السويد البيضاء: انعطاف فاشي ونزعة عنصرية

توبياس هوبينيت

ترجمة محمود الصباغ

استهلال:

انتهت- بعجرها و بجرها- “همروجة” 2024يوروفيجين ” في مدينة مالمو السويدية التي تحولت إلى ما يشبه ثكنة عسكرية، بسبب حشود المتظاهرين المعارضين لمشاركة إسرائيل في المهرجان…  وكشفت الإحصائيات الخاصة بالمهرجان  أن الجمهور السويدي أعطى ما مجموعه 12 نقطة لصالح المتسابقة الإسرائيلية، وهي النسبة الأعلى من بين المسابقين الآخرين؛ ويعتقد البعض أن السبب  يعود -حسابياً- لمقاطعة العديد من السويديين لفعاليات المهرجان مما أتاح الفرصة للنشطاء اليمينيين الذي دعوا رفاقهم إلى التصويت لإسرائيل، حتى أن ماريا مالمر ستينرغارد؛ وزيرة الهجرة السويدية التي تنتمي لحزب المحافظين كتبت تغريدة على منصةX تقول أنها صوتت للمتنافسة الإسرائيلية (للمزيد؛ انظر هنا  https://bloggar.aftonbladet.se/schlagerbloggen/2024/05/israel-fick-sveriges-telefonrost-tolva-sa-olika-rostade-tv-tittare-och-jury/). في الحقيقة تغير  كل شيء  في السويد، ونحن- المهاجرون الجدد هنا أكثر ما لاحظنا وانعكس علينا هذا التغيير- .. أحداث كبيرة في زمن قصير نسبياً غيرت وجه السويد: وباء كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا  وهزيمة الحزب الديمقراطي الاجتماعي الحاكم وطوفان الأقصى.. كل هذا ساهم بتعميق انحدار البلاد نحو هوة اليمين وتجسيد ممارسات متطرفة في بلد كان محل تقدير العديد من شعوب وحكومات العالم بسبب السياسات التقدمية والأمان الاجتماعي التي يتمتع بها المجتمع السويدي.

لفهم تحولات المجتمع السويدي .. أقترح عليكم أدناه مقالة مبتسرة عن الحالة السياسية في السويد بعد انتخابات العام 2022 للباحث المتخصص في الدراسات النقدية للعنصرية البيضاء والأبنية السردية العنصرية في السويد الحديثة، البروفيسور توبياس هوبينيت Tobias Hübinette الأستاذ في جامعة كارلستاد، والعضو في مجموعة أبحاث دراسات الثقافة (KuFo)

……Top of Form

 

كانت الانتخابات البرلمانية السويدية التي جرت في  11 أيلول [2022]، بمنزلة موجة صدمات إلى العالم أرسلها حزب الديمقراطيين السويديين اليميني المتطرف، الذي حصل على أكثر من 20% من الأصوات، ليصبح ثاني أكبر حزب في البلاد. وأسفرت الانتخابات التاريخية عن استقالة الحكومة الاشتراكية،  وإنهاء حكم الحزب الاجتماعي الديمقراطي الذي دام ثماني سنوات، وتعيين حكومة يمينية بقيادة أولف كريستيشون من حزب المحافظين [يطلقون على نفسهم اسم “المعتدلون”].  وسوف يعمق هذا الوجه الجديد للسويد انحدار أوروبا  اليميني، ويجسد سياسات متطرفة في بلد لطالما حظي بالإعجاب وكان محل تقدير بسبب سياساته التقدمية وشبكة الأمان الاجتماعي القوية التي يتمتع بها المجتمع السويدي.

