من دفاتر أيام عادل الأسطة (6): مظفر النواب وفلسطين في شعره

حضر الموضوع الفلسطيني في أشعار مظفر النواب منذ قصيدته الشهيرة ” وتريات ليلية ” التي كتبها في بداية ٧٠ القرن ٢٠ .

خص مظفر في القصيدة فلسطين بأسطر قليلة عن القدس صارت الأشهر في الكتابة عن المدينة منذ كتب عنها ، وقد كتب عنها الكثير بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ ، فقبل ذلك العام ما كان لها حضور لافت في الأدب العربي .

جاءت الأسطر الخاصة بالقدس في ضوء هجاء الشاعر للأنظمة العربية قاطبة ، بل وفي ضوء تعببره عن قرفه من سوء الأوضاع العربية بشكل عام ، ويومها عزا مظفر سبب الهزيمة إلى الحكام والجماهير معا ، فلم يستثن أحدا ، وحمل مسؤولية ضياع فلسطين إلى ” الثوار الكسبة ” :

” من باع فلسطين وأثرى بالله

سوى قائمة الشحاذين على عتبات الحكام

ومائدة الدول الكبرى ؟!

من باع فلسطين سوى الثوار الكسبة الكتبة ؟! “

من من قراء الشعر العربي الحديث لم يقرأ قول مظفر :

” فإذا أجن الليل تطق الأكواب بأن القدس عروس عروبتنا “؟ ، ولسوف يحضر وجه فلسطين للشاعر وهو يتعذب على أيدي جلاديه ليزداد صلابة فلا ينهار :

” بين الغيبوبة والصحو

تماوج وجه فلسطين ،

فهذي المتكبرة الثاكل

تحضر حيث يعذب أي غريب ” .

غير أن هذا السطر عن القدس والأسطر التي تلته ليست الوحيدة فيما يخص الموضوع الفلسطيني في أشعاره ، ففي العام ١٩٧٦ سقط مخيم تل الزعتر الواقع في بيروت وارتكبت القوات الكتائبية في حينه مجزرة بحق سكانه الباقين ، وقد خص الشاعر الحدث بقصيدته الشهيرة ” تل الزعتر ” وفيها صور ما جرى وحاكم الحكام العرب وهجاهم بأقذع الشتائم . لقد وقف مظفر إلى جانب الثورة الفلسطينية وأهالي المخيم الضحايا من أطفال ونساء ومقاتلين ، ومجد الفدائي تمجيدا عاليا :

” أتحدى أن يرفع أحد منكم عينيه أمام حذاء فدائي يا قردة ” .

هذا التمجيد للفدائي لم يقتصر على السطر السابق ، فللشاعر قصيدة طويلة جدا عن الفدائي الفلسطيني أبو مشهور الذي تسلل عبر النهر ليقاوم المحتل ويدافع عن القدس ، ويبدو أن قرب مظفر من الحركة الفدائية وقياداتها أيضا ترك أثرا كبيرا في الكتابة في هذا الموضوع . كان عنوان القصيدة ” صرة الفقراء المملوءة بالمتفجرات ” وأما أبو مشهور فهو ” مقاتل فلسطيني قاوم في مذابح الأردن ورفض أن ينسحب ثم مات في ظروف غامضة بعد ذلك ” ، وفي كلام مظفر ما فيه من تلميحات وإشارات تدين قيادات في المنظمة .

ستظل القضية الفلسطينية حاضرة في أشعاره باستمرار ، وحين يستشهد الفنان ناجي العلي سيخصه الشاعر بقصيدة طويلة عنوانها ” مرثية لأنهار من الحبر الجميل ” ويبدو أن ثمة تشابها بين الشاعر وفنان الكاريكاتير في صرامة الموقف والانحياز إلى الجماهير وحركة المقاومة في صفائها ونقائها وعدم التصالح مع كل من يحاصرها ويساوم على الحق الفلسطيني والتراب الفلسطيني من النهر إلى البحر ، وقد عبر مظفر عن الحق الفلسطيني الكامل في قصيدته الشهيرة ” المسلخ الدولي ” وفي تغنيه بمدن الساحل الفلسطيني بخاصة يافا .

وإذا كان ناجي العلي اغتيل في تموز ١٩٨٧ فإن الانتفاضة الفلسطينية اشتعلت في نهاية العام نفسه ، وكان مظفر يتابع أحداثها . في ربيع ١٩٨٨ تمكنت إسرائيل من اغتيال خليل الوزير أبو جهاد في بيته في تونس ، فرثاه مظفر ، وفي الانتفاضة نفسها حاول الإسرائيليون دفن شباب فلسطينيين على مداخل نابلس وهم أحياء . هذا الحدث ترك أثره في نفسية مظفر فكتب فيه قصيدة الانتفاضة الخاصة به .

وقد ظل الهم الفلسطيني يؤرقه ، ففي الانتفاضة الثانية التي استشهد فيها الطفل محمد الدرة وحاصرت القوات الإسرائيلية مخيم جنين وسوت أكثر مبانيه بالأرض كتب الشاعر عن الحدث مشيدا بالمقاومة الباسلة التي أبداها المحاصرون . كانت مقاومة أهل المخيم مقاومة أسطورية في زمن كانت الجيوش العربية لا تصمد فيه في القتال طويلا . هذا ما دفع مظفر ليكتب عن ابن المخيم المقاوم :

” هذا الفتى البهي من جنين

حذاؤه أشرف منهم جملة ومفردا ، هيهات أن يلين “

وصارت قصيدة “جنين ” تستحضر باستمرار ، فكلما حوصر المخيم وقاوم ابناؤه وازدادت مقاومتهم ضراوة استحضرت القصيدة ، حتى لكأن كاتبها فلسطيني من مخيم جنين .

وأنا أدرس قصيدة ” المسلخ الدولي : باب بوابة الأبجدية ” التفت إلى حضور الموضوع الفلسطيني فيها ونعت صاحبها بأنه العربي الفلسطيني .

لقد كان الموضوع الفلسطيني في أشعار مظفر حاضرا حضورا كبيرا حتى ليخيل لقاريء أشعار الشاعر ، قبل أن يلتفت الشاعر إلى العراق والمدن العراقية وحنينه إليها ، أن مظفر شاعر فلسطيني لا شاعر عراقي ، ولقد كان كذلك حقا .

عن د.عادل الاسطه

شاهد أيضاً

موضوع السجن في الأدب الفلسطيني قبل العام 1948

في التاسع والعاشر من الشهر الجاري، قدمت ورقة في مؤتمر الرواية في جامعة اليرموك الذي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *