تداعيات حرب 2023 – 2024: التشبّث بالوطن: «وإذا رجعتم فلأيّ منفى ترجعون؟»

2024-01-28

ربما يبدو التساؤل الأجدر، الموجه الآن لأهل غزة وربما لأهل الضفة، هو تساؤل محمود درويش في قصيدته «مديح الظل العالي» (1982): «كم مرة ستسافرون؟ وإلى متى ستسافرون؟ ولأيّ حلم؟».
ويبدو أن أهل غزة قرروا التشبث بها، وإفشال خطة إسرائيل بتهجيرهم وتوطينهم خارج فلسطين.. خطتها القديمة الجديدة التي بدأت في العام 1955 بما عرف بـ»مشروع آيزنهاور» وتصدى له الغزيون، وعلى رأسهم الشاعر الغزي الفلسطيني الشيوعي معين بسيسو (ت 1984)، ورفعوا شعار «لا توطين ولا إسكان يا عملاء الأمريكان»، ومن يحب الأدب فيمكن أن يقرأ عن الموضوع في سيرة «دفاتر فلسطينية» لمعين.
كان الفلسطينيون منذ وعد بلفور، بل وقبل ذلك بسنوات، أدركوا الخطر الصهيوني الهادف إلى امتلاك أرض فلسطين وإقامة الوطن القومي اليهودي الصهيوني عليها والتخلص من سكانها، وكان نجيب نصار أول من تنبّه لذلك في العام 1905(ت 1948)، حين قرأ مقالاً عن الصهيونية، وحذر منه بعد سنوات الشاعر سليمان التاجي الفاروقي (1883- 1958)، حين نبّه الخليفة العثماني بقصيدة وجهها إليه، وتوقف أمامه كثيراً شاعر فلسطين الأبرز إبراهيم طوقان (1905 – 1941)، مدركاً أن ما يرمي إليه أعداؤنا هو المحو والإبادة – إن لم ينجح مشروعهم في إجلائنا:
«أجلاء عن البلاد تريدون
فنجلو أم محونا والإزالة»
وأسهم طوقان في حض شعبه على الصمود والبقاء وعدم بيع الأرض:
«يا بائع الأرض! لم تحفل بعاقبة،
أما علمت بأن الخصم خدّاع
فكّر بموتك في أرض نشأت بها،
واحفظ لقبرك أرضاً طولها باع».
وكانت النكبة في العام 1948، واكتشف اللاجئون عمق المأساة وقسوة الحياة في المنافي.
كان غسان كنفاني في روايته «رجال في الشمس» (1063)، وإميل حبيبي في «المتشائل» (1974) وفي مقالاته الأخيرة في «مشارف» وفي وصيته، كان الاثنان ركّزا على أهمية التشبث بالأرض وضرورته، وأن الخطأ الأكبر الذي ارتكبه الفلسطينيون في 1948، الخطأ الذي يرقى لدرجة الخطيئة، هو ترك البلاد.
في صحراء الكويت يتذكر أبو قيس الأستاذ سليم الذي توفي قبل سقوط قريته بليلة واحدة ودفن فيها، فيغبطه على تلك النعمة (كنفاني)، ويختار سعيد المتشائل في ختام رواية حبيبي الجلوس على الخازوق، ويفصح حبيبي نفسه في مقال له، نشره بمجلة «مشارف» في 1996، عن خياره الصحيح وهو البقاء وتفضيل خازوق فلسطين على بقية خوازيق الغربة، وقبل أن يموت يكتب وصيته، وهي أن يدفن في حيفا ويكتب على شاهد قبره «باقٍ في حيفا».
في الفترة التي كتب فيها الروائيان، كتب شعراء فلسطينيون كثر في الأرض المحتلة قصائد عبروا فيها عن تشبثهم بالأرض، وقد كتبت عنها هنا في هذه الزاوية واقتبست منها («الأيام» الفلسطينية، تموز وآب 2017 عن زياد والقاسم وعقل). كما كتب قاصو الأرض المحتلة 1948، مثل توفيق فياض ومحمد نفاع وغيرهما، يدعون إلى البقاء ويذمون حياة المنفى. وربما تعد قصة فياض «الكلب سمور»، من مجموعته «الشارع الأصفر» (1968)، لاذعة جداً بحق أولئك الذين هاجروا ولم يعودوا. إن الكلب سمور لم يطق حياة التشرد والبعد عن القرية، ولذلك عاد ذات صباح إليها، تاركاً صاحبه وأسرته مشردين في الحقول.
جيل الأدباء الفلسطينيين الذي تلا جيل المذكورين وعاش هزيمة حزيران 1967، وترعرع أدبه بعدها، تأثر بالجيل السابق والتزم بما التزم به أكثر الجيل الذي سبقه وسار على خطاه، ودعا مثله إلى الصمود في الأرض والتشبث بالإقامة فيها وعدم مغادرتها.
في العام 1982، أنجزت رسالة ماجستير عن القصة القصيرة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بين 1967 1982، ولاحظت أن التشبث بالأرض والدعوة إلى الصمود والبقاء موضوع رئيس من موضوعاتها، فقد كتب فيه كتاب كثر مثل محمود شقير وجمال بنورة ومحمد أيوب وزكي العيلة وأكرم هنية. هنا يمكن التوقف أمام قصص الأخير التي صدرت بين 1979 1086، وهي عديدة، ويمكن التوقف أمام قصتين منها هما «تلك القرية.. ذلك الصباح»، و»مؤتمر فعاليات القرية يصدر نداء هاماً».
في الأولى وقد ظهرت في مجموعة القاص الأولى «السفينة الأخيرة.. الميناء الأخير» (1979)، يبعث أبو محمود القاسمي من قبره على صوت الجرافات الإسرائيلية وهي تجرف المقبرة باعتبارها أرضاً يهودية يريد الإسرائيليون مصادرتها واستيطانها، ويحتج فهي أرض أهله وقد دفن أجداده كلهم فيها. يلقي الجنود القبض عليه ويبعدونه إلى الأردن، ولكنه يلقي بجسده في نهر الأردن رافضاً المنفى.
وفي الثانية، وقد ظهرت في مجموعة «هزيمة الشاطر حسن»، ترفض الأجنة الخروج من رحم الأمهات ما لم يعد الآباء الذين تركوا أرضهم ووطنهم إلى المنافي، «عودوا» هذا هو ما قرّ عليه مؤتمر فعاليات القرية الفلسطينية.
في العام 1997، زار الشاعر العائد أحمد دحبور فلسطين التي ولد فيها وهجر منها وكان عمره عامين، ولما رآها كتب قصيدة «وردة للناصرة»، وأتى فيها على لعنة الخروج والهجرة في عام النكبة وقال:
«كنت ملفوفاً بعامين من الكرمل والنسناس،
حين انفجرت، في شجر الكينا، الرياح الأربع
ما الذي كان أبي يخشاه حين ارتكبت أخطاؤه فعل السنونو،
ليته قال: اذبحوا طفلي،
ولم يرحل».

المصدر: https://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=167b6554y377185620Y167b6554

عن د.عادل الاسطه

شاهد أيضاً

موضوع السجن في الأدب الفلسطيني قبل العام 1948

في التاسع والعاشر من الشهر الجاري، قدمت ورقة في مؤتمر الرواية في جامعة اليرموك الذي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *