متطوعين فلسطينيين وعرب من مناطق مختلفة في البوليس الإنجليزي

المتطوع

مع بدء الحرب الأخيرة بين الروس و الأوكران وبتحشيد أمريكي واصطفاف الغرب والشرق بين الطرفين.. بدأت بوادر ارسال مرتزقة للقتال بجانب كل فريق بأجر مدفوع، كل طرف يقوم بحشد المقاتلين لفريقه.. ومن بين من أبدى استعداده دفاعاً عن المطرقة والمنجل (الذي غاب علمهم عن الدولة التي خرج منها) اليسار العربي، وبدأ مأجوري اليسار الذي احترنا معاه هل هو شيعي أم شيوعي!!.. بإرسال المتطوعين للقتال بجانب الروس، وكذلك الأمريكان بدأوا بتجنيد المغفلين دفاعاً عن الناتو الأمريكي، وتجييش إعلام العرب للناتو في مواجهة روسيا، بعد ان ضمت دولاً صديقة للحلف من خارجه.. هؤلاء المرتزقة من الطرفين لا يفرقون عن الذين يرتزقون المال الإيراني والتركي دفاعاً عن اجندات تلك الدول عندما تأمر. ما أشبه الأمس باليوم.. تلك العمالة والإسترزاق وبيع الذات تشبه حقبة مهمة من ماضينا العربي إبان حكم السفر برلك، ولكن الفرق أن في زمن الحرب العالمية الأولى كانت إجبارية والموت خيار من يرفض.. رغم ان المُقاد الى جبهات القتال البعيدة محكوم عليه بالموت إلا أنه يتمسك بأمل النجاة. وأيضاً ظهرت في الحرب العالمية الثانية، عندما كانت تسوق دول الإنتداب أهل البلاد المستعمرة للدفاع عنها في جبهات العالم المختلفة، ومنها البلاد العربية!!.

هذه التفاصيل وبيع النفس رخيصة لأعلام دول لم تدافع عنا ولا تنظر الينا إلا كادوات لتحقيق اجنداتها وبأبخس ثمن، اعادت لي الذاكرة الى زوجة عمي (السيدة التي ربتني) في طفولتي، والتي خرجت من البلاد بعمر 20 ربيعاً، تحفظ الموروث الشعبي الفلسطيني باهازيجه وحكاياه وتفاصيل اندثرت او تكاد تندثر.. سمعتها مرة تروي قصة شاب ساقته بريطانيا الى الحرب على جبهات أوروبا بعد أن تطوع في البوليس البريطاني، وعندما روت تفاصيله وتفاصيل غيره.. قالت أخذته بريطانيا يحارب الألمان.. ولم يكن لأمه واخواته معيلاً غيره، وكان هذا الشاب من قرية عابود قضاء رام الله، وجاء شمالاً الى بلدنا السنديانة قضاء حيفا قبل الحرب العالمية الثانية، وسافر دفاعاً عن الإنجليز بحكم الجهل و طلب لقمة العيش امام رفض أمه وشقيقاته.. وعندما طال غيابه وتيقوا انه قتل في الحرب كانت تنوح عليه امه وشقيقاته وأبناء البلدة ويهزجن:

يا ابن العابودي ورايح متطوع يا ابن العابودي

على الله تعودِ عبلادك على الله تعودِ

يا ابن العابودي ورايح متطوع يا ابن العابودي

واسمع كلام أمك وعاود واسمع كلام أمك

هذه الأبيات والأهازيج التي وجدتها أثناء قرائتي وبحثي عن التراث الفلسطيني والموروث الشعبي والأغنية التراثية الفلسطينية قبل اكثر من 12 عام، في مكتبة بلدية إربد في كتاب الأستاذ الصديق هاني الهندي الذي يحمل عنوان “الحزن في الأغنية الشعبية الفلسطينية”، وعندما بدات الحرب وبدأ يساريوا ويمينيوا العرب والمسلمين بالتطوع لاجل روسيا والناتو وقبل ذلك تنفيذ أجندات تركيا وإيران بخوض المعارك عنهم كأداة، والبقاء ورقة في أجنداتهم وخياراتهم.. استحضرت تلك الابيات الخاصة بالمتطوعين، وذهبت للبحث عن الكتاب مجدداً في البلدية ولم اجدته فتواصلت مباشرة مع المؤلف الصديق هاني الهندي، فأرسل لي المادة التي تحدث عنها عن المتطوعين العرب وخصوصاً في فلسطين إبان الحرب العالمية الثانية..

أنشرها كما هي :

” المتطوع

أغنية وداعية معروفة في كل أنحاء فلسطين لارتباطها بوداع المتطوع ، ويعتقد أنها قيلت أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث بدأ الحلفاء باستقطاب المتطوعين الى جانبهم. يتألف بيتها من ست شطرات، الثالثة تكرار للأولى والسادسة تكرار للرابعة.

