يعتزم حزب “الجبهة الوطنية” المعادي للأجانب في فرنسا بزعامة ماري لوبين، طرح مشروع قرار أسماه “حظر الإيديولوجيا الإسلاموية” الذي بدأت مناقشته في الجمعية الوطنية في الأول من فبراير\شباط الحالي 2021. ومن خلال تسمية وتوضيح حيثيات القرار المقصود بها الإسلاموية، هو منع ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، لكنها لا تشرح المقصود بالإسلاموية التي سبقها الرئيس ماكرون بالحديث عنها قبل أشهر قليلة بالحديث عن الإسلاموية والانفصالية الإسلامية، واثارت ردود أفعال مازالت مستمرة حتى اليوم. لا يتوقف مشروع قرار ماري لوبين على الحجاب فقط، إنما يُستخدم واجهة لتمرير عدة تشريعات أخرى، فضلاً عن كونه منصة انتخابية قادمة بشعارات جاهزة في كل دورة انتخابية يخوضها اليمين المتطرف، ومن بين هذه الشعارات، على كثرتها،: إبعاد الإسلاميين خارج فرنسا، وحلّ الجمعيات الإسلامية، وإغلاق دور العبادة، كما يعتبر حزب الجبهة الوطنية أنه ينبغي مواجهة أي جريمة مرتبطة بإيديولوجية إسلاموية بسحب الجنسية من مرتكبيها أ المتورطين فيها.
منذ سنوات وقضية ارتداء الحجاب في بعض الدول الأوربية تأخذ حيزاً في النقاش الدائر على المستوى السياسي والقانوني والشعبي، وارتداء الحجاب في بلد غربي مثل فرنسا وبلجيكا والدانمرك وهولندا لا تمارسه فقط مسلمات مهاجرات إنما أيضا مسلمات من جنسيات البلاد المذكورة أعلاه. وتصاعدت، في السنوات الأخيرة، حدة النقاش حول هذه المسألة، فمنهم من بنى موقفاً متشدداً بُعيدَ أزمة الرسوم المسيئة التي تفجرت في الدانمرك في العام 2005 وتكرّرت في السنوات اللاحقة، ثم إعادة نشرها مرّاتٍ كثيرة بواسطة الصحيفة الساخرة “شارلي إيبدو” الفرنسية التي تعرضت بدورها لهجوم إرهابي بذريعة رفضه لتلك الرسوم الساخرة، ومنهم من تصاعدت مجادلته لمنع كلّي للحجاب في أماكن العمل والدراسة، في محاولة تقليد الموقف الفرنسي من ارتداء الحجاب في المدارس.
في هذا المقال نحاول التركيز على بعض الخلفيات الدستورية والسياسية للنقاش المتصاعد ووصوله إلى حد قيام سويسرا بإجراء استفتاء على عدم جواز بناء المآذن، وبالرغم من كل التّدخلات الإعلاميّة والسياسيّة الضّاغطة لإقرار قوانين منع الحجاب الذي يردّه البعض إلى ردة فعل على انحدار مستوى النقاش حول تلك المسالة .
الحجاب والسياسة
من الضروري التذكير بأن الدساتير الأوربية في بلجيكا وهولندة والدانمرك على سبيل المثال، الذي يُحتفل به سنويا في يونيو\ حزيران، يمكنه أن يضع النقاط على الحروف إذا ما تمعنا في الفقرة الثالثة من هذا الدستور الذي يقسم السلطات الثلاثة على النحو التالي:
- السلطة التشريعية هي من صلاحية البرلمان
- السلطة القضائية هي من صلاحية المحاكم
- السلطة التنفيذية هي من صلاحية الحكومة الخاضعة للبرلمان
من المعروف أن هولندة وبلجيكا والدانمرك والسويد، ملكيات دستورية لا تملك فيها الأسر الملكية سوى سلطة معنوية وأخلاقية بروتوكولية، تعطي مباركتها لرئيس أو رئيسة الوزراء الذي تشير اليه المشاورات الحزبية بعد كل انتخابات. وبناءا على ذلك الفصل بين السلطات لا يجب أن يخضع النظام القضائي للتأثير أو التدخلات السياسية، والنظام القضائي في تلك الممالك بما فيها المحاكم تخضع وتقاد من قبل مجلس عدلي مستقل تمام الاستقلال.
