النموذج السويدي Svenska modellen: اختصارا هو تحمل المسؤولية عن كل ما يخص قوانين العمل وتطويرها وتحديد الأجور لكل المهن من قبل النقابات العمالية ممثلة باتحاد أو منظمة النقابات العمالية LO (Landsorganisationen i Sverige) وأرباب العمل ممثلين باتحاد الشركات الصناعية السويدية وأرباب العمل Svenskt Näringsliv اختصارا SN وكانت في السابق تعرف باسم (Svenska Arbetsgivareföreningen SAF) أي اتحاد جمعيات أرباب العمل، وSN هي منظمة مندمجة بين SAF والاتحاد السويدي للصناعة. وهذه عملية يجب أن تكون متحررة تماماً من تدخلات الأحزاب السياسية والدولة عموما، وفي حال أرادت الحكومة والأحزاب والبرلمان التدخل وإقرار أي تعديل جوهري بشأن سوق العمل يجب أن تحضر هذه الأطراف المفاوضات ويكون لها القول الحاسم كما حصل عام 2020 وفقا لاتفاق يناير حيث حسم الأمر الذي كاد يؤدي لأزمة حكومية من قبل أصحاب العلاقة الذين أشرنا إليهم. وشيء آخر يشبه ذلك يتعلق بالإسكان وتحديد إيجار الشقق السكنية المتماثلة ويتم ذلك بالاتفاق والتفاوض بين اتحاد جمعيات المستأجرين واتحاد جمعيات المالكين. ومن هذه النقطة قد نفهم المشكلة الجارية الآن حول تحقيق ما يسمى تحرير إيجارات المباني السكنية التي ستبنى حديثا، ولكن لن أدخل في ذلك الآن كي لا نبتعد كثيرا عن الموضوع الأساسي وهو النموذج السويدي.
لمحة تاريخية:
تعود تسمية النموذج السويدي إلى العام 1938 حيث تم إبرام معاهدة بشأنه عرفت باتفاقية Saltsjöbadsavtalet، فمنذ مطلع الثلاثينات شهدت السويد صراعات كبيرة بشأن قوانين العمل ربما كانت الأعلى على صعيد أوروبا، إلى أن حسمت تلك الصراعات بالاتفاقية المشار إليها في 20 كانون أول ديسمبر 1938 عبر توقيع اتفاق مباشر بين رب العمل والموظف، وبعد ثمان سنوات أصبحت نزاعات العمل في السويد هي الأقل على صعيد أوروبا. ومنذ ذلك الحين أصبح هذا النموذج ضمن إطار مسؤوليات منظمة النقابات العمالية LO واتحاد جمعيات أرباب العمل SAF الذي أصبح عام 2001 SN. وأنيطت بهما عملية تحديد الأجور وتطوير كافة القواعد والقوانين المتعلقة بسوق العمل، ضمن ما يعرف بالاتفاقية الجماعية kollektivavtal وبما يتناسب مع كل صناعة ومهنة على حدا وهي تحمي حقوق العامل ( الأجور، الإجازات، ساعات العمل، قوانين التسريح وإنهاء العقود أو الثبيت إلخ) وتحدد أيضاً حقوق رب العمل، وكل موظف ينتمي لنقابة يتمتع بحقوق الاتفاقيات الجماعية.
تم توقيع معاهدة Saltsjöbaden أي النموذج السويدي من قبل أوغست ليندبيري ممثلا للاتحاد السويدي للنقابات العمالية وسيغفريد إيدستروم ممثلا لاتحاد جمعيات أرباب العمل والصناعات. من الناحية الإيديولوجية يمكن تصنيف النموذج السويدي على أنه الحل الوسط بين اقتصاد السوق معبرا عن المصالح الرأسمالية والنمو الاقتصادي والربحية وبين السياسة الاجتماعية الليبرالية والسياسة الاجتماعية الاشتراكية الديمقراطية، ويعتقد البعض أن لها جذور في المجتمع الزراعي السويدي تعود إلى عام 1905. ولا أريد الدخول بأسماء أصحاب تلك الفكرة كي لا نتشعب أكثر. يستمد النموذج قوته من توازن القوى والقدرة على فرض الحلول الوسط بشأن سوق العمل ومن ثم الإجماع بشأنها، لذا فهي تشترط درجة عالية من التنظيم النقابي وهنا ضرورة انتساب كل عامل لنقابته، بالإضافة إلى تنظيم أيضا وانضباط من قبل جمعيات أرباب العمل، والاعتراف المتبادل من قبل جميع الأطراف ببعضهم البعض، هذا إضافة إلى موافقة الدولة على ترك موضوع الأجور وقوانين العمل لتلك الجهات وعدم التدخل الصارخ بها، حقق هذا النموذج نجاحات مبهرة بين أعوام 1938 و1973 وأدى إلى توازن الاقتصاد السويدي، حتى تردد صدى هذا النموذج في جميع أرجاء العالم، حتى أن الكثير من المنظرين السوفييت عشية انهيار الاتحاد السوفيتي أقروا بأهمية النموذج السويدي كنموذج اشتراكي، رغم معاداة ستالين ولينين للنموذج الاشتراكي الاجتماعي أو الاشتراكي الديمقراطي لاحقا وحاليا السويدي الذي هو الأساس الإيدولوجي للنموذج السويدي.
حصل النموذج على زخم كبير عندما تدخلت في السبعينات الحكومات الاشتراكية الديمقراطية وأدخلت تشريعات منحت اتحاد النقابات العمالية LO قوة أكبر في المفاوضات الجماعية، أدى ذلك إلى طفرة كبيرة في رفع أجور العمال والموظفين، ولكن ذلك أدى إلى بعض الخسارات الاقتصادية التي أنجزتها الحكومات البرجوازية عبر تهميشها لفترات بعض قواعد النموذج السويدي وألحاق الضرر بمكاسب العمال. ومنذ ذلك الحين هذا النموذج هو محط صراع بين الأحزاب الحمراء والأحزاب البرجوازية، فيما تريد الأحزاب الحمراء تعزيزه تريد الأحزاب البرجوازية إضعافه وحتى انهائه لو استطاعت واتباع النمط السائد في دول الاتحاد الأوروبي، وتكريس اقتصاد السوق في كل شيء، بما في ذلك سياسة الإيجار وسوق السكن، باختصار تعزيز الخصخصة على حساب الاقتصاد المشترك الاجتماعي وبمنعى آخر الاشتراكي. طبعا شهد النموذج محطات عديدة لا داعي لأن نتوقف عندها. وما يخص أزمة تحرير أجور السكن الحالية حلها يكمن بالعودة إلى أصحابها تماما مثل قوانين العمل، وهم اتحاد جمعيات المستأجرين واتحاد جمعيات المالكين ولترفع الأحزاب يدها عن تلك القضية.