تكتب رانيا كرباج الشعر بطريقة مميزة ومدهشة ، هي روح حرة ترفض الطاعة والترويض ، تؤمن بالحب الذي يحتفي بالحياة ،والحبيب الذي تتوق إليه ويكونا نداً لند ، ما تكتبه يشبه كثيراً شعر الهايكو حيث الإيجاز في المعنى وحيث عبارات من عدة كلمات تفتح في الروح التأمل وتعلمنا حكمة الحياة . تشعر وأنت تقرأ شعرها بالروح المتمردة الحرة لفروغ فرخ زاد ولتيوتاما تسونو . ورغم أنها تبرع في إخفاء حزنها وغضبها من مجتمع ذكوري يحط من قيمة المرأة فإنها بأسلوبها الإبداعي الشيق تجعل مشاعرها وأفكارها تصل للقارئ .
تبدأ ديوانها : بحث عن الآخر – بحث في الآخر – وصولاً إلى الله .
وتقول في مقطع جميل : هبطت إلى قعر نفسي – تعلمت الإنسان .
شعر رانيا معجون بالحب بأرقى تجلياته ، هو حب للرجل وللحياة تقول : أنا وأنت – نشد حبال الوقت – لنلتقي – ونشد حبال الوجد – ولا نكتفي …
-يداك – انغمست في جسدي – فتمكنت أخيراً من الطيران – انغمستا في روحي – فتحقق أخيراً السلام – يداك أيها الإنسان – صليبي الذي عليه – سأموت – فليبللني بقطرات الوجود .
الحرية وكرامة روح المرأة متلازمة مع شعر رانيا عن الحب ، في قصيدة من أنت تكتب :
من أنت لتحدد مكاني – وزماني – أيها البدوي الأسمر – من أنت لتقرر أحلامي – وأحزاني – أيها الحضري الأشقر – من أنت لتدعي – أن الله مذكر – وأن الكون مدور – وأنك أنت الأكمل – من أنت لتعتقد أنك حارس الشريعة – وسيد الطبيعة – أوقعت بيني وبين جسدي .
من أنت لتكتب اسمك فوق – اسمي – وتتركني على هامش جسمي – لقد أوقعت بيني وبينك – الخديعة – لقد وصمتني منذ بدء التاريخ – بأنني سيدة الخطيئة – ونصبت نفسك سيداً على – الخليقة .
من أنت لتدعي أنني ضلعك – من أنت لتدعي أنني ملكك – أيها المخلوق مثلي من التراب – أيها المجبول مثلي بالعذاب …
ثمة مقاطع شعرية بديعة في شعر رانيا ، تساؤلات وجودية عن الله والكون والحياة والموت تكتب : أبحث عن إله – قال لي إنه الكائن – وقال لي إنه الكون – لا أعرف عن ملمسه سوى الطبيعة – ولا أعرف عن صوته – سوى همسة في صدري .
أبحث عن إله – بشرني بأنه قد يولد مني – أبحث عن إله –وعدني بأنني قد لا أموت – وعدني بأننا قد نلتقي في الخلود .
شعر رانيا كرباج يتمتع بالإيجاز الصعب ، لا إفراط إطلاقاً في دفق مشاعر وأفكار ، مقاطع شعرية تحفر عميقاً في الروح كحكمة تذكرنا بها لعلنا نسيناها ، هي تحتفي بحريتها كامرأة وبالحب حيث الحياة رجل وامرأة متساويان :
أوهل تأتي معي – أخلع عنك غرورك – وهلم معي …
لا يُمكن حذف كلمة أو عبارة من المقاطع الشعرية الإبداعية لرانيا ، فهي تجتهد في انتقاء الكلمات المناسبة تماماً لفكرها وشعورها ، لا تسقط أبداً في إغواء اللغة التي تغوي بالمزيد والمزيد من تدفق المشاعر والأفكار ، هي تشتغل بجدية وشرف على كل كلمة تكتبها ، فيكون المعنى كثيفاً وعميقاً وتتفجر منه حكماً وتأملات .
هي تكتب عن الحب وعن الأنسان في أزمته الوجودية ، كتابة سلسة بصوت أقرب للهمس ، بلا صراخ ولا ضجيج ولا شعارات ، حتى حين تكتب عن الله فهي تراه في همس في صدرها وليس في طقوس ووصايا .
رانيا كرباج شاعرة مميزة جداً ، شعرها أقرب لشعر الهايكو حيث الإبداع في الإيجاز وفي خلق معاني عميقة للتأمل في الذات والوجود والحب .
صوت مبدع من حلب الشهباء شعر رانيا كرباج الرسامة المبدعة أيضاً .