ومن  المعروف للجميع أن تاريخ حزب الديموقراطيون السويديون ذو صلة وقرابة تنظيمية مباشرة تعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية النازية. فقد واصل التيار الفاشي المتطرف عمله التنظيمي بعد الحرب على هامش السياسة السويدية في منظمات مثل الحزب الوطني الاسكندنافي Nordiska rikspartiet ، الذي تأسس في العام 1956، وحزب السويد السويدية  Bevara Sverige Svenskt  [ حرفيا حزب الحفاظ على السويد السويدية]، الذي تأسس في العام 1979.  وفي العام 1988 اجتمعت شخصيات بارزة من هذه الجماعات لتشكيل حزب الديمقراطيين السويديين .و خلال سنواته الأكثر تظرفاً في التسعينيات، قاد الحزب الناشط النازي السابق المدان أنديش كلارستروم Anders Klarström  الذي اشتهر بتشجيعه للممارسات الراديكالية وتزعمه لبعض أعمال العنف في الشوارع لما يعرف ب”أصحاب الرؤوس الحليقة”.  وكان الجزب قد نشر، قبل الانتخابات الأخيرة مباشرة ، كتاباً أبيضاً أكد فيه أن أحد مؤسسيه كان متطوعاً في قوات الأمن الخاصة  Waffen-SS خلال الحرب العالمية الثانية.

هذا هو السياق الذي انضم فيه زعيم الحزب الحالي جيمي أوكيسون Jimmie Åkesson، إلى جانب الكثير من قادة الحزب إلى حزب الديمقراطيين السويديين في منتصف التسعينيات.  وقد سعوا، بما يشبه التوجه الساذج وشديد السطحية إلى الابتعاد عن جذور الحزب النازية، ومن أجل ذلك، فقد أطلقوا على أنفسهم ،في هذه الجولة من الانتخابات صفة الحزب الاجتماعي المحافظ  ذو القيم الوطنية. وإذن، يبدو الحزب على السطح وكأنه، في الواقع، أقل راديكالية من حزب البديل لألمانيا أو التجمع الوطني الفرنسي عل سبيل المثال. حتى أنه نحى جانباً، في الوقت الحالي،  مطالبه بخصوص خروج السويد من الاتحاد الأوروبي فيما يعرف بمصطلح سويكزيست Swexit، وكذلك موقفه المناهض لحلف شمال الأطلسي، وميوله المؤيدة لروسيا. غير أن أهدافه الأساسي كانت ومازالت دون تغيير، وعلى رأسها  إعادة خلق التجانس الديموغرافي للسويد بأي وسيلة  ممكنة وضرورية.

وسوف يعمل الحزب، في الحكومة الائتلافية الجديدة، كطرف داعم للحكومة دون مناصب وزارية. غير أنهم من المرجح أن يعملوا على بناء إدارة محافظة ويمينية في السويد هي الأكثر تطرفاً  في البلاد منذ ما يقرب من قرن، أي منذ حكومة حزب المحافظين القديمة التي تعود للفترة ما بين  1928-1930. وكانت الأحزاب اليمينية السويدية المختلفة، منذ الحرب العالمية الثانية، تتجه نحو الليبرالية الكلاسيكية إلى حد ما. وتمثل الانتخابات الأخيرة نهاية صارخة لتلك الحقبة. فقد نجح الديمقراطيون السويديون في جعل حزب المحافظين وبقية الأحزاب اليمينية الأخرى تتحول إلى أحزاب راديكالية ذات توجه يميني شعبوي متطرف. حيث تبنت جميع تلك  الأحزاب تقريباً، في الحملات الانتخابية الأخيرة، خطاباً صارماً  حول مكافحة الجريمة، مرددين صرخات شعبوية مستقطبة وإطلاق وعود بسياسات هجرة  أكثر صرامة.