في ديسمبر\ كانون الثاني من العام 2007، وبعد الجدل المستمر حتى وقتنا الراهن حول مسألة الحجاب، أكد المجلس العدلي المستقل في الدانمرك على التالي ” كل موظف/ موظفة في المحاكم الدانماركية يمكنه/ يمكنها ارتداء غطاء للرأس أو عمامة أو ما شابه من غطاء للرأس لأسباب دينية أو ثقافية طالما أن الوجه ظاهر”.
التأكيد السابق يبدو وكأنه حسم المسألة التي ثارت سياسيا واعلاميا على خلفية انتهاء مسلمة من دراستها للقانون وترفعها الى درجة قاضية، فتدخل السياسة عكس نفسه على صعيد التباين بين موقف المجلس العدلي واتحاد القضاة في الدانمارك، وهو ما يجعل المسألة أكثر تعقيدا مما تبدو عليه نتيجة لتداخل الايديولوجيا بالتفسير السياسي والقانوني لمسائل تساوي المواطنين دون اعتبار للخلفية الدينية او الاثنية لدولة المواطنة، التي كانت ترصد ملايين الدولارات باسم “المبادرة العربية” لدمقرطة المجتمعات العربية، بالرغم من عدم وضوح أفقه او المقصود منه، بينما يتم تجاوز المساواة بين المواطنيين من قبل بعض الساسة اليمينيين.
من الواضح بأن الاستخلاص المهم في ذلك الاختلاف، يكمن في تداخل السياسي بالقضائي، وبدا واضحا بأن المحاكم، ليست في معزل عن التأثير السياسي، رغم النصوص الدستورية التي تمنع هذا التأثير. فالبرلمان الهولندي والفرنسي هو الذي يقرر الاطر العامة لعمل المحاكم من الناحيتين اللوجستية والتشريعية، ومن هذه النافذة يتم تسييس قضية الحجاب أو شكل اللباس الذي يفترض ارتداؤه في المحاكم، حتى في الدخول الى البرلمان كمنتخب من الشعب، وهنا نأخذ موقف وزير التربية والتعليم الفرنسي ميشال بلانكير و معارضته لهذا النص الذي صاغته اماري لوبين في وقت سابق من العام 2019، غداة الهجوم الارهابي على مسجد بايون، وأدانته معظم الطبقة السياسية القانون لم يحظى بفرصة التصويت بنفس الشروط من قبل الجمعية الوطنية التي تهيمن عليها الأغلبية الرئاسية، لكن مسألة الحجاب كانت قد اشتعلت قبل هجون بانون اثر انتقاد حضور مريم بوجيتو نائبة رئيس الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا بجامعة السوربون، لجلسات الجمعية الوطنية وهي ترتدي الحجاب أو اختيارها ممثلة لاتحاد الطلبة .
و نأخذ قضية أخرى ارتبطت بالبرلمانية “أسماء عبد الحميد” في الدانمارك التي نالت أصوات أهّلتها لتصبح عضو احتياط أول عن حزب اللائحة الموحدة اليساري، جرى الإعلان صراحةً، بسبب حجابها، بأنه ليس هناك ما يمنع عضو البرلمان إرتداء ما يراه مناسباً طالما كان “محتشماً” أي بمعنى آخر عدم الدخول الى البرلمان بسروال قصير وما شابه.
لكن وبالرغم من وضوح ما لا يمنعها من اعتلاء منصة الخطابة، إلا أن بعض نواب اليمين من حزب الشعب الدانماركي بزعامة بيا كيرسغوورد أظهروا رغبة ” بمنعها بكل السبل بما فيها استخدام القوة”، وهو أمر لاقى الكثير من الاستهجان والاستغراب من عدد من أعضاء البرلمان من أحزاب اليسار ويسار الوسط ومن قبل رئيس البرلمان.
عنصرية متجذرة
من الخطأ تفسير موجة العداء للحجاب والإسلام، بضغوط أحزاب اليمين فقط، فالمعزوفة العنصرية التي يؤديها، كل من ماري لوبين في فرنسا، وأحزاب اليمين العنصري في كل من ألمانيا وهولندة والدانمارك، ليست وليدة اليوم، لكنها موغلة في الذاكرة الأوربية، كما أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ليست بداية لها ولا ظهور التيارات الإرهابية ” كالقاعدة والنصرة وداعش” وغيرها، وإنما تم إخراجها بشكل متفاعل وحي.
تقول الكاتبة الأمريكية، جون ولاش سكوت، في كتابها “سياسة الحجاب”، إن جذور العنصرية الفرنسية تعود إلى بداية القرن التاسع عشر أي إلى المراحل الأولى لغزو الجزائر في العام 1830 ،فقد وُسمَ العرب والمسلمون، على أنهم شعوب منحطة وغير قادرة على مواكبة التقدم، ولا سبيل لدمجهم ضمن أسلوب الحياة الغربية، لذلك لا يمكن فهم السجال الحاصل عن الحجاب دون الرجوع للخلفيات التاريخية، التي شكل الحجاب فيها الاختلاف الصارخ، الذي لا يسمح بفهم واستيعاب الإسلام ..
فإذا كانت الدولة العمانية “التي تمثلها” فرنسا نموذجا في أوربة، قد وجدت نفسها في مأزق مضاعف، فهذا ينسحب بالطبع على بقية البلدان، التي وجدت نفسها في مواجهة مع الحجاب للحفاظ على الهويات الوطنية في تلك البلدان من “إرهاب الحجاب”، فقد أصبحت العلمانية أداة إيديولوجية في حملة معاداة الإسلام والحجاب، تضيف الكاتبة بأن: فرنسا ترسم خطاً فاصلاً بينها وبين الإسلام باسم العلمانية، وهو ما يعتبر تحريفاً للتاريخ الخاص بالدولة .
تصاعد شعبية أحزاب اليمين العنصري، في المجتمعات الأوربية، هو نتيجة لثقافة عنصرية متجذرة في مجتمعات تجد في الحجاب تهديد قوي لهويتها الثقافية، بحيث بات شعار ” الحجابوفوبيا” يسيطر على المجتمعات الغربية، وعلى أحزاب اليمين المتطرف، لتعود نظرية صدام الحضارات التي نادى بها “صموئيل هنتنغتون” تتفاعل وتتسيّد مواقف أحزاب اليمين، لتحصد مقاعدها الانتخابية في البرلمانات الأوربية. وقد نجح التحريض الأخير للرئيس ماكرون والاجراءات التي اتخذتها فرنسا وهولندة وبلجيكا والدانمارك، من رفض للعادات والتقاليد الإسلامية، في تفخيخ العيش المشترك بين المهاجرين والوافدين من الشرق، مع ما يتملك الأوربيين من عقدة ” الإسلاموفوبيا ” التي ساهمت في انتشارها بروباغندا عربية وغربية كما وصفها نعوم تشومسكي مطولاً في كتابه ” البروباغندا وصناعة العقول “
نعي التعددية الثقافية في المجتمعات الغربية، من خلال بث المخاطر والتنديد بوجود ملايين المهاجرين المسلمين الذين يشكلون “خطراً ” على مستقبل تلك المجتمعات، وتفشي ظاهرة العداء للحجاب، تمثل فيروساً ينتقل بين دول الاتحاد التي تتشدق، بالحرية والديمقراطية والمساواة، بين كل الديانات والأعراق والإثنيات المختلفة، وبمثل هذا وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش هذه القوانين التي “تستهدف الحجاب، بما لا يدع مجالاً للشك، بأنها تجبر النساء اللاتي يرتدين الحجاب على الاختيار بين وظائفهن ومعتقداتهن الدينية”. وتضيف المنظمة: “هذا تمييز ضد المرأة والمعتقد الديني وينتهك الحقوق الإنسانية لهؤلاء النساء”، بحسب المديرة السابقة لقسم أوربا وآسيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش هولي كارتنر: “الزعم بأن هذه القيود غير تمييزية هو زعم واهٍ لا سند له”. وأضافت: “ومن حيث الممارسة، فالإنسانة الوحيدة المتأثرة بالقانون هي المرأة المسلمة التي ترتدي الحجاب”.
