من المقدمة:
لن تكون السطور أدناه دراسة في شعر محمود درويش، بل محاولة للإجابة على تساؤلاتي الشخصيّة الأولية والبديهية التي شغلتني ثم تحولت إلى هاجس يحث المرء أكثر على الإجابة بعد رحيله: لماذا أحب شعر محمود؟؟ لماذا سكنني وسكنته منذ أن وقعت عيناي على أول جملة قرأتها بقلبي: «لأول ضفة أمشي»؟؟ ربما أثناء محاولتي هذه، وأنا أجوب قصائده متنّقلة بين مجموعاته، أي بين أزمنته وأمكنته وشعريته، صاعدة – تارة – من الطبقات السفليّة إلى المعمار الأعلى، وأخرى أجوس بين الغرف والممرات أفقيا، قد أعثر على مكامن الأسباب، وربما يحالفني حظ ما، فأمسك بجوهر، لا أدّعي أنني أول من أبانه وأظهره، ولكنني أكون قلته بطريقتي، كقارئة عاديّة مزودة بفضول المعرفة ولذة الاكتشاف، ومثابرة دؤوبة على تتبّع ذلك المشروع الشعري الشامخ الذي «أعاد للشعر كرامته».
هي محاولة، إذن، لرصد جدليّة الزمان والمكان عبر استقصاء تحليلي لنصوص مختارة باعتبارها ثيمة أساسيّة متجذّرة في شعره منذ البدايات وحتى آخر قصائده، وإحدى أهم مكونات شعريّته، ففيها يتمُثل وعي ورؤية وتفسير الشاعر للتاريخ، ومن ثمّ فهمه لتلك اللحظة المفارقة: لحظة الاقتلاع من الأرض ونفي أهلها منها، والتي خلّفت فيه – كما عند شعبه- إحساساً ممضّاً لا ينتهي بالظلم الانسانيّ، الأمر الذي جعله يحسن الاصغاء إلى واقع الحياة، ولإيقاع الزمن فيها وتوقيعه عليها، فيختار-مثلما يفعل المظلومون الذين أخرجوا من حركة التاريخ ورموا على حوافّه – الانحياز إلى الجوهري والانسانيّ والكونيّ، مديراً ظهره مرّة واحدة وحتى النهاية إلى الزبد الجفاء. ومنذ تلك اللحظة وهو يعيش حالة التوتر هذه، منذ هجرته الأولى خارج المكان- مكانه الأول- صحيح أنه كان أصغر من ان يدرك حجم المأساة/ النكبة وأبعادها، لكن من الصحيح أيضاً أنه كفّ عن أن يكون طفلاً منذ اللحظة تلك مانحة إياه «حكمة الشيوخ، في سن السادسة» تاركة لذاكرته اختزان مشاهد وصور وتجارب تلك المرحلة، التي ستكون البؤرة لموضوعة الشعر الأول: المكان/ الأرض، ومجتمع العواطف البدائيّة: الحنين/ الزمان، وثراء عالمه السفليّ «اللاشعوري
لتحميل الملف كاملاً انقر هنا