تستند البحوث أو الفرضيات والمقترحات التاريخية، لا سيما ما يخص العصور القديمة منها، في إثبات صحتها على الأدلة الأثرية التي في متناول اليد. ومن الواضح أن ليس جميع المختصين والباحثين لديهم الفرصة لزيارة مواقع عملهم ودراساتهم، غير أن هذا لايعني أن يقوموا، عوضاً عن ذلك، “برحلات خيالية يبنوا، من خلالها، تصوراتهم عن الحدث التاريخي المرتبط بموقع أثري ما. لهذا تكون هناك أهمية قصوى لوجود “المادة الأثرية” التي تقطع الشك باليقين، رغم تعرض هذه المادة لاحقاً لتأويلات سياسية وإيديولوجية تسعى لجر الحاضر نحو الماضي، أو زلق الماضي باتجاه الحاضر، وبغياب الدليل الأثري لحدث ما سيقول البعض “إن غياب الدليل عن أمر حصل في الماضي لا يعني، بالضرورة القطعية أن الأمر لم يحدث”..
قيل لنا بأن الإسرءيليين لم يختاروا “طريق الفلستيين”* أثناء خروجهم من مصر** رغم أنه كان الأقرب والأسرع لهم لدخول أرض كنعان للقادم إليها من مصر. علماً أن هذا الطريق الموازي لشواطئ البحر المتوسط سلكه الملك تحوتمس الثالث (1450-1504 ق.م) رفقة جيشه من الدلتا إلى غزة في 10 أيام فقط “بحساب 25 كم في اليوم”!، حيث يبلغ الطول الإجمالي للطريق أقل من 250 كم بقليل. ويسمى هذا الطريق بعدة أسماء مختلفة مثل: طريق حورس الحربي، والدرب السلطاني، والطريق الشمالي. وظهر في منتصف الألفية الثانية ق.م، أي في عصر الدولة الحديثة في مصر. ويمتد من القنطرة شرق في غرب سيناء إلى رفح على الحدود المصرية الفلسطينية، مروراً بموقع بئر رمانة وقاطية وجنوب البردويل وبئر مزار قرب الفلوسيات والعريش والشيخ زويد. وهو طريق عسكري وتجاري بآن معاً، ومكان عبور من وإلى مصر، ومنه كانت تعبر الجيوش المصرية، نحو كنعان وغرب آسيا مثل جيوش أحمس الأول وتحوتمس الثالث وسيتي الأول ورعمسيس الثاني ورعمسيس الثالث وششنق الأول، كما كان الطريق الذي دخلت منه الجيوش الغازية (الهكسوس والآشوريين والفرس والرومان والإغريق والصليبين والعرب).
في هذا الرسم الذي يعود للعام 1911 يظهر ما يشبه جسر حجري أو قنطرة فوق “قناة مائية” تربط بين بحيرة المنزلة وبحيرة البلاح، كما يظهر على الأطراف نبات القصب أو أعشاب المستنقعات، وتكون قافلة الجمال التي على اليسار كأنها تغادر مصر، بينما تلك التي على اليمين تبدو كأنها تهم في الدخول إلى مصر. المصدر: (p. 189. Rev. Samuel Manning. LL.D. The Land of the Pharaohs. Egypt and Sinai: Illustrated by Pen and Pencil. The Religious Tract Society. London. 1911). وتُظهر الخارطة الفرنسية أدناه القناة التي تربط بحيرة المنزلة ببحيرة البلاح، ويطلق على موقع الجسر بالفرنسية اسم Pont du Tresor ou el Qantir. لا يوجد تاريخ معروف لزمن إنشاء هذه القناة، ويظهر على الخارطة موقعين على جانبي مسار القوافل، شمال الجسر مباشرة. لم يحصل أي أعمال حفر أو تنقيب في هذين الموقعين.( تعود هذه الخارطة إلى العام 1796 في عصر نابليون)
وتذكر نصوص العهد القديم أن الخوف من “الفلستيين” كان السبب وراء عدم سلوك إسرءيل هذا الطريق المباشر، ورغبتهم في عدم الدخول في معركة معهم، ويشير النص إلى أن الفلستيين سوف لن يسمحوا للإسرءيليين بالعبور بين ظهرانيهم.. “وَكَانَ لَمَّا أَطْلَقَ فِرْعَوْنُ الشَّعْبَ أَنَّ اللهَ لَمْ يَهْدِهِمْ فِي طَرِيقِ أَرْضِ الْفَلَسْطِينِيِّينَ مَعَ أَنَّهَا قَرِيبَةٌ، لأَنَّ اللهَ قَالَ: «لِئَلاَّ يَنْدَمَ الشَّعْبُ إِذَا رَأَوْا حَرْبًا وَيَرْجِعُوا إِلَى مِصْرَ».” (خروج 13: 17). وثمة رأي شائع بين المختصين يطابق بين “الفلستيين” و “البلست” الذين هم قبيلة من شعوب البحر تعود أصولهم إلى الجزر الإيجية الذين غزوا شرق المتوسط وسواحل مصر في نهاية العصر البرونزي 1174 ق.م، في عهد رعمسيس الثالث الذي سجل هزيمتهم في نقوش مدينة هابو( انظر الصورة أدناه)، وأجبرهم على الاستقرار (يشار إلى ذلك باستقرارهم في مدينة غزة التي كانت حصناً مصرياً في كنعان) والعمل في خدمته.
