إعلان للاحتفاء بذكرى الحاخام مئير كاهانا، الصورة Yossi Gurvitz

الحصار الأخلاقي وعسكرة التفوق اليهودي في إسرائيل: جريمة قتل محمد أبو خضير مثالاً

عساف شارون

ترجمة: محمود الصباغ

تحدث جون كيري في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على غزة قائلاً: “إسرائيل محاصرة من قبل منظمة إرهابية”.

وباعتباري أعيش في إسرائيل، فقد وجدت تعليق وزير الخارجية[ الأمريكي] محيراً بعض الشيء. فعلى سبيل المثال،  أُطلقت صفارات الإنذار ثلاث مرات فقط في القدس، مدينتي حيث أعيش. غير أن الوضع ساء أكثر في تل أبيب والمناطق المجاورة لها، فقد دوّت صفارات الإنذار هناك لأكثر من ثلاثين مرة، أو نحو ذلك خلال الشهر الماضي. ومع ذلك، لم يتأثر الروتين اليومي بشكل كبير. أما في الجنوب، بالقرب من قطاع غزة، فيختلف الأمر بسبب سقوط العديد من الصواريخ يومياً، حتى أن الحياة هناك، في بعض البلدات والقرى الإسرائيلية، باتت تراوح بين الانتقال من ملجأ لآخر، وهذا بالتأكيد وضع غير مقبول، غير أنه لا يمكن تسميته حصار أيضاً، فالحصار النموذجي، في التاريخ اليهودي، هو الحصار الروماني للقدس، الذي وصفه يوسيفوس [فلافيوس]، من القرن الأول الميلادي، على النحو التالي: “كان الناس يموتون جوعاً بأعداد كبيرة في كل مكان من المدينة، كانت معاناتهم لا توصف، وكان مجرد الإشارة إلى وجود طعام، في أي منزل، يشعل شرارة عنف، ويبدأ الأهل في العراك لعلّهم ينتزعون من بعضهم البعض ما يسد رمقهم”. وفي التاريخ الصهيوني، يأتي العام 1948 كنموذج للحصار، عندما عانت القدس مرة أخرى من الجوع ونقص الإمدادات الأوليّة، وإليكم كيف وصفتها إحدى الأمهات في رسالة إلى ابنها الذي كان يقاتل في الشمال: ” لن يصبر من ليس لديه طعام، فهو سوف يجوع، هكذا ببساطة، لا يوجد غاز للطهي، ويضطر الناس لجمع الحطب ويطبخون في الشوارع، وبخلاف الخبز (وهذا أيضاُ مقيّد بحصة لا تتعدى 200 غرام فقط للشخص الواحد يومياً)، لا يوجد ما يمكن شراؤه.. يتم توصيل الماء في عربات  بمعدل صفيحة ونصف للفرد الواحد أسبوعياً (سعة الصفيحة 18 لتر) وهي كمية لا تكاد تكفي، ونظراً لعدم وجود وقود للسيارات، فيجب جلب الماء من الآبار التي تقع على مسافات بعيدة”.. يبدو اليوم هذا الوصف ملائم أكثر لغزة منه لإسرائيل.

ولكن هناك حصار آخر يطارد إسرائيل اليوم، وهو حصار داخلي وليس خارجي، حصارٌ أخلاقي أكثر منه حصار مادي.

تصدّرت عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم خبر مقتل محمد أبو خضير، البالغ من العمر ستة عشر عاماً، والذي أحرقه متطرفون يهود حياً في الثاني من تموز\يوليو 2014 . لكن السياق الذي تم فيه استنسال هذه الجريمة لم يحظَ بما يكفي من الاهتمام. فقبل يوم واحد من الجريمة، وبينما كان يتم دفن الشبان الإسرائيليين الثلاثة الذين تم اختطافهم وقتلهم قبل ثلاثة أسابيع، تجمع المئات من المتطرفين في القدس تحت شعار “نريد الانتقام!” وأظهرت شعاراتهم العديد من العبارات مثل: “الموت للعرب” و “الموت لليساريين”. وقام الغوغاء، أثناء سيرهم نحو وسط المدينة، يتحطيم واجهات المتاجر مطالبين بقتل العرب وإراقة دمهم. كما تجمهرت مجموعة كبيرة خارج مطعم ماكدونالدز يصرخون مطالبين بطرد العمال العرب من المطعم. وجابت مجموعات أصغر الشوارع بحثاً عن العرب لإهانتهم وضربهم. وسرعان ما اجتاحت شوارع المدينة موجة عنف عنصري. وخرجت حشود منظمة من المتطرفين في مسيرة في شوارع القدس مرددين هتافات عنصرية تدعو “الموت للعرب!”، مسيرات وهتافات تشبه ما نراه في بعض مشاهد الأفلام الثورية، وقام هؤلاء، المتظاهرون، بإجبار السيارات والحافلات على التوقف في الشوارع، للتحقق ممّا إذا كان ثمة عرب من ضمن ركابها، وإذا ما تصادف العثور على أحدهم، فقد كان يتعرض للاعتداء الجسدي واللفظي. وهو ما دفع العديد من الفلسطينيين الامتناع عن استخدام القطار الداخلي، لأنه بات مكانًا مثايلاً للهجمات العنصرية.

ولا تعدّ القدس، للأسف، حالة فريدة في هذا المجال، فقد تعرضت مظاهرة مناهضة للحرب في تل أبيب لهجوم من قبل مئات من مثيري الشغب اليمينيين بقيادة مغني الراب الذي يطلق عليه لقب “الظل”“the shadow.”. وكان بعضهم يرتدي قمصاناً  كُتب عليها “Good Night Left Side”  التي كانت تحظى بشعبية بين الجماعات المتعصبة للبيض والنازيين الجدد في أوروبا*. وتكرر هذا المشهد العنيف، بعد أسبوع، في حيفا، حيث اعتدى مثيري الشغب اليمينيون على نائب رئيس بلدية عربي وابنه أثناء اقترابهما من مظاهرة مناهضة للحرب. أمّا في البلدة القديمة في القدس، فقد تمكنت سيدة من النجاة مع أطفالها الصغار من محاولة طعن من قبل متطرفين يهود. غير أن المقدسيان أمير شويكي وأحمد كسواني اللذان يبلغان العشرين من عمرهما  كانا أقل حظاً، حيث تعرضّا للضرب المبرح على يد حشد من اليهود لمجرد أنهما من العرب. كما نُقل عمر الديواني، الذي يعمل سائق حافلة في القدس، إلى المستشفى بعد أن اعتدى عليه أربعة شبان عند اكتشافهم لهجته العربية. وشهدت، مؤخراً، عشرات الاعتداءات المماثلة ضد العرب و “اليساريين” في الشوارع والمقاهي ومراكز التسوق والحافلات والقطارات، وإن دل هذا على شيء، فإنما يدلُّ على ارتفاع نسبة اليمين المتطرف في إسرائيل.

يظهر في الصورة رجل يميني يركل أو يلكم رجل يساري وعلى صدر الأخير نجمة خماسية ( كرمز لليسار)

ولا يعدُّ التطرف اليهودي ظاهرة جديدة، إذ يعود شكله الحالي إلى الحاخام مئير كاهانا، الذي هاجر إلى إسرائيل بعد تشكيل رابطة الدفاع اليهودية المتشددة في الولايات المتحدة، وأسس حزب كاخ القومي المتطرف. وكان كاهانا قد دعا إلى الإخلاء القسري لجميع الفلسطينيين المقيمين غرب نهر الأردن، وإخضاع قوانين الدولة إلى الشريعة الدينية اليهودية (هالاخاه)، وفرض أسلوب الانتقام باعتباره سياسة عقابية. وعلى الرغم من كونه شخص شديد الليبراليّة فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية، إلا أنه كان  شخصاً جمعانياً  collectivist ** تماماً لجهة منظومته الأخلاقيّة، فكان يرى بأن الممثلين الأخلاقيين ليسوا أفراداً بل أمماً.  وأي أذىً يلحق باليهودي فكأنه أذى لحق بالأمة جمعاء، وبالتالي، ليس بالضرورة أن يكون الانتقام من الجاني نفسه بل من “العرب”، من أي عربي.

ومازلتُ أتذكر بوضوح زملائي الذين كانوا تحت تأثيره وكيف كانوا يفكرون في الانتقام العشوائي من أي فلسطيني، لا على التعيين، بعد كل هجمة تطال إسرائيليين. وسرعان ما كان الانتقام يتحول إلى منهج وقائي ومن ثم إلى عدوان صريح وسافر. وكان كاهان قد اقترح، أثناء عضويته القصيرة في الكنيست، تشريعات مشينة، مثل إلغاء جنسية جميع من هم من غير اليهود، أو تجريم العلاقات الجنسية بين اليهود والعرب. لقد كان جوهر إيديولوجيته يتمثّل في الشكل المتشدد من التفوق اليهودي، والذي تم التعبير عنه بشكل أفضل في الشعار الذي يُسمع كثيراً هذه الأيام: “اليهودي روح، والعربي ابن شرموطة”. غير أن ما هو أكثر أهمية من الرسالة  بالنسبة لكاهانا  كان الوسط الذي ينبغي أن تنتقل فيه الرسالة، من خلال دمج الخطاب الشعبوي باستبداد الرجل القوي، لقد استطاع كاهانا مناشدة جميع العناصر  الدينية المتعصبة والمحرومة في إسرائيل، استطاع اللعب على وتر استيائهم وإثارة غضبهم ضد “النخب”، الذين صورهم على أنهم يمثلون، وبآن معاً، جميع السلطة، ويتحكمون في وسائل الإعلام، ونظام التعليم، والمحاكم. كما اعتبرهم مجموعة من الضعفاء المنحطين من ذوي الأخلاق المتدهورة ويمتازون بالجبن في التعامل مع العدو العربي، مما يعني، بالنسبة له، فقدانهم  لأساسهم اليهودي. ومع  كل هذا، بدا في بعض الأحيان أن عداءه تجاه العرب يأتي في المرتبة الثانية بالنظر إلى كراهيته لكل ما هو يساري، الذي يمثل من وجهة نظره، “الطابور الخامس” من “مدمري إسرائيل”، كما وصفهم في الكتاب المقدس، وفي الحقيقة لم يسخر كاهان من أولئك اليساريين فحسب، بل تعرضوا لتهديدات جدية منكرة.

ركّز كاهانا في انتقاده تولي “العرب” وظائف يهودية وقيامهم بإغراء الفتيات اليهودية، في لفتة مأخوذة مباشرة من كتاب قواعد اللعبة الفاشية، علماً بأن كاهانا، نفسه، لم يكن فاشياً. فالفاشية، من ناحية، لها فلسفة. وتمتلك نظرية سياسيّة عن السلطة والمؤسسات السياسية والدولة والمجتمع، ومن ناحية أخرى، يمكن النظر إلى النزعة الشوفينية على أنها موقف في المقام الأول، شعور بالتفوق الجماعي، غالباً ما يرتبط بفكرة الاختيار القومي، مما يؤدي إلى ظهور أشكال عدوانية مفرطة من القومية. إنها المعادل القومي للشوفينية الذكورية وليست نظرية حول الجندر، بل موقف مهين تجاه أي أنثى. كان للتجسيدات السابقة لليمين اليهودي الراديكالي، مثل التحريفيين الراديكاليين في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، عناصر فاشية واضحة. فظهور منظمة بريت هابريونيم (تحالف الشبيحة) ، الفصيل المتطرف بقيادة الشاعر الرومانسي يوري تسفي غرينبرغ وآبّا أحيمير، على سبيل المثال، إنما قام على غرار الفاشية الأوروبية. كان أحيمير شديد الإعجاب بموسوليني ونشر سلسلة من المقالات بعنوان “من يوميات فاشي”.

ويعتبر اليمين الراديكالي[ في إسرائيل] اليوم يميناً كاهانياً [نسبة إلى كاهانا] وليس تحريفياً، تغذيه روح الشوفينية اليهودية ذات الدلالات الدينية. ويبدو لي أن هذا الاختلاف له عواقب كبيرة. إذ ليس صعباً هزيمة الفاشية على صعيد الأفكار أو في صناديق الاقتراع. غير أن الفاشية تتكاثر أكثر في قلوب الناس العاديين، وليس في عقولهم؛ وموطنها هو الشارع وليس النظريات والقوانين.  وما يمكنه أن يقف في طريقها  يتمثّل في روحٍ تتجلى فيها القواعد والمعايير، وهذا يتطلب ثقافة قوية تدعمها النخب الاجتماعية والمؤسسات والأفراد ذوي النفوذ الذين  يعملون بهمّة عالية على مقومة الفاشية ومحالة إبقائها هامشية قدر الإمكان. ولعل هذا النوع من المقاومة هو الذي ترك شخص مثل كاهان يعيش على هامش الحياة السياسية، فقد تعرض بشكل نشط ومستمر لمحاولات سعت إلى معارضته وتهميشه من قبل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية والأفراد. وعندما كان يعتلي منبر الكنيست، كان يغادر الجلسة أعضاء من جميع الأحزاب، من اليسار واليمين، منوع من الاحتجاج الجماعي. لقد تم تقييد حصانته البرلمانية من قبل الكنيست والنائب العام. كما قررت هيئة الإذاعة الإسرائيلية فرض رقابة على تصريحاته. وعندما كان يتحدث في تجمع حاشد في جفعتايم، التف حوله عشرات الإسرائيليين وحاولوا التشويش عليه من خلال قرع مضارب كانت في أيديهم. حتى أن قادة الحركة الاستيطانية عبروا عن ازدرائهم للحاخام الأمريكي وأفكاره، خوفاً من أن ينالهم شيء من محاربته وتهميشه. وآخر الخطوات كانت، في العام 1988، عندما قام الكنيست بحظر  حركة  كاخ، واعتبارها حركة “عنصرية” و “معادية للديمقراطية”. وأيدت محكمة العدل العليا الإسرائيلية القرار. وبعد ذلك بست سنوات، تم إعلان الحركة وفصائلها “منظمات إرهابية” غير شرعية.

بعد عقدين من الزمان، أصبح تلميذ كهانا وتابعه، مخائيل بن آري، عضواً في الكنيست (2009-2013). وعلى الرغم من أنه روّج علانية للآراء الكهانية، ودافع عن الطرد القسري للعرب والتحريض على الكراهية تجاه اللاجئين الأفارقة، غير أنه لم يخضع  للرقابة قط. وقام بن آري، مثل كاهانا بالضبط، بتنظيم مسيرات في البلدات العربية لتأجيج الصراع [بين العرب واليهود]. لكنه، على عكس معلمه، لم يواجه أي مقاومة في الكنيست أو في الشارع، بل عل  العكس هو من قاد جهوداً مضنية بهدف تقييد عضو الكنيست العربي حنين الزعبي لمشاركتها في قافلة بحرية احتجاجاً على حصار غزة. وقد نجح في مسعاه بسبب نيله تأييد أعضاء من حزب الليكود اليميني وحزب  الوسط كاديما. وفي تناقض صارخ من علية الانسحاب أثناء الاستماع لكاهانا، يتعرض النواب العرب، في الكنيست الحالي، للإساءة بشكل منتظم. حتى أن أحدهم تعرض للاعتداء الجسدي، ورغم أن بن آري لم يعد عضواً في الكنيست، لكن نفوذه لم يتضاءل.

انفجرت الشوفينية المتقيحة التي غرسها بن آري وأمثاله مع عمليات الخطف والقتل في الشهر الماضي والهجوم على غزة الذي أعقب ذلك. غمرت الروح الوطنية المتضخمة البلاد، التي عمّ فيها السخط القابل للتبرير أخلاقياً والذي تفاقم بسبب  الشحن العاطفي في وسائل الإعلام، وتسخيف وسحق أي نقاش نقدي، ناهيك عن المعارضة. وتعرض النقاد والمشاهير القلائل، الذين عبروا عن انتقادات، أو حتى مجرد تعاطف مع سكان غزة، لهجوم شرس، ليس فقط من قبل المتصيدون في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن أيضاً من قبل كبار المسؤولين. ودعا أحد الوزراء إلى مقاطعة الشركات العربية التي احتج أصحابها على العملية، وشجع وزير آخر الناس على إلغاء الاشتراكات في إحدى الصحف التي تنشر آراء مخالفة تبرر الحرب. وبدأت المبادرات العفوية المخصصة لرصد واضطهاد الأفراد الذين يبتعدون عن “الروح الوطنية” بالظهور. كما تلقى أرباب العمل عشرات الشكاوى، لتشجيعهم على طرد الموظفين الذين أعربوا عن دعمهم أو تعاطفهم مع سكان غزة.

حتى المؤسسات البارزة تعرضت للتنمر لاستيعاب هذه المكارثية المخصخصة. فتم فصل أو إيقاف عدد قليل من موظفي المجالس البلدية وطبيب واحد على الأقل بسبب التعليقات التي أدلوا بها على وسائل التواصل الاجتماعي. وحذر رؤساء الجامعات من المعاملة القاسية التي سوف ينالها أصحاب “التعليقات المسيئة” عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ كما تم تأديب بعض الطلاب. وأبلغت جامعة بن غوريون موظفيها وطلابها أنها ستراقب نشاطهم على الإنترنت، وتم توبيخ أستاذ القانون، في جامعة بار إيلان، بشدة من قبل عميده بسبب تعبيره عن تعاطفه مع ضحايا غزة، في رسالة بريد إلكتروني للطلاب.

لست على علم بحالة واحدة تلقى فيها الأفراد الذين دافعوا عن شعار الموت للعرب معاملة مماثلة. لا يزال القادة الدينيون والمربّون الذين طالبوا بمقاطعة الأعمال التجارية العربية، أو رفض تأجير الشقق للعرب يعملون في الدولة.

لقد تغير الكثير خلال ربع القرن الماضي. وتقول الحكمة التقليدية أن إسرائيل مالت إلى جهة اليمين. ولكن، كما تظهر الآراء العامة وتحليلات اتجاهات التصويت بوضوح، فإن هذا ليس هو الحال. على الرغم من نمو اليمين، إلا أن صعوده كان ضئيلاً نسبياً. يظل الإسرائيليون منقسمين بالتساوي حول السلام والأمن، ويتمتع اليسار بأغلبية واضحة في القضايا الاجتماعية والاقتصادية. التحول الأعمق ليس في مستوى الدعم الشعبي للمعسكرين السياسيين، ولكن في تكوينهما. على اليمين، تغلب الشعبويون الشوفينيون على العناصر الليبرالية والديمقراطية. حزب رئيس الوزراء نتنياهو، الليكود، الذي اعتاد أعضاؤه الانسحاب  من خطابات كاهانا، بات عامرٌ ببعض من هم  أكثر المحرضين صخباً. لقد تمت الإطاحة بآخر بقايا الديمقراطيين في الانتخابات التمهيدية الأخيرة، أمّا بقية المعتدلين، فهم على استعداد للقبول بالمتطرفين المشاكسين الذين يسيطرون على الحزب. والتزم رئيس الوزراء نفسه الصمت المطلق في وجه تزايد العنصرية والعنف السياسي. أما اليسار فقد خسر قوته السياسية وشجاعته الأخلاقية. لقد أدى استنفاذ الأفكار، وإضعاف المؤسسات، وتعفن القيادة إلى تركها جامدة سياسياً. لقد تفككت الآليات الاجتماعية التي أبقت عنصرية كاهانا في مأزق.

عندما وصف الفيلسوف والمفكر يشعياهو ليبوفيتش كاهانا وأتباعه بـ “النازيين اليهود”، لم يوافق الجميع على ذلك، لكن الجميع استمعوا. والأهم من ذلك، فهم الكثيرون التهديد الذي حدده وكانوا على استعداد لمكافحته. إن كسر الحصار الأخلاقي يتطلب معارضة نشطة وحازمة لمذهب الشوفينية اليهودية، وعدم تجاهلها.. وبالتأكيد عدم التكيف معها.

…..

* ينظر إلى التعبير “Good Night Left Side”  كرمز للكراهية، ويعتقد أن اصوله غير سياسيّة وظهرت للمرة الأولى بين مجموعة حليقي الرؤوس اليمينية، كجزء من ثقافة خاصة وفرعية شديدة الصلة بالإيديولوجيات الفاشية، وبدأت هذه المجموعة، منذ منتصف السبعينيات تميل نحو التطرف وتنتشر في أوروبا تحت تأثير المنظمات الفاشيّة الآخذة في النمو، واصبح يعرف هؤلاء باسم حليقي الرؤوس النازيين أو حليقي الرؤوس البيض. وأكثر ما يميزهم، كرههم الشديد للعناصر اليساريّة، إلى الدرجة التي يعمّمون فيها صفة اليسار  على جميع من يعارضهم حتى تشمل أحياناً بعض العناصر المحافظة.

** collectivist الشخص الذي ينتمي إلى فئة أو جماعة أو فكر يدعو إلى سيطرة الدولة أو “الشعب” ككل على جميع وسال الإنتاج ( المورد الحديث، طبعة 2013)

المصدر: https://bostonreview.net/world/assaf-sharon-israel-idf-gaza-radicalism-moral-siege-kahane

العنوان الأصلي: The Moral SiegeOn the militarization of Jewish supremacism in Israel

عن محمود الصباغ

كاتب ومترجم من فلسطين

شاهد أيضاً

العدوان على غزة: أجندة إسرائيل الاقتصادية

ما هي الأسباب الحقيقية وراء معارضة إسرائيل لتطوير حقول الغاز في الساحل الفلسطيني؟ هل هي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *