نص أحيرام :
حاولت، فيما سبق، البقاء ضمن مجال البحث الأثري واستبعاد التاريخ والتاريخ التوراتي عن دراستي هذه، وبسبب أهمية نقش أحيرام هذا فإنني أجد حاجة لعرض السردية التوراتية حول هذا الملك التوراتي قبل الشروع في دراسة النص الأثري المتعلق فيه.
تعامل المؤرخون مع منطقتنا باستخفاف واستهتار، وتناولت الخرافات والأساطير على أنها وقائع تاريخية، وسأذكر باقتضاب ثلاث حكايات توراتية كأمثلة مفصلية من التاريخ التوراتي.
الحكاية الأولى: خروج موسى من مصر
تعتبر رواية الخروج من مصر هي بداية التاريخ الحقيقي لمملكة إسرائيل القديمة، وتسردها التوراتية بهذه الآيات.
= “سفر الخروج، الاصحاح1، من الآية 1-5” : “1 وَهَذِهِ هِيَ أَسْمَاءُ أَبْنَاءِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ قَدِمُوا مَعَ يَعْقُوبَ إِلَى مِصْرَ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَعَ أَهْلِ بَيْتِه..2 رَأُوبَيْنُ، وَشِمْعُونُ، وَلاوِي وَيَهُوذَا،3 وَيَسَّاكَرُ وَزَبُولُونُ وَبَنْيَامِينُ، 4 وَدَانٌ وَنَفْتَالِي وَجَادٌ وَأَشِير. 5 وَكَانَتْ جُمْلَةُ النُّفُوسِ الْمَوْلُودِينَ مِنْ صُلْبِ يَعْقُوبَ سَبْعِينَ نَفْساً”.
وفي سفر الخروج من الاصحاح 2 الآية1: “1وَتَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِ لاوِي فَتَاةً ابْنَةَ لاوِي.” وفي التفاسير يدعى هذا الرجل عمرام -عمران- ابن قهات بن لاوي و الفتاة التي تزوجها هي يوكابيد بنت لاوي بن يعقوب وولدوا مريم وهارون موسى، وإذن، موسى التوراتي هو ابن يوكابيد بنت لاوي بن يعقوب، ويحق لنا نسأل : كم سيكون تعداد بني إسرائيل في عهد موسى، وهو الجيل الرابع بعد يعقوب، وقد ذكرت أن من قدموا إلى مصر 70 شخصا، مستخدمين أعلى نسبة ولادات يمكن أن تكون قد جرت، فإنهم وفق ذلك لن يكونوا أكثر من 2000 شخص، أما إجابة التوراة على هذا السؤال قد كانت : حسب سفر الخروج الاصحاح 12، الآية37: “37وَارْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ رَعَمْسِيسَ إِلَى سُكُّوتَ فَكَانُوا نَحْوَ سِتِّ مِئَةِ أَلْفٍ مِنَ الرِّجَالِ المُشَاةِ مَاعَدَا النِّسَاءَ وَالأَوْلادَ. “، وإذا اعتبرنا أن عدد كلٍّ من الأطفال والنساء مساوياً لعدد الرجال، يصبح بذلك عدد من رافق موسى بالخروج مليون وثمانمائة ألف نفساً، فهل يعقل دراسة مثل هذه الخرافة على أنها قصة خروج شعب بأكمله ؟ أم هم مجرد أقلُّ من قبيلة ؟
يتنبه الباحثون إلى ذلك ويحاولون تخفيف العدد مراعاة للمنطق، ويعتبرهم البعض لا يزيدون عن نصف مليون، وكأنهم بهذا الحل قدموا نقداً تقبله عقولهم.
الحكاية الثانية: جيش داود
سنرى ما تتحدث التوراة عن بعض القصص حول جيش داود النموذجي من حيث التنظيم وتقسيم وحداته العسكرية، ومن خلال عظمته، الذي يعتبر نموذجا عصريا، وتعتمد كثيرٌ من منظومته القديمة في تشكيلات الجيش الإسرائيلي الحديث.