ولذلك يبدو سير إسرءيل جنوباً نحو البحر الأحمر أو “يم سوف \ خليج السويس” غير مفهوم من الناحية المنطقية بسبب عدم وجود “الفلستيين” في غزة حوالي 1540 ق.م أو 1446 ق.م أو 1250 ق.م وهي التواريخ التي تفترض أن حادثة الخروج وقع في إحداها، وفقا لآراء الباحثين حول تاريخ زمن الخروج.. في حين يحاول البعض تقدين تفسيرات ” أكثر منطقية” من خلال افتراض أن السبب الحقيقي لعدم سلوك “طريق الفلستيين” تحصين المصريون لهذا الطريق منذ أيام تحوتمس الثالث وتوفير محطات للجيش المصري*** الذي لطالما استخدم هذا الطريق لقمع الانتفاضات الكنعانية المتكررة، ولكن، حتى مع المنطق التبريري، تبرز مشكلة جوهرية، فالسردية الكتابية تصور أن الملك المصري سمح لبني إسرائيل بمغادرة مصر، وبالتالي لن يجرؤ أي قائد مصري في الحصون والمحطات على طول الطريق المذكور على عصيان أوامر الملك ومهاجمة الإسرءيليين، غير أن الأهم من كل هذا أن محرر النص الكتابي لا يعلم أصلاً بوجود الحاميات المصرية على طريق حورس هذا أي “طريق الفلستيين” ويبدو أن سرديته تعتمد بالدرجة الأولى على فهمه الخاص من أن خوفه في حقيقة الأمر ليس من المصريين، بل من الفلستيين المعاصرين له والذي كان يعتقد أنهم موجودون حيث هم منذ قديم الزمان، وبالتالي لا بد أنهم كانوا هنا أيضاً وقت الخروج من مصر..
………..
*انظر، figure 10. James K. Hoffmeier. Ancient Israel in Sinai, The Evidence for the Authenticity of the Wilderness Tradition. Oxford University Press. 2005. من بين ما ورد في الكتاب، الخارطة أدناه التي تظهر، حسب زعمه، عبور بني إسرءيل عبور البحر الأحمر من الطرف الشمالي لبحيرات البلاح
تظهر بحيرة البلاح في اللون الرمادي الداكن، في حين تشير المناطق ذات اللون الرمادي الفاتح إلى “الأرض الرطبة” الممتدة من موقع أبو صيفي حتى الأحمر و مجدول حصن ستي الأول. ويظهر ما بين البحيرتين موقعي حبوة 1 وحبوة 2 موقع البرج وآثار قناة مائية قديمة مندثرة، ويقترح هوفماير، حسب الخارطة، بأن بحيرة المنزلة “بما في ذلك موقع التينة و بوليزيوم (الفرما)” لم تكن موجودة في عصر الرعامسة وهو يضع البحر المتوسط قرب “بحيرة قديمة” عند موقع حبوة 2 وبحيرة البلاح، وبالتالي فإن الريح الشرقية “إذا كانت الخارطة صحيحة” ستكون محددة ببحيرة البلاح، وتظهر ملاحظة هوفماير هذه بأن المسطحات الطينية في الفرما “البوليزيوم” غير الموجودة في الخارطة أدناه التي رسمها عالم المصريات مانفريد بايتاك (انظر، cf. Fig. 1. “Map of the Eastern Delta and a reconstruction of the ancient environment and Nile branches.” facing p. 3. Manfred Bietak. Avaris, The Capital of the Hyksos, Recent Excavations at Tell el-Dab’a. London. British Museum Press. 1996). تظهر خارطة بايتاك فرعاً من نهر النيل يمر عبر بحيرة يسميها “شي حور” ثم يتجه شمالاً ليصب في البحر المتوسط. يظهر في الزاوية اليمنى العليا فرع النيل الذي يمر بين حبوة 1 (على اليسار) وحبوة 2 (على اليمين). هذه الخاصية التي يقترح هوفماير أنها قناة سيتي الأول المائية “تادنيت Ta Denit وتعني أرض القناة أو الميته المقسومة”. فإذا كانت هذه التفسيرات صحيحة باعتبارها جزء من طريق حورس فهذا يعني أن الجيوش القادمة إلى مصر يمكنها تجاوز حبوة 1 وحبوة 2 ، وبالتالي يكون طريق الدلتا مفتوح أمامها، علماً أن الموقع لا يحتوي على سويات أثرية فارسية أو يونانية أو رومانية، مما يستبعد مطابقتها مع موقع سيلا الروماني المذكورة في نصوص وسجلات القرن الرابع الميلادي.
وتظهر الخارطة التالية الجسر فوق القنطرة أو البرزخ في فترة فيضان النيل، وتشير العلامات المظللة إلى المناطق المغمورة بين بحيرة المنزلة إلى الشمال من البرزخ وبحيرة البلاح إلى الجنوب منه.
ويظهر مسار قوافل الجمال وهو تعبر البرزخ. ويخترق هذا المسار، في الواقع، القناة التي تسمح لبحيرة المنزلة أن تصب مياه الفيضان القادمة من نهر النيل في بحيرة البلاح، ويمتد مسار القوافل حتى غزة و”أرض الفلستيين”. ويعتقد بايتاك أن طريق حورس، الذي استخدمته عربات الجيش المصري، قديماً، لغزو سوريا، مرت فوق هذا البرزخ كأفضل مكان محتمل للعبور بين مستنقعات القصب، ووفقاً للخرائط التي تعود لأربعينيات القرن التاسع عشر الميلادي، كان مستوى المياه في بحيرة المنزلة يرتفع حوالي متر إلى مترين في أوقات الفيضانات الدورية (من المنطقي القول أنه يمكن لعربات الخيول الخوض في مياه عمقها متر ولكن ليس مترين بكل تأكيد). ويبدو أن هذه الظاهرة ملائمة تماماً لأصحاب النزعة التوراتية لتفسير أحداث سفر الخروج، إذا يمكنهم بسهولة، وفق ما ذكر، القول بأنه يمكن لبني إسرءيل المكوث في هذا الموقع ونصب خيمهم دون عناء قرب ما يبدو لهم كأنه بحر شاسع، ما بين بحيرة المنزلة وبحيرة البلاح، قبل أن تهب عليهم رياح شرقية قوية تؤدي إلى انحسار المياه الضحلة فيظهر على مرآهم البرزخ المغمور وتكون البحيرتان بمثابة أسوار مائية من كلا الجانبين. وتشير بعض الدراسات أن معنى تا دينتTa Denit (القناة التي يقترح هوفماير أنها قناة سيتي الأول) تعني “المياه المقسومة”، وهكذا يكتمل السيناريو بالقول أن إله إسرءيل قسم مياه البحر نصفين ليعبروا لتنطبق، بعد ذلك، على فرعون وجيشه ويغرقوا فينجوا الإسرءيليون. حتى أن البعض يذهب أبعد من ذلك حين يرى أن العرب يطابقون، تبادلياً في المعنى، بين كلمتي بحر وبحيرة فيقولون بحيرة طبرية أو بحر الجليل وبالتالي ربما يكون قولهم بحيرة المنزلة وبحيرة البلاح بمعنى البحر( مازالت كلمة بحر شائعة حتى الآن في أسماء الأماكن في مصر، لاسيما الدلتا، مثل بحر البقر وغيرها) وتكون الكلمة تحريف للموقع التوراتي “بي ها حيروت” Pi-ha-Hiroth شديدة الصلة توراتيا بموقع “يم سوف”. ويقترح الباحث اللاهوتي أولف ألفرد توفتين أن بني إسرءيل عبروا البحر الأحمر عند البرزخ الذي كان يفصل البحيرتين في العصور القديمة ( انظر، (cf. pp. 159, 162. Olaf A. Toffteen. The Historic Exodus. The University of Chicago Press. 1909)). يقول توفتين:” بي ها حيروت.. المكان الذي تتصل فيه بحيرة المنزلة ببحيرة البلاح. في الوقت الحالي تنفصل البحيرتان عن بعضهما البعض ببرزخ صغير، غير أنهما كانتا في العصور القديمة متصلتان عبر قناة من المياه الضحلة وفقاً لما يقوله علماء الجيولوجيا. وسوف يُظهر تأمل خارطة الموقع أنه المكان الوحيد الذي يستطيع العبرانيون اختراقه.. بما يمكنهم من الخروج إلى الصحراء، عبر هذه المياه الضحلة التي تربط بين البحيرتين. وليس من المستبعد على الإطلاق أن تعمل الرياح الشرقية القوية على دفع المياه من هذا الشريط الضيق من الأرض ليصبح المكان ممراً سالكاً للعبور، وهكذا ستكون البحيرتان بشكلهما هذا أساس التعبير المجازي في الرواية التوراتية عن كونهما “سور” [ كما يذكر سفر الخروج 14:22 (“فَدَخَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الْيَابِسَةِ، وَالْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ”).. وهكذا يتضح لنا المسلك الذي سلكه التقليد اللاهوتي P [حسب فرضية فلهاوزن في تفسير مصادر النص الكتابي] لتأسيس سردية الخروج التي تقول أنه بعد مغادرة “البحر” دخلوا [أي بني إسرءيل] برية شور، وهي كما رأينا موجودة في هذه المنطقة وليس في أي مكان آخر “.. انتهى الاقتباس. ويحدد توفتين موقع برية شور شمال بحيرة التمساح فيقول أن برية شور ” كانت تقع إلى الشرق من الحدود المصرية بين بحيرة التمساح والبحر المتوسط” ( المرجع السابق ص 158). (للمزيد انظر الخارطة التالية لشبه جزيرة جبل سيناء والبتراء (مقياس 800000 : 1) بناءً على مسارات روبنسون وسميث 1841 Biblical Researches in Palestine, Mount Sinai and Arabia Petraea: A Journal of the Travels in the Year 1838, 3 volumes, Boston: Crocker & Brewster)
** يحدد الباحث \الإسرائيلي\ يوحنان أهاروني زمان الخروج من مصر في نهاية القرن الثالث عشر ق.مـ أي في عصر الملوك الرعامسة، ويميل إلى الاعتقاد أنه حصل في فترة حكم رعمسيس الثاني. انظر، The Exodus and the Desert Routes.” Yohanan Aharoni. The Land of the Bible, A Historical Geography. [Revised and Enlarged Edition]. Philadelphia. The Westminster Press. 1962, 1967, 1979. ISBN 0-664-2466-9). p. 197. “Map 13. كما هو موضح في الخارطة أدناه
ووفقا للعديد من الباحثين يشار إلى استقرار الفلستيين تقليدياً في أرض كنعان حوالي 1175 ق.م. أي في عهد رعمسيس الثالث باسم “Pelest”. وبالتالي فإن مصطلح “طريق الفلستيين” قد يوحي-كما يرى البعض- إلى أن فترة الخروج حدثت ليس قبل 1175 ق.م. من ناحية أخرى يشكل تحديد مدينة رعمسيس \تانيس “صوعن” مشكلة إضافية (راجع سفر العدد 13\22 . وَأَمَّا حَبْرُونُ فَبُنِيَتْ قَبْلَ صُوعَنِ مِصْرَ بِسَبْعِ سِنِينَ.) و المزمور 78، آية 12 و 43 “قُدَّامَ آبَائِهِمْ صَنَعَ أُعْجُوبَةً فِي أَرْضِ مِصْرَ، بِلاَدِ صُوعَنَ.”.. “حَيْثُ جَعَلَ فِي مِصْرَ آيَاتِهِ، وَعَجَائِبَهُ فِي بِلاَدِ صُوعَنَ.” فتانيس لم تكن مقرا لملوك مصر قبل العام 1069 ق.م.. ومنذ سبعينيات القرن الماضي مازال بعض أهل الاختصاص يعتقدون أن مدينة رعمسيس التوراتية هي أفاريس عاصمة الهكسوس (سفر العدد 33\3 : ” اِرْتَحَلُوا مِنْ رَعَمْسِيسَ فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ، فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأَوَّلِ، فِي غَدِ الْفِصْحِ. خَرَجَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِيَدٍ رَفِيعَةٍ أَمَامَ أَعْيُنِ جَمِيعِ الْمِصْرِيِّينَ”)والخروج 12\37 : “فَارْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ رَعَمْسِيسَ إِلَى سُكُّوتَ، نَحْوَ سِتِّ مِئَةِ أَلْفِ مَاشٍ مِنَ الرِّجَالِ عَدَا الأَوْلاَدِ”.)، (وتظهر الخارطة أدناه مناطق عديدة من بحيرة المنزلة، تعود للعصرين الروماني واليوناني حسب المسميات، تطفو عليها أعشاب المستنقعات والقصب، ويطابق البعض بين تانيس وصوعن التوراتية حيث كان يقيم بني إسرءيل (مزمور 78:12 ، 43) وتقع المدينة على قناة متفرعة من النيل مبطنة بالقصب وتصب في بحيرة المنزلة.. قد يحلو لبعض “المؤمنين” الزعم بأن أم موسى وضعت وليدها داخل سفط من القصب وألقته في هذه القناة). ويتم تعيين أفاريس على أنها تانيس\صوعن بسبب من وجود آثار تعود لعصر الرعامسة فيها.. غير أن الدراسات الآثارية الحديثة تطابق بين أفاريس وموقع تل الضبعة.. وتطابق بر رعمسيس بمكان ما قريب من قنطير في دلتا مصر بسبب من احتواء كلا المكانين على لقى فخارية تعود لعصر الرعامسة، وخلو تانيس من لقى فخارية رعمسيسية.. ووجود بقايا تعود للهكسوس من القرن 16 ق.م في سكوت “تل المسخوطة”. فضلاً عن أن واحة فاران تتوفر على لقى تعود للعصر الحجري والبرونزي القديم والبرونزي الوسيط والعصر الحديدي الثاني (حوالي 1000ق.م-587 ق.م ). أما بقية المواقع على خارطة أهاروني، مثل حصيروت فلا تتوفر سوى على بقايا مدافن تعود للعصر الحجري.. واللقى التي عثر عليها في أيلة النبطية تعود للقرن الرابع ق.م، وعصيون جابر التوراتية \تل الخليفة للعصر الحديدي الثاني “القرن الثامن ق.م على أبعد تقدير” ..أما موقع دهب فهو موقع نبطي يعود للقرن الثاني ق.م، وعرّاد تعود للعصر البرونزي الثاني والعصر الحديدي الثاني المبكر.. وأقدم اللقى في المنطقة الرملية البحرية لموقع “بعل صفون” \بحيرة البردويل| فهي لقى فارسية من القرن السادس ق.م.. وموقع جبل سيناء “جبل موسى” لا يحتوي سوى على بقايا تعود للعصرين الحجري والبرونزي الثاني المبكر في محيط المنطقة ( موقع النبي صالح في وادي الشيخ على بعد 8 كيلومتر من دير القديسة كاترين ) .
أما موقع طابا والعين فاللقى المتوفرة هناك هي آثار رومانية\بيزنطية متأخرة.. وجبل المرخة على الشاطئ الغربي لسيناء لم يكن سوى مرفأ مصر يعود للعصر البرونزي المتأخر لعمال المناجم في ذلك الوقت الذين كانوا يعملون في موقع سرابيط الخادم. ولعل أحد أشهر الأمثلة على التأويلات المتحيزة هو تحديد موقع “سكوت” الكتابية كأحد المحطات المفترضة التي مر بها بنو إسرائيل أثناء خروجهم المفترض من مصر، حسب نصوص العهد القديم.. وهناك عدة فرضيات لتحديد موقع سكوت الكتابية، منها ما له صله بمقاربة لغوية اشتقاقية للمعنى أو مقاربة أثرية مكانية وفقاً لسردية الخروج. ويرى بايتاك أن أي مكان يتم تحديده على أنه سكوت أو فيثوم أو رعمسيس يجب أن نعثر فيه على لقى فخارية رعمسيسية، فضلاً عن أن تحديد سكوت بالموقع “سيكو” Tjeku يعود لمقاربة TJ المصرية القديمة بحرف “السامك العبري” وبالتالي يصبح الأمر سهل لديهم لاعتبارها سكوت.. يذكر أن موقع TJEKU ورد في بردية أنستازي السادسة والتي تعود لعصر الملك مرنبتاح حوالي 1230 ق.م.
وثمة مثال آخر عن الطريق المحتمل للخروج من مصر حسب نصوص العهد القديم عرضه ماغنوس ماغنوسون حسب الخارطة أدناه (ويبدو أن ماغنوسون هذا يحبذ فكرة الخروج في عصر الرعامسة. الخط المنقط هو “الطريق البديل المقترح”، والخط غير المنقط يمثل “الطريق المحتمل.” . (أنظر،”Probable Route of the Exodus.” Magnus Magnusson. Archaeology of the Bible. New York. Simon & Schuster. 1977) p. 66.).
وبعيداً عن إشكاليات “النقد النصي” لمادة الخروج في السفر الذي يحمل الاسم ذاته، فإن الموقع الذي يفترضه ماغنوسون لتانيس\صوعن\رعمسيس لم يكن مقر إقامة لملوك مصر قبل العام 1069 ق.م (وهي الملاحظة التي يمكن الدفع بها أمام اقتراحات مشابهة، مثل خارطة يوحنان أهاروني السابقة على سبيل المثال). ويتم مطابقة صوعن مع موقع تل الضبعة وبر رعمسيس مع موقع قنتير فضلاً عن أن تانيس لا تحتوي على بقايا فخارية رعمسيسية، بل كل ما عثر عليه هناك لا يتعدى بضعة تماثيل تعود لعصر رعمسيس الثاني ولحقبة الرعامسة). من ناحية أخرى تشير البحوث الآثارية إلى أن موقع تل الضبعة هجر في منتصف القرن السادس عشر ق.م، و أعيد التوطن فيه خلال القرنين الرابع عشر والثالث عشر ق.م في عصر حورمحب (1321-1293)، حيث تظهر له خراطيش على العتبة العلوية لمعبد سيث في تل الضبعة. أما موقع قادش برنيع \عين القديرات\ (على يمين الخارطة من الأعلى) والمنطقة المجاورة لها تعود للعصور: الحجري والبرونزي الثاني المبكر والبرونزي الوسيط الأول والحديدي الثاني (حوالي 1000 ق.م -587 ق.م). وموقع بزرة\بصيرة ليس قبل القرن الثامن ق.م، أي العصر “الحديدي الثاني”. في حين لا يحتوي موقع جبل سيناء\جبل موسى على لقى سوى تلك التي تعود للعصرين الحجري والبرونزي الثاني المبكر؛ ويعتقد أن اللقى التي عثر عليها في منطقة الشيخ صالح في وادي الشيخ قرب دير القديسة كاترين عبارة عن مدافن يبدو أنها من عرّاد من النقب وتشغل منطقة مناجم النحاس؛ ولا يوجد في تلك المنطقة -منطقة دير القديسة كاترين- سوى لقى تعود للعصور الرومانية والبرونزية المتأخرة (من القرن الرابع حتى السابع الميلادي).
*** شيد المصريون على طول طريق حورس، لاسيما المواقع الاستراتيجية منه، محطات حراسة وتموين قرب المناطق التي يتوفر فيها الماء. وأصبح هذا الطريق، في عصر الدولة المصرية الحديثة، أكثر المعابر الأرضية الحربية والتجارية بين مصر وغرب آسيا وشرياناً حيوياً لتواصل مصر مع الأقاليم التابعة لها في آسيا. وهناك خارطة لهذا الطريق مصورة علي الجدار الشمالي لمعبد الكرنك في الأقصر تعود لعصر الملك سيتي الأول، وتذكر الخارطة وجود 11 محطة على طول الطريق، كشف منها خمس محطات حتى الآن، وكان يوجد على طول الطريق تسعة آبار أو خزانات مياه، وقلاع تحمل أسماء الملوك، ويتضمن طريق حورس الحربي المحطات التالية :
- “ثارو” أو قلعة ثارو، تبلغ مساحتها حوالي 3 كم2 وتقع شرق قناة السويس، وكان فرع النيل البيلوزي يقسم المدينة إلى قسمين شرقي وغربي يربط بينهما قنطرة، ويطلق حالياً على القسم الشرقي اسم حبوة 1 وعلى القسم الغربي اسم حبوة 2، والقسم الشرقي عبارة عن تحصينات وقلعة (يعتقد أنها تعود للملك سيتي الأول) وهي المدخل الشرقي لمصر ونقطة انطلاق الجيوش، أما القسم الغربي عبارة عن مبانٍ إدارية ومخازن لتموين الجيش ومنطقة معابد، ويقع موقع تل حبوة على بعد 3 كم شرق قناة السويس. في تلك العصور لم يكن أحد يجرء على العبور باتجاه الشرق إلا عبر تلك القنطرة المحميةـ التي كانت تعطي تصاريح العبور، وكات رئيس حامية حصن “سيلا” يرسل تقاريره التفصيلية إلى رؤسائه. ويذكر المؤرخ الروماني سترابو أن هذه المنطقة كانت تعتبر منفى يرسل إليها المغضوب عليهم، والموظفون المرتشون، وربما منها إلى مناطق أخرى حيث نعرف أنه كانت تجدع أنوف المذنبين منهم، وربما لذلك سميت مدينة العريش باسم “رينوكورورا” فى العصر الروماني وهى ترجمة حرفية لعبارة (مجدوعي الأنف) وفقاً لسترابو. ويعتقد أن موقع “ثارو” يمثل أهمية دفاعية مركزية في مصر القديمة، حيث عثر هناك على بقايا سور بطول 800 متر وعرض 7 أمتار، حسب بيانات المجلس الأعلى للآثار بشمال سيناء. وعثر في الموقع على لوحتين عليهما نقش للملك الهكسوس نحيسي ومستودع يحتوي على عظام حصان ومجموعة تماثيل تعود لفترة الهكسوس. للموقع أهمية أخرى حيث عثر على فخار من فلسطين المجاورة ومن سوريا الأبعد وحتى من قبرص، فضلاً عن تماثيل متفرقة تعود للأسرة الثامنة عشر.
- ” عرين الأسد ” وقلعة عرين الأسد تخص الملك رعمسيس الثاني، وتقع على بعد 15 كم شرق القناةـ وهي في تل البرج حيث عملت هناك بعثة تنقيب أمريكية. ويظهر الموقع في نقش الكرنك على هيئة قلعة مستطيلة وفيها بركة ماء حولها أشجار، ووصف المكان بأنه مسكن الأسد كإشارة إلى الملك. ويطلق عليه في بردية أنستازي اسم مسكن رعمسيس محبوب أمون” والمقصود هنا الملك رعمسيس الثاني.
- “مجدول” ويعرف أيضاُ باسم “مجدل من ماعت رع” وهي تخص الملك سيتي الأول “يدعى سيتي الأول بالاسم الملكي ماعت رع”، وتسمى أيضاً “قلعة حثين”، وكلمة مجدول سامية الأصل، وردت في النصوص المصرية في عصر الدولة الحديثة، وتعني حصن. وتقع قلعة مجدول في تل الحير على بعد 25 كم شرق قناة السويس حسي ما يراه غاردنر، وعملت في الموقع بعثة تنقيب فرنسية. ويبدو الاسم “مجدول” غريب بعض الشيء، كونه الموقع الوحيد الذي يحمل اسماً غير مصري، علماً أن سيتي الأول تولى الحكم في نهاية القرن الثالث عشر ق.م، أي بعد أكثر من قرنين على زوال حكم الهكسوس ” الآسيويين” في منتصف القرن السادس عشر ق.م
- “بوتو الخاصة بالملك سيتي مرنبتاح” أو واجيت سيتي وهي قلعة صغيرة ذات طابق واحد وكانت بجوارها بئر وشجرة ويحدد الباحثون هذه المحطة بأنها في قاطية حسب اقتراح غاردنر أو بئر العبد أو تل اللولي. ويظهر الموقع في النقوش مظللاً بأشجار وارفة، ومازال هذا الموقع من أكثر المناطق المأهولة بالسكان حتى الآن في سيناء.
- ” قلعة من ماعت رع ” وتعرف أيضاً باسم “قلعة سيسي”، وسيسي هو “اسم الدلع الخاص: للملك رعمسيس الثاني، والموقع عبارة عن حصن صغير من طابق واحد، ويبدو أنه كان هناك، حسب النصوص، في هذه المحطة أكثر من حصن، أو أن الحصن له أكثر من اسم، وثمة خلاف بين الباحثين حول تحديد مكان هذه المحطة، فالبعض يحددها في البريج والبعض الآخر في تل الفلوسية.
- “المدينة الجديدة التي بناها جلالته” وهي عبارة عن حصن من طابق واحدـ يقع قربها بئر يسمى “أب سقب”، وفي بعض المصادر الأخرى سميت المحطة باسم “سابئير” ويحدد موقع هذه المحطة الآن في الرطامة
- “قلعة عند بئر سيتي مرنبتاح ” وهي حصن ذو طابقين وموقعها الآن في الفلوسية
- “بئر من ماعت رع عظيم الانتصارات” وسمي البئر باسم “الماء العذب” وموقعها الحالي في العريش
- “المدينة الجديدة التي بناها جلالته عند حورباتي” وهي حصن مربع ذو طابقين مبني على تل، ويختصر اسم الموقع إلى “حورباتي” في بعض النصوص، ويبدو أنها كانت تقع بجوار بركة ماء وكانت محاطة بأسوار مرتفعة، وموقعها الآن في خروبة.
- “بئر من ماعت رع”، والتعبير “من ماعت رع” هو اسم العرش الخاص بالملك سيتي الاول, وكان لهذا البئر اسم محدد وهو “نا خاسو” ويحدده الآثاريون اليوم في موقع الشيخ زويد.
- “رفح” وتسمى في النصوص المصرية “ربو” أو “ربح”، وهي حصن مبني على تل عالي على ساحل المتوسط، يتكون من طابقين، وتشير بعض المصادر أن المدينة كانت محاطة بأسوار سميكة. ذكرت رفح في بردية أنستازي، وهي المحطة الأخيرة لطريق الفلستيين “طريق حورس” داخل حدود مصر.
مما يجدر ذكره أن أسماء المحطات على طريق حورس اشتقت من أسماء أو ألقاب الملك سيتي الأول وابنه رعمسيس الثاني, وبالتالي صار من الصعب مطابقة الاسم مع موقع بعينه، حيث يظهر رسم باقي المواقع والحصون موزعاً على أشكال مهاجمة الأعداء، فعلى سبيل المثال يظهر أسفل بطن حصان الملك سيتي الأول رسم قلعة إلى جوارها بركة ماء اسمها “حصن من-ماعت-رع المسمى (فى حمايته)، وأسفل السيقان الأمامية للحصان يظهر اسم صغير (البلد الذى شيده جلالته حديثاً) وإلى جوار بئر يسمى (أب سقب) وهو أيضاً مذكور فى بردية أنستازي. ثم يظهر، بعد ذلك، رسم قلعة كبيرة وإلى جوارها بئر ماء لكن دون ذكر اسم لها، ويعتقد عالم المصريات السير غاردنر أنها لابد أن تكون قلعة (عيانا) المذكورة فى بردية أنستازي. وبعد ذلك الحصن يذكر النقش اسم بئرين: بئر من-ماعت-رع عظيم الانتصارات، والبئر الثانية ظهرت باسم (البئر العذب الماء)، ويظهر أن معارك سيتي الأول قد قادته إلى أماكن بعيدة عن الطريق الحربي، لكنه ذكرها في النقش، غير أنه عندما يعود مرة أخرى إلى الطريق نجده يذكر حصناً صغيراً يسمى “بئر-من-ماعت-رع” ويذكر بئراً آخر اسمه (نخسو العظيم) بعد ذلك يأتي حصن رفح. ومازالت هذه المواقع بحاجة إلى المزيد من البحث والتدقيق الآثاري للتأكد فيما إذا كان يمكن الوثوق أو الركون إلى نقوش الكرنك باعتبارها خارطة موثوقة لطريق حورس، أو هي ليست سوى تخطيط أو تصور لقلاع وآبار فحسب، حيث حجمها وموقعها في المناظر صوّر بطريقة تقليدية، أو أن الفنان اضطر لرسمها من أجل ملء المساحات الفارغة أثناء إعداد النقش الذي كان المقصود منه بالدرجة الأولى تصوير الملك وإظهار اندفاعه بعربته مع حشود جيشه نحو الأعداء، وإظهار أيضاً طابور الأسرى والعربات الحربية.. وغيرها من مظاهر المعركة، فيما يبدو أن التصوير التفصيلي للآبار وخزانات المياه والمقاسات المختلفة القلاع عن أن هذه النقوش تصوير حقيقي للمنطقة.
يظهر من نقش الملك سيتي الأول جسراً فوق قناة أو ممر مائي تسبح فيه التماسيح، وتصطف فيه الحشود، ويمكن ملاحظة حصنين أمام الجهة الشرقية، (ربما تكون هي ذاتها التلال المشار إليها في الخارطة الفرنسية “النابليونية” المذكورة في مكان آخر هنا) كما يُظهر النحت “زاوية يمينية حادة” للممر المائي تحت أقدام الأسرى أمام عربة الملك. ويبدو أن هذا الانحراف الحاد للقناة يميل إلى جهة الشرق (شرق جسر القنطرة، قرب بحيرة البلاح)، بينما يشير التضاريس السفلية في النقش إلى أن الانحناء يقع غرب الجسر، قد يكون هو المتعطف الغربي (لجهة اليمين) على الخريطة الفرنسية، وليس هناك ما يؤكد إن كان هو ما يدعوه النفش تا دينت Ta Denit. أما فيما يتعلق بالتماسيح الظاهرة في المجرى المائي فيشير جيمس هوفماير بهذا الخصوص إلى أنه عُثر على بقايا تمساح بالقرب من رصيف مبطن بالحجارة في تل أبو صيفي (شمال شرق القنطرة) المرتبط بالحافة الشمالية الشرقية لبحيرة البلاح، وهذا يعني احتمال عبور تماسيح النيل إلى بحيرة البلاح وإلى مستنقعات القصب في موسم الفيضان. يقول هوفماير: “بدأت أعمال التنقيب في تل أبو صيفي في ربيع العام 1994 على نطاق واسع.. وتم العثور على حصن ضخم يعود للعصر الروماني مع ميناء قريب منه مرصوف بالحجارة، وقد عثر في أحد الأرصفة على بقايا تمساح. يبدو أن تل أبو صيفي كان يقع بجانب أحد الامتدادات الشمالية الشرقية لبحيرات البلاح.. ولكن لم يتم يعثر على أي لقى تعود إلى عصر الدولة الحديثة، مما يشير إلى أن الهياكل الرعمسيسية المكتشفة على سطح الموقع منذ ما يقرب من قرن من الزمان ربما تم إحضارها إلى الموقع في وقت لاحق”. ( للمزيد انظر، p. 183. James K. Hoffmeier. Israel in Egypt: The Evidence for the Authenticity of the Exodus Tradition. Oxford University Press.1999). ومن الواضح أن هوفماير يعتقد بأن ثارو T3-rw (Djaru) التي اظهر في نقش سيتي الأول (الجانب الغربي من قناة T3-dnit أو القناة).
أخيراً يمكن القول بأن الإحلال المكاني لموقع ما مثل طريق حورس بموقع معين مثل “ثارو” لايعني بالضرورة المطابقة التامة للموقعين. فنحن تعلم أن مفهوم الحدود والمواقع الحدودية لطالما تطورت وتبدلت في تاريخ مصر، حيث يمكن استخدام التسمية ذاتها، تبادلياً، للدلالة على أكثر من موقع جغرافي. كما أن معظم الباحثين الذين درسوا برديه أنستازي فهمومها على أنها رسالة هجائية يظهر كاتبها كأنه يهزأ من جهل أحد زملائه بتوضيح ما يجب عليه أن يعرفه عن الصروح والقلاع والحصون الموجودة على طول الطريق بين مصر وفلسطين، ويبدأ كلامه بالحديث عن “طريق حورس”، لكن السرد الجغرافي لهذه البردية يبدو أنه ينتمي إلى فترة الملك رعمسيس الثاني، وهو يشبه، في صياغته، نقش سيتي الأول في معبد الكرنك، وكلمة “ثارو” لا تعني بالضورة “قلعة” كما يشاع، ويقول أهل الاختصاص أنها مشتقة لغوياً من عبارة “مكان مغلق” وشيء له صلة بالأختام. ويبدو أن الكلمة ظهرت في فترة الدولة الوسطى حيث وجدت على الأبواب المحصنة التي تحمى هذه الأبنية، وتفترص، بالتالي، علاقة إدارية بين هذه المباني الدفاعية والوثائق المختومة. واستمرت الكلمة في الظهور في عصر الدولة الحديثة بعدة استخدامات لكنها قريبة من المعنى الأساسي الذي اشتقت منه، فكانت تعني الاحتفاظ بالثروات تحت الأختام أو المدخل المحروس لإحدى التجمعات، مما دفع إلى الربط بطريقة جازمة بين مفاهيم “ثارو” والقلاع فى مخيلة علماء المصريات. لكن جذور كلمة ثارو لا يستبعد معنى التحصينات ولكن لا يؤكده أيضاً كما نرى ذلك فى تصوير ها على جدار الكرنك، حيث يظهر الرسم مخازن (ربما هي مواقع حدودية جمركية أو مخازن معدة لإمداد وإطعام الجيوش) وللحملات الرسمية عن كونها قلعة. وعلى هذا يبدو أن استخدام كلمة ثارو لاحقاً كدلالة جغرافية هو استخدام ضعيف وقد لا يكون دليلاً على أنه كان محطة على طريق حورس.