من الإسلاموفوبيا إلى الحجاب فوبيا
تبقى الظاهرة اللافتة للنظر في السنوات الأخيرة، تتمثل في توجيه الإهانة العنصرية، للأجانب واللاجئين المنحدرين من دول إسلامية في المجتمعات الغربية، فتدرج تلك الإهانات، من “العربي القذر” إلى “المسلم القذر”، وتعني فيما تعنيه أسلمة الإهانة، وهذا شكل من أشكال “الإسلاموفوبيا “. أما فيما يتعلق بالحجاب، فإن ظاهرة إشاعة الخوف من إرهاب الحجاب الذي يمثل “أصولية” تمثل إسلاماً زائداً عن اللزوم، وهو ما يستوجب الخوف والتمييز العنصري بسن القوانين التي تنسف مبدأ الحريات. إن الإسلاموفوبيا وفوبيا الحجاب، وان كانت تدخل في نطاق المسكوت عنه من حيث أنها تتداخل مع أشكال اخرى من العنصرية والتمييز ضد الأجانب، فان الإشارات الكثيرة الصادرة عمن يقفون وراءها، تجعل من السهل تعريتها، ففي سبعينيات وثمانينات القرن الماضي، كانت السلوكيات العدوانية تنحصر في معاقل المهاجرين، والجمعيات المدافعة عن حقوق الأجانب، بما يدفع للقول بأن رموز الهجرة والمهاجرين هي التي كانت مستهدفة من مختلف أشكال التمييز، أما اليوم وبنفس المنطق الذي يجعلنا نقول إن الحضور الإسلامي هو المستهدف على خلفية مهاجمة المساجد في ” نيوزيلاندا ” والنساء المحجبات في فرنسا وحرق القرآن في الولايات المتحدة. وتمثل حادثة “مروة الشربيني” قبل سنوات في قاعة محكمة ألمانية نموذجا لتفشي ظاهرة “الحجابوفوبيا”، ففي فرنسا على سبيل المثال، عندما يهاجم وزراء في حكومة ماكرون الحجاب، ويصفونه بـ ” التابوت المرعب ” ورمز من رموز “الإهانة”، إنما يتم نقل المعركة من دوائر التشريع القانوني للشارع، بإرسال رسالة واضحة للمجتمع الذي يضم أكثر من ستة ملايين مسلم ينحدرون من 53 دولة ويتحدثون 21 لغة بالإضافة للفرنسية ويمثلون 10% من السكان، وبقدرة تصويتية في الانتخابات تتجاوز 1,1 مليون صوت ويدركون موقعهم في النسيج الاجتماعي الفرنسي .