وبعد أن تذوق ملك اسرائيل شاؤول مرارة ويلات جالوت، وعجزه عن مواجهته، ويقوم داود بالقضاء على جالوت، ويندم الرب لأنه جعل شاؤول ملكاً، ويختار داود ملكاً من بعده، يحدث لاحقاً صراع بين داود و ابنه أبشالوم، ويهرب داود منه إلى أرض جلعاد – الأردن -، تأتي الفزعة والدعم اللوجستي والامتداد الغذائي لجيش داود، وفق ملتصق التوراة :
سفر صموئيل الثاني الإصحاح 15 الآية 16-22 : “». 16فَخَرَجَ الْمَلِكُ وَسَائِرُ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ سِوَى عَشْرِ مَحْظِيَّاتٍ لِحِرَاسَةِ الْقَصْرِ. 17وَتَوَقَّفَ الْمَلِكُ وَالشَّعْبُ السَّائِرُ فِي إِثْرِهِ عِنْدَ آخِرِ بَيْتٍ فِي طَرَفِ الْمَدِينَةِ. 18وَأَخَذَ رِجَالُهُ يَمُرُّونَ أَمَامَهُ مِنْ ضُبَّاطٍ وَحَرَسٍ خَاصٍّ، ثُمَّ سِتُّ مِئَةِ رَجُلٍ مِنَ الْجَتِّيِّينَ الَّذِينَ تَبِعُوهُ مِنْ جَتَّ. 19فَقَالَ الْمَلِكُ لِقَائِدِهِمْ إِتَّايَ الْجَتِّيِّ: «لِمَاذَا تَذْهَبُ أَنْتَ أَيْضاً مَعَنَا؟ اِرْجِعْ وَأَقِمْ مَعَ الْمَلِكِ الْجَدِيِدِ لأَنَّكَ غَرِيبٌ وَمَنْفِيٌّ أَيْضاً مِنْ وَطَنِكَ. 20لَقَدْ جِئْتَ بِالأَمْسِ الْقَرِيبِ، فَهَلْ أَجْعَلُكَ الْيَوْمَ تَتَشَرَّدُ مَعَنَا، مَعَ أَنَّنِي لَا أَدْرِي إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ؟ اِرْجِعْ وَعُدْ بِقَوْمِكَ، وَلْتُرَافِقْكَ الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ». 21وَلَكِنَّ إِتَّايَ أَجَابَ الْمَلِكَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ وَحَيٌّ هُوَ سَيِّدِي الْمَلِكُ، أَنَّهُ حَيْثُمَا يَتَوَجَّهُ سَيِّدِي الْمَلِكُ، سَوَاءٌ كَانَ لِلْحَيَاةِ أَمْ لِلْمَوْتِ، يَتَوَجَّهُ عَبْدُكَ أَيْضاً». 22فَقَالَ دَاوُدُ لإِتَّايَ: «تَعَالَ، وَاعْبُرْ مَعَنَا». فَعَبَرَ إِتَّايُ الْجَتِّيُّ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ وَسَائِرُ الأَطْفَالِ الَّذِيِنَ كَانُوا مَعَهُ. ” و تطلق التوراة عليه لقب ملك وأحياناً لقب شيخ”.
وإذا كانت ملوك الشعوب التوراتية بهذا العدد المكون من مئات الأشخاص ، يغدو داود امبراطورا في نظر من دون التوراة.
وفي سفر صموئيل الثاني أيضاً، الإصحاح 16 الآية1-2 : الذي يتحدث عن عبور داود لقمة جبل الزيتون : “1وَعِنْدَمَا عَبَرَ دَاوُدُ قِمَّةَ الْجَبَلِ لاقَاهُ صِيبَا خَادِمُ مَفِيبُوشَثَ بِحِمَارَيْنِ مُحَمَّلَيْنِ بِمِئَتَيْ رَغِيفِ خُبْزٍ وَمِئَةِ عُنْقُودِ زَبِيبٍ وَمِئَةِ قُرْصِ تِينٍ وَزِقِّ خَمْرٍ. 2فَقَالَ الْمَلِكُ لِصِيبَا: «لِمَنْ كُلُّ هَذَا؟» فَأَجَابَ صِيبَا: «الْحِمَارَانِ لِرُكُوبِ عَائِلَةِ الْمَلِكِ، وَالْخُبْزُ وَالتِّينُ لِيَأْكُلَهَا الرِّجَالُ، وَالْخَمْرُ لِمَنْ أَعْيَا فِي الصَّحْرَاءِ”.
