حوار مع يوسف اليوسف: لجأت إلى نار “الشيخ الأكبر” هربا من برداء الوجوديين

استهلال

يعيد مركز الجرمق للدراسات نشر  الأستاذ حسام الدين محمد مع  الناقد الراحل يوسف اليوسف، والذي بعود للعام  1994، و يتضمن تلخيصا لتوجهاته الفكرية  في ذلك الوقت، ونظراً للأهمية التي تتمتع بها أطروحات الراحل على الصعيد الفكري والأدبي النقدي يتطلع مركز الجرمق إلى الفائدة المرجوة  للقراء والمهتمين بقضايا الابداع الشعري والنقدي ليوسف اليوسف من اعادة النشر.

“حديث رينان عن حضارة الساميين المخصية يتجاهل دور الأبجدية الفينيقية في استيلاد حضارة الإغريق

يوسف سامي اليوسف: لجأت إلى نار “الشيخ الأكبر” هربا من برداء الوجوديين!

اجرى  الحوار : الأستاذ حسام الدين محمد – كاتب وصحفي سوري ، من أسرة القدس العربي ونشر في شباط 1994

هيئة التحرير

……

يوسف اليوسف ناقد فلسطيني انشغل طويلا بقضايا الإبداع الشعري والقصصي وله أكثر من كتاب في هذا المجال، كما أسهم في تقديم ترجمات قيمة عن اللغة الإنكليزية. يستعرض اليوسف في هذا الحوار جوانب من نظراته النقدية بخصوص الشعر والصوفية والعلاقة بينهما إضافة إلى مفاهيمه النقدية عموما. أجريت الحوار، حينها، من نيقوسيا، عاصمة قبرص، وكان هو في مخيم اليرموك بدمشق، ولأن ذاكرتي لم تسعفني في تذكر كيف حصل ذلك، فالأغلب أنه تم عبر مكاتبات جرت بيننا حينها، عبر أصدقاء مشتركين، لأن وسائل الاتصال الأخرى كانت صعبة ومكلفة.

  • حكم القيمة الذي طبع نقدنا القديم، كأن يقال: هذا أشعر العرب، أو هذا أهجى بيت… إلى أخر هذا السياق، ما زال يستمر بشكل أو آخر في نقدنا الأدبي، ومن المعروف عنكم التمسك بحكم القيمة والمعيارية في النقد: كيف يمكن الوصول إلى نقد موضوعي من دون التخلي عن المعيارية التي تحدد جمال أو سوء شعر ما؟
  • أنا بدوري أسأل: لماذا تطرحون الموضوعية وكأنها تتعارض مع المعيارية؟

ثم أليس مما هو بسيط فعلا أن الذات البشرية تقوم برد فعل، إيجابي أو سلبي، تجاه هذه الظاهرة الموضوعية أو تلك؟ وهل المعيارية تتلخص في أن يقال: هذا أشعر العرب، أو هذا أهجى بيت قالته العرب؟ أؤكد لكم أن مثل هذه الأحكام قد خرجت من النقد الأدبي التراثي تماما حين ابتدأ هذا النقد في أواسط القرن التاسع الميلادي. خذ مثلا، ناقدا كالجرجاني، أو كابن رشيق، هل تجد لدى أي منهما أحكاما معيارية كهذه الأحكام؟

وأيا ما كان هذا الشأن، فإن ما يوجب المعيارية ويجعلها حاجة ملحة في الزمن الراهن هو حالة التنسيب والارتخاء التي أصابت الكتابة الأدبية في العالم العربي الراهن. ولئن ظلت الأمور على ما هي عليه فإن وضع الكتابة الأدبية سوف يتحول من الأسوأ إلى الأشد سوءا، الأمر الذي من شأنه أن يحتم نمو النزعة المعيارية كوسيلة إنقاذ. ففي اعتقادي أن المعياري نافع تماما في هذه الأيام التي تشهد طغيان الكتابة الصحافية، وهي الكتابة التي تحاول أن تكون بديلا عن النص الأدبي العظيم.

ثم إن النقد الموضوعي لا يتعارض البتة مع الجنوح المعياري لدى الناقد الأصيل. والأهم من ذلك أن النقد الأدبي ليس علما كالفيزياء والهندسة، وبالتالي فهو لا يستطيع أن يكون موضوعيا إلا على نحو نسبي، وما من ناقد أدبي في التاريخ البشري كله إلا وله بعض الخصائص الشخصية التي تمنعه من أن يكون موضوعيا على نحو غير نسبي، والحقيقة أن هذه الخصائص الذاتية هي التي تجعل هذا الناقد أكبر من ذاك الناقد أو أصغر.

