“الزنجي كسول وكاذب والحضارة تفسده”.. كما قدمته “حضارة الدنمارك”
في نهايات القرن الثامن عشر، وحتى نهايات القرن التاسع عشر، كانت الحياة الأدبية الدنماركية، نصوصا، بمن فيهم الأديب القاص والروائي هانس كريستيان أندرسن، وفنون ممارسة (كعرض تيفولي كوبنهاغن للعبيد السود كحيوانات متاح للجمهور التفرج عليهم)، منشغلون بقضايا ” التفوق العرقي الأبيض” والعنصرية، التي رفضها أندرسن، لأسباب تخص علاقة مستعمرات كوبنهاغن السابقة، والتي سميت “جزر الهند الدنماركية الغربية” والتي تسمى بالدنماركية Dansk Vestindien, De Vestindiske Øer أو de danske Jomfruøer في الكاريبي(اشترتها أميركا من كوبنهاغن بمن عليها).
مراجعة ثقافة تلك الأيام، كتابة وممارسة، حتى بدايات القرن العشرين، تظهر تقديم السود والملونين بطريقة عنصرية ونمطية، أسست بشكل عام لثقافة غربية أوروبية تتوهم الاستعلاء العرقي، وأفضلية البيض على غيرهم.
جذور ثقافة العنصرية
أحد مشتركات جذور العنصرية، وتحديدا حول السود والعبيد بشكل أخص، أن يقدم هؤلاء على شكل منحط غير مستحقين لمساواتهم بالبشر. في عام 1894 كان صحافي دنماركي شهير، هنريك كافلينغ (Henrik Cavling) من صحيفة بوليتيكن يرسل تقاريره من المستعمرة، مع بعض رسوم توضيحية.
وهذا الصحافي اشترى بالمناسبة طفلا أسوداً بدولارين، من جزيرة سانت توماس، كعبد له رغم أن العبودية رسميا كانت على الورق انتهت، وأخذه معه إلى كوبنهاغن ليخدمه ويوزع صحيفة بوليتيكن، ورمى به مرة أخرى إلى الهند الغربية عند أول مشكلة واجهته.
عن الملون “الكسول والتافه”
وهنا ترجمة شخصية لأحد نصوص كافلينغ عن السود والملونين ” الزنجي كسول للغاية، كسول لدرجة أنه لا يكلف نفسه عناء إبعاد ذبابة حطت على أنفه، إنه تافه للغاية، ولا يفكر في اليوم التالي، رغم أنه يفتقر إلى الخبز، إنه يكذب على البيض ويتفاخر بنفسه، الحضارة تفسده”.
في عام 1894 ، أرسل الصحفي الشهير في بوليتيكن هنريك كافلينج مجموعة من الرسائل مع الرسوم التوضيحية لرسام الكاريكاتير ألفريد شميدت بعنوان “جزر الهند الغربية الدنماركية”. انتقد هنريك كافلينج الإدارة الإسكندنافية القديمة للجزر وأبدى تعاطفاً مع الدنماركيين الذين اضطروا للخدمة في ظل النظام، في المقابل ، لم يكن لديه أي تعاطف مع السود والملونين. كتب، من بين أمور أخرى: “الزنجي كسول للغاية ، كسول للغاية لدرجة أنه لا يكلف نفسه عناء ضرب ذبابة تجسس من أنفه. إنه تافه للغاية ولا يفكر أبدًا في اليوم التالي ، رغم أنه يفتقر إلى الخبز. إنه كاذب للبيض ومفاخر بمفرده. الحضارة تفسده “.
ذلك الاقتباس من هنريك كافلينغ، الذي نشر من بين أشياء كثيرة منحطة عن الآخرين، تستدعي التفكير مليا بمدى حقارة ووضاعة العنصريين، هؤلاء استعبدوا البشر ونقلوهم من أفريقيا لخدمتهم والعمل في مزارع احتلوها في أراض تبعد عن بلادهم، ورغم ذلك يريد من هؤلاء العبيد أن يكونوا كالآلات في خدمة “الأسياد” تحت ضرب السياط والتعذيب. الصورة عن كسل غير البيض، في سياق العبودية، للأسف أمر مترسب في عقليات عنصريي دنمارك 2021.
فحتى اليوم هذه العجرفة، وهذا الاستعلاء الفارغ عند جماعات اليوم، كما في بعض الأحزاب السياسية، مثل حزب الشعب الدنماركي والبرجوازية الجديدة، وشخصيات سياسية أخرى في معسكر الليبراليين، تنضح بذات الكلام وتحت سقف برلمان الديمقراطية وعلى صفحاتهم الرسمية وفي وسائل التواصل والإعلام.
وبالتالي، تحويل العنصرية إلى ثقافة عامة، بالتقوقع على الذات الإثنية، لم تتوقف بانتهاء عصر الاستعمار والعبودية، بل تستمر في تربية خلف جدران المنازل والشقق، لتنعكس بتصريحات منحطة تحت مسمى حرية التعبير، كأن يقال “مستحيل على من هو من أصل غير غربي أن يتحضر ويصبح دنماركيا مندمجا”، فمفهوم التحضر، وهو ما ينطبق على معسكر واسع من فاشيي وعنصريي القارة، مفهوم غير ملتبس عند هؤلاء في زمننا الحاضر، أن يكون فيها غير الأبيض دونياً لمصلحة “التسيُّد الأبيض”.
كثيرون انصهروا وذابت هويتهم، ومن بينهم يهود الدنمارك الذين منعت عنهم حقوق المواطنة حتى قبل هتلر بمائة سنة، ورغم ذلك، تحت قشور “التحضر”، ثمة احتقار لهؤلاء، وإن استخدموا أحينا كأدوات وظيفية في وجه مسلمي البلد.
الجدل حول الختان والذبح وفق الشريعة اليهودية، (والمقصود أكثر استهداف مسلمي البلد كجعلهم بشكل دائم تحت المطرقة) بقصد منعهما بتشريعات برلمانية، يؤشر إلى أنه مهما كان الانصهار وإظهار الأغلبية قبول هؤلاء، فما يزال في العقل الباطني للتربية القومية العنصرية رواسبها الثقافية، التي هي بالمناسبة لا تكلف الدنمارك ولا ألمانيا ولا فرنسا وهولندا وحدها أثمان تدميرية، بل كل القارة تعيش مرحلة شيخوخة حضارية تسير بإصرار عجيب على إنكار وجود مشكلة عنصرية وتمييز نحو هاوية سحيقة. وما لم تراجع أوروبا هراء عنصريتها ومد جماعات النازيين والفاشيين بغذاء الشعارات الانتهازية من سياسيين تقليديين فالأمور ستظل تتدحرج أكثر فأكثر نحو محصلة انتحار ذاتي، لا أكثر ولا أقل.