تحويل المسالة “لخبراء الرعب” من أكاديميين ومثقّفين لتبني الطرح القائل “بأن خطر الحجاب” لا يقل عن خطر الإرهاب الذي تواجهه المجتمعات الأوربية، وخبراء الرعب الذين يحتلون بشكل مبالغ فيه مختلف وسائل الإعلام كلما تعلق الأمر بالإسلام والمسلمين، ويقدمون أنفسهم خبراء ومتخصصين في الشأن الإسلامي، ولا يتعاملون مع الدين الإسلامي باعتباره دينا كباقي الأديان، وإنما كحضارة ينبغي أن تدرس وفق نظرية “صموئيل هنتنغتون” صدام الحضارات، لإشاعة أجواء الرعب والريبة والكراهية، تجاه كل ما له علاقة بالدين الإسلامي. إنه الإسلام إذن ديانة المهاجرين المستوردة والغريبة على الثقافة الفرنسية كما تؤطرها أطروحات الإسلاموفوبيين التي تجد من الفضاء الإعلامي الفرنسي مجالاً شاسعاً لترسيخ رؤيتها الضيقة للإسلام والمسلمين والتي لا تملُّ من تكرار الصور النمطية ذاتها لأناس يرون من ظهورهم وهم يصلون في العراء, تجمعات حاشدة تصرخ وتهدد, نساء محجبات, وجوه ملتحية, أفواه مفتوحة وعيون محملقة..
تلك الصورة، النمطية المستندة “لنزعة استعمارية واستعلائية” التي ترى في المسلمين مجرد “بلهاء” و “رعاع”، حيث تبرز مسؤولية ودور وسائل الإعلام المشبوهة في حمل تلك الصورة ونقلها للشارع. هذه الكراهية تتغذى على أحكام مسبقة وقوالب جاهزة سلبية تمارس غالباً خلط مقصود من جهة بين مفاهيم متعددة:- إسلام، عرب، مسلم، إسلاموي، إرهابي، أصولي..-، وبين ثقافة ودين من جهة أخرى.
إذا كان هذا هو توجه النخب وصنّاع الرأي، في دول الاتحاد الأوربي، فماذا سيكون رأي المواطن العادي الذي تستفزه أزمات البطالة والسكن، والتي تخلق إرباكاً على مستوى حياته اليومية. لقد ساهمت وسائل الإعلام من وجهة نظر فنسنت جايسر” في خلق مناخ إسلاموفوبي من خلال تداوله الممجوج لصورة الإسلاموي الملتحي والإرهابي، حتى مقالات الصحف التي قد تكون في كثير من الأحيان موضوعية فإنها ترفق بهذه الصور النمطية التي من شأنها تكريس الرؤية المرسومة سلفاً التي تسهم أيضا في تحسين مبيعات الصحف الأسبوعية الفرنسية، في وقت تعاني فيه من أزمة قراء، لأن الخوف من الإسلام يسوق بشكل جيد في فرنسا على حد تعبير جايسر. كل هده العوامل تتطلب من المسلمين الفرنسيين ممثلين في جمعياتهم وتنظيماتهم، فتح نقاش واسع مع باقي أطياف المجتمع الفرنسي لإعادة الاعتبار لصورتهم التي لا ينبغي أن تخرج عن إطار كونهم مواطنين كبقية المواطنين الفرنسيين، ولعل من المفارقات التي يسجلها جايسر أنه وبالرغم من وجود مفكرين في العالم العربي والإسلامي (البلدان الأصلية لأغلب مسلمي فرنسا) فإن ظروف النقاش العام واحترام حرية التفكير، ليست موافقة لما هو متوفر في بعض البلدان الغربية وهو ما يؤدي إلى نتيجة هي أن أوربا أصبحت أرضاً[ بيئة] للتفكير الإسلامي.
البحث عن المسؤولية والرد المطلوب
لا تأتي الأشياء اعتباطاً، دون تخطيط لها، وفي سياق الوصول إليها، ينبغي العمل على جبهاتٍ عدة، يقف على رأسها، تحديد مفهوم تغيير الصورة النمطية لصورة الإسلام والمسلمين، وهي مسؤولية جماعية وفردية، تتحملها دول وحكومات وأفراد، تنتمي لتلك الدول التي يقوم بعضها بمهام اليمين المتطرف للأسف، فكّ عرى التحالف بين اليمين المتطرف وبعض الأقلام الغربية والعربية، التي قدمت تشويها للعقل الذي أصيب بتشتت الانتماء وعجز القراءة للحاضر والمستقبل، إلا من خلال نافذة المستبدين أو كوُّات القوى الغربية, وبعض المتطرفين في الدول الأوربية الغربية، التي تم التعامل مع أطروحاتهم العنصرية، بفتح وفرد منصات إعلامية وبرلمانية لتتسيّد المشهد في تلك المجتمعات، وعلى أساسها تم صناعة وصياغة قوانين عنصرية، بعيداً عن دساتير تلك الدول المنادية بحرية الرأي والمعتقد، وبالنفاق والاستهزاء المتعالي كلما تعلق الأمر بالمسلمين والإسلام.
نسمع اليوم، ونقرأ، لتلك النماذج وهي تتصدر الصحف والمواقع الإلكترونية التي تٌكتب بلسانٍ عربيٍّ وغربيٍّ، وتبصق جملاً ملغومةً يتلقفها الغربي، لتنفث سمومها في الجسد العربي. تحريض تمارسه نخب وأنظمة وسلطات عربية تنضم لجبهة الهجوم على معتقدات شعوبها وحضارتها، والمطلوب تحسين صورة الجاليات والمجتمعات المسلمة في الغرب، أمام سيل القوانين العنصرية الجارفة والناسفة لقيم التعايش المشترك،
الذي أوجدت صيغته الدساتير الأوربية التي يتم انتهاكها، من لوبيّات عنصرية ضاغطة باتجاه تعميق الشرخ بين تلك المجتمعات، وهي مسؤولية تقع على عاتق المسلم أولاً، لأنه وحده يستطيع إبراز الصورة الحقيقة للإسلام، كذلك النظر إلى صورة الإسلام المضللة والمنتشرة في وسائل الإعلام الغربية المختلفة، فتضافر الجهود، لوضع إستراتيجية إعلامية طويلة المدى، لتصحيح الصورة المشوهة فالمتأمّل في حال أغلب المجتمعات الغربية الآن، من فوبيا الإسلام والحجاب واللاجئين، والمتأمّل في ذلك من المسلمين يعلم أنّ المهاجرين المسلمين في مأزقٍ كبير، وأنه لابد من تضافر الجهود لإنقاذ صورة المسلم أمام العالم.
والتصدي الأبرز لمحاولة تهميش التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ومواجهة إطلاق الشعارات الاستعلائية والديماغوجية، التي تشكل خطراً يتهدد المجتمعات الديمقراطية لان استمرار الديمقراطية يتأتّى من الحوار المطول وتقريب المسافات بين الشعوب .
أخيراً، افتقاد للمعايير المتعلقة بالأجانب والمسلمين في المجتمعات الأوربية، وفي أحزابها فراغ لا تملأه إلا أحزاب متطرفة تحمل خطاب عنصري يفضح ادعاءاتها المتكررة عن حقوق الإنسان وحريته، التي يتم انتهاكها فوق أراضيها، وتجدر الإشارة إلى أن الخرق المتعمد للدساتير التي لا تنص صراحة على انتهاك حرية العبادة ومنع الحجاب هي بالأساس قفز على القانون الدولي وعلى معاييره المفترضة بحماية كل شخص في حريته في الرأي والتعبير واعتناق الآراء من غير تدخل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :
– فنسنت جايسر Vincent Geisser ” الإسلاموفوبيا الجديدة ” 2003
– الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
– جون ولاش سكوت، “سياسة الحجاب”، دار توبقال للنشر المغرب، ترجمة المصطفى حسوني وحسن أزريزي 2010
-نعوم تشومسكي، ” البروباغندا وصناعة العقول”