فما كان لأرسطو، مثلا، أن يكون أعظم النقاد في العصور الكلاسيكية إلا بفضل نزوعه الفلسفي، أو خاصيته الفكرية العميقة، وما كان لعبد القاهر الجرجاني أن يكون أعظم ناقد تراثي إلا بفضل خاصيته الجمالية وذائقته الرفيعة ونزوعه نحو فرز الجيد من الرديء.

  • تحاول دائما الخوض في جوانب معرفية وتاريخية ملقيا عليها الضوء بشكل يجعلك رائدا من رواد الحفر الحديث في تاريخنا الثقافي. سنحاول سؤالك عن أهم ما يشغلنا في كشوفك المعرفية، وأول جانب أود السؤال عنه هو العلاقة العميقة للصوفية بالشعر العظيم. هل يمكن أن تضيء لنا على هذه الناحية؟
  • إن أهم ما يميز النص الصوفي نفسه، بل الخطاب الصوفي بوجه عام، أنه شديد الشبه بالشعر. ما الذي يشغل بال الصوفي بالدرجة الأولى هو الاستسرار. أقصد أن الصوفي يتعامل مع الكون الموضوعي كما لو أنه سر عظيم كبير معطى للبصر قبل البصيرة. إنه ظاهرة يكتنفها غموض لا يملك الذهن البشري أن يفك رموزها كما يحل مسألة من مسائل الحساب أو الجبر، وما دام الأمر كذلك، أليس من الصواب أن يجد المرء نوعا من القاسم المشترك بين الصوفي والشعر؟ وهل نجافي الحقيقة إذا ما ذهبت على أن كل شاهر هو صوفي بشكل أو بآخر، وأن كل صوفي هو شاعر، إلى هذا الحد أو ذاك.

ثم إن الصوفية أهل أذواق ومواجد. أناس يعيشون حالات وجدانية، أو جوانية، لا يعيش مثلها إلا الشعراء، بل إلا كبار الشعراء وحدهم، وهذا قاسم مشترك آخر.

أضف إلى ذلك أن الصوفية قوم يعنون باللغة عناية قل نظيرها. يقول ابن عربي: “لولا الكلام لكنا اليوم في عدم”. هل تتخيل وجود إنسانية ما بدون لغة؟ ثم أليس الشاعر هو الصانع الأرقى للكلام؟ من الذي يتكلم لغة كلغة الشاعر؟ أليس الشعر إلا نقل اللغة إلى أفق شديد الترقي؟ من أهم سمات هذه الانتقالة أن تخلص اللغة من “المياومة” بل يحيلها إلى غاية في ذاتها.

إن ما هو مشترك بين الصوفي والشاعر ينداح فوق مساحة شاسعة ولا أدل على ذلك أن معظم الصوفيين الكبار قد كانوا شعراء كالحلاج، السهروردي، ابن عربي، ابن الفارض، وهذه بعض الأمثلة وحسب، وهذا يعني ان العلاقة شديدة المتانة بين الشعر والصوفية، الأمر الذي من شأنه أن يوحي للناقد بأن في مقدوره أن يوظف شطرا من محاور الصوفية وميادينها الكبرى في النقد الأدبي.

  • كتبت يوما عن آراء ونظريات تقول بوجود سرقة وهضم مبرمج – إذا جاز القول – من قبل الإغريق ومفكريهم المشهورين لعلوم الشرق القديم وفنونه وأفكاره، هل يمكننا استعادة أهم التفاصيل المتعلقة بهذا الشأن؟
  • أعتقد أن الحضارة البشرية هي جسد واحد ينمو على مراحل، وأقدم مرحلة للحضارة التاريخية العالية هي مرحلة الشرق القديم، أما المرحلة الثانية فهي المرحلة اليونانية والرومانية، ومثلما تأتي المراهقة من الطفولة، أو مثلما يأتي الشباب من المراهقة، فلابد للحضارة اليونانية من ان تكون قد جاءت كطور انبثق من طور سابق، غذ لا يمكن لأية حضارة تاريخية ان تبدأ من الصفر ابدا.

والمعلوم أن عددا كبيرا من المفكرين الغربيين، قد أنكروا انبثاق اليونان من الشرق، وتحدثوا عن المعجزة اليونانية، التي لا أراها إلا خرافة وحسب وإن دلت هذه المقولة على شيء فإنها تدل على أنانية الإنسان الأوروبي الذي ما عاد يؤمن إلا بأوروبا القديمة والحديثة، وإلا بحضارة أوروبا ونمط وجودها. ولقد تطرف بعض المفكرين الأوروبيين إلى حد توجيه الإهانة إلى الشرق، فزعم رينان، مثلا، أن الحضارة السامية هي “حضارة مخصية”. ولا أدري كيف سمح رينان لنفسه أن يتجاهل الدور الجبار الذي قامت به السفينة الفينيقية في استيلاد الحضارة اليونانية فالجميع يعلم أن الفينيقيين قد اكتشفوا الأبجدية، الأمر الذي ما كان يمكن للفلسفة والأدب أن يتطورا إلى مستوى رفيع قبل إنجازه. والجميع يعلم أن الورق هو مادة قدمتها الصين للبشرية. ترى هل كان في ميسور أفلاطون وأرسطو أن يكتبا ما كتباه قبل أن تنشر الصين الورق في العالم كله بعد القرن الثامن قبل الميلاد؟ ثم من الذي نقل الورق إلى اليونان؟ إنها السفينة الفينيقية.

والأهم من ذلك أن الكتب اليونانية واللاتينية القديمة نفسها تحدثنا عن سير الفلاسفة الإغريق وعن رحلاتهم إلى الشرق، فتقول مثلا بأن طاليس قد درس في مصر، وأن فيثاغورس قد عاش زهاء عشرين سنة في بابل، وأن أفلاطون كان يعمل في التجارة بين مصر واليونان. وثمة الكثير من الأخبار الأخرى المماثلة. أليس من شأن هذه الأخبار كلها أن تعني أي شيء على الإطلاق؟

إن المجال لا يتسع ههنا للخوض المطول في هذه المسألة المعقدة التي يحتاج حلها إلى مجلدات كبيرة، وآمل أن أتمكن ذات يوم من تقديم شيء ما في هذا المضمار.

  • وسؤال شخصي إلى حد ما عن العلاقة العميقة التي تضمك مع الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي؟
  • لم يكن ضريح الشيخ محيي الدين، وهو ضريح مشهور في دمشق، ليعني أيما شيء في نظري حين كنت في الطفولة والمراهقة وصدر الشباب. وكثيرا ما سمعت بعض المحافظين يشتمون الشيخ ويتهمونه بالزندقة والمروق من الدين. وذات يوم قيض لي أن أقرأ “ترجمان الأشواق”، فراقني هذا الديوان كثيرا وأعجبتني فيه نزعته الإنسانية الشمولية التي عبر عنها في إحدى قصائده التي يقول فيها بأن قلبه قد صار قابلا كل صورة، وأن دينه هو دين الحب الذي يميل الشيخ ويتوجه باتجاهه أينما اتجه. وقد سبق لي أن قرأت ديوان ابن الفارض ولاحظت أن بين الديوانين وجه شبه عميق يتلخص في أن كليهما يطلب ما لا ينال أبدا، وأنهما معا ينبثقان من وجدان واحد هو نازع الحنين المدمق الرقيق.

وحين بلغت الثلاثين من عمري، أو في عام 1968، وقعت على كتاب “رسائل ابن عربي”، ثم أخذت أبحث عن بقية مؤلفاته فعثرت على “فصوص الحكم” الذي يشرح فيه مؤلفه سبب صدور الكون عن الخالق، والذي يرسخ فيه نزعته الإنسانية على نحو لم تألفه الثقافة العربية من قبل.

بيد أنني لم أحصل على “الفتوحات المكية” إلا يوم بلغت الأربعين، أي عام 1978، فوجدت نفسي أمام واحد من أعظم الكتب التي أنشأتها اللغة العربية، وإني لأخص المجلد الثاني من هذا الكتاب النادر بشديد الإعجاب.

يحاول الشيخ في هذا الكتاب أن يجيب عن هذا السؤال: لماذا خلق الإنسان؟ والجواب عنده أن الإنسان ما وجد إلا لكي يعرف الله ولكن الشيخ دوما يناقض نفسه، وربما كانت هذه هي مأثرته، غذ لعل نقضه لنفسه أن يدل على شدة ثرائه الداخلي، وكذلك على تعدد أصواته ووجوهه، وهذه سمة من سمات الشخصية الدرامية، فهو قول لك في المجلد الرابع من الفتوحات: “فما رأيت إلا الحيرة…” ثم يضيف: “فإن الطرق كلها قد تشوشت فصارت الحيرة مركزا إليها ينتهي النظر…”. وقد جاء في الفصل الأول قوله: “فالهدى أن يهتدي المرء إلى الحيرة، فيعلم أن الأمر حيرة…”.

إذا كان الأمر حيرة فإن الشيخ لا يعرف لماذا خلق الإنسان.

والمعروف أن الوجوديين قد بحثوا في أمر الإنسان وانتهوا إلى أنه “هوى لا جدوى منه”. وفي نظري الشخصي أن حيرة الشيخ أرقى من هذا الجواب الواضح المحسوم الذي قدمه الوجوديون. وما ذاك إلا لأن جوابهم ترميد للإنسان وإطفاء لشعلة روحه، أما حيرة الشيخ فهي خلاقة تماما، وذلك كما جاء في الفصل الأول: “فالحيرة قلق وحركة. والحركة حياة، فلا سكون، فلا موت، وجود فلا عدم”. إن “الأبواب الموصدة” هي واحدة من أشهر مقولات سارتر (الذي تربى جيلنا على تراثه)، وههنا أقدمت الوجودية على إغلاق جميع الدروب في وجه البشر، أما الصوفية فقد تركت الباب مواربا. لا هو بالمغلق ولا بالمفتوح. لأن كلا الأمرين حسم وإنهاء، وبالتالي سكون أو ركود. ولهذا فإن حيرة الصوفية وميلها إلى التعامل مع الغموض الذي يكنف الأشياء، من شأنه أن يجعل الذهن البشري في حالة استنفار دائم وحيوية متجددة.

وهذا يعني أن الشيخ الأكبر قد كان مهموما بهمّ الحقيقة على الدوام، ويتحمل أعباءها الباهظة ويجاهد من داخله ليحيط بها ويميط اللثام عن أسرارها. إن هذا الهم هو ما جعلني أحب الشيخ إلى حد بعيد. أضف إلى ذلك عمقه الغوري وذوقه النبيل وقلقه الإنساني الجذاب. وإذا ما أردنا اختزال فلسفة الشيخ في أبسط فكرة ممكنة لقلنا إن الحقيقة لم تعط للذهن البشري على نحو فوري، الأمر الذي يحتم الكد المضني في سبيل تحصيلها.

ولا أظن أن الثقافة العربية قد أطلقت اسم “الشيخ الأكبر” على ابن عربي عن طريق الصدفة، فلقد سبق لها أن أسمت ابن سينا باسم “الشيخ الرئيس” وهو اسم يستحقه بالفعل، ولكنها رأت، بعد ذلك، أن ابن عربي أكبر من ابن سينا، الذي يتعامل مع مقولات الذهن التجريدية، بينما يفضل الشرق أن يبحث في كنه الذات وفي أسرار الوجود، فكلمة “الأكبر” تتضمن على نحو مكتوم أن رتبة ابن سينا أقل من رتبة ابن عربي.

وعلى أي حال، فإن هذه الفكرة لا تعدو كونها ضربا من التخمين.

وبإيجاز لقد التجأت إلى نار الشيخ الأكبر هربا من برداء الوجوديين.

  • أنت صاحب منهج متميز في النقد الأدبي. هل تستطيع أن تلخص لنا الأفكار الرئيسية لهذا المنهج؟
  • في تقديري أنه ما من منهج ثابت على الدوام، بيد أن ثمة بعض العناصر التي يكثر حضورها في هذا المنهج أو ذاك. ولئن أردت أن ألخص العناصر الثابتة في منهجي لحصرتها في النقاط التالية:
  • الشمولية: أقصد النظر إلى النص من جوانبه كافة، بمعنى أن يبين المنهج ما في النص الأدبي من قوى لغوية وتاريخية ونفسية وفلسفية الخ…
  • الكشف: أي أن يكون الناقد الأدبي رائيا، فطينا بحيث يرى ما لا يرى للوهلة الأولى، وأن يربط العناصر بعضها ببعض. ولو أنها تبدو في الظاهر وكأنها غير مترابطة. إن النقد الأدبي هو استنفار مضمرات النص.
  • جعل النص النقدي عملا فكريا قريبا من الفلسفة، أو الفلسفة الذاتية حصرا، وبالتالي تزويد الفاعلية النقدية بطاقم واسع من المصطلحات الضرورية التي تجعل من تلك الفاعلية ضربا من ضروب التخصص.
  • الذائقة: وههنا يتوجب على المنهج أن يكشف عما في النص من مواطن جمالية تؤسس حكم القيمة الإيجابي، وأهم ما ينبغي كشفه في هذا المجال هو ذلك العنصر الوجداني الأصلي، ولا سيما العنصر المكابد، أو حتى العنصر الفاجع المألوم.

وهذا ليس كل شيء، بل فقط أهم ما في الأمر.

  • تحاول التركيز في تعاملك مع النص على مسألة الذوق، وكون الذوق، في النهاية، عاملا ذاتيا، ألا يمكن أن يؤثر ذلك على موضوعية النقد ليصبح نوعا من الانطباعية؟
  • لو توقف المنهج عند الذوق وحده، لصح ما تقول، ولتحول النقد إلى عملية انطباعية ساذجة، تشبه قراءة الأطفال والمراهقين. أما وأن المنهج ينزع إلى الشمولية والعمق والاستبار والاستيعاء الكلي فإن الموضوعية النسبية (لا المطلقة) سوف تظل مصونة طبعا.

إن من الضروري أن يشدد الناقد الأدبي على الذائقة والوجدان الداخلي. وما ذاك إلا لأن النص الأدبي ما كتب إلا ليؤثر ويمتع، وهو لا يمتع إلا بما يحتويه من عناصر ذوقية وجوانبة.

واسمح لي أن أسألك، من الذي يقرأ الإلياذة ليتعلم فن الحرب؟ من الذي يقرأ رواية ليتعلم قيادة السيارات؟ من ذا الذي يذهب إلى المسرح ليتعلم مهنة من المهن؟ من الذي قرأ المتنبي ليدرس تاريخ حلب في عصر سيف الدولة؟ إن النص الأدبي يكتب ليذاق، وإن كانت له أغراض أخرى كثيرة، بالإضافة إلى ذلك.

ولعلي لا أبالغ إذا ما قلت بأن النص الأدبي يخفق حين لا يرضي الذائقة، بل إنه لم يخفق إلا لأنه لم يرض الذوق البشري المصقول. إن للنص الأدبي الرفيع المستوى نشوة، بل له أخذة. أقصد يحملك ويأخذك إلى البعيد، أو ربما يغوص بك في أعماقك الخاصة بحيث لا يأخذك إلا إلى نفسك حصرا.

  • هل تطّلع على شعر الشباب، وهل لديك ملاحظات في هذا الخصوص تفيد كتبة الشعر؟
  • إنني أطلع على شعر الشباب دوما. وكما هو الحال في كل زمان ومكان، ثمة من هم شعراء بالأصالة، وثمة من هم شعراء زائفون، والزائفون أكثر من الأصلاء، إذ الطبيعة لا تجود بالنفيس إلا نادرا.

أما أهم الملاحظات التي يمكن أن أقدمها للشعراء الشباب فهي:

  • عليهم أن يوسعوا دائرة معارفهم، ولا سيما اطلاعهم على تراث الإنسانية الشعري.
  • عليهم أن يهتموا باللغة، فالشعر في نظري هو اللغة المحض. أقصد أنه اللغة وقد صارت لذاتها ومن أجل ذاتها.
  • عليهم أن يقللوا من الغموض، وألا يهبطوا في الوقت نفسه إلى التسطح الشبيه بالفراغ.
  • وبإيجاز، عليهم أن ينتجوا الجميل أو الأخاذ.
  • شعراء تفضلهم وترجع إليهم في عزلتك؟
  • أما في التراث العربي فأفضل: ابن الفارض، وابن عربي، والمتنبي، والمعري وأبا تمام. أما في التراث الأوروبي فأفضل: دانتي وشكسبير وغوته وبودلير، وإن شئت مزيداً من التلخيص فإنني أفضل ابن الفارض والمعري ودانتي وشكسبير.

عن حسام الدين محمد

شاهد أيضاً

موضوع السجن في الأدب الفلسطيني قبل العام 1948

في التاسع والعاشر من الشهر الجاري، قدمت ورقة في مؤتمر الرواية في جامعة اليرموك الذي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *