رونيت لينتين
ترجمة: محمود الصباغ
استهلال
تتعامل هذه المقالة بتوجهات نقدية للمنظومة العرقية/العنصرية الإسرائيلية الاستيطانية الاستعمارية في فلسطين باعتبارها حالة استثناء أغامبينية [نسبة إلى الفيلسوف السياسي الإيطالي جورجيو أغامبين ومقولته حول حالة الاستثناء]. فتبدأ في تحديد أسلوب إسرائيل في توسع قوانينها للسيطرة وحكم فلسطين المحتلة جميعها [ أي فلسطين الانتدابية] بينما تستثني نفسها ومواطنيها اليهود المستعمِرين من هذه القوانين وإفرازاتها من أدوات قهر واحتلال وحصار تأخذ الصبغة القانونية، لتضع نفسها فوق القانون المحلي والدولي وخارجه، فيما يتعلق بتعاملها مع الفلسطينيين؛ ويُنظر إلى إسرائيل في هذه الحالة كمثال مدرسي نموذجي عن حالة الاستثناء والدولة العرقية العنصرية، والمستعمرة الاستيطانية. تسعى المقالة، في قسمها الثاني، إلى إعادة الاعتبار لمقولة “العرق” بعد أن بات الحديث عنها “مخجلاً” توعا ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي لا ترى في مقولة “الإثنية” بديلاً مناسباً للعرق لتوضيح الكثير من مقولات الاجتماع السياسي، لاسيما عندما نتناول بالنقد مظاهر متنوعة من الاستعمار والاستيطان والتمييز العرقي والتراتبية الاجتماعية والاستعباد… إلخ. ولذلك تتبنى المقالة مفهوم العرق وتضعه في صميم تحليلها لتجمع المستعمرين الصهاينة في فلسطين، بما يشمل ذلك نظرية العنف السياسي كعملية اجتماعية-سياسية للتمايز والتراتبية التي تفرق بين ما هو إنساني وما هو غير إنساني تماماً وما هو لاإنساني، وهي الفروقات التي تستخدمها إسرائيل لنزع الصفة الإنسانية وإضفاء العرقنة العنصرية racializing على الفلسطينيين.
بقي القول أن الباحثة رونيت لينتين تحمل الجنسية الإيرلندية/ الإسرائيلية وعملت كأستاذة مشاركة في قسم العلوم الاجتماعية في كلية ترينيتي -دبلن حتى تقاعدها في العام 2014، وساهمت بالعديد من بحوث الاجتماع السياسي المتعلقة بالعرق والإثنية والصراع أثناء إدارته قسم العلوم الاجتماعية ما بين 1997 و2012، ولها العديد من الدراسات المتعلقة بالصراع في فلسطين والقصية الفلسطينية والاستعمار الصهيوني والنزعة العرقية والهجرة في إيرلندة، فضلاً عن دراسات أخرى عن الجندر والإبادات الجماعية والهولوكوست. وهي من أنشط المناصرين للقصية الفلسطينية ومدافعة شرسة عن حق عودة اللاجئين وتؤيد مقترح “الدولة الواحدة” كحل نهائي للمسألة الفلسطينية وإنهاء الحالة الاستعمارية الصهيونية هناك.
مقدمة
في 26 شباط 2016، وافق الصحفي الفلسطيني محمد القيق البالغ من العمر 33 عاماً، على إنهاء إضرابه عن الطعام الذي استمر لمدة 94 يوماً منذ تشرين الثاني 2015 احتجاجاً على اعتقاله إدارياً، رغم رفضه المبدئي للعرض الإسرائيلي بتعليق اعتقاله الإداري مؤقتاً واستئناف محاكمته ريثما تتحسن حالته الصحية، وأتى رفضه بناء على عدم تضمن العرض وعوداً لإطلاق سراحه، أو حتى ضمان علاجه في مستشفى فلسطيني بعد الإفراج عنه (Albawaba News 2016). من ناحية أخرى، ينظر إلى موافقته إنهاء الإضراب انتصاراً للمقاومة الفلسطينية، بما أن إسرائيل قبلت بعدم تجديد اعتقاله ما لم “تبرز أدلة جديدة تبرر ذلك” وأن فريقاً طبياً فلسطينياً سوف يعتني به في مستشفى هعيميق الإسرائيلي (Abunimah 2016). وكان القيق واحداً من بين 670 سجيناً فلسطينياً تحتجزهم إسرائيل إدارياً دون محاكمتهم أو توجيه تهم لهم(1). ووفقاً لمنظمة بتسيلم B’Tselem (2014)، يعتبر استخدام إسرائيل لسياسة الاعتقال الإداري انتهاكاً صارخاً لبنود القانون الدولي. مع العلم أن إسرائيل تنفذ أسلوب لاعتقال الإداري بطريقة سرية للغاية فتحرم بذلك المعتقلين من إمكانية القيام بدفوعاتهم المناسبة، وفوق كل هذا لا تلتزم إسرائيل بحد زمني أقصى لمدة الاعتقال الإداري، وقد خضع آلاف الفلسطينيين، على مدى سنوات، للاعتقال الإداري الإسرائيلي دون محاكمة لفترات طويلة دون إبلاغهم بالتهم الموجهة إليهم، ودون السماح لهم أو لمحاميهم بالتعرف على الأدلة الموجهة ضدهم، بما يشير إلى تجاهل النظام القضائي العسكري الحق في الحرية وإجراءات التقاضي القانونية النظامية الواجبة، وحق المتهمين في عرض قضيتهم وإبداء حججهم، وافتراض براءتهم، وهذه جميعها تدابير حماية منصوص عليها بوضوح في القانونين الإسرائيلي والدولي. ويعتبر الاعتقال الإداري تقنية حكومية من تقنيات الأنشطة الإجرامية الحكومية التي تستخدمها إسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين – وسوف يتم تعريف هذه الأنشطة، بشكل فضفاض لغرض هذا المقال، على أنها الأنشطة التي تنتهك قوانين الدولة أو القانون الدولي العام.. أو التغاضي والإخفاق في منه أي نشاط من شأنه انتهاك قوانين الدولة أو القانون الدولي العام-. وشهدت جرائم الدولة الإسرائيلية تصاعداً كبيراً منذ تشرين الأول 2015 مع زيادة حدة العنف والاعتقال الإداري والتعذيب واحتجاز القصر وهدم المنازل والقرى، وبلغ ذروتها في الاستخدام الواسع لإعدام للفلسطينيين المحاصرين أو المشتبه في ارتكابهم أعمال “إرهابية” خارج نطاق القضاء.
تبني هذه المقالة سياقها عن أنشطة الدولة الإجرامية من خلال التعامل النقدي مع النظام العرقي الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي في فلسطين كحالة استثناء أغامبينية، على خلفية هذا التصعيد، وهو تطور مثير للسخرية في تاريخ السياسات القمعية الإسرائيلية بما تشمل أيضاً من حالة احتلال وحصار. وسوف أكرر، في الجزء الأول، وجهة نظري حول توسيع قوانين المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية بغية السيطرة على فلسطين المحتلة والمحاصرة بينما تستثني نفسها ومواطنيها اليهود المستعمِرين من الأدوات والأصول القانونية المرتبطة بالاحتلال والحصار، في سياق واضح من انتهاك شرعة القانون الدولي(Lentin 2015). حيث تحكم دولة إسرائيل بواسطة قوانين الطوارئ الانتدابية(2) التي لم تُلغ أبداً. وتعتبر دولة إسرائيل مثالاً مدرسياً لحالة الاستثناء وفقاً لنظرية أغامبين (2005)، (بمعنى الحالة état والشرط condition) بالنظر إلى تجارب وممارسات الاستثناء والطوارئ والضرورة والأمن. حيث تضع حالة الاستثناء الإسرائيلية موقع الدولة فوق القوانين المحلية والدولية وخارجها عندما يدور الحديث حول المواطنين الفلسطينيين والمواطنين المحتلين والمحاصرين، كما سوف يظهر في المقالة. كما يتعامل القسم الأول هنا وفقاً لتصورات نظرية عن حالة فلسطين / إسرائيل كدولة عنصرية (Goldberg 2002 ، 2009 ؛ Lentin 2008 ، 2015) وكمستعمرة استيطانية (Wolfe 2006). ونظراً لأن مقولة العرق هي المحور الأساسي لجهدي التحليلي هنا، فسوف أتابع في القسم الثاني بصورة أساسية المعالجة النقدية لتغاضي أغامبين عن مقولة الاستعمار وتصفية الاستعمار وفشله، ثانياً، في تحديد أهمية العرق بصورة معينة. وسوف أبدأ بتتبع رؤية سفيرسكي وبينيال (2012) عن عمق مشروع أغامبين الشديد في الفكر السياسي الغربي، وكيف يتم تصوره دون الإشارة إلى مقولات الاستعمار وتصفية الاستعمار. علماً أن افتراضات سفيرسكي وبينيال في نقدهما القوي لأغامبين، يشيحان النظر بعيداً عن مركزية العرق، مثل الكثير غيرهما من منظري الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. ولذلك، سأقوم بالتحليل تأسيساً على مقولات العرق كما أتت في مقولات وييليي Weheliye (2014) التي ترى بقابلية نقل التصورات المركزية الغربية عن الاستثناء والحياة المجردة والسياسة الحيوية إلى أفقها العالمي على وجه التحديد، لأنها لا تتحدث بلغة عرقية صريحة، وبدلاً من ذلك تتبنى مقولات وييليي مفهوم العرق في الآراء المتعلقة بالعنف السياسي كمجموعة من السيرورات الاجتماعية السياسية المنتجة للتمايز والتراتبية، والتي يتم إسقاطها على الكتلة الإنسانية البيولوجية. وتميز هذه السيرورات بين ما هو إنساني وما هو لا إنساني، وتستخدمها دولة إسرائيل في عرقنة المواطنين الفلسطينيين، وكذلك الرعايا الواقعين تحت الاحتلال والحصار. وسوف أقوم بتحليل الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، ضمن مقولات العرق، انطلاقاً من النظريات الغربية البيضاء حول الأحكام البيوسياسية biopolitics وحالات الاستثناء والحياة المجردة كمقاربة لتأمل الظروف الاستعمارية الاستيطانية.
الاستثناء كحالة عرقية عنصرية
تعتبر النزعة العرقية أداة مألوفة لنزع الصفة الإنسانية يتحقق فيها شيوع التطرف الإيديولوجي، وتؤدي ممارسة نزع الصفة الإنسانية إلى إنتاج تصنيفات عرقية. وتستند هذه الثقافة، بدورها، إلى اعتماد الدولة العلمانية الحديثة على التصنيف إلى جانب العسكرة كوسيلة يحافظ فيها التصنيف على تماسكه واتساقه (Gilmore 2007: 243–4)(3). وتبدي حالة إسرائيل/ فلسطين صلات وثيقة بنظرية أغامبين حول التأسيس الطوعي لحالة طوارئ دائمة كممارسة أساسية في الدول المعاصرة (Agamben 2005: 2)، حيث تنطوي حالة الاستثناء على توسيع سلطات الحرب العسكرية لتشمل المجال المدني وتعليق القواعد والأنظمة واللوائح الدستورية التي تحمي الحريات الفردية (Zreik 2008). ويؤكد أغامبين في كتابه الإنسان المستباح Homo Sacer (1995)، على معنى حالة الاستثناء في تحويل، بمعنى إخضاع، حياة فئات سكانية معينة لنوع من حالة الإنسان العاجز أو المستباح، أو “الحياة المجردة”، المستبعدة والمقيدة بآن معاً ضمن النظام السياسي (Agamben 1995: 9). ويبني أغامبين مقولاته تلك على نظرية فوكو (2003: 255) عن النزعة العرقية كمؤشر إلى الفجوة بين ما يجب أن يعيش وما يجب أن يموت وإقامة “علاقة بين حياتي وموت الآخر”. وتقوم التقنيات الحكومية الإسرائيلية ببناء مثل هذه الفئات السكانية عبر تدابير بيوسياسية في إدارة السكان من خلال آليات الفصل، بمعنى التمييز، والإقصاء، بمعنى الاستبعاد. بما في ذلك الخطة الصهيونية “دالت Plan D” التي عنت التطهير الإثني لفلسطين في العام 1948 (Pappe 2006)، وأيضاً سياسات الاحتلال المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا أثناء نكبة العام 1948 وما بعدها. وتصنف السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين الخاضعين للسيطرة الإسرائيلية، إلى مواطنين إسرائيليين (“فلسطينيي 1948”)، ورعايا محتلين (“فلسطينيي 1967”)، وفلسطينيين يعيشون في القدس الشرقية وأخيراً من يعيش في الشتات خارج فلسطين الانتدابية. ويشبّه [أورن] يفتحئيل (2016) التصنيف العنصري/ العرقي للمواطنة في فلسطين / إسرائيل بنظام الأبارتيد الذي كان سائداً في جنوب إفريقيا: فهناك مواطنون يهود “بيض”، وهناك عرب يعيشون في إسرائيل يحملون صفة مواطنة “ملونة” (جزئياً) وأخيراً هناك الفلسطينيون في المناطق يحملون صفة مواطنة “سوداء”، مجردين من أي حقوق سياسية. وكما تؤكد غيلمور (2007)، يعتبر التصنيف أو التقسيم الفئوي شروطاً مسبقة على حد سواء، وستكون النتيجة، في مثل هذه الحالة، نزع الصفة الإنسانية عن العرق بلا شك.
تضمن التصنيفات اللاإنسانية أن تطبيق التصورات البيوسياسية في فلسطين / إسرائيل يهدف قبل كل شيء إلى ضمان حياة ومعيش مواطني إسرائيل اليهود -ليس فقط المستوطنين اليهود في الأرض الفلسطينية المحتلة ولكن أيضاً اليهود الإسرائيليين الذين يعيشون داخل حدود العام 1948 لفلسطين المحتلة- على حساب الفلسطينيين الآخرين. وسوف تعزز هذه التصنيفات السيطرة الإسرائيلية الحيوية biopolitics على المواطنين الفلسطينيين المعرضين للتمييز والرعايا الواقعين تحت الاحتلال، الذين تنتظم حياتهم على يد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والسلطات المدنية، بما في ذلك الإدارة المدنية للاحتلال(4). وتشمل عمليات الإقصاء والسيطرة من قبل الدولة والجيش ممارسات المراقبة المستمرة، ومداهمات المنازل، ونقاط التفتيش وحواجز وجدار الفصل وحظر التجول، وهدم المنازل والقرى، ونقل السكان واعتقالات وحجز الإداري، وبلغت ذروتها في عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، وقد جعلت هذه العمليات جميعها من الفلسطينيين فئات خاضعة، وكذلك موضوعاً، للسيطرة السيادية الإسرائيلية. وينبغي، في هذا السياق، اقتران تصور إسرائيل كدولة استثناء بتصورها كدولة عرقية نموذجية وفقاً لغولدبرغ (2009) الذي يقول بأن جميع الدول القومية الحديثة هي دول عرقية تقوم على مبادئ الاستبعاد والضم لخلق التجانس بين مواطنيها (2002). ولا تتحقق هذه المهمة من خلال التقنيات الحكومية فقط، مثل استحقاقات المواطنة وضوابط الحدود وتصنيفات التعداد، بل تتعداها لتشمل التواريخ والتقاليد المبتكرة المختلفة التي تبني ذاكرة الدولة والاحتفالات والتصورات الثقافية واستحضار الأصول القديمة من الماضي. وهكذا، قامت الصهيونية عن طريق تخيل إسرائيل بصفتها “أوروبا البعيدة عن أوروبا”(5) بخلق دولة عنصرية بامتياز، حيث يصبح الاستثناء هو القاعدة وحيث تكون حالة الطوارئ بمثابة إطار دائم للحياة فيها، وقد ورثت الدولة “أنظمة الطوارئ” الانتدابية حيث واصلت بموجبها تعليق العمل بالقانون بصورة استثنائية ضمن القانون.. مما يتيح لها رسم قواعد قانونية كما يلي: قانون يحكم (حياة) غالبية مواطني الدولة، وقانون آخر (الموت، التهديد بالموت والتهديد بالطرد) يحكم مواطني الدولة الذين أصبحت حياتهم “عارية”، بمعنى من تم تجريدهم من حقوقهم الأساسية (Shenhav 2006a: 206–7). ويطلق غولدبيرغ على هذه الحالة مصطلح “فلسطنة عرقية” فيقول: “لا يُعامل الفلسطينيون كما لو كانوا جماعة عرقية، وليس كحالة مماثلة جماعة عرقية، ولكن بصفتهم جماعة عرقية محتقرة وشريرة” (2009: 139). ويقول في هذا الصدد أيضاً: تتعلق الصهيونية، بالضرورة، بحتمية الحداثة التي تجعل من اليهود شعباً حديثاً (على الرغم من كونه شعباً كتابياً قديماً)، بينما يظهر الفلسطينيون (الفلستيون) كأنهم مازالوا يعيشون عصر ما قبل الحداثة، ولذلك هم بحاجة إلى التمدن الصهيوني -ولكن دائماً أيضاً- ضمن الرسالة أو المهمة الاستعمارية التي يسميها غولدبيرغ رسالة “عنصرية تاريخية”.
يثير تعبير فوكو المركب عن ضرورة الدفاع عن المجتمع (2003) في الأذهان الضرورة الصهيونية المتمثلة في حماية الجسم الغامض لـ “الأمة اليهودية” من اضطهاد اللا سامية، ومن تطلعاتها في بناء الدولة ابتداءً من العام 1880 من خلال إقامة دولة إسرائيل وصولاً لتداعياتها المستمرة. ومن المفارقات، بالنسبة للأشخاص الذين يكتنف تاريخهم تجارب الاضطهاد العنصري، أن تعبر الإيديولوجية الصهيونية نفسها عن تصور “العرق اليهودي”، وتؤسس لمفهوم “شعب يهودي” متجانس على الرغم من التنوع والاختلافات اليهودية الواضحة (انظر Sand 2009)، حيث تكون تصنيفات الذات اليهودية وغيرها من التصنيفات العرقية جزءً متكاملاً من الإيديولوجيا والممارسة الصهيونية. ويقرأ فالك (2006: 25) تاريخ الصهيونية كمشروع عرقي استنساخيeugenic، يهدف إلى إنقاذ مجموعة المورثات اليهودية من الانحطاط والتدهور الناتجين عن وجود الشتات، تماماً مثلما قامت منظومة معاداة السامية بتصنيف اليهود “عرقاً” منفصلاً يمكن اضطهاده بالمنطق البيولوجي. اللافت في الأمر هنا تبني الإيديولوجيون الصهاينة مصطلحات volk -أمة عرقية شكلها “الدم والتراب” (Falk 2006: 18-9)، وكانوا جزء فعالاً في إنتاج ذخيرة صهيونية من التصنيف العرقي والصور الشعبية volkish (Bloom 2007).
كان هذا التفكير العرقي مسؤولاً عن خلق نظام المواطنة العرقي العنصري في إسرائيل. تمنح إسرائيل، التي تأسست كدولة “الأمة اليهودية” (من خلال قانون العودة للعام 1950(6))، المواطنة التلقائية لأي شخص يمكنه إثبات أن أمه يهودية(7)، في حين تنكرها على الفلسطينيين المولودين في الأرض الذين هجّروا منها (أو الذين فروا هرباً) أثناء وبعد نكبة العام 1948(8). وقد أطلقت الدولة على الفلسطينيين الذين بقوا (160 ألفاً) اسم “عرب إسرائيل”، مما يحرمهم من هويتهم الفلسطينية، وخضعهم لنظام الحكم العسكري، استناداً إلى أنظمة الطوارئ الانتدابية للعام 1945، التي ألغت الحقوق الأساسية لحرية التعبير والحركة والتنظيم والمساواة، رغم أنها تركت للمواطنين الفلسطينيين حق التصويت والترشح. وعلى الرغم من إلغاء نظام الحكم العسكري رسمياً في العام 1966، إلا أن أنظمة الطوارئ لا تزال سارية، وتسيطر على 20% من مواطني إسرائيل(9)(Pappe 2006: 220-2). وبصورة عامة، يوظف القانون في خدمة الدولة العرقية، وبالتالي لا تعد إسرائيل استثناءً في هذا المجال. ومن الأمثلة على القوانين العرقية العنصرية الإسرائيلية قانون أملاك الغائبين (1950) الذي يمنح الدولة القبض على أملاك الفلسطينيين المصادرة في العام 1948، ويطلق عليهم لقب “الغائبون الحاضرون”، وقانون الصندوق القومي اليهودي (JNF) (1953) الذي يقع على عاتقه وكالة شراء الأراضي الإسرائيلية الرسمية، وإدارة الأراضي العامة في إسرائيل، بما في ذلك مساحات كبيرة من أراضي الفلسطينيين المهجرين- المصنفة “أراضي دولة”(10)، مما يحظر بيعها أو امتلاكها أو تأجيرها مباشرة أو بالباطن لـ “غير اليهود”، أي الفلسطينيين. ويدرج المركز القانوني لحقوق الأقليات العربية في إسرائيل (عدالة) نحو 50 قانوناً إسرائيلياً تمييزياً ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل تشمل مناحي الحياة المختلفة، بما في ذلك حقوق المشاركة السياسية، والحصول على الأراضي، والتعليم، وموارد ميزانية الدولة والإجراءات الجنائية. وتنتهك بعض القوانين، بصورة خاصة، حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وحقوق اللاجئين الفلسطينيين(11). ومنذ العام 2009 وظهور حكومة نتنياهو اليمينية، تسعى سلسلة جديدة من القوانين إلى حرمان المواطنين العرب في إسرائيل من حقوقهم.
