تداعيات حرب 2023 / 2024: تداعيات ضمير المخاطب

وأنت تتابع ما يكتب عن حرب غزة، في الصحيفة أو على الفيسبوك تتساءل إن كانت الحرب حرب صور حقاً؟ هل الحرب هذه هي حرب الصور، كما كتب بعض الصحافيين والمعلقين؟ تقوم كتائب القسام بعملية خلف خطوط الجيش الإسرائيلي، وفي مناطق 1948، وتصورها لتبثها، وليعاد بثها مراراً، هل جُنّ جُنون الجيش الإسرائيلي فقصف حي الشجاعية وخزاعة وسوّى أجزاء كبيرة منهما بالأرض؟
متابعون كثيرون للحرب، صحافيون وغير صحافيين، وفضائيات عديدة، أظهرت صورتين لحي الشجاعية، إحداهما له قبل بداية الحرب، والثانية له بعد تدميره وتسويته بالأرض.
تشاهد الصورتين فتتذكر رواية (ثيودور هرتسل) “أرض قديمة ـ جديدة” في ترجمتها العربية الصادرة في إسرائيل في 1968، وتتذكر مقالاتك العديدة عنها، ودراستك التي أنجزتها لجامعة قفصة في تونس.
الحركة الصهيونية زعمت أن فلسطين، منذ تركها اليهود قبل ألفي عام وأكثر، تحولت إلى أراضٍ جرداء وإلى مستنقعات وأنها لا بد وأن تعود إلى ما كانت عليه، ولن يتم هذا إلا بعودة اليهود الصهيونيين إليها، وهكذا تخيلها (هرتسل) بعد عشرين عاماً من سيطرة الحركة الصهيونية عليها: أرض خضراء ومبان مزدهرة وشوارع مسفلتة وقطارات كهربائية تصل إلى بيروت ودمشق وعمان و.. و.. وتخيل أيضاً العرب سعيدين بقدوم الصهيونية.
وناشر الترجمة العربية للرواية المكتوبة في 1902، والمنشورة في العربية في 1968 زمن النص العربي بصور تبدو فيها الاختلافات واضحة.
مقابل كل صورة لفلسطين في 1900 وما قبل، صورة لها في العام 1960 وما تلاه، كأن المترجم والناشر أرادا تعزيز ما ذهب إليه (هرتسل) من خلال الصور، فما كان خرافة غدا واقعاً و.. وأنتم أيها العرب لا تستحقون هذه الأرض، نحن اليهود الصهيونيين نستحقها.
قبل التطور اللافت في التكنولوجيا ما كان للصورة تأثير واضح كبير لافت، الآن اختلف الأمر، وغدا تأثير الصورة أكبر بكثير من تأثير الكلمة.
من قبل رد الأدباء الفلسطينيون، بالكلمة، على المزاعم الصهيونية، وأما الآن فيردون بالصورة.
وأنت تكتب عن الترجمة العربية لرواية هرتسل ذهبت إلى أنها أظهرت جانباً وأخفت آخر، أظهرت ما قامت به الصهيونية في فلسطين، وأغفلت ما ألمّ بالشعب الفلسطيني، فلم يبرز المترجم صوراً للاجئين في المنافي، ولم يظهر صوراً للقرى العربية المدمرة، ولطالما كتبت عن غسان كنفاني واميل حبيبي وتوقفهما امام هذا الجانب و
وحرب غزة الآن تضاف إلى حروب أخرى دمرت فيها دولة إسرائيل أحياء كاملة بناها العرب والفلسطينيون.
في 1967 دمرت ثلاث قرى هي: يالو وعمواس وبيت نوبا، وأقامت على أنقاضها كندا بارك، وفي 1982 دمرت أجزاء من بيروت، وفي 2006 دمرت الضاحية الجنوبية من بيروت، وفي حروب غزة بعد 2006 دمرت ودمرت ودمرت، وفي تموز من 2014 دمرت حي الشجاعية وسوّته بالأرض.
متابعون كثيرون للحرب، صحافيون وغير صحافيين، وفضائيات عديدة وجرائد أبرزت صورتين لحي الشجاعية، واحدة قبل بدء الحرب، وثانية بعد أن سوّته إسرائيل بالأرض، وأنت… أنت تتذكر رواية (ثيودور هرتسل) “أرض قديمة ـ جديدة” وترجمتها العربية والصور التي حفلت بها، وتتساءل: لعلّ طبعة جديدة، مزيدة ومنقحة، تصدر عما قريب للرواية. لعلّ..

تغير الصورة:
تقرأ ما نطق به جندي إسرائيلي جريح عن مقاومة الفدائيين في غزة، فتتذكر ما كتب عن العرب في الأدب الصهيوني، تعود إلى كتاب غسان كنفاني” في الأدب الصهيوني” وتقرأ:
والعرب إذا خاضوا معركة ليس لديهم أي حافز لها، وإذا ما ماتوا فإنما في سبيل حكامهم وأفندييهم أو في سبيل النهب، أما اليهود فيموتون من أجل سبب أفضل”، “واليهودي يستطيع بسهولة شراء أي تركي، ولكنه يعرف أيضاً أنه ليس بالوسع التفاهم مع أي عربي إلاّ بقبضة اليد” و”إذا خرج عربي من قهوته وأطلق طلقة طائشة على كيبوتز من بعد ألف يارد يعتقد بأنه رجل شجاع، لقد آن الأوان لنختبر أولئك القواويد الجهلة” ولذلك كان يتمشى اليهود في نزهات فيرون القرى العربية مهجورة .. لأن سكانها قد خيروا من قبل الملك عبد الله بين أن يقاتلوا، الأمر الذي لا يريدونه، وبين أن يهربوا، الأمر الذي نفذوه“.
ولذلك أيضاً فإنهم.. لا يستطيعون أن يلعبوا بعنف، يلعبون بوضاعة“.
وإذا كان الوضع كذلك فبوسع اليهودي جوسي، مسلحاً بكرباج فقط، أن يقتحم مضرب قبيلة بدوية جميع رجالها مسلحون بالبنادق ويجلد رئيسها أمام الجميع، ويجبره على طلب الرحمة ويؤدب بذلك كل القبيلة دون أن ترمش له عين”.(أ. ك لغسان كنفاني 614/615).
وأنت تتصفح جريدة الأيام، الأحد 27/7/2014، تقرأ على الصفحة الأولى العنوان التالي: “جنود إسرائيليون يتحدثون عن ليالي الرعب والقتال والدمار الجنوني، في غزة” وأسفل منه تقرأ خبراً آخر هو “تقرير: جنود الاحتلال في غزة يعانون رهاب الاختطاف”، وثمة جنود قالوا، من على شاشة الفضائيات، إنهم رأوا عدواً شجاعاً شرساً يقاتل ببسالة لم يكونوا يتصورونها.
وأنت تفكر في الحرب تتساءل: هل من ضرورة للحروب؟ هل ما لدينا من قوة يمكن أن تغير الميزان؟ وتقرأ آراء متناقضة متعارضة حول الصواريخ وفاعليتها؟ حققت توازن الرعب/ إنها صواريخ عبثية… إلخ.
وأنت تفكر في الحرب تتذكر كيف كان اليهود المساكين في الحرب العالمية الثانية يُقادون إلى معسكرات الإبادة دون مقاومة، ويُقتلون هناك كالخراف، وتتذكر بعض الأدبيات الصهيونية، مثل “اكسودس”، التي أظهرت لهم صورة مغايرة، صورة مقاتلين متمردين مقاومين.
وأنت تفكر في الحرب تتساءل: هل من جدوى لها؟ وهل تغيير صورة العربي الذي أحدثته حروب 1982، 2000، 2006، 2014، مقابل الصورة التي أبرزتها الأدبيات الصهيونية، والأدبيات الإسرائيلية في حربي 1948، و1967، يعادل كل هذا الدمار والخراب والقتل والإعاقات و.. و…؟ ولكن من أنت حتى تقول إن الحروب كلها “خَـ …” ؟

جنود يحلمون بالزنابق البيض:
في الحرب تتذكر قصيدة محمود درويش “جندي يحلم بالزنابق البيضاء“.
كان الشاعر كتب قصيدته عن صديقه اليهودي الكاتب والمؤرخ (شلومو ساند) الذي أصدر في السنوات الأخيرة كتابه “اختراع الشعب اليهودي”، وتتساءل: هل ثمة جندي إسرائيلي يحلم، الآن، في أجواء الحرب، بالزنابق البيض؟
وأنت تتابع الأخبار تعرف أن هناك جنوداً أطلقوا النار على أرجلهم حتى لا يذهبوا إلى الجبهة.
ثمة جنود يحلمون بالزنابق البيض/ البيضاء. ولكنك صباح الخميس 31/7/2014 تشاهد، من على فضائية الجزيرة، مقطعاً لجنود إسرائيليين يرقصون حول قذائف صاروخية.. يرقصون ويغنون: إنها لأطفال غزة. وسيعلق إسرائيليون مبتهجون قائلين: ليس ثمة مدارس في غزة الشهر القادم، فلقد قتل الأطفال.
وأنت تتابع ما يكتبه الروائي ربعي المدهون تلحظ إشاراته إلى روايته ذائعة الصيت: “السيدة من تل أبيب”، والسيدة مثل الجندي الذي يحلم بالزنابق البيضاء.
إنها امرأة حقيقية، وهي أورلي فنرمان التي غدت في الرواية (دانا أهوفا)، وكان ربعي جلس إلى جانبها على متن الطائرة من لندن إلى البلاد العام 2005، لمدة أربع ساعات، ودوّن ما دار من حديث بينهما في روايته.
أورلي عارضة وممثلة، ولقد كتبت على صفحتها إنها تخجل من دولتها وأبدت تأييداً للفلسطينيين.
في الحرب، وعلى الرغم من الحرب، تتذكر قصيدة محمود درويش: جندي يحلم بالزنابق البيضاء.

عن د.عادل الاسطه

شاهد أيضاً

في وداع إلياس خوري

 1) لم يكتب لي القدر أن أتقابل مع إلياس خوري وجها لوجه ، مع أننا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *