في 3 حزيران 2024 كتب ابن غزة شجاع الصفدي منشورا عنوانه ” خيمة للعزلة ” أتى فيه على فكرة طرأت على ذهن صديق له فحواها إقامة خيمة لخلوة شرعية للأزواج ممن يرغبون في ممارسة علاقتهم الزوجية ، بعيدا عن الخيام المتلاصقة المكتظة بالبشر في مخيمات النزوح الجديدة منذ 7 أكتوبر ، حيث افتقد الناس خصوصياتهم ، فأصبحت أخبارهم على مسمع جيرانهم ، وقبل ذلك على مرأى أبنائهم .
شجاع لم يحتج خيمة للخلوة ، فهذا ما لم يشغله كثيرا ، ولكنه احتاج خيمة للعزلة ، ليفكر في اقتراح صاحبه وما طرأ على ذهنه في هذا الواقع القاسي ، حيث الصراخ والضجيج بين ساكني الخيام ، وهو ” خيمة للعزلة ” ، وغالبا ما احتاج الكتاب إلى حيز خاص بهم يكتبون فيه ، علما بأن سبب تفكيره بخيمة للعزلة يعود إلى ما سمعه من صديقة عبرت عن أمنيتها بالحصول على مكان تسترخي فيه ، فلا يزعجها أحد ولا يلتفت إلى خصوصيتها ، ويعود أيضا إلى ما شاهده في الأسواق وبين الخيام .
عندما قرأت الفكرة التي طرأت على ذهن صديقه كتبت ” أجمل نص قرأته في كتابات كتاب غزة منذ بداية الحرب : المضحك المبكي ” ، وشجاع عقب على اقتراح صديقه بعبارة ” المضحك المؤلم ” .
كانت تعليقات القراء على ما كتبه متفاوتة وحافزا لكتابة حول الكتابة .
مر الأمر الذي لفت نظري من قبل موضوع شبيه له هو وقوف الغزيين طوابير طوابير أمام المراحيض ، وهذا ما كتبت عنه مقال ” مأساة الفلسطيني في حياته اليومية : الحمامات ” ( الأيام 21 / 4 / 2024 ).
في الأسبوعين الأخيرين تحدثت الطبيبة المتخصصة بالصحة الجنسية والإنجابية الغزية إسراء صالح في حوار معها ( عبر بودكاست ) عن تخصيص غرفة في مراكز إيواء اللاجئين الفلسطينيين ، ثم لاحقا خيمة في مخيمات الخيام ، ليقيم – لساعات فيها – الأزواج الراغبون في الإنجاب ، أو الراغبون في ممارسة علاقتهم الحميمة ، أو الأزواج الجدد .
تساءلت إسراء إن كان ثمة خصوصية لهؤلاء ، فالكل في مراكز الإيواء أو في خيمة المخيم يعرفون سبب ذهاب الأزواج إلى الغرفة أو الخيمة .
حديث إسراء كان له صدى كبير تعددت الآراء فيه واختلفت . صدى أوسع بكثير من صدى كتابة شجاع والسبب واضح ومعروف ، فعدد مشاهدي شريط فيديو أو متابعي لقاء تلفازي أضعاف أضعاف القراء .
المقال والحديث استثارا في ذهني حكايا شاهدتها ، أو سمعت عنها ، أو قرأت حولها ، تؤكد ما علقت به قارئة عن الخصوصيات في المخيمات منذ إقامتها بعد العام 1948 ، وهو :
– ومتى كان هناك خصوصيات في مخيمات اللجوء ؟
ربما كان أجدادنا وآباؤنا يخجلون من الخوض في هذا الموضوع في خمسينيات القرن العشرين يوم عاشوا عشر سنوات في المدارس أولا وفي الخيام ثانيا ! ربما خجلوا من قص حكايات بعض شاذين أو شبقين جنسيا يتسللون ليلا إلى خيام مجاورة لخيمتهم ، وأذكر أن أحاديث شباب المخيم لم يكن يخلو من حكايات التلصص على بيوت الجيران والإصغاء إلى ما كان يدور فيها بين الأزواج من أحاديث وما يصدر عنهم من حركات ، وكانت مثل هذه الحكايات تتناقل وتشيع وتنتشر بسرعة . لقد كانت موضوعا متداولا محببا . لم تكن الخيمة تستر ولا كانت غرف الوكالة أيضا تخفي ، فشبابيكها وأبوابها كانت من ألواح خشب بينها فراغات تمكن أحيانا من الرؤية ، وما أكثر الأشقياء والفضوليين والمرضى نفسيا !
فيما كتبه الشاعر أحمد دحبور بعنوان ” فصول من سيرة ذاتية ” ، عن مكان إقامتهم بعد النكبة ، ما يخبرنا عن انتفاء أي خصوصية للاجئين . يحكي أحمد عن الثكنة التي أقاموا فيها والغرفة التي كانت من نصيب عائلته ، فلما تزوج أخوه الكبير مصطفى قسمت أمه الغرفة بالبطانيات إلى شطرين .
السؤال عن مكان لعريسين فلسطينيين يقضيان فيه ليلة الدخلة ألح على محمود درويش بعد الشتات الفلسطيني إثر الخروج من بيروت حيث فقد الفلسطينيون خيمتهم الأخيرة ” بيروت خيمتنا الأخيرة ” . في قصيدة ” مطار أثينا ” 1983 نقرأ :
” في مطار أثينا انتظرنا سنينا . تزوج شاب فتاة ولم يجدا غرفة للزواج السريع . تساءل : أين أفض بكارتها ؟ فضحكنا وقلنا له : يا فتى ، لا مكان لهذا السؤال ” .
وتعد رواية سامية عيسى ” حليب التين ” أشمل نص أدبي فلسطيني أتى على افتقاد الفلسطيني خصوصيته ، بل واجرأ ما كتب في هذا . يتزوج الفدائي ويقيم مع عائلته والسكن ضيق ، فكيف له أن يمارس حياته ؟
المقطع الآتي غيض من فيض في الرواية : ” بعدما تزوجا صارت [ الأم ] تفسح لهما الوقت والمكان في النهار لكي يفعلا ما لم يستطيعاه بقربها في الليل . كان أيضا يفرغ في أحشائها على عجل أو هي تدعه يفعل خشية أن تباغتهما فاطمة [الأم ] أو ضوضاء التفاصيل التي تجري وراء باب الغرفة أو على الطرف الآخر من جدارها ” .
والطرف الآخر من جدارها تشير إلى تلاصق بيوت المخيم حيث يسمع الجار كل ما يقال في بيت جاره .
الكاتب الغزي يسري الغول في منشور كتبه في 8 / 9 / 2024 لا يروق له أن يجعل من الأمر قضية ، وإن كان لا بد من مناقشته فليناقش لفضح الاحتلال ويقول إنه قاربه في عمله ” ملابس تنجو بأعجوبة ” .
عندما تعود بي الذاكرة إلى مسلسلات شاهدتها قاربت حياة البدو ، منذ الجاهلية إلى عصرنا ، فإن ” خيمة الخلوة ” للعريسين كانت معروفة ، إنما ما يختلف الآن هو قربها بسبب الحرب .