تستبعد هذه القوانين المواطنين العرب من الأرض؛ وتحويل جنسيتهم من حق إلى امتياز مشروط، وتحد من قدرتهم وقدرة ممثليهم في البرلمان على المشاركة في الحياة السياسية في البلاد؛ وتجريم الأفعال أو الخطاب السياسي الذي يشكك في الطابع اليهودي أو الصهيوني للدولة؛ وتميّز المواطنين اليهود في تخصيص موارد الدولة. (Adalah 2012). لا تهدف هذه القوانين إلى تقييد وصول المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل إلى موارد الأرض فحسب، بل تهدف أيضاً إلى استباق وتجاوز أو عكس قرارات المحكمة العليا التي تمنحهم أي حقوق مدنية؛ علاوة على وقوفها في وجه حريات التجمع والتعبير، والتمييز على أساس الانتماء القومي، وتدعم سلسلة من لوائح الاتهام الجنائية والإجراءات العقابية التي يقوم بها الكنيست ضد أعضائه العرب المنتخبين(12). لذلك علينا التساؤل في مدى صلاحية تصور معاملة المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل من منظور “جريمة الدولة” بصفتها “أنشطة أو إخفاق في عمل ينتهك قوانين الدولة ذاتها”؛ حيث تضمن دولة إسرائيل أن انتهاكاتها جزء من القانون الإسرائيلي كتعبير عن أنصع تقاليد القوانين الاستبدادية التي سمحت، في النهاية، بظهور أنظمة عنصرية متطرفة مثل ألمانيا النازية.
وتجدر الإشارة إلى التطابق الواضح لتعريف الأنشطة الإجرامية للدولة كـ “أفعال تنتهك القانون الدولي” عندما يتعلق الأمر بإدارة حياة الرعايا الفلسطينيين المحتلين والمحاصرين. ويتساءل بن نفتالي وغروس وميكائيلي (2005) عما إذا كان استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية قانونياً أم غير قانوني، ويتجاوزون دراسة واجبات إسرائيل كقوة احتلال -والتي تميل لأن تكون محور الدراسات حول هذا الموضوع- ويركزون بدلاً من ذلك حول قانونية أو شرعية الاحتلال ذاته، مما يقود إلى بناء تصورات نظرية عن الاحتلال الإسرائيلي ذاته كحالة استثناء غير شرعية. ويشير القانون الدولي للاحتلال، كما يذكر بن نفتالي وغروس وميكائيلي، إلى ضرورة التمييز بين النظام والفوضى، وبالتالي إدارة الموقف عن طريق القضاء على الفوضى من خلال السيطرة على حالة الاستثناء؛ والحاجة إلى التمييز بين الأوامر، أو بين القاعدة والاستثناء، من خلال خلق فضاء منظم تحدده استثنائيته، أو تعليق الحكم (Ben-Naftali،Gross and Michaeli 2005: 554). ووفقاً لبن نفتالي وغروس وميكائيلي، تُقاس شرعية الاحتلال من عدمها بثلاثة مبادئ قانونية. أولاً، لا تخص السيادة على أرض محتلة المحتل؛ بل السكان الواقعين تحت الاحتلال. ثانياً، يكلف المحتل، انطلاقاً من مبدأ تقرير المصير، بإدارة النظام العام والحياة المدنية في الأرض المحتلة، ويكون المستفيد من هذا التكليف الشعب الواقع تحت الاحتلال، وإن كان نزع الملكية والقهر والإخضاع ينتهك هذا التكليف. ثالثاً، ينظر إلى الاحتلال كحالة مؤقتة. وسوغ تعتبر قوة الاحتلال غير قانونية حالما تنتهك أي من هذه المبادئ الثلاثة، وهذه هي طبيعة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة. وتقاس شرعية الاحتلال، على وجه التحديد، من خلال استثنائيته: إذا بمجرد عدم وضوح الحدود بين النظام الطبيعي للمساواة في السيادة بين الدول والاستثناء (أي الاحتلال)، يفقد الاحتلال شرعيته أو قانونيته. والأهم من ذلك، يصبح الاحتلال الذي يحمل الصفة غير القانونية من منظور إدارة حالة فوضوية غير قانوني أيضاً، من حيث أنه يمحو الفوارق بين القاعدة واستثناءاتها (Ben- Naftali, Gross and Michaeli 2005: 555–6).
ولتوضيح جريمة الدولة والمخالفات الناجمة عن احتلال الأراضي الفلسطينية سنة 1967، تفحص ويب بولمان (2013) حالات الموت الأخيرة لثلاث أسرى فلسطينيين محتجزين عند إسرائيل (من أصل 206 أسرى ماتوا في السجون الإسرائيلية منذ العام 1967). وتؤكد الباحثة على مسألة حظر “التعذيب، تحديداً، في القانون الدولي من خلال اتفاقية حظر التعذيب (CAT)، وكذلك المادة 7 من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)”، وأنه “لا يمكن التخلي عن هذا الحظر المطلق، فالتعذيب غير مقبول بتاتاً في القانون الدولي، تحت أي ظرف من الظروف. ورغم الحظر المطلق للتعذيب، “يسمح” القانون الإسرائيلي المحلي به من خلال ما يعتبره المشرعون والمحاكم على حد سواء “ضرورة”. وتنتقد ويب بولمان تواطؤ الأطباء الإسرائيليين في تعذيب الأسرى الفلسطينيين، مشيراً إفلات إسرائيل من العقاب لانتهاكها مواثيق القوانين الدولية، على الرغم من أن “لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة قد ذكرت على وجه التحديد أن حق المعتقلين في الصحة يندرج تحت الحق في المعاملة الإنسانية في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وما يتصل بذلك من أحكام ضد التعذيب” و (المادة 7) المستخدمة أيضاً من قبل لجنة حقوق الإنسان لمعالجة مسائل الرعاية الطبية في السجون”، مما يجعل إسرائيل عرضة لاتهامات بارتكاب جرائم الدولة ويجعلها بالذات حالة استثنائية بامتياز.
وكما تلخص ويب بولمان (2013) الموقف: “على الرغم من مصادقة إسرائيل على الاتفاقيات الرئيسية لحقوق الإنسان، فهي ليست طرفاً في معظم البروتوكولات الاختيارية.. ولم تقبل باختصاص أي من لجان هيئات المعاهدات، مما يعني عدم قدرة اللجان ذات الصلة على تلقي شكاوى أو ادعاءات ضد إسرائيل أو التصرف بناءً عليها أو اتخاذ إجراءات بحق إسرائيل “بما في ذلك الاستخدام الواسع النطاق للتعذيب. وحتى عندما تصادق إسرائيل على الاتفاقيات الدولية، فهي تبدي تحفظات تحصنها إزاء أي عمل ضدها تقريباً. وبينما وقعت إسرائيل على اتفاقية جنيف للعام 1949 (التي تم سنها في أعقاب المحرقة النازية)، فهي لم توقع على البروتوكولات الإضافية للعام 1977، مما يجعلها خارج نطاق سيادة قانون النزاعات المسلحة (RULAC) التي تنتقد إسرائيل بسبب إعلانها حالة الطوارئ المحلية المتجددة سنوياً. كما رفضت إسرائيل الاعتراف باختصاص اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب لفحص “المؤشرات التي تستند إلى أسس قوية على ممارسة التعذيب بشكل منهجي” كما هو الحال في إسرائيل. هذا الاستثناء من جانب واحد من قبل إسرائيل لا يعني فقط أنها حالة استثناء بحد ذاتها، ولكنه يعني، على مستوى أكثر مادياً، أن ممارسة إسرائيل للسلطات الحكومية مثل الاعتقال الإداري دون محاكمة، واحتجاز القاصرين، والتعذيب، وهدم المنازل والقرى ونقل السكان والإعدام خارج نطاق القضاء … جميعها تمارس وتمر دون رقابة أو انتقاد من قبل القانون الدولي.
الدولة العنصرية كمستعمرة استيطانية
لا يكتمل فهم إسرائيل كدولة عرقية عنصرية ما لم يتم تصورها كمشروع استيطاني استعماري. ونعلم أن الهدف الرئيسي للاستعمار الاستيطاني لا يكون في استعباد أو استغلال السكان الأصليين، بل، بالأحرى، في الاستيلاء على أراضيهم. لم يتشكل الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي اليهودي من خلال الإيديولوجية الصهيونية فحسب، ولكن من خلال عملية استعمار أراضي مستوطنة فعلياً أيضاً، وهي عملية أدت لا محالة إلى صراع مع المجتمع الأصلي (Shafir 1993). ولا يعد تصور غزو واحتلال إسرائيل لفلسطين كاستعمار استيطاني أمراً جديداًـ بل له جذور سياسية وأصول في سياسات الجماعات اليسارية مثل ماتزبن Matzpen (13) التي نظرت إلى الصهيونية كمشروع إمبريالي (Ram 1993) وفي أعمال عالم الاجتماع الإسرائيلي باروخ كيمرلنغ (1983) الذي اعتبر الصهيونية حركة استعمارية تهدف إلى السيطرة على أراضي فلسطين، من خلال ما يسميه بابيه (2006) “التطهير الإثني لفلسطين”. ويسلط كيمرلنغ الضوء على أهمية الحركة العمالية الصهيونية في استعمار فلسطين كنتيجة حتمية لضرورات استيطان الحدود. ويزعم شافير (1989) بالمثل بأن استيطان اليهود في فلسطين يمثل “استعماراً نقياً” لا يقوم على العمالة المستعبدة أو المحلية وإنما على عمل المستوطنين الذين، إلى جانب سعيهم إلى السيطرة على أراضي السكان الأصليين، سعوا أيضاً إلى إقصائهم من قوة العمل (Ram 1993: 30). إن تعريف إسرائيل كمستعمرة استيطانية يتعارض مع الصورة الذاتية للصهيونية عن نفسها التي تعتبر وجودها أتى كاستجابة ورد فعل على معاداة السامية الأوروبية مكّنت من توطين “شعب بلا أرض في أرض بلا شعب”(14). يجدر بنا الإشارة في هذا الصدد إلى الطريقة التي صبّت فيها الصهيونية نفسها صراحةً في قالب المصطلحات الاستعمارية الاستيطانية: فمصطلح الييشوف יישוב -اسم الكيان السياسي في فلسطين قبل قيام الدولة- يعني حرفياً “الاستيطان”. والإشارة أيضاً والقرار الصريح حول تأسيس “ثلاثة أنواع من المستعمرات في فلسطين: الكيبوتس والموشاف والبلدة، وذلك بعد المؤتمر الصهيوني الأول 1897، الذي صوت لصالح الهجرة اليهودية إلى فلسطين”(15) (Benvenisti 2002: 263). وفوق هذا، وكما يجادل وولف (2006: 388)، يدور الاستعمار الاستيطاني حول استبدال السكان الأصليين، على عكس الاستعمار الذي يتعلق باستغلال السكان الأصليين، وهو دائماً يحل محل ما يدمره. وبالتالي بات يدخل في نطاق التصرفات الحكومية الاستيطانية الاستعمارية الكلاسيكية، من بين أمور أخرى، استبدال البساتين الفلسطينية بالصنوبريات الأوروبية المستوردة (التي أطلق عليها الصهاينة شعار “لنجعل الصحراء تتفتح”)، وإفراغ القرى الفلسطينية المأهولة والأحياء الحضرية واستبدالها بالمستوطنات اليهودية والطرق والمتنزهات الوطنية، واستبدال أسماء الأماكن الفلسطينية بأسماء عبرية، والحملة الحالية لاستبدال القرى البدوية، التي تُعتبر قرى “غير معترف بها”، بمساحة يهودية لأغراض تدريبات الجيش، من بين أمور أخرى. ويستند الاستعمار الاستيطاني إلى تفسيرات مختلفة لمصطلح “أرض بلا شعب terra nullius”، وهو “مشروع شامل ومتمحور حول الأرض يعمل على تنسيق مجموعة شاملة من الوكالات، من المركز الحضري إلى المعسكر الحدودي، بهدف القضاء على مجتمعات السكان الأصليين” (Wolfe 2006: 393). كما يؤكد وولف في تحليله للاستعمار الاستيطاني الأسترالي وأمريكا الشمالية والإسرائيلي، بأن منطق الاستعمار الاستيطاني هو منطق الأقصاء والإبادة. علاوة على ذلك، تنظم الأحكام البيو سياسية في إسرائيل وتتحكم في حياة اليهود والفلسطينيين على حدٍ سواء، حيث يمنح اليهود موارد الأرض ويشجعون على التكاثر والازدياد، بينما يحرم الفلسطينيون -سواء المواطنون أو السكان الرعايا المحتلون- من موارد الأرض ومن وسائل إعالة أسرهم (من خلال تخصيص موارد حيوية أقل لهم، من مياه وطرق وتعليم وصحة وغيرها من الخدمات). ويقودنا تصور وولف للاستعمار الاستيطاني المستند على تأمين الأراضي في إطار “الإبادة الجماعية المنظمة” إلى فهم العلاقات الملموسة بين التهجير المكاني والقتل الجماعي والاندماج الحضاري البيولوجي. ويتضح منطق الإقصاء والإبادة من خلال طرد الفلسطينيين من أراضيهم أثناء وبعد نكبة العام 1948، وإعادة استيطان قراهم وأحيائهم الحضرية من قبل اليهود، واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967، والتخلص التدريجي من العمال الفلسطينيون من الأراضي المحتلة (Kemp and Raijman 2008) وازدياد السيطرة العسكرية والمدنية على الأرض. ومن الأمثلة المؤثرة بناء ما يسمى بـ “جدار الفصل”:
وكما يذكرنا وولف (2006)، يكاد لا يكون هناك تعبير ملموس أكثر تجسيداً لمعاني العزل والاحتجاز المكاني من جدار الضفة الغربية.. حيث أصبح الفلسطينيون أقل أهمية وأكثر قابلية للاستغناء عنهم، وتحولت الضفة، وقطاع غزة طبعاً، أكثر فأكثر إلى جيوب من بانتوستانات متفرقة، واحتوت المزيد والمزيد من المستوطنات (أو، في هذا الصدد، مثل حي وارسو اليهودي “الغيتو”) (404). وينتقد سفيرسكي وبينال (2012) مشروع أغامبين المستند بقوة على الفكر السياسي الغربي، بزعم أنه لا يشير إلى الاستعمار ولا إلى تصفية الاستعمار، ويتجاهل التدخلات النقدية للشعوب المستعمَرة المشاركة في عمليات تصفية الاستعمار. ويبدو أن وولف(16) يؤيد هذا الراي، عندما يقوم بتصوير الاستعمار المستوطن الذي يقوده أفراد متمردون ينشئون، ومن ثم سوف تتولى الدولة الاستعمارية إدارة الأمور بعد استبداد موجة العنف الحدودي، يرى الحدود أيضا كحالة استثنائية كلاسيكية تساعد المخالفات الأولية من له السيادة على إعلان سيادة القانون. غير أنه يضيف أيضاً بأن تأصل التصور المركزية الأوروبية eurocentrism العميق عند أغامبين (2005) منعته من رؤية السياق الاستعماري، مركزاً، بدلاً من ذلك على أهمية نموذج الأمن في حالة الاستثناء، والذي يستخدم الأمن كـ”تقنية حكم طبيعية”(14). وبهذا يكون الأمن، ونبرة “التهديد الوجودي” والشعور بالضحية اليهودية محور سياسات إسرائيل العنصرية/ العرقية. وحيث تعتقر إسرائيل نفسها ملاذاً لـ”الأمة اليهودية”، فهي تعتبر أيضاً أن السيطرة على فلسطينيي 1948، وفلسطينيي 1967 والفلسطينيين في الشتات أمراً حتمياً وُلد من الضرورة والطوارئ، والذي، كما يقترح أغامبين، يخلق ويضمن الوضع الذي يحتاجه القانون لصلاحيته وصحته. وفي حين لا يتعمق أغامبين في نظرية الاستعمار في سياق السلطة الحيوية biopower، فإن استعمار المستوطنين هو جوهري لهذه السلطة، وهو منتج وعملية عالم استعماري.
يضع كل من الاستعمار والاستعمار الاستيطاني الشعوب الأصلية ضمن حالة الاستثناء حسبما يرى مورغنسن (2011)، رغم أنها حالة تشكل تحدياً للسلامة الجغرافية والقومية للمستوطنين كممثلين للقانون الغربي. يذكرنا مورغنسن، على غرار وولف، بتأكيدات المستوطنين على أن السيادة وحدها هي القادرة على ترسخ القانون الغربي في “منطق الإقصاء والإبادة” كلما طال بقاء واستقرار المستعمرين الاستيطانيين،. ولا يهدف منطق الإقصاء والإبادة في الواقع إلى تدمير الحياة بل إلى إنتاجها، لدمج الشعوب الأصلية والثقافات والأراضي في جسد الأمة المستعمِرة (2011: 56). وهكذا، مجرد أن استقر المستعمِرون المستوطنون الصهاينة واعتبروا المستعمَرة الجديدة “أرضهم”، كان عليهم استخدام استراتيجيات بيو سياسية، للتحكم في المعيش اليومية للفلسطينيين الأصليين والسيطرة على الممارسات الحياتية لهم، لتمكين أنفسهم (أي المستعمِرين اليهود) من العيش على حساب السكان الأصليين الفلسطينيين. ويخلق النظام العرقي العنصري الإسرائيلي الاستعماري الاستيطاني مناطق استثناء ثابتة ودائمة، كما يتضح، من بين أمور أخرى، في مجزرة غزة 2014، والتي تم تصورها كواقعة خارج أي اعتبارات إنسانية أو حقوق الإنسان. ونظام المحاكم العسكرية لمحاكمة الفلسطينيين مثال آخر تصفه الصحفية الأمريكية من أصول إفريقية وزعيمة الحقوق المدنية إيدا ب. ويلز Ida B. Wells (بالإشارة إلى الإعدام خارج نطاق القانون) بأنه “القانون غير المكتوب والذي أصبح قانوناً(17)، بما في ذلك العديد من الأفراد القصّر في الأراضي المحتلة، حيث تعمل هذه المحاكم “بلا شفافية تقريباً، وتخضع لإشراف داخلي شديد التساهل ورقابة غير فعالة، ونادراً ما تتعرض لأي رقابة أو مراجعة عامة” (Yesh Din 2013).
مثال آخر على الاستعمار الاستيطاني كحالة استثناء عرقية هو البيروقراطية الاستعمارية للاحتلال المفعّلة يومياً عند كل نقطة تفتيش وحاجز في الضفة الغربية، والتي تنفذ ضمن إطار سيادة ممارسات إدارة السكان الاستخباراتية والسيطرة الاقتصادية والتمييز العنصري والتنميط العرقي، أي ممارسات السيطرة على الفضاء العام من خلال قوات الأمن والحكومة (Berda 2012). وتشير الممارسات الاستعمارية الاستيطانية، مثل الهجمات الدورية المميتة على قطاع غزة المحاصر، وعدم التناسب في توفير وتوزيع المياه بين المستوطنين اليهود والسكان الأصليين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويبرز في هذا الصدد الاستخدام المتزايد، في الآونة الأخيرة، للاعتقال الإداري وعمليات الإعدام المتزايدة خارج نطاق القضاء (انظرeuromedmonitor. org, 2015) توضح تحول الأحكام البيوسياسية في المستعمَرة الاستيطانية، أي فلسطين، إلى أحكامً تفضي إلى سياسة واحدة مآلها الموت المحتم، والتي يسميها مبيمبي (2003) بأسلوب وسياسة “النخر الوجوديnecropolitics”* ويوثقها غانم باسم “استثمار التهديد بالموت thanatopolitics**”،وهكذا بمجرد أن تتجه السلطة نحو تدمير وتفكيك وإبادة حياة الفلسطينيين، تتحول القرارات حول حياتهم إلى قرارات عن موتهم” (Ghanim 2008: 69). ويتحول الموت والطرد والإقصاء والاستبعاد إلى وسائل وسبل نهائية للتغلب على (ما هو متصور ذاتياً) عن شعور الضحية اليهودية الإسرائيلية، والتي ينظر إليها سفيرسكي بصفتها ممارسة تحصينية استيطانية استعمارية للمحافظة والفصل السياسيين للمفهوم المتناقض عن “الديمقراطية اليهودية” في مواجهة أي إمكانية لوجود طرق مشتركة للعيش (Svirsky 2012: 58)
من الاستعمار الاستيطاني إلى التجمعات العرقية
على الرغم من الانشغال النظري لاعتبار إسرائيل دولة استثناء عرقية واعتبار ومواطنيها الفلسطينيين ورعاياها المحتلين والمحاصرين ينتمون إلى نمط “حياة عارية” بالمعنى الأغامبيني يبدو انشغالاً منطقياً، فهذا لا يمنع من تعرض مقولة أغامبين لبعض الانتقادات بسبب عدم اعترافها بقدرات المقاومة في نظرية “الحياة العارية”. ويبدو، في الواقع، تكريس الفلسطينيين كفئة خاضعة للاستثناء سوف “يعيد ترتيب مكانهم الأقل حظاً وامتيازاً في اللغة” ويتم تخيلهم كموضوعات “يتم التعامل معهم بجميع الأشياء وأنواعها.. لكن نادراً ما يتم التعامل معهم كأشخاص يملكون قراراتهم الخاص” (Walters 2008: 188 ، مقتبس في Svirsky 2012: 59-60). ويظهر نقد وييليي لأغامبن، الذي يضع العرق في مقدمة وصميم تحليلاته، مكملاً لتحليلي في النظر إلى إسرائيل كحالة استثناء استيطانية استعمارية عرقية عنصرية. وتكمن حجة وييليي الرئيسية في اعتبار الاستثناء والحياة المجردة تصورات وتنظيرات غربية فوقية وغير متجسدة بصورة شاملة لا تشير إلى الاستعمار ولا إلى تصفية الاستعمار، ولا تعترف في المقابل بهما كمقولات وفئات عرقية. وثمة عدد قليل من التوجهات التحليلية التي تعطي أولوية للعرق عند الحديث عن الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي(18). رغم الفروق العرقية الواضحة بين الإنسان اليهودي الإسرائيلي والمواطن الفلسطيني المشترك لكنه إنساناً بالمعنى التام للكلمة، والذين يتم تشويههم بصفتهم “عرب إسرائيليون”، وهو تصنيف غير مقبول (Makdisi 2015)؛ وأخيراً، الفلسطينيون المجردون من صفاتهم الإنسانية ويقصد بهم الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال والمحاصرين واللاجئين، بالإضافة إلى المواطنين البدو الذين يعيشون في “قرى غير معترف بها”. ويشير وولف في “مقارنة الأنظمة الاستعمارية والعرقية”(19)، إلى افتراض الأعراق “”آثار وبقايا التاريخ الاستعماري تعيد إنتاج علاقات الظلم وعدم المساواة” بقوة في سياق تحليله النظري للاستعمار الاستيطاني. بمقارنة العلاقة بين المستوطنين في أمريكا الشمالية، أولاً من خلال الأمريكيين الأصليين، وثانياً من خلال العبيد الأمريكيين من أصل أفريقي، ويؤكد وولف أنه في حين تتساوى عبودية المتاع مع السود، فقد كان الأمر مختلفاً في حالة الأمريكيين الأصليين، حيث تم استثناء حالة العبودية للخلط بين أصول عرقية . وهكذا، في حين أن قطرة دم واحدة تجعل من المرء أسوداً، فإن أي كمية من الدم تنتمي لغير السكان الأصليين الأصلي تعرض، في الواقع، أصالتك للخطر، مما يجعلك أقل مكانة من السكان الأصليين، أي بمعنى “نصف هجين”. وهكذا، في حين كان العبيد الأمريكيين من أصل أفريقي يشكلون سلعة ذات قيمة، فقد صعب الأمريكيون الأصليون الأمر على توسع المستوطنين مما استوجب القضاء عليهم. ووفقاً لقراءة وولف، يتمتع العرق بالمكانة كفئة من فئات الإنسانية عندما يتعين على المستعمِرين مشاركة الحيز العام مع المستعمَرين الأصليين لضرورات الحفاظ على التراتبية والاستثناء. ويحدث ذلك ليس فقط من خلال القياسات “العلمية” بل نراه أيضاً في ممارسات الاندماج الثقافي، تاركاً مهمة التجانس للمستعمَرين. وكما يذكرنا وولف، يعني التجانس أكثر ما يعنيه الانقسام، مما يترك للمستعمِرين البيض مهمة الحكم.