صبر ابو ندى يا رايح متطوع صبر أبو ندى

صقعة وبردى واسمع كلام أمك صقعة وبردى

تشترك الأولى والرابعة في قافية واحدة ، وتشترك الثانية مع الخامسة في قافية واحدة، وفي أغلب الأحيان لا تتفق، تبنى على وزن البحر المتدارك فتتكون الشطرات الأولى والثالثة والرابعة والسادسة على:

_ _ / _ _ / _ _

فعلن فعلن فع

بينما الثانية والخامسة على :

_ _ / _ _ / _ _

فعلن فعلن فعلن

المتطوع رغم انتشارها الواسع إلا أنها من الأغاني قليلة النصوص ، ولها عدة أسماء منها : ” حبل الغوى، تمبيل القناصة، بس ارفع ايدك، شرّق ما غّرب ” وكلها ذات مضامين وداعية، تعتمد على التكرار الذي يزيد البيت حُزناً وألماً على المتطوع ، الأخ او الإبن أو الحبيب، حتى الألفاظ و المعاني التي جائت بعفوية صادقة ، تشم بين حروفها رائحة التوجع والألم والحسرة .. على سبيل المثال: ” لا تقطعوني، شالوا الخيم، ما اصعب الفرقة، اسهر طول الليل يا دمع العين، … الخ “:

ما ودعونا شالوا الخيم بالليل ما ودعونا

إن كنتِ حنونا هيلي يا دمع العين إن كنتِ حنونا

هي حزينة على فراق المحبوب الذي رحل دون وداع، رحل في الليل ربما لأنه لا يريد أن يسبب لها الألم والحسرة وهي تنظُره راحلاً ، وفي الصباح عندما اكتشفت رحيلهم تألمت كثيراً ، وطلبت من عينيها أن تبكي دموعاً غزيرة لفراقهم ، وتطلب من الشمس أن لا تكون شديدة الحرارة في يوم رحيلهم حتى لا تتعبهم:

غيبي ولا تظلي بالله يا شمس الصيف غيبي ولا تظلي

يِسمَر شوية لاحسن حبيب الروح يِسمَر شوية

فــالــفــراق صــعــب عــلى الــمُــحــبــيــن:

من هون لبُرق حبل الغوى ممدود من هون لبُرقه

ما أصعب الفُرقة يما يا حنونة ما اصعب الفُرقة

من هون ل العراق حبل الغوى ممدود من هون ل العراق

يا مصعب الفراق يما يا حنونة يا مصعب الفراق

يا ابن حارتنا يا رايح متطوع يا ابن حارتنا

وتلفت حالتنا لا تطول بالغيبة وتلفت حالتنا

بس ارفع ايدك سلم سلام احباب بس ارفع ايدك

قلبي يريدك وايش ينفع الحسرة قلبي يريدك

يما ناديله شوفي مرق خيّال يما ناديله

وانا بحكيله وانت اطلعي برا وانا بحكيله

من بين البيوت شوفي مرق خيّال من بين البيوت

ما قُلِت لُه فوت الله على قليبي ما قُلِت لُه فوت

وقطعوا الصحرا شالوا الخيم بالليل وقطعوا الصحرا

ع حَرِّ الجمرا لاستنى حبيبي ع حَرِّ الجمرا

وقطعوا الليّة شالوا الخيم بالليل وقطعوا اللية

حَفنِة وشْوَيِّة هيلي يا دمع العين حَفنِة وشْوَيِّة

بيِّ ولا بيك ريت الوجع يا زين بيِّ ولا بيك

واسهر واداويك وحلف ع نوم الليل واسهر واداويك

ورد ازرعوني على طرق الشام ورد ازرعوني

ولا تقطعوني ديروا علّيَّ الميِّ لا تقطعوني “

عن الأغاني الشعبية أيام الاستعمار في الغربة والحنين والوجع الذي لازمها.. يكمل الأستاذ في التراث والأغنية الشعبية الفلسطينية (هاني علي الهندي) في مقال نشره.. أعيد نشره كما هو.. استكمالاً للموضع وتماهياً مع الفكرة.. ليخرج واضحاً صريحاً بكافة أبعاده:

“من أسوأ فترات حياة الإنسان أن يعيش في الغربة بعيدا عن الأرض التي ولد فيها وتفيأ تحت ظلال أشجارها وارتوى من مائها، فمهما ابتعد عنها وطالت به سنوات الغربة ، يظل الحنين يشده إلى ماضي الطفولة ومرتع الصبا، ولا ينقطع الأمل من العودة ولو بعد حين، فقد كان الاضطهاد العثماني في كل الدول العربية، سببا في هجرة الشباب خارج بلادهم، مشربين بمشاعر الحزن والألم لفراق الأحبة، فوثقت الدلعونة هذه المشاعر التي تشلع القلب وجعا فقالت:

على دلعونة وعلى دلعونة.. القعدة ببلادي أحلى ما يكونا..

أمي يا أمي حبيبي وينو.. سكر البحر ما بينى وبينو..

إن كنو متدين لأوفي لو دينو.. عشرة ع سمانلي ما بيهمونا.

فرغم شتات الشعب الفلسطيني في دروب الغربة، يظل الحنين إلى ماضيه مربوطا به فيغني بلحن حزين مخاطبا داره المغتصبة:

يا دار يا دار لو عدنا كما كنا .. لاطليك يا دار بعد الشيد بالحنا

يا دار يا دار لو عادوا أهاليك .. بالشيد لأطليك وبالحنا لأحنيك

يخاطب الدار وهو يقصد كل فلسطين على سبيل (المجاز المرسل) فيقول: أنه لو عاد إلى داره كما كان سابقا، سيقوم بطلائها بالشيد ثم بالحناء، تعبيرا عن فرحته باللقاء.

هذا الشوق والحنين والألم عاشه الشعب المصري أثناء الحرب العالمية الأولى عام 1914 عندما قامت قوات الاحتلال الانجليزي بجلب آلاف من الفلاحين والعمال المصريين مرغمين ليعملوا في ميادين القتال إلى جانب القوات الانجليزية، في هذه الأثناء ظهرت أغنية “يا عزيز عيني” التي ألفها يونس القاضي ولحنها وغناها سيد درويش، جاءت معبرة عن لوعة الاشتياق للبلد والولد، فجاءت اللازمة

آه يا عزيز عيني وانا بدي أروِّح بلدي*

مفتتحة بالآآآه تعبيرا عن اللوعة والوجع والرفض؛ سواء (الغربة والسلطة)

آه يا عزيز عيني وانا بدي أروِّح بلدي*

بلــدي يا بلــــدي وانا بدي أشوف ولدي

آه يا عزيز عيني وانا بدي أروح بلدي

**

آه يا عزيز عيني والغربه هدِّت حيلي

يا عزيز بلــــدي والسلطه خدت ولدي

آه يا عزيز عيني وانا بدي أروِّح بلدي

**

آه يا عزيز عيني وانا بدي أروِّح بلدي

أشوف عزيزه بنتي ومحمد كامل ولدي

آه يا عزيز عيني وانا بدي أروِّح بلدي

ويظل الأمل بالعودة إلى الديار قائما، ولا بد لليالي أن تمضي، هذا الأمل الذي تسلح به العميد زيد الأطرش شقيق سلطان الأطرش قائد ثورة جبل العرب، فبعد انتهاء الثورة في مناطق جبل الدروز، نزح سلطان باشا الأطرش وأسرته وأبرز الثوار إلى شرقي الأردن، وأقاموا في منطقة الأزرق، وكان بينهم العميد زيد الأطرش ، فعز عليه أن يغادر بلاده مرغما فقال وهو في الطريق يطلب من ديرته عدم اللوم أو العتاب، وإذا كان لابد من ذلك، فإن اللوم والعتاب يقع على من خان البلاد وأنهى الثورة، فقد ارتوت سيوفنا من دماء الأعداء، ولم نتخل عنك. ثم يتابع أن الأمل بانقشاع ليالي العتمة، وإذ لم نأخذ حقنا المهضوم فإننا لا نستحق أن نكون لك سكان.

يا ديرتي مــــالك علينا لوم لا تعتبي لومك على من خان

احنا روينا سيوفنا من القوم مثل الردى ما نرخصك باثمان

لابد ما تمضي ليالي الشوم وتعتز غلمه قايده سلطان

ون ما خذينا حقنا المهضوم يا ديرتي ما نحنا لك سكان

حتى المقاتلون الذين يقضون وقتهم في الجبال خوفا من الاعتقال بعيدا عن أهاليهم وأطفالهم و”كأنهم مغتربون وهم في عقر دارهم وإن لم يقطعوا البحار والمحيطات وهو ما يطلق عليه بالغربة النفسية”، النفسية “يعذبهم الحنين إلى أطفالهم، فقال المغني الجزائري يوثق هذا الشوق والحنين فغنى:

آ الشافات لكـــبار أعطيوني ليلة والنهار*

خلينا لولاد صغار الكبدة شعلت بالنــــار”

* الصورة لمتطوعين فلسطينيين وعرب من مناطق مختلفة في البوليس الإنجليزي، كان مهمته حفظ الأمن في البلاد. إلا أن الإنجليز ساق منهم إلى الحرب في جبهات أوروبا.

About شريف الحاح حسين

Check Also

أفكار منتصف النهار (38) العنف والإجرام عند الطفال والمراهقين .

كل مدة نسمع عن جريمة مروعة قام بها مراهق ( أحياناً أطفال 8 سنوات مثلاً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *