع الثمن ولو من خلال التهجير والإقامة في خيمة، والحكاية تكررت في العام 1948، فحتى أنصار فصائل السلام والقرى المسالمة لم تسلم من الطرد. عودوا إلى كتاب (إيلان بابيه) ” التطهير العرقي ” وتأكدوا. الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت.
4 – القصص الألمانية: المخربون.
آنا زيغرز ” المخربون Die Saboteure “
في العام ١٩٨١ قرأت مجموعة الكاتبة الألمانية / ألمانيا الشرقية (آنا زيغرز) التي نقلها إلى العربية الدكتور عبده عبود أستاذ الأدب المقارن في جامعة دمشق سابقا والمقيم منذ سنوات الربيع العربي في ألمانيا . عنوان المجموعة هو ” المخربون ” وهو من وضع دار النشر، فالعنوان الأصلي هو ” قوة الضعفاء / Die Kraft der Schwachen وهو العنوان الأجمل حسب ما أوضح لي الدكتور عبده.
عرفت عن المجموعة من القاص يوسف ضمرة. كنا في رابطة الكتاب الأردنيين وكان في بداياته الكتابية القصصية. يقرأ القصص العربي والعالمي ويتناقش مع الحضور وبين فترة وفترة يحضر كتابا صدر حديثا يتحدث عنه ليلفت نظرنا إليه، وأظن أنني اقتنيت هذه المجموعة من أجواء تلك الأيام وقرأتها وأعجبت بها وظلت تراود مخيلتي باعتبارها نموذجا من نماذج الأدب المقاوم الكلاسيكي الذي قل ما يكتبه كتابنا اليوم، بل وقل ما يقرؤونه أو يشيدون به، وفوق هذا ينظرون إلى من يقرؤه أو يشيد به نظرة سلبية ترى فيه كاتبا من كتاب أيام زمان .
أنا أحيانا أكون من كتاب أيام زمان ولذا أعجب بنماذج أدبية قديمة وأعود إليها وأشير إلى كتابها واستشهد بها. هل أنا من أنصار المذهب الكلاسيكي؟
أتذكر من قصص المجموعة قصة ” المخربون ” وهي قصة امرأة ألمانية تعمل في مصنع إعداد القنابل، والمرأة ضد الحرب وليست مع الحزب النازي الذي تزعمه المرحوم (ادو ووو لف هتل… لر)، فماذا ستفعل حتى لا تشارك في قتل الآخرين؟
يتم التلاعب في الإنتاج بحيث يغدو السلاح المنتج مؤذيا لمن يستخدمه لا من يستعمل ضده، وهكذا يبدو بلا فاعلية للجيش الألماني أمام الجيش الروسي. (لنتذكر أن الكاتبة كتبت القصة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية – أي يوم كانت ألمانيا الشرقية في حلف وارسو وكانت الكاتبة تنتمي للحزب الشيوعي في دولتها).
هل كان الإسرائيليون والأمريكيون قرأوا القصة ففعلوا ما فعلوه بأجهزة البييجرز التي استخدمها حزب الله؟ هل كانوا وراء تصنيع هذه الأجهزة في الشركة التي باعتها لحزب الله؟
يبدو أنه لا بد من إعادة قراءة القصة التي تقع في ٧١ صفحة من القطع الصغير.
5 – هل يمكن أن نخاطب الشعب الإسرائيلي كما خاطب (فولفجانج بورخرت) الشعب الألماني؟
في شتاء العام 1990 / 1991 عرفت قصيدة الشاعر الألماني (فولفجانج بورخرت) ” قل: لا”
في ذلك الشتاء اجتاحت ألمانيا موجة مظاهرات ضد الحرب التي قررت الولايات المتحدة الأمريكية شنها، مع حلفائها، ضد العراق ورئيسه صدام حسين، وكنت أشارك فيها وأردد عنوان قصيدة (بورخرت) ” قل: لا “، ويومها اشتريت أعماله الكاملة التي أعيدت طباعتها ككتاب جيب بيع بسعر زهيد.
أعجبتني القصيدة فترجمتها وكتبت عنها ونشرتها في العدد 64 من مجلة ” صوت الوطن” (حزيران)، وغالبا ما أعود إليها.
في الحرب الدائرة حاليا منذ 15 شهرا لم نقرأ لكاتب يهودي قصيدة يخاطب فيها شعبه بأن يقول للحرب لا. مؤخرا قرأنا خبرا عن تخلي الشاعر اليهودي (آفي شتاينبرغ) عن جنسيته الإسرائيلية وهذا موقف يعتد به ولا يختلف في قوته عن قوة قصيدة (بورخرت) (صحيفة الشروق المصرية 31 / 12 / 2024 ).
هل يمكن أن نكتب قصيدة نخاطب فيها الإسرائيليين كما خاطب(بورخرت) في قصيدته الألمان؟ وماذا تجدي القصيدة والكتابة؟
من عقود كتب راشد حسين قصيدته ” الحب والغيتو ” وقبل عقد ونصف كتب محمود درويش قصيدته ” سيناريو جاهز ” وفي الوقت نفسه كتب سميح القاسم سربتيه ” أنا متأسف “وفي العام 1982 كتب معين بسيسو ومحمود درويش قصيدتهما المشتركة الموجهة إلى جندي إسرائيلي يسألانه إن كان سينفق العمر في دبابة؟!
من قصيدة(بورخرت):
” أنت أيها الرجل وراء الآلة ، أيها الرجل في المصنع
عندما يأمرونك صباحا: عليك الا تصنع
ماسورة ماء وطنجرة طبيخ.
عليك أن تصنع خوذة فولاذية ومدفعا،
فثمة شيء واحد فقط
قل: لا !
…
…
أنت أيها الباحث في المختبر، عندما
يأمرونك صباحا: عليك أن تخترع موتا
جديدا ضد الحياة القديمة، فثمة شيء واحد فقط قل: لا ” .
… إلخ
6 – وأنا أعد الدكتوراه في ألمانيا تعرفت إلى طالبة ألمانية من ساربروكن – إن لم تخني الذاكرة – تدرس الأدب العريي. الطالبة نحيلة جدا وناعمة إلى درجة كبيرة وصوتها خفيض إلى حد لافت، فتشعر أنت وأنت تصغي إليها أنها تتحدث مع نفسها – ان لم تخني الذاكرة فاسمها غابي. حكيها في عبها كما يقولون. عندما عرفت أنني فلسطيني – وكانت الانتفاضة الأولى 1987 في أوجها – تعاطفت مع قضيتنا. لم تكن تكره اليهود، فليس لديها أي ميول نازية، وكانت تقرأ للشاعر اليهودي النمساوي (اريش فريد) / Erich Fried فأخذت تسألني إن كنت قرأت له، ولم أكن سمعت به ، ما دفعني للسؤال عن بعض نتاجه في سلسلة كتب الجيب واسعة الانتشار زهيدة الثمن .
من ضمن القصائد التي تلتها على مسامعي قصيدة ” اسمع يا إسرائيل / Hoer Israel ” وفيها يعلن موقفه من قيام دولة إسرائيل وما ارتكبته في العام 1948 بحق الفلسطينيين. يقول فريد:
” عندما لوحقنا
كنت واحدا منكم،
كيف يمكن أن أبقى (منكم)
عندما (صرتم) تلاحقون (الآخرين)
اسمعي يا إسرائيل: ” أتحدث إليكم
لست كغريب ولست كعدو
لكن أتحدث من الكراهية التي اشتعلت ضدكم
القوى الظالمة لم تختف بعد هتل ر
لم تختف من هذه الأرض
ماذا ستفعلون؟
أتسمحون أن يساعدكم الظلمة؟
لهذا يجب عليّ أن أدخل المرارة في اذانكم
تلك التي ملئت بالأكاذيب
مثلما حدث منكم في عصر الأنبياء
حتى ولو تأتى الكلمات مني ذات مرارة ثقيلة
فإنكم لا تستطيعون أن تقولوا
هذا ما يقوله أعداؤنا!!
أنتم في أوروبا ذقتم الجحيم
المطاردة والترحيل، موت الجوع البطيء
أنتم راقبتم جلاديكم والآن تقلدونهم في الصواعق والأعمال الوحشية القاسية.
لكن ظلمكم كان كبيرا لأنكم أخذتم الأرض ممن يرثها
ها أنتم أظلم المستعمرين
وما ذنب المساكين الذين أخذتم
أرضهم؟
اغربوا. اغربوا
من أعطى لكم المال والأسلحة
سوف يفنى وينتهي
ولن يحموكم دائما
لن يكون التقهقر من السهل عليكم
لأن غضب المساكين سيعيش طويلا
والكثير منهم يتمنى لكم ما تمنيتموه لمعذبيكم
عودوا عودوا
من أعطى لكم المال والأسلحة لن يحميكم طويلا
لا يستخدمكم إلا كجنود ومرتزقة
في حرب ضد المستقبل
الفلسطينيون الذين أمرتم جنودهم
( أن اخلعوا نعالكم )
ودفعتموهم إلى الصحراء حفاة كقرابين تحمل أخطاءكم
إلى الصحراء، مسجد الموت الكبير
أحذية كثيرة هناك
وصندل الصحراء من رمال
لن يقبلوا أن يكونوا قرابين أبدا
فآثار الاقدام العارية في الرمال
يدوم ويبقى؛ أقوى من قنابلكم ومدرعاتكم
سأقف مع الفلسطينيين (من أخبار اليوم المصرية. د. محمد أبو الفضل بدران)
7 – يوميات (آن فرانك). يوميات أطفال غزة ويوميات ناجيات من الخيام:
فجأة تذكرت يوميات الطفلة اليهودية (آن فرانك). كنت، وأنا في ألمانيا، اشتريت نسخة منها لأقرأها، فلا قاريء مثقف هناك لم يقرأ المذكرات أو لم يسمع بها. يومها كنت أهتم بالأدب العبري المترجم إلى الألمانية وأيضا بما كتبه يهود عن المحرقة، فتابعت بعض أعمال (اسحق ب سنجر) وقرأت له رواية ” الفاسق ” وسيرته الذاتية. كانت انتفاضة 1987 في أوجها وكان الأطفال وطلاب المدارس وقودها. قلت أنظر في طفولة الأطفال اليهود إبان المحرقة، وأظن أن قسما من معارفي ممن كانوا يلاحظون يوميات آن معي كانوا يتساءلون:
– شو صار للأستاذ ؟ هل صار يهوديا يتغنى بسطر مظفر النواب:
” سنصبح نحن يهود التاريخ ونصرخ في الصحراء بلا مأوى “.
والصحيح أن قراءتي اليوميات لا تختلف عن قراءة غسان كنفاني الأدب الصهيوني وقراءة معين بسيسو يوميات الكاتبة الإسرائيلية (ياعيل دايان) وقراءة محمود درويش مسرحيات (حانوخ ليفين) وقراءة سميح القاسم رواية (عاموس كينان) “الطريق إلى عين حارود”.
الآن أقرأ كتابات صبايا غزة اللاتي عانين معاناة آن فرانك وأكثر، فلا أظن أنها التي كانت مختفية في شقة وتدون ما يجري وما تعيش، لا أظن أنها رأت فردا من أفراد عائلتها ينقذ من تحت الأنقاض ميتا أو جريحا مبتور اليد أو القدم أو … أو … .
كم آن فرانك فلسطينية الآن في غزة؟!
هناك عشرات الشابات يدون ما يمررن به، وأنا أتابع كتابات كثيرات؛ شعرا ونثرا، واهتممت بما تكتبه مريم قوش ، ومن المؤكد أن يومياتها ستصدر في كتاب . هل تذكرون ما كتبه محمود درويش في قصيدته ” هدنة مع المغول أمام غابة السنديان “؟
” كم أردنا السلام لأطفال أعدائنا ؟!! “
8 – من وحي سور برلين: أمتفائل أنا أم متشائم؟!
في شباط من العام 1988 زرت برلين. كانت المدينة مقسمة إلى غربية وشرقية، وكانت الشرقية عاصمة ألمانيا الشرقية في حينه قبل أن تغرب وتزول وتتوحد مع ألمانيا الغربية، وغدت برلين موحدة وبعد سنوات قليلة عادت عاصمة لألمانيا الموحدة .
في تلك الزيارة زرنا متاحف ألمانيا الشرقية ومتاحف ألمانيا الغربية وشاهدنا الفرق بين جزئي المدينة ووقفنا على السور الفاصل بينهما من طرف الجزء الغربي. كان لوحة فنية تلتقط إلى جانبه الصور للاحتفاظ بالذكرى.
في تلك الزيارة لم يكن أحد يتوقع أن السور سينهار عما قريب. حتى في الأحلام لم يكن يخطر ببال أحد من الألمان أنه خلال عام سيهدم وستباع حجارته كذكرى.
في أيار 1990 زرت المدينة ثانية وقد غدت مدينة واحدة، وعندما سرت ومسؤولة الطلبة الأجانب إزاء بوابة براندنبورغ همست في أذني:
– لم نكن نتوقع هذا حتى في الأحلام!
وكلما زرت القدس أو الخليل أو باقة الغربية ومررت قرب الجدار الفاصل تذكرت سور برلين وتساءلت:
– متى ينهدم السور هذا ؟
في الحرب الدائرة حاليا حلمت وحلمت وحلمت وما زلت أحلم. سينهدم الجدار وستعلن دولة واحدة من النهر إلى البحر. دولة لكل مواطنيها. هل أنا مفرط في التفاؤل؟
منذ انتهى نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وأنا أكرر:
– نحن في الطريق إلى جنوب أفريقية.
ربما هي تمنيات! ربما! ولكن كما قال محمود درويش في جداريته ” الخيالي هو الواقعي الأكيد.