يقودني استحضار وولف للعرق في تنظيره عن الاستعمار الاستيطاني إلى نقد وييليي لتصورات أغامبين التنظيرية ذات طابع المركزية الأوروبية Eurocentric عن حالة الاستثناء والحياة العارية القائمة بشكل أساسي على معسكرات الإبادة النازية، دون الاعتراف بما سبقها من ممارسات استعمارية (على سبيل المثال، تجاهل الاستعمار الألماني لناميبيا والإبادة الجماعية فيها Herreros)(20). وهكذا يفترض أغامبين بشكل متناقض، في كتابه “الإنسان المستباح(1995) أن من يدعوهم Muselmann يتجاوزون مفهوم العرق (يشير مصطلح Muselmann إلى لمعتقلين الذين وصلوا إلى حالة من الحضيض لاستنفاذهم التام لقوة الحياة ويظهرون جاثمين كما لو أنهم يصلون مثل المسلمين)، على الرغم من أن هذا يوحي إلى فئة عرقية صريحة تشير إلى المسلمين. ويستند تحليل أغامبين، كما يشير وييليي، إلى عدم الرؤية الفلسفية لما يسميه “التجمعات العرقية”. ويتابع وييليي مقاربة النسويات السود اللواتي يتناولن الإنسان نفسه بدلاً من التركيز على خصوصيات الأنوثة السوداء، وفي الوقت الذي تقاوم هذه المقاربة المقارنة التي تدفع، بزعم وييليي، الفئات المستضعفة والمقهورة للتنافس على موارد محدودة، يحصد أصحاب البشرة البيضاء والمنظرون الغربيون جميع الجوائز (Weheliye 2014: 14). وتصر وجهة نظر دراسات السود لوييليي، والتي قد تكون ذات صلة بتحليل الوضع في فلسطين، على أن البشر يخلقون العرق لصالح البعض على حساب الآخرين، كما يوضح وولف في تحليله للاستعمار الاستيطاني، ومن ثم لا يعد توظيف المعسكرات النازية لتفسير العرق كمسألة مركزية أوروبية كافياً من الناحية النظرية.
وفقاً للمنظرة النسوية الأمريكية الأفريقية هورتنس سبيلرز (2003 [1987])، فإن التجمعات العرقية للممر الأوسط، عبودية المزارع، وتشريع جيم كرو، وما إلى ذلك، التي لم تدرج في معظم تصورات النظم البيوسياسية للحداثة، تبرز كيف يستمر العمل الروتيني على وحشية الجسد الأسود في عالم الرجل (الغربي). تماماً كما تم التأسيس الروتيني لذات الجسد من خلال “العمل المحسوب بالحديد، والسياط، والسلاسل، والسكاكين، ودوريات الكلاب، والرصاص” (Spillers 2003 [1987]: 207 ؛ Weheliye 2014: 38-9)، لذا فقد تأسس الجسد الفلسطيني، حسب اعتقادي، روتينياً من خلال العمل المحسوب بالاستغلال والرصاص المطاطي والمعدني والغاز المسيل للدموع ومعدات مكافحة الشغب والقصف الجوي والهجمات البرية وأنظمة المحاكم العسكرية والتعذيب والسجون والاعتقال الإداري ونقاط التفتيش والجدران وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء. إن قواعد وممارسات عرقنة وتصنيف الجسد الفلسطيني عنصرياً تظهر العمليات الروتينية للاستعمار الاستيطاني العرقي في إسرائيل وجرائم الدولة أكثر من إظهار العمليات الاستثنائية المعتادة، بل تظهر أيضاً أن تصورات الاستثناء والحياة المجردة غير كافية لفهم المركزية المتجسدة للعرق في السياق الفلسطيني. إن إدخال وولف لمفهوم العرق في تحليله للاستعمار الاستيطاني سوف يكون أكثر نجاحاً، كما يقر هو نفسه، في حالتي أمريكا الشمالية وأستراليا، حيث لعب الاندماج دوراً مركزياً في عملية الاستعمار بالمقارنة مع الحالة الفلسطينية. ويعترف بغياب أي مؤشر على أي محاولات صهيونية لدمج السكان الأصليين الفلسطينيين عندما يتساءل عن كيفية تطبيق العرق في إعادة إنتاج الظلم وعدم المساواة الاستيطانية الاستعمارية الصهيونية. وسوف أقترح، بخلاف ذلك، ارتباط الإيديولوجيا والممارسات الصهيونية، قبل كل شيء، بالانقسام بين العرب واليهود، فالعرب خاضعين ومجردين من إنسانيتهم، بينما يتأسس وجود اليهود على أنهم عرق متفوق في أفضل ما يمكن تفصيله في تراث معاداة السامية الأوروبية (انظر Falk 2006).
وفي الحقيقة، يقدم وولف مسألة إرث الاستعمار الاستيطاني الصهيوني العرقي من خلال مناقشة علاقات العمل بين المستعمِرين الصهاينة والمستعمَرين الفلسطينيين، مما يشير إلى اتضاح دور العرق من خلال استيراد العمالة اليهودية الشرقية (المزراحية) من الدول العربية لتجنب الاعتماد على العمالة الفلسطينية. (انظر أيضاً Shafir 1989). رغم قيامهم بملء الوظائف الشاغرة التي استنكف أو تعذر على اليهود الأشكناز المتحضرين شغلها، وتم إيواء اليهود العرب في معسكرات مؤقته ومناطق حدودية دون مستوى مقبول، وعلى الرغم من شغل العديد منهم مناصب تجارية ومهنية في بلدانهم الأصلية، فقد تحولوا للعمل إلى مهن وضيعة مجرد وصولهم إلى فلسطين. ومع استقرار أوضاعهم في البلد، تم تعويض مواطنتهم الأقل مستوى من اليهود الأشكناز من خلال مشاركتهم تفوق الأشكناز على الفلسطينيين(21). ويشير وولف إلى تشابه اليهود المزراحيم مع العبيد الأمريكيين من أصول أفريقية أكثر من تشابههم مع المساجين الأستراليين، حيث كان تخصيصهم يتسم بالطابع العرقي. وقامت الصهيونية، عبر تأسيس فئة يهودية متدنية المستوى، بتمييز اليهود العرب كعرق أدنى. وقد اضطر هؤلاء بعد ترحيلهم إلى إسرائيل للتخلص من هويتهم العربية حيث فرضت عليهم الصهيونية خياراً بين أن يكونوا عرباً أو يكونوا يهوداً. ويقترح وولف أن تجريد اليهود المزراحيم من هويتهم العرقية كان عملاً عرقياً عنصرياً بحد ذاته، حيث يعمل العرق عبر اللا عرقنة، أي أن عمل المشروع الصهيونية على إحداث قطيعة، بصورة متناقصة، لـ “الفئة العربية” لدى اليهود العرب، مكن هذا المشروع من وضع الفلسطينيين في أسفل الهرم العرقي.
الخلاصة: إثارة عرقنة إجرام الدولة
ليس بالضروري أن يكون الفلسطيني أدولف أيخمان، في العام 2016، ليتم إعدامه هنا -بل يكفي أن تكون فتاة فلسطينية مراهقة تحمل مقصاً. حيث لا تتوقف فرق الإعدام عن نشاطها اليومية، ففي كل مرة يطلق الجنود ورجال الشرطة والمدنيون النار على من يقومون بطعن إسرائيليين أو يحاولون ذلك أو حتى يشتبه في قيامهم بذلك، وكذلك على من يدهسون الإسرائيليين في سياراتهم أو يبدو أنهم يفعلون ذلك. (Levy 2016). وأثناء كتابة هذا المقال في شباط 2016، أظهر مقطع فيديو نشره موقع الانتفاضة الإلكترونية Electronic Intifada يصور عملية إعدام واضحة لشاب فلسطيني في القدس الشرقية المحتلة. وعلى الرغم من زعم إسرائيل إن الشاب القتيل، محمد أبو خلف من بلدة كفر عقب بمنطقة القدس، كان ينفذ عملية طعن ضد ضباط شرطة الحدود الإسرائيلية عند باب العامود بالبلدة القديمة بالقدس، فقد أظهر مقطع الفيديو أن الشاب لم يشكل أي خطر أو تهديد على أحد وأن أحد ضباط شرطة حرس الحدود أطلق النار عليه بعد سقوطه على الأرض. وبعد ذلك، أطلق العديد من الضباط المدججين بالسلاح عشرات الرصاصات على جسد الشاب الملقى على الأرض بينما كان المارة يهرعون بعيداً عن مكان الحادث. ووفقاً للموقع: “يعد الفيديو عرضاً صادماً لاستخدام إسرائيل الروتيني والاعتباطي للقوة المميتة، مما أدى إلى مقتل ما يقرب من 170 فلسطينياً، بينهم عشرات الأطفال، منذ بدء مرحلة جديدة من العنف في تشرين الأول 2015” (Murphy 2016). وتشير مجموعة مختارة عشوائية من عناوين أخبار الانتفاضة الإلكترونية إلى الاستخدام الواسع النطاق للجريمة للدولة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين المعرقنين عنصرياً.
-قُتل فلسطينيان اثنان بالرصاص في القدس بعد هجوم مسلح مزعوم على حرس الحدود
-قتل ثلاثة آخرين هناك قبل أسبوعين في حادثة مماثلة
-قتلت القوات الإسرائيلية فلسطينيين آخرين يوم الجمعة.
-أصيب خالد يوسف طقاطقة، 21 عاماً، بالرصاص خلال مواجهات بين المتظاهرين والجيش الإسرائيلي في قرية بيت فجّار بالقرب من مدينة بيت لحم بالضفة الغربية وقالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني منع الأطباء من علاجه في مكان الحادث مما أدى إلى وفاته لاحقاً من جراء إصابته في أحد مستشفيات القدس.
-قتلت القوات الإسرائيلية بالرصاص في قرية سلواد بالضفة الغربية، بالقرب من رام الله، رجلاً فلسطينياً بزعم محاولته دهسهم بسيارته رغم عدم وقوع إصابات بين الإسرائيليين – وتم التعرف على القتيل من قبل وسائل الإعلام الفلسطينية على أنه عبد رائد حمد، 22، الطالب في جامعة بيرزيت مع التركيز على الصحافة ووسائل الإعلام.
-قتلت القوات الإسرائيلية فلسطينيين آخرين في سلواد في كانون الأول 2015، وكلاهما زُعم أنهما كانا يقومان بعمليات دهس عندما أطلق عليهما الرصاص حتى الموت، على الرغم من أن التحقيقات التي أجراها صحفيون وجماعة حقوقية تشير إلى أن أحد القتلى، مهدية حماد، لم تكن نحاول القيام بأي هجوم وكانت تحاول العودة إلى المنزل لإطعام طفلها عندما فتح الجنود النار عليها
-قُتل مهاجمان فلسطينيان، وهما عمر ريماوي وأيهم صبح، وكلاهما يبلغ من العمر 14 عاماً، برصاص أحد المارة وبحسب ما ورد فهما في حالة خطيرة ولكنها مستقرة في مستشفيات في القدس -نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية مقطع فيديو لجنود إسرائيليين على ما يبدو يداهمون منازل الأولاد ويضعون العلامات تحضيراً لهدمهما.
ويقول جهاز الأن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) أن ما يقرب من نصف الهجمات التي وقعت منذ تشرين الأول “قام بها مهاجمون أعمارهم 20 عاماً أو أقل”؛ ووقعت الهجمات المزعومة، التي اشتملت في الغالب على سكاكين أو دهس بالسيارات، في المستوطنات الإسرائيلية والحواجز العسكرية في الضفة الغربية، وهي رموز الاحتلال؛ فقد قتل ثلاثة فتيان من بين ستة فلسطينيين في عطلة نهاية أسبوع دامية (16 شباط 2016)؛ “القوة المفرطة” الإسرائيلية تقتل طفلين آخرين (12 شباط 2016)؛ مقتل شبان فلسطينيين في هجوم مميت على الشرطة الإسرائيلية (4 شباط 2016)؛ حراس المستوطنات الإسرائيلية يقتلون شباناً فلسطينيين (26 كانون الثاني 2016). (Murphy 2016)
بدأت بإعادة التأكيد على تصور فلسطين تحت الحكم الإسرائيلي باستخدام مصطلحات أغامبين عن حالة الاستثناء والحياة العارية، وذهبت إلى بناء تصور نظري عن إسرائيل كدولة عرقية ومستعمرة استيطانية. وعملت، بعد ذلك، على تفكيك مقولة نظرية أغامبين ذات طابع المركزية الأوروبية كما استخدمت نقد وييليي في وضع العرق في صميم الفهم النظري عن إسرائيل كنظام استعماري استيطاني، ويضع وولف العرق كأثر للتاريخ الاستعماري من خلال ملاحظة التراتبية العرقية لليهود الأوروبيين مقابل اليهود العرب، دون وضع العرق في مكانة مركزية للجريمة اليومية في منظومة الاستعمار الاستيطاني في فلسطين، وهو ما أريد أن أنهي به.
ليس بالضرورة أن تقبل التوجهات التي تدين الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1967، احتلال الأراضي الفلسطينية الذي حصل في العام 1948 أو النكبة التي شهدت طرد 800 ألف فلسطيني وتدمير وإخلاء أكثر من 500 قرية وحي حضري، أو قبول الاحتلال ذاته. وبوجود بعض الاستثناءات القليلة، غالباً ما تركز هذه التوجهات التحليلية على “رفض إسرائيل قبول الالتزامات القانونية المترتبة على وضع القوة المحتلة” (Ben-Naftali، Gross and Michaeli 2005). ويبدو أن مناقشة الالتزامات كقوة احتلال تركز على إجراءات محددة تتخذ في إطار الاحتلال دون النظر في الشرعية القانونية للاحتلال نفسه. كما يقول بن نفتالي، وغروس وميكائيلي، حتى الرأي الاستشاري الأخير الصادر عن محكمة العدل الدولية، حول الآثار والعواقب القانونية لبناء الجدار في الأرض الفلسطينية المحتلة، على الرغم من انتقاده له وللمشروع الاستيطاني ذي الصلة، وإعلان عدم شرعيتهما، إلا أنه لا يزال يركز على الإجراءات المحددة التي اتخذتها إسرائيل دون التشكيك في شرعية نظام الاحتلال نفسه. (Ben-Naftali، Gross and Michaeli 2005: 552)
إبداء الرأي حول شرعية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو أمر خارج عن اختصاصي. ومع ذلك، فاللجوء إلى الإجراءات العنيفة المتزايدة من قبل قوات الأمن الإسرائيلية ضد الفلسطينيين الذين يقاومون بطريقة مشروعة الاحتلال والحصار، بما في ذلك عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء – بدعم كامل من القيادة السياسية من رئيس الوزراء نتنياهو إلى أسفل والقيادة العسكرية – يجب أن تُفهم هذه الإجراءات ليس من الناحية القانونية فقط ولكن أيضاً من الناحية العرقية.
بعد الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، أصبح واضحاً أن هدم المنازل والقرى، سواء كان ذلك عقاباً على اتهامات مفترضة مزعومة، أو كرادع أو كجزء من آليات تصفية وتطهير السكان (في حالة هدم القرى البدوية، أو طرد الفلسطينيين في منطقة الأغوار)، والاعتقال الإداري (يُستخدم ضد الفلسطينيين وليس ضد اليهود “الإرهابيين”)، ولا سيما عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء.. جميعها إجراءات تقوم على أسس عرقية عنصرية. وكما يقول وييليي (2014)، إذا اتبعنا تعريف روث ويلسون غيلمور للعنصرية لجهة عدم تأسيسها على مفهوم النمط الظاهري أو الثقافة، ولكن “كإنتاج تقرع الدولة و/أو خارج القانون واستغلال نقاط الضعف المختلفة بين المجموعات وتعريضهم للموت المبكر”، فإذن ما هي العنصرية إن لم تكن استغلال و(إعادة) إنتاج العرق؟ (55).
يتم استهداف الفلسطينيين من قبل المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية ليس لأسباب من أنماط نماظاهرة أو ثقافية (على الرغم من أن الأولى ذات صلة أيضاً، نظراً لأن قوات الأمن الإسرائيلية تستهدف ليس فقط الفلسطينيين ولكن أيضاً، في بعض الحالات، اليهود الإسرائيليين “ذوي المظهر العربي”، ومثال ذلك ما حدث لطالب لجوء إريتري حين أطلق عليه حارس أمن النار في محطة الحافلات المركزية في تل أبيب وأعدم لاحقاً من قبل حشد من اليهود الإسرائيليين؛ Gross 2015)، ولكن من أجل أهداف سياسية أقرتها الدولة، والهدف النهائي منها هو ما يسميه وولف “منطق الإقصاء والإبادة”. فالعنصرية ،كما يؤكد وييليي، هي ” أداة مألوفة لنزع الصفة الإنسانية يتحقق فيها شيوع التطرف الإيديولوجي”. ونظراً لأن تجاوز حالة الإنسان المستباح عند أغامبين يسير جنباً إلى جنب مع التمييز العرقي العنصري -حتى لو لم يقل أغامبين ذلك صراحة- فإن الإنسان المستباح لا يقع فقط قانونياً وإيديولوجياً خارج نطاق المجتمع السياسي .. يتميز تغيرهم بصورة واضحة، مما يجعل إدانة الإنسان المستباح أمراً منطقياً ضمن قيود تجمعات عرقية إنسانية “(Weheliye 2014: 72). تماماً كما تم عرقنة اليهود كأشخاص غير بيض / غير آريين، كذلك تقوم إسرائيل بعرقنة المواطنين الفلسطينيين والفلسطينيين المحتلين والمحاصرين وفي الشتات على أنهم غير يهود / غير بيض مع تبرير تعريفهم العرقي لأنفسهم بمصطلح الدفاع عن النفس.
….
ملاحظات المترجم
*يستخدم مصطلح النخر الوجوديNecropolitics في حقل الاجتماع السياسي والنظرية السياسية للإشارة إلى هيمنة السلطة على “الحيز البيولوجي” للسكان من خلال التحكم بحياتهم وموتهم. نحت المفكر الكاميروني أشيل مبيمبي، هذا المصطلح في مقالة نشرها في العام 2003 ، ثم طوّره لاحقاً في العام 2019 في كتاب يحمل أيضاً العنوان ذاته، مستفيداً من مقولة ميشيل فوكو عن معنى الـ biopouvoir لشرح السبل التي تستخدمها السلطة في توظيف قواها السياسية والاجتماعية لتحكم في الطريقة التي ينبغي للبعض أن يعيش ويموت، ونتمثل حالة “نخر” المعيش اليومي في تسهيل أو تشجيع عمليات وآليات القتل والعنف الجماعي الموجه ضد فئة معينة من السكان وهو ما يعني، في نهاية المطاف، التدخل في إنتاج الحياة ذاتها وكذلك في الاحتفاظ بحق التخلص منها عن طريق الجهاز الحكومي ومؤسسات الدولة واستصدار أو استنساخ اللوائح والقوانين والسياسات والأعمال العسكرية ذات الصلة. وبعيداً عن التصورات النظرية لمعنى النخر الوجودي للمصطلح، تشير سياقات أخرى إلى توظيفه في فهم الصراعات ذات الطابع القومي/ العنصري وحالات العنف السياسي والهجرة والاستعمار الاستيطاني وغيرها من الملامح الاجتماعية والسياسية.
لا شك أن تقنية النخر الوجودي هذه تعكس بصورة واضحة تأثير السلطة في “تنظيم” حياة وموت بعض السكان يما يتوافق مع مصالح السلطة السياسية ومن تمثلهم، بما يعني أيضاً تحقيق المصالح الاقتصادية الاجتماعية لفئة من السكان متحالفة مع السلطة إزاء فئة أو فئات أخرى.
إن الاستخدام العملي للنخر الوجودي (بشقيه: الحياة وعدمها) يسمح بخلق ما يسميه مبيمبي “عوالم الموت deathworlds” أو “أشكال جديدة وفريدة من الوجود الاجتماعي يخضع فيها عدد كبير من السكان لظرف معيشي يصنفون بموجبه بالأحياء الأموات” (للمزيد، انظر: Mbembe, Achille (October 2019). Necropolitics. Durham: Duke University Press ). يؤكد مبيمبي ارتباط سياسات النخر الوجودي بالسياسات العنصرية والعرقية كدافع رئيسي، حيث تبدو حياة الناس المستهدفين بها بلا قيمة وغير ذات أهمية، وهذا قريب من مفهوم أغامبين للإنسان العاجز أو المستباح الذي يرى بعدم وجود فرق بين حياة وموت الإنسان المستباح، وتبدو فكرة مبيمبي أكثر عمقاً حين يرى أن قتل أو موت البعض لا يعني “موتهم” فقط بل يصبح له معنى “حق” السلطة في اتخاذ قرار موته دون أن يحق له الاعتراض أو حتى الدفاع عن نفسه .
وهذا أمر فظيع حقاً إذ لا نراه حتى في عوالم الناشيونال جيوغرافيك.
ويمتد المعنى، والحال هذا، إلى تبرير صيغ “الموت الجماعي” المخصوص لفئة اجتماعية دون غيرها، ويستخدم مبيمبي العديد من الأمثلة عن “الأشكال المعاصرة لإخضاع الحياة لقوة الموت” وتأرجح الأجساد في منزلة بين المنزلتين من الحياة والموت، فيرى في أشكال العبودية والفصل العنصري والميز العرقي واستعمار فلسطين والانتحاري كأشكال مختلفة من سلطة النخر necropower على الجسد، أي (الدولة، والطبيعة العنصرية، وحالة الاستثناء، والطوارئ، والاستشهاد) تختزل الناس إلى ظروف وتدابير متطرفة تجعل حياتهم محفوفة بمخاطر عديدة ليس أقلها العنصرية البنيوية والفقر الهائل والشرخ الطبقي العميق والسياسات النيوليبرالية التي تدعمها عادة الإيديولوجية الحكومية والتي تعمل كقوة حيوية بالمعنى الفوكوي، أي السيطرة على الجسد البيولوجي بأتم معنى الكلمة.. وهكذا تصبح العديد من البنى الفوقية الاجتماعية كالفن والثقافة والنقد والتعليم مجرد أدوات سياسية بيولوجية خالصة هدفها حماية السلطة السياسية المهيمنة. اللافت في النظر أن أحكام النخر الوجودي Necropolitics وسلطته necropower لا تتوقف عند الأنظمة النيوليبرالية والاستعمارية والعنصرية بل قد نجده لدى العديد من الأنظمة الشعبوية “اليسارية” التي تهيمن على مجتمعاتها عبر ممارسات غير خاضعة للمساءلة مثل ما نراه في سوريا الأسد وليبيا القذافي وعراق صدام ويمن علي عبد الله صالح وفنزويلا شافيز.. إلخ، فهذه فئات لا تحكم دول من خلال مؤسسات دستورية في حقيقة الأمر بل أنها تدير دولة/مقبرة إن جاز لنا القول. حيث يتم تحوير تاريخ الدولة/ الأمة عبر الإعلاء الانتهازي النخبوي من شأن “الاستشهاد” وتمجيد الموت بما يتماشى مع “قيم” الحزب الحاكم أو “الطبقة” الحاكمة، فالشهادة والدم و”أخوة الدم والتراب” هي التي تصنع الأمة ويكون استحضار “التاريخ المجيد” عن استذكار الحروب والفتوحات والأبطال التاريخيين والأسطوريين ليضع الأمة الحديثة في رهان دائم وقلق مع المستقبل تستوحي متطلبات وجودها من الاستخفاف بالحياة ورفع قيمة الموت “اقرأها الاستشهاد إن شئت”
** يستخدم مصطلح “Thanatopolitics” بمعنى استثمار الموت” أو :استثمار التهديد بالموت” (حسب السياق) لوصف العلاقة بين السلطة السياسية والموت والكيفية التي تستغل فيها هذه السلطة حالة طبيعية مثل الموت لتحقيق أغراضها السياسية والاجتماعية وحتى الدعائيةـ ضمن سياقات وممارسات بالموت (عن رغبة أو بالإكراه) والأفكار العميقة التي تقف خلفه (أي الموت).
استخدم ميشيل فوكو هذا المصطلح في “المراقبة والمعاقبة” بالقول “هيا اذهب اقتل نفسك ونعدك بحياة مديدة وممتعة”، ولعل هذا يشبه إلى درجة كبيرة ثقافة “العمليات الانتحارية” لدى الأحزاب والحركات المسلحة التحررية (يحمل هذا القول الفوكوي معاني شديدة العمق لدى الحركات الإسلامية المسلحة مثل طالبان وحماس والجهاد والحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي … وغيرها) ومثلما تقوم السلطة السياسية (سواء كانت حاكمة أو في غير موقع الحكم، بإدارة وتنظيم الموت (وكذلك الحياة كما هو في الشرح السابق أعلاه عن معنى النخر الوجودي) وتوجيهه نحو أهداف محددة فسوف يصبح معنى الموت سهلاً (وأحياناً بلا معنى أصلاً) نظراً لأن صاحب الجسد المستدعى للموت لا يملك الحق في اختيار، بالأحرى، تقرير موته.
يعبر استثمار أو استغلال الموت عن العلاقة المعقدة بين السلطة السياسية وثقافة الموت الذي تتحكم به بطرق عديدة، بدءً من آليات القمع المباشر وصولاً إلى سن القوانين والتشريعات التي تنظم الموت وتسيطر عليه من خلال الترويج بجعل حياة الناس لا تطاق (كما تفعل إسرائيل تماماً بترويجها للخوف من الموت والتهديد بأنواع العقاب المختلفة التي تسير بالحياة على حافة الموت) فيتم التلاعب بالحياة من خلال التلويح بالموت، وهكذا يصبح الجسد أسيراً لهذه الممارسات، على أن استغلال الموت يعتبر هدفاً نهائياً telos في الدولة العنصرية، فيكون موت الفئة التي يقع عليها الاضطهاد القومي والتمييز العنصري/ العرقي ذو مغزى للطبقة الحاكمة و “محصولاً بيولوجياً” جيداً يعتد به.
هل يتوقف استغلال الموت هنا؟
بالتأكيد لا.. فالموت في الواقع، آلية بيولوجية حتمية تنظم الوجود الإنساني على هذه الأرض، لكن الموت ليس واحداً في تأثيره على المجتمعات المختلفة والمتنوعة، فمناقشة الموت لدى شخص مسلم تختلف جوهرياً عن مناقشته مع مواطن غربي، كما أن الموت لدى شعوب جنوب شرق آسيا واليابان والصين لا يحمل ذات المعاني “الثقافية” التي يراها الأفريقي جنوب الصحراء في الموت. وهذا ليس كلاماً عنصرياً بأي حال، بقدر ما هو نظرة تعددية إلى تأويل الموت وثقافته على الصعيد العالمي، ولذلك يناقش الأفراد بصفة عامة الموت، سواء مع الآخرين أو بين أنفسهم، دون إدراك هذا التمييز في تأويل معانيه، ولذلك قد لا يرى البعض فيه أبعاداً سياسية، ولعل ما عاشته البشرية قبل عامين (فترة وباء كورونا) جعل من الصعوبة بمكان تجاهل الموت، فها هو يحيط بنا من كل جانب وبات أقرب إلينا من شهيقنا وزفيرنا، الأمر الذي سيلغي بلا شك (في هذه الحالة الخاصة فقط) المعنى السياسي لاستثمار الموت والتغاضي عن عدم فكرة قرار السلطة في من يعيش ومن يموت، إذا لم يعد بالإمكان النظر إلى الموت بمعانيه الرمزية على المستوى الثقافي حتى لو تم إرجاعه في هذه الحالة الخاصة إل مفاهيم خلاصية شديدة القتامة التشاؤم، نظراً لوضوحه الشديد وشيوعه.
باختصار، عدم التفكير بالشيء لا يعني عدم وجوده، فنحن بطريقة ما نعترف بوجوده حتى لو أنكرنا ذلك علناً، نحن نفهم ذلك ونستطيع أن نحسبه كمياً ( انظر كيف بدأ الجميع في تعداد من ماتوا بالوباء في مراحله الأولى وكيف كانت هذه الإحصائية عملاً روتينياً نقوم به، أو كيف صرنا نتابع عدد ضحايا زلزال مرعش ربما لنعرف عدد القتلى أكثر من اهتمامنا باي تفاصيل أخرى، مثل متابعة عمل الحكومة وتقصيرها في بعض الجوانب.. لماذا يا ترى؟.. الجواب سهل ، لأن الحياة غالية.. لأن الإنسان أغلى الموجودات.. لأن كل شيء قابل للتعويض إلا الحياة نفسها … إلخ من التعابير القدرية، فمن يعيش ليس كمن يموت.. حقاً هو الأمر كذلك )
…..
هوامش
- وفقاً لمؤسسة الضمير، يوجد 7000 أسير سياسي فلسطيني في السجون الإسرائيلية بينهم 60 أنثى و 406 طفل، 108 منهم دون سن 16 (http://www.addameer.org/).
- كجزء من مؤتمر باريس للسلام الذي انعقد بعد الحرب العالمية الأولى عام 1919، خُصصت السيطرة الإدارية لفلسطين للانتداب البريطاني بموجب المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم، وسميت المنطقة ب “أراضي الانتداب البريطاني على فلسطين”. وفي تموز 1920، تولت الإدارة المدنية للانتداب السيطرة العسكرية على القدس كعاصمة لفلسطين (http://www.palestinefacts.org/pf_ww1_british_mandate.php).
- نقلاً عن Weheliye (2014: 72).
- الإدارة المدنية هي جزء من جهاز التنسيق الحكومي الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وهي مسؤولة عن تنفيذ سياسة الحكومة في يهودا والسامرة وتطور المنطقة في المجالات المدنية، وفقاً لتعليمات الدولة وبالتنسيق مع الوزارات الحكومية والجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن. وعلى هذا النحو، تعتبر الإدارة المدنية جزء حيوي من أنشطة الجيش الإسرائيلي.. والدور المركزي للإدارة المدنية هو التنسيق المدني والأمني مع السلطة الفلسطينية… بالإضافة إلى ذلك، تتولى الإدارة المدنية التنسيق مع الهيئات الدولية بخصوص المساعدات الإنسانية والمبادرات في يهودا والسامرة. (http://www.cogat.idf.il/1279-he/Cogat.aspx)
- كثيرا ما استخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك المثل الدارج عن إسرائيل بصفتها “قصراً وسط غابة” بمعنى: نحن جزيرة من الحضارة محاطة بحيوانات متوحشة. وهذا مشابه بشكل تماماً للمواقف الاستعمارية القديمة الراسخة بهذا الشأن، وفي الواقع، يعتبر استشهاد باراك مختلفاً عن مجاز هرتزل (أبو الصهيونية الحديثة) عن “الجدار ضد البربرية” (أفنيري 2002).
- قانون العودة 5710-1950 (http://www.mfa.gov.il/mfa/mfa-archive/1950-1959/pages/law%20of%20return%205710-1950.aspx).
- أو بالنسبة لموجة الهجرة من الاتحاد السوفيتي السابق، 50٪ منهم ليسوا يهوداً وفقًا للقراءة الأرثوذكسية، الأقارب اليهود (Hayeem 2010).
- http://www.al-nakba-history.com/
- في الواقع، يتم إعادة المصادقة على أنظمة الطوارئ وتجديد لوائحها سنوياً في الكنيست الإسرائيلي (Pappe 2008: 149).
10.http://www.badil.org/en/al-majdal/item/1404-mahajneh-jnf-and-israeli-law
11.http://adallah.org/eng/Israeli-Discriminatory-Law-Database
- Times of Israel, Joint List Slams “‘Miserable, Anti-democratic’ Suspension of Its MKs”, 8 February.http://www.timesofisrael.com/joint-list-slams-miserable-anti-democratic-suspension-of-its-mks/
- http://www.matzpen.org/english/
- شعار صهيوني استخدمه رجل دين مسيحي منذ عام 1843 (Garfinkle 2009: 265).
- كيبوتس (كلمة بالعبرية تعني “التجمع”) هو مجتمع زراعي تعاوني جماعي. تأسس الكيبوتس الأول عام 1909. موشاف (تعني بالعبرية “قرية، مستوطنة”) وهو مجتمع زراعي تعاوني يتألف من مزارع صغيرة أسسها حزب العمل الصهيوني.
- “Comparing colonial and racial regimes”. https://www.youtube.com/watch?v=xwj5bcLG8ic&feature=youtu.be
- See Hesse (2011).
- ومع ذلك ، بدأ بعض العلماء في التنظير حول العنصرية (على سبيل المثال ، Shenhav and Yonah 2008) ، وأصبحت المناقشات حول العنصرية أكثر شيوعًا في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
- https://www.youtube.com/watch?v=xwj5bcLG8ic&feature=youtu.be
- http://www.thelocal.de/20150428/renewed-calls-to-recognize-namibian-genocide
- See Shenhav (2006b).
المراجع
Abunimah, A. (2016) “Muhammad al-Qiq Ends 94-Day Hunger Strike in Deal with Israel”, Electronic Intifada, 26 February. Available online at https://electronicintifada.net/blogs/ali-abunimah/muhammad-al-qiq-ends-94-day-hunger-strike-deal-israel (accessed 15 April 2016).
Adalah (2012) New Discriminatory Laws and Bills in Israel. Haifa: Adalah. Available online at http://adalah.org/Public/files/English/Legal_Advocacy/Discriminatory_Laws/Discriminatory-Laws-in-Israel-October-2012-Update.pdf (accessed 15 April 2016).
Agamben, G. (1995) Homo Sacer: Sovereign Power and Bare Life. Stanford: Stanford University Press.
Agamben, G. (2005) State of Exception. Chicago: University of Chicago Press.
Albawaba News (2016) “Palestinian Hunger Striker Refuses Israeli Offer for May Release”. Available online at http://www.albawaba.com/news/palestinian-hunger-striker-refuses-israeli-offer-mayrelease-02598#.Vri5Uxe0QN8.facebook(accessed 15 April 2016).
Avnery, U. (2002) “Barak: Israel, a Villa in the Jungle”, Arab News, 17 July. Available online at http://www.arabnews.com/node/222588 (accessed 18 May 2016).
Ben-Naftali, O., Gross, A.M. and Michaeli, K. (2005) “Illegal Occupation: Framing the Occupied Palestinian Territory”, Berkeley Journal of International Law 23(3): 551–614.
Benvenisti, M. (ed.) (2002) Tomorrow Morning: The Peace Era, not Utopia. Jerusalem, Israel: Carmel and the Truman Institute.
Berda, Y. (2012) The Bureaucracy of the Occupation: The Permit Regime in the West Bank, 2000–2006. Tel Aviv: The Van Leer Jerusalem Institute / Hakibbutz Hameuchad.
Bloom, E. (2007) “What ‘the Father’ Had in Mind? Arthur Ruppin (1876–1943), Cultural Identity, Weltanschauung and Action”, History of European Ideas 33: 330–349.
B’Tselem (2014) “Administrative Detention”. Available online at http://www.btselem.org/administrative_detention (accessed 15 April 2016).
Euro-Med Monitor for Human Rights. (2015) Israel’s Arbitrary Killings and its System of Structural Violence. Geneva: Euro-Med Monitor http://www.euromedmonitor.org/en
Falk, R. (2006) Zionism and the Biology of the Jews. Tel Aviv: Resling.
Foucault, M. (2003) Society Must Be Defended: Lectures at the Collège de France, 1975–76. London: Allen Lane.
Garfinkle, A. (2009) Jewcentricity: Why the Jews Are Praised, Blamed, and Used to Explain Just about Everything. London: John Wiley & Sons.
Ghanim, H. (2008) “Thanatopolitics: The Case of the Colonial Occupation in Palestine”, in R. Lentin, ed., Thinking Palestine. London: Zed Books.
Gilmore, R.W. (2007) Golden Gulag: Prisons, Surplus, Crisis, and Oppression in Globalizing California. Berkeley: University of California Press.
Goldberg, D.T. (2002) The Racial State. Oxford: Blackwell.
Goldberg, D.T. (2009) The Threat of Race: Reflections on Racial Neoliberalism. Oxford: Wiley-Blackwell.
Gross, A. (2015) “The Police and the Politicians Sanctioned Lynching the Asylum Seeker”, Haaretz, 19 October. Available online at http://www.haaretz.co.il/news/law/.premium-1.2755249 (accessed 15 April 2016).
Hayeem, A. (2010) “Israel’s Unfair ‘Law of Return’”, The Guardian, 11 March. Available online at http://www.theguardian.com/commentisfree/2010/mar/11/israel-return-jews-palestinians (accessed 18 May 2016).
Hesse, B. (2011) “Self-Fulfilling Prophecy: The Postracial Horizon”, The South Atlantic Quarterly 110(1): 155–178.
Kemp, A. and Raijman, R. (2008) Workers and Foreigners: The Political Economy of Labour Migration in Israel. Jerusalem: The Van Leer Jerusalem Institute.
Kimmerling, B. (1983) Zionism and Territory: The Socio-Territorial Dimensions of Zionist Politics.
Berkeley: Institute of International Studies, University of California Press.
Lentin, R. (2008) “Introduction”, in R. Lentin, ed., Thinking Palestine. London: Zed Books.
Lentin, R. (2015) “Israel/Palestine: State of Exception and Acts of Decolonisation”, in S. Wilmer and A. Zukauskaite, eds, Resisting Biopolitics: Philosophical, Political and Performative Strategies. London: Routledge.
Levy, G. (2016) “Call Them What They Are: Extrajudicial Executions”, Haaretz, 17 January.Available online at https://richardedmondson.net/2016/01/22/call-them-what-they-are-extrajudicialexecutions/(accessed 15 April 2016).
Makdisi, S. (2015) “They’re Palestinians, Not ‘Israeli Arabs’”, Los Angeles Times, 27 March. Available online at http://www.latimes.com/opinion/opinion-la/la-ol-palestinians-not-israeli-arabs-makdisiblowback-20150327-story.html (accessed 15 April 2016).
Mbembe, A. (2003) “Necropolitics”, Public Culture 15(1): 11–40.
Morgensen, S.L. (2011) “The Biopolitics of Settler Colonialism: Right Here, Right Now”, Settler Colonial Studies 1: 52–75.
Murphy, M.C. (2016) “Video Shows Execution of Palestinian in Jerusalem”, Electronic Intifada, 19 February. Available online at https://electronicintifada.net/blogs/maureen-clare-murphy/videoshows-execution-palestinian-jerusalem (accessed 15 April 2016).
Pappe, I. (2006) The Ethnic Cleansing of Palestine. Oxford: Oneworld Publications.
Pappe, I. (2008) “The Mukhabarat State of Israel: A State of Oppression Is Not a State of Exception”, in R. Lentin, ed., Thinking Palestine. London: Zed Books.
Ram, U. (1993) “Society and Social Sciences: Institutional Sociology and Critical Sociology in Israel”,in U. Ram, ed., Israeli Society: Critical Perspectives. Tel Aviv: Breirot Publishers.
Sand, S. (2009) The Invention of the Jewish People. London: Verso.
Shafir, G. (1989) Land, Labour and the Origins of the Israeli-Palestinian Conflict, 1882–1914. Cambridge: Cambridge University Press.
Shafir, G. (1993) “Land, Labour and Population in Zionist Colonization: General and Unique Aspects”, in U. Ram, ed., Israeli Sociology: Critical Perspectives. Tel Aviv: Breirot Publishers.
Shenhav, Y. (2006a) “The Imperial History of ‘State of Exception’”, Theory and Criticism 29: 205–218.
Shenhav, Y. (2006b) The Arab Jews: A Postcolonial Reading of Nationalism, Religion, and Ethnicity. Stanford: Stanford University Press.
Shenhav, Y. and Yonah, Y. (2008) Racism in Israel. Jerusalem: The Van Leer Jerusalem Institute.
Spillers, H. (2003 [1987]) “Mama’s Baby, Papa’s Maybe: An American Grammar Book”, in Black, White, and in Color: Essays on American Literature and Culture. Chicago: Chicago University Press.
Svirsky, M. and Bignall, S. (eds) (2012) Agamben and Colonialism. Edinburgh: Edinburgh University Press.
Svirsky, M. (2012) “The Cultural Politics of Exception”, in M. Svirsky and S. Bignall, eds, Agamben and Colonialism. Edinburgh: Edinburgh University Press.
Walters, W. (2008) “Acts of Demonstration: Mapping the Territory of (Non-) Citizenship”, in E. Isin and G. Nielsen, eds, Acts of Citizenship. London: Zed Books.
Webb-Pullman, J. (2013) “Israel: Immune or Impugnable?” Alray, Palestinian Media Agency, 26 March. Available online at http://alray.ps/en//index.php?act=post&id=93#.Vy8l-75HN_k (accessed 18 May 2016).
Weheliye, A.G. (2014) Habeas Viscus: Racializing Assemblages, Biopolitics, and Black Feminist Theories of the Human. Durham and London: Duke University Press.
Wolfe, P. (2006) “Settler Colonialism and the Elimination of the Native”, Journal of Genocide Research 8(4): 387–409.
Yesh Din (2013) Military Courts. Available online at http://www.yesh-din.org/cat.asp?catid=5 (accessed 15 April 2016).
Yiftachel, O. (2016) “Call Apartheid in Israel by Its Name”, Haaretz, 11 February. Available online at http://www.haaretz.com/opinion/.premium-1.702597 (accessed 15 April 2016).
Zreik, R. (2008) “The Persistence of the Exception: Some Remarks on the Story of Israeli Constitutionalism”, in R. Lentin, ed., Thinking Palestine. London: Zed Books.