إن كل ما ترويه التوراة من قصص دينية ليس لها مكانا في هذا البحث، إلا أن الباحث في معرض رده المؤرخين يضطر إلى ذكرها لأنهم حضروا الخيال والقضايا الإيمانية والعقيدة وجعلوا منها علما وتاريخها يبدو أنه حقيقيا .
أما موضوعنا حول أحيرام ملك صور فهو المثال، وينال أهمية ليس كونه ملكاً، بل اكتسب شهرته لان التوراة تذكر علاقته بداود وسليمان خاصة وكيف زود الأخير بمواد بناء الهيكل، وهذه سردية هيكل ومعبد سليمان كما ذكرتها الآيات التوراتية :
أ) سفر الملوك الأول ، الإصحاح 6 الآيات 2-3: “. 2وَكَانَ طُولُ الْهَيْكَلِ الَّذِي شَيَّدَهُ سُلَيْمَانُ لِلرَّبِّ سِتِّيِنَ ذِرَاعاً (نَحْوَ ثَلاثِينَ مِتْراً) وَعَرْضُهُ عِشْرِينَ ذِرَاعاً (نَحْوَ عَشَرَةِ أَمْتَارٍ) وَارْتِفَاعُهُ ثَلاثِينَ ذِرَاعاً (نَحْوَ خَمْسَةَ عَشَرَةِ مِتْراً) 3وَكَانَتْ هُنَاكَ شُرْفَةٌ أَمَامَ الْهَيْكَلِ طُولُهَا عِشْرُونَ ذِرَاعاً (نَحْوَ عَشَرَةِ أَمْتَارٍ) وَعَرْضُهَا عَشْرُ أَذْرُعٍ (نَحْوَ خَمْسَةِ أَمْتَارٍ)
ب) سفر الملوك الأول، الإصحاح 5، الآيات: 13-18: “13 وَسَخَّرَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ ثَلاثِينَ أَلْفَ رَجُلٍ مِنْ أَرْجَاءِ إِسْرَائِيلَ، 14فَكَانَ يُرْسِلُ مِنْهُمْ عَشَرَةَ آلافٍ إِلَى لُبْنَانَ لِمُدَّةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ مُنَاوَبَةً، فَيَقْضُونَ شَهْراً فِي لُبْنَانَ وَشَهْرَيْنِ فِي بُيُوتِهِمْ. وَكَانَ أَدُونِيرَامُ الْمُشْرِفَ عَلَى تَنْظِيمِ عَمَلِيَّةِ التَّسْخِيرِ. 15وَفَضْلاً عَنْ هَؤُلاءِ، كَانَ لِسُلَيْمَانَ سَبْعُونَ أَلْفاً مِنْ حَمَّالِي الْخَشَبِ وَثَمَانُونَ أَلْفاً مِنْ قَاطِعِي الْحِجَارَةِ فِي الْجَبَلِ، 16مَاعَدَا ثَلاثَةَ آلافٍ وَثَلاثَ مِئَةٍ مِنَ الْمُشْرِفِينَ عَلَى هَؤُلاءِ الْعُمَّالِ. 17وَبِنَاءً عَلَى أَمْرِ الْمَلِكِ قَامَ الْعُمَّالُ بِقَلْعِ حِجَارَةٍ كَبِيرَةٍ، هَذَّبُوهَا فَصَارَتْ مُرَبَّعَةً، لاِسْتِخْدَامِهَا فِي أَسَاسِ بِنَاءِ الْهَيْكَلِ. 18فَنَحَتَهَا بَنَّاؤُو سُلَيْمَانَ بِمُسَاعَدَةِ بَنَّائِي حِيرَامَ وَأَهْلِ جُبَيْلَ، وَهَيَّأُوا الأَخْشَابَ وَالْحِجَارَةَ لِتَشْيِيدِ الْهَيْكَلِ.”
ج) سفر الملوك الأول الإصحاح الخامس الآيات: 1-11: “1وَأَرْسَلَ حِيرَامُ مَلِكُ صُورَ وَفْداً إِلَى سُلَيْمَانَ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ أَنَّهُ اعْتَلَى الْعَرْشَ خَلَفاً لأَبِيهِ، وَكَانَ حِيرَامُ صَدِيقاً مُحِبّاً لِدَاوُدَ. 2فَكَتَبَ سُلَيْمَانُ رِسَالَةً إِلَى حِيرَامَ قَائِلاً: 3«أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ أَبِي دَاوُدَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَبْنِيَ بَيْتاً لاسْمِ الرَّبِّ إِلَهِهِ مِنْ جَرَّاءِ الْحُرُوبِ الَّتِي خَاضَهَا، حَتَّى أَظْفَرَهُ الرَّبُّ بِأَعْدَائِهِ وَأَخْضَعَهُمْ لَهُ. 4أَمَّا الآنَ وَقَدْ أَرَاحَنِي الرَّبُّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَلَيْسَ مِنْ ثَائِرٍ أَوْ حَادِثَةِ شَرٍّ. 5وَهَا أَنَا قَدْ نَوَيْتُ أَنْ أَبْنِيَ بَيْتاً لاسْمِ الرَّبِّ إِلَهِي، كَمَا قَالَ الرَّبُّ لِدَاوُدَ أَبِي: إِنَّ ابْنَكَ الَّذِي يَخْلُفُكَ عَلَى عَرْشِكَ هُوَ يَبْنِي بَيْتاً لاِسْمِي الْعَظِيمِ. 6فَأَرْجُو أَنْ تَأْمُرَ رِجَالَكَ أَنْ يَقْطَعُوا لِي أَرْزاً مِنْ لُبْنَانَ، وَسَيَعْمَلُ رِجَالِي جَنْباً إِلَى جَنْبٍ مَعَ رِجَالِكَ، وَأَقُومُ أَنَا بِدَفْعِ أُجْرَةِ رِجَالِكَ بِمُوْجِبِ مَا تَرَاهُ، لأَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ قَوْمِي مَنْ يَمْهَرُ فِي قَطْعِ الأَخْشَابِ مِثْلَ الصِّيدُونِيِّينَ». 7فَلَمَّا سَمِعَ حِيرَامُ كَلامَ سُلَيْمَانَ، غَمَرَتْهُ الْبَهْجَةُ وَقَالَ: «مُبَارَكٌ الْيَوْمَ الرَّبُّ الَّذِي رَزَقَ دَاوُدَ ابْناً حَكِيماً لِيَمْلِكَ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ الْغَفِيرِ». 8وَبَعَثَ حِيرَامُ إِلَى سُلَيْمَانَ بِرِسَالَةٍ قَائِلاً: «قَدِ اطَّلَعْتُ عَلَى رِسَالَتِكَ وَسَأَعْمَلُ عَلَى تَلْبِيَةِ رَغْبَتِكَ بِشَأْنِ خَشَبِ الأَرْزِ وَخَشَبِ السَّرْوِ. 9سَيَقُومُ رِجَالِي بِنَقْلِ الْخَشَبِ مِنْ جَبَلِ لُبْنَانَ إِلَى الْبَحْرِ، وَيَرْبِطُونَ قِطَعَ الْخَشَبِ إِلَى بَعْضِهَا فِي حُزَمٍ ضَخْمَةٍ، يُعَوِّمُهَا رِجَالِي وَيُوَجِّهُونَهَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تُعَيِّنُهُ، فَيُسَلِّمُونَهَا لِرِجَالِكَ، وَعَلَيْكَ لِقَاءَ ذَلِكَ، أَنْ تُمَوِّنَ قَصْرِي الْمَلَكِيَّ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ». 10فَكَانَ حِيرَامُ يُوَفِّرُ لِسُلَيْمَانَ مَا يَطْلُبُهُ مِنْ خَشَبِ الأَرْزِ وَخَشَبِ سَرْوٍ، 11وَيُقَدِّمُ سُلَيْمَانُ لِحِيرَامَ كُلَّ سَنَةٍ لِقَاءَ ذَلِكَ، عِشْرِينَ أَلْفَ كُرِّ قَمْحٍ (نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلافٍ وَثَمَانِي مِئَةِ طُنٍّ) طَعَاماً لِقَصْرِهِ، وَعِشْرِينَ أَلْفَ كُرِّ زَيْتٍ نَقِيٍّ (نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلافٍ وَثَمَانِي مِئَةِ لِتْرٍ). “
تتضح خرافة الهيكل من خلال هذا العدد الهائل من العمال الذي بلغ 183300 عاملا، والمدن التي أعطاها سليمان الحيران كلفة مواد بناء الهيكل التي بلغت عشرين مدينة – حتى لو كان مقصودا بالمدينة قرية- والمواد التي يزيد حجمها عن حجم الهيكل المشار إليه بأبعاده :30×10×15، حوالي 4500 متر مكعب، أي أن كل 40 عامل اختصوا بنتى مكعب واحد لمدة عشرة سنوات.
جاءت فكرة الهيكل تعبيراً عن النهم والجشع في بداية العصر الحديث، واستعيد اجترار الخرافة حين اكتشاف قارة أستراليا، وكان اكتشاف الجزر التابعة لها والبالغة قرابة100 جزيرة، وتمثلت شراهة الرأسمالية في استحضار فكرة ذهب سليمان وكنوزه الخيالية، وهكذا جنح الخيال الرأسمالي الجشع إلى تأويل نصوص العهد القديم بخلق سردية عن كنز سليمان و عظمة هيكله\معبده كما نعرفها الآن، وأن سليمان زار هذه الجزر وبنى هناك هيكلاً من الذهب الخالص، وكان هذا مبرراً لإطلاق اسم جزر سليمان على هذا المكان.
أما من حيث التنقيب عن الهيكل فله تاريخ طويل، أوجزه بهذه السطور قبل أن البدء بمناقشة نص احيرام ملك صور: بدأت أول ضربة معول أثري على بعد أمتار قليلة من جدار الحرم القدسي الشريف تحت إشراف ( الضابط الانكليزي وارن 1867)، وصلت حفرياته إلى عمق 30 متراً، إلى أن تمّ الوصول إلى الطبقة الصخرية ومن ثم حفر نفق باتجاه الجدار للكشف عن أساساته. وأظهرت النتائج أنّ حجارة الجدار المكوّنه للأساسات، والحجارة الظاهرة فوق الأرض ذات مواصفات متشابهة من شكل وحجم ونقش وطريقة بناء … وهذه النتائج تخالف الرواية التوراتية حول بناء الهيكل على مراحل ثلاث :
(الهيكل الأول: سليمان, الذي هدم أثناء السبي) ثم أعيد بناءه :
(الهيكل الثاني: معبد زر بابل الذي أعيد بناؤه بعد العودة من السبي)
(الهيكل الثالث: الذي قام بتوسعته “هيرود\ حرد” في العصر الروماني) .
كانت نتيجة هذا البحث الأثري : أنّ الحرم القدسي تمّ بناءه في القرن الأول ميلادي (في العصر الروماني ), وتبع هذا البحث بحوثاً أخرى، كان أخطرها أبحاث مؤسس علم الآثار التوراتي وليم فوكسويل أولبرايت، الذي سار على خطى وارن، وقام بحفرياته للوصول إلى الأساسات ليجدَ مكاناً لا تتشابك فيه الحجارة بالطريقه المعروفه بين الصفوف (المداميك) فوجد وصله ،كانت كافية للاستنتاج بأنّ هذه الوصلة هي النقطة التي تمّ من عندها توسعة (الهيكل الثاني) بعد العودة من السبي.
نص أحيرام :
يتألف النص من ستة سطور قصيرة، منقوشة على غطاء تابوت من الحجر الكلسي، ويعود لملك جبيل أحيرام. عثر على النقش في مدينة جبيل\ لبنان في العام 1922، ويعود تاريخ النقش إلى القرن العاشر ق. م ، واختلف نسّاخ حروف النقش في نقل حروفه، فبعضهم مثلاً نسخ الحروف الأولى ا ر ن، و بعضهم قرأها ان ك .
وبسبب تشوه في النص سأدع القسم الثاني دون نظمه شعراً :
ا م ح ن ت ع ل ج ب ل و ي ج ب ل ا ر ن ز ن ت ح ت ج ب ل ط ر م س ف ط و ن ف ط ه ت ه ت ف ك ك س ا م ل ك ه و ن ح ت ت ب ر ح ع ل ج ب ل و ه ا ي م ح “ت” ج ر ه ل ف ف ج ب ل .
قراءة الباحثون النقش “بما فيهم قراءة الكتيب الصادر عن متحف اللوفر الذي يضم هذا الحجر من بين مجموعة ضخمة من المحفوظات الشرقية” :
(((ارن : تابوت، ذا : هذا، فعل : صنعه، اتبعل بن احرم : ايتوبعل بن احيرام، ملك جبل : ملك جبيل، ل احرام : لأحيرام، ابه : ابيه، كشطا بعلم : لما سجى والده للابد
وال ملك بملكوم : لكن ملك بين الملوك، وسكن بسكنم : أو حاكم من بين الحكام، وتما محنت : أو قائد جيش، علي جبل ويجل ارن: زحف إلى جبيل وفتح التابوت، زن تحتسك حطر مشفطه تحتفك كسا ملكه : سوف تتحطم سلطته، ونحت تبرح عل جبل وها يمح سفره لفن شبل : ويسقط عرشه ويزول السلام عن جبيل، ويختفي نقشه بحد السيف .
مناقشة النص وقراءته :
لم أجد أي اعتراض على قراءة هذا النص، إلا للباحث فرج الله صالح ديب في كتابه اليمن هو الأصل، واعتراضه كان على بعض الكلمات فيه، كما اعترض على تسمية النص باسم بيبلوس، على اعتبار أن اسم بيبلوس هو الاسم اليوناني لمدينة جبيل، والنص يعود إلى ما قبل الوجود اليوناني وقبل هذه التسمية وكان على حق في اعتراضاته، وعموما كانت محاولته قيّمة .
الكلمة الأولى في النص هي أرنز وليس ارن، وهي في اللهجة طريقة الاعتداد بالنفس في الجلوس على كرسي العرش، أو الجلوس في مكان مرتفع، وهناك لفظ يدل على طريقة الجلوس في وضعية القرفصاء “أركز أو قرمز”، وهما مشهورتان في المحكية في شمال فلسطين والجنوب اللبناني امتداد جغرافي واجتماعي، وهي منطقة اكتشاف النص.
وكلمة فعل هي جار و مجرور: ف عل، في علٍ، في مكان مرتفع على سفح الجبل، وكما يتضح في النص “ت ح ت . ج ب ل . ط ر م”، وطرم أيضا أحد مفردات المحكية، ومنها أطرم أي لا يسمع ولا يتكلم، أما وقد ذكرت فيما سبق خطأ إضافة الحروف أو حذفها، فإن ا ت ب ع ل ب ن ا ح رم، لا يجوز أن تصبح ايتوبعل بن حيرام، و كلمة بن تقطيعها خطأ و هي ليس بن احرم بل : بنا “بنى” حرم، وتحدثت فيما سبق عن ظاهرة الجناس، وهنا تتكرر كلمة حرم مرتين في نهاية البيت الأول في الجدول ونهاية البيت الثاني، وفي البيت الأول هي مفعول به “اسم” للفعل بنى، أما الثانية فهي فعلاً ماضياً تسبقه لا النافية، لا حرم .
فيصبح البيت الأول :
ا ت ب “أو أثِبْ”، ع ل ب ن ى: على الذي بنى، ح ر م: الحرم : الضريح أو القبر، وهنا يطلب الثناء والثواب و أن يغفر ويتوب عن الذي بنى هذا الضريح.
والبيت الثاني : م ل ك، ج ب ل، ل ا، ح ر م : وهو دعاء مازال مستخدما بالقول : “الله لا يحرمنا من …”، وهي فعل، تماماً كما هي كلمة جبل التي ذكرتها سابقاً، وتأتي في حالات التكرار جناساٌ تاماً أو ناقصاً وفي حالتين منها فعلاً واسماً.
وفي البيت الثالث يحدد النص دعاء عدم الحرمان من الشتاء، وانقطاع الشتاء في منطقة جبيل هو بمثابة روح حياة الناس والأرض، ويقول البيت:
أ ب ه ك . ش ت ه . ب ع ل :”يجعلك بعل بهيّاً في شتاءه، ولا يوجد مطلقاً اسم أحيرام التوراتي، واستخدام منهج الإضافات كان له هذه الغايات، لليّ عنق المعاني كي تتطابق مع اسم مكان أو اسم علم “مرموق” وهام في التوراة،
باقي معاني النص، غير ذات أهمية، باعتقادي، على الأقل في الفترة الحالية.