وليس جديداً الحديث عن تنامي شعبية الأحزاب الشعبوية اليمينية والمتطرفة في أوروبا منذ النجاحات الانتخابية التي حققها حزب الحرية النمساوي والتحالف الوطني الإيطالي في عامي 2000 و 2001. ومنذ ذلك الحين، انتخبت العديد من الدول الأوروبية أحزاباً يمينية شعبوية ويمينية متطرفة لتشكيل حكوماتها، أو كأحزاب داعمة لهذه الحكومات، بما في ذلك النرويج والدنمارك وفنلندا. وبالإضافة إلى السويد، وباتت هذه الأحزاب تمتلك الآن سلطة حكومية في المجر وبولندا وسويسرا، ومؤخراً في إيطاليا. وبعد أسابيع قليلة من النجاح الانتخابي للديمقراطيين السويديين، حقق حزب إخوان إيطاليا Fratelli d’Italia فوزاً ساحقاً بنسبة 26% من الأصوات، ومن المتوقع أن يشكلوا أكثر حكومة يمينية في إيطاليا منذ الحرب العالمية الثانية. وقد خطت أحزاب مماثلة منذ ذلك الحين خطوات واسعة في بلغاريا وألمانيا. وتعليقاً على هذا التطور السياسي، وفي إشارة إلى الزي البني شبه العسكري للنازيين الألمان، وصف البرلماني الفرنسي في الاتحاد الأوروبي ستيفان سيجورني Stéphane Séjourné العام 2022 بأنه خريف أوروبا البني.

تمت مناقشة أسباب هذا الارتفاع الكارثي على نطاق واسع -وإن لم تكن على الدوام مفهومة بصورة جيدة- من قبل وسائل الإعلام والأكاديميين على حد سواء. وكان ثمة استياء متزايد، في أنحاء أوروبا، بين الطبقة العاملة البيضاء والطبقة الوسطى الدنيا بسبب تراجع التصنيع وهيمنة العولمة وتآكل دولة الرفاهية والرعاية الاجتماعية. وقد تحولت ولاءات هذه الشريحة السكانية المحددة، بشكل كبير، من الأحزاب اليسارية والديمقراطية الاجتماعية إلى مختلف الأحزاب الشعبوية اليمينية واليمينية المتطرفة. ولعل هذا يفسر ما أفرزته الانتخابات السويدية الأخيرة، فقد حقق الديمقراطيون السويديون ربما أكبر نجاح لهم بتحويل المشهد السياسي السويدي بأكمله إلى اليمين. لقد جلبوا إلى الواجهة الرئيسية شوقاً سويدياً معيناً عن معاني التجانس الثقافي والعرقي الذي يعود تاريخه إلى تسعينيات القرن العشرين، مما أجبر السياسيين الآخرين على الرد.  فقام قادة الحزب الاجتماعي الديمقراطي، على سبيل المثال بالتقييد التدريجي لسياسات الهجرة، التي كانت سخية للغاية في فترة سابقة، بالتوازي مع المكاسب الانتخابية لليمين المتطرف. وعبرت رئيسة الوزراء السابقة، ماغدالينا أنديشون Magdalena Andersson، عن قلقها بشأن قضايا الفصل العنصري و “التجمعات الإثنية/ العرقية” في المدن الكبرى ، قائلة: “لا نريد حياً صينياً أو صومالياً أو حياً إيطالياً (ليتل إيتالي)” وذلك في محاولة واضحة لجذب أصوات الناخبين الذين تخلوا عن التصويت لحزبها (الاجتماعي الديمقراطي) لصالح حزب الديمقراطيين السويديين الذين تجاوزا، من جانبهم، هذا الأمر واتجهوا نحو إقامة حملات علنية من أجل تثبيت برنامج إعادة المهاجرين إلى أوطانهم الأصلية، بهدف واضح هو جعل المهاجرين “غير الغربيين” يعودون إلى بلدانهم الأصلية.

ويمكن فهم خشية العديد من مناهضي العنصرية من سعي الديمقراطيون السويديون إلى الاستفادة من قوتهم  الجديدة لتحريك البلاد في اتجاه النموذج الهنغاري، وإلى حد ما النموذج البولندي، أي حكم الحزب الواحد الاستبدادي. غير أن حزب الديمقراطيين السويديين  يستلهم تجربته بصورة أساسية من حزب شقيقهم، أي حزب الشعب الدنماركي، الذي نجح في العمل كحزب حكومي داعم لحكومتين يمينيتين متتاليتين. وربما تكون الدنمارك الآن، نتيجة لتأثيرها هذا، أصعب دولة أوروبية للمهاجرين غير الغربيين وأحفادهم. وضمن هذا السيناريو، سوف يكون القصد من الخطاب العنصري وكراهية الأجانب هو الوصول إلى موقع أقل من سيطرة كاملة على الحكومة لكنه أكثر قوة لجهة جعل البلاد غير مضيافة قدر الإمكان لغير البيض، على أمل أن يثني هذا الخطاب الهجرة. ورغم الخطاب العدواني للديمقراطيين السويديين، الذي يذكرنا بالحكام المستبدين المجريين والبولنديين، فمن المرجح محاكاة الطريقة الدنماركية في لعب دور داعم ومؤثر للغاية للأحزاب اليمينية الأكثر تقليدية.

يجسد التوق للتجانس الثقافي والإثني، لدى العديد من السويديين ما يطلق عليه البعض “الحنين البيضاء”. ويكون هذا التجانس المرغوب فيه أشد ما يكون وضوحاً بالنسبة للديمقراطيين السويديين، غير أنه لا يمنع تمتعه برضا ضمني لدى الأحزاب الأخرى – وهوي مشاعر ذات جذور عميقة في التاريخ السويدي الحديث. وفي الوقت الذي تحتفي فيه السياسات بالتنوع والشمول عبر العديد من جوانب المجتمع، فمن المحتمل أن تكون السويد هي الدولة الغربية الأكثر انقساماً وتقسيماً وفصلاً  لجهة النزعة العنصرية. ولفهم هذه الأسباب والسبل، علينا استكشاف طرق بناء دولة الرفاهية في القرن العشرين، وكذلك التحول الديموغرافي المفاجئ الذي غمر البلد خلال العقود الثلاثة الماضية. ولنتذكر أن الحزب الاجتماعي الديمقراطي ذو الميول اليسارية وصل إلى السلطة في ثلاثينيات القرن الماضي ليحكم البلاد طوال بقية القرن، باستثناء تسع سنوات منه. وأصبحت السويد، في عهده، منارة للتطلعات التقدمية. بفضل نظام الرعاية الاجتماعية الأكثر تقدماً في العالم، وخطت البلاد خطوات حقيقية نحو المساواة بين الجنسين والطبقات الاجتماعية، وأصبحت الدولة، في ذات الوقت، المانح الأكبر  في المساعدات الخارجية للجنوب العالمي على صعيد الفرد.  ولا يغيب عن بالنا أن السويد كانت، ذات يوم، إحدى أفقر بلدان القارة، وقد ابتليت بالهجرة الجماعية التي أدت إلى  تقليص عدد السكان إلى أكثر من النصف تقريباً.،  لقد أسفر ما يقرب من نصف قرن من حكم الحزب الاجتماعي الديمقراطي المستمر إلى تحول مذهل في البلاد. وفي بعض الأحيان، عند الفوز بأكثر من 50% من الأصوات في الانتخابات، سيكون من الصعب المبالغة في تقدير قوة الحزب. ولا يزال توغه إيلانده Tage Erlander، زعيم الحزب ورئيس الوزراء من العام 1946 إلى العام 1969 ، أحد أطول رؤساء الحكومة المنتخبين ديمقراطياً في تاريخ البلاد.

وما هو غير مشهور عن هذا التطور الملحوظ هو السياق الديموغرافي. ففي العام 1960 ، كان 0.06% فقط من السكان السويديين من غير البيض. وبحلول العام 1980 كانت النسبة  لا تزال عند حدود 0.71% فقط. كان هذا التركيب العرقي إرثاً لتقليد سويدي طويل من التفكير  العنصري، يعود تاريخه إلى  الأب المؤسس للنزعة العنصرية العلمية، كارل فون لينيه Carl von Linné ،عالم النبات السويدي الشهير الذي عاش في القرن الثامن عشر . وزعم المثقفون والعلماء السويديون أنهم الأكثر نقاءً  من الناحية العرقية بين جميع الأوروبيين، وأصروا على انتمائهم إلى ما يسمى بمجموعة فرعية من العرق الأبيض النوردي [الشماليٍ]، وهي  مجموعة  تعتبر، حسب زعمهم، الأفضل  والمتفوقة من حيث الجاذبية الجمالية والقيمة الجينية. وبقيت هذه الإيديولوجية حية، دون أي مساءلة طوال القرن الماضي. وصدر، في العام 1914، أول قانون حديث للهجرة في السويد مستنداً إلى دوافع عنصرية واضحة، حيث عمل هذا القانون، حتى منتصف خمسينيات القرن الماضي، على الوقف الفوري، عملياً، لهجرة غجر الروما Roma  إلى البلاد بشتى السبل، بهدف الحفاظ على نقاء اللون الأبيض المتخيل. وتفاخرت السويد بتجانسها العرقي في معرض نيويورك العالمي في العام 1939 – الذي أقيم تحت عنوان “عالم الغد”-. وخلال الاضطرابات التي شهدتها حركة الحقوق المدنية الأمريكية، علق رئيس الوزراء إيلانده في العام 1965 قائلاً: “كم هو وضعنا في السويد أكثر حظًا مما يحدث هناك. فنحن نعيش في بلد متجانسة، ليس على صعيد العرقي فقط، ولكن في العديد من جوانب الحياة الأخرى”. ويلخص هذا الإعلان فرضية المشروع الاجتماعي الديمقراطي، أي المشروع القائم على أن تبنى “ثروة البلد” الجماعية على أساس التجانس الديمغرافي. وقد ارتهنت قدرة الحزب على تنفيذ إصلاحات سياسية شاملة، والحفاظ على نفوذه على البلاد لسنوات عديدة، بهذا التركيب العرقي المتجانس.

وما إن وصلنا إلى عقد الستينيات حتى احتدم نقاش حاد، إلى درجة اعتبره البعض “حرباً عرقية”، حول ما إذا كانت السويد ستسمح بتبني الأطفال غير البيض من الجنوب العالمي. وحذّرت العديد من الهيئات الحكومية من هذه الخطوة، بحجة أن اختلاط الأجناس سيؤثر سلباً على الأغلبية البيضاء. كما جادل آخرون بضرورة توقف أو تعطيل مفهوم التجانس العرقي في السويد، وأن تدفق الأطفال المتبنين، غير البيض، قد يساعد الدولة المعزولة على تطوير “عقلية دولية”. وكان النصر من نصيب أصحاب الرأي الأخير. ونتيجة لذلك، أصبح السويديون، على مستوى الأفراد، يتبنون عدداً أكبر من الأطفال غير البيض قادمين من جنوب الكرة الأرضية مقارنة بأي دولة أخرى في العالم. وفي العام 1980 ، كان ما يقرب من ثلث السكان من غير البيض (رغم أنه عدد قليل جداً ) متبنين.

لم يتغير التكوين العرقي للسويد بشكل كبير حتى التسعينيات. وأصبحت البلاد، قياساً بحجم سكانها، أكبر مستقبل للاجئين المهاجرين من الجنوب العالمي. وبعد ثلاثة عقود من سياسات اللجوء السخية نسبياً، أصبحت السويد الآن في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة فيما يتعلق بمسائل بالتنوع العرقي، مع وجود حوالي 20% من سكانها ممن هم من  غير البيض. وهذا معدل تغير مذهل، من أقل من 1٪ إلى حوالي 20٪  خلال حوالي أربعين عاماً. ويأتي غالبية المهاجرين السويديين من الشرق الأوسط وإفريقيا، ويغرق التشويه السياسي للمهاجرين اليوم، وهو أمر يبرز أساساً في خطاب الديمقراطيين السويديين، في الإسلاموفوبيا والعنصرية ضد السود. ويواجه العديد من السويديين غير البيض المنحدرين من الشرق الأوسط وأفريقيا تهميشاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً شديداً. ويصل إلى مراكز الشرطة سنوياً آلاف البلاغات عن  جرائم الكراهية العنصرية وكراهية الأجانب، كما أنه من المرجح وجود الكثير من الحوادث المشابهة التي لا يتم الإبلاغ عن العديد منها.

لقد حدث التحول الديموغرافي المفاجئ في السويد خلال جيل واحد فقط. ولا يزال غالبية السكان البيض يتذكرون تلك الدولة التي كانت، حتى أواخر الثمانينيات، مجتمعاً متجانساً عرقياً بنسبة تصل إلى نحو 99٪.

هذه هي الذاكرة الحية التي استغلها الديمقراطيون السويديون منذ أول نجاح انتخابي لهم في العام 2010.  واستطاع الحزب أن يضرب على وتر حساس ينغرس عميقاً في وجدان المواطن السويدي، من خلال إطلاقه جملة وعود بإحياء الجماعة السويدية  المتجانسة عبر وقف الهجرة غير الغربية وحتى إعادة الأفراد المهاجرين إلى أوطانهم. وسوف يعمل الحزب، في السنوات الأربع المقبلة،  على أن يكون له تأثير أكبر على حكم الأمة أكثر من أي وقت مضى. وسوف يبذل قصارى جهده لاستحضار صورة الأمة المفقودة ، وبالتالي تقديم السلوى لأولئك المفجوعين بضياع الأمة وتشتتها.  ويبدو أن العديد من السويديين  البيض، عبر الطيف السياسي الأوسع، يشاركون الحزب هذا الشعور رغم ندرة التعبير العلني عن هذه المشاعر. وسوف يسعى الحزب إلى زيادة منسوب تطرف الأحزاب اليمينية التقليدية الثلاثة [ المحافطين، الليبرالي، والديمقراطي المسيحي]  تحت تهديد الاستمرار في الضغط على ناخبيهم. في الوقت عينه سيستمر في  التقرب من ناخبي الطبقة العاملة البيضاء والطبقة المتوسطة الدنيا لحملهم على التخلي عن الحزب الاجتماعي الديمقراطي. فبعد انتخابات 11 أيلول 2022، والتي غيرت قواعد اللعبة، أعلن الديمقراطيون السويديون عن هدفهم في أن يصبحوا أكبر حزب في البلاد ربما بحلول موحد الانتخابات المقبلة في العام 2026 الذي ليس ببعيد على كل حال.

ولكن، كيف يمكن تجنب هذا السيناريو المروع؟

لا نعثر في سويد اليوم، إلا على شظايا متناثرة هنا وهناك من نظام الرفاهية الذي كان نموذجاً فريداً من نوعه على الصعيد العالمي والتاريخي في القرن الماضي. وتمضي البلد، الآن، في طريقها لفقدان آخر بقايا التقدمية في غضون سنوات قليلة قادمة. وقد باتت برامج الرعاية الاجتماعية ذات الدعم والسوية العالية، كما وضح ذلك العديد من علماء الاجتماع، مقتصرة على التجمعات المتجانسة عرقياً. وما زلنا عرضة بشكل مأساوي للنزعة القبلية، حيث لا يحبذ الناس فكرة منح الموارد لأشخاص لا يشبهونهم.

ومن الأهمية بمكان أن يقوم مناهضو العنصرية واليساريون بصياغة الدعم الشعبي واكتسابه لصالحهم، وتقديم رؤية قوية بما يكفي لمواجهة هذا الاتجاه وغيره من الاتجاهات الأساسية التي يتقن أفراد حزب الديمقراطيون السويديون ومن يناصرهم تأجيجها. وهناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به مع تضاؤل ​​الدعم الذي تلقته الأحزاب اليسارية في الانتخابات الأخيرة. ويجب أن تتضمن هذه الرؤية سياسات اقتصادية يسارية حقيقية، تعرض علاج العقود الثلاثة الماضية من إلغاء القيود على السياسات والممارسات  النيوليبرالية المدمرة، ونزعة اقتصاد السوق السيئة، والخصخصة.

لقد خلقت إجراءات التقشف هذه الشروط المسبقة للدعم الانتخابي الهائل من قبل الديمقراطيين السويديين. ويحتاج اليسار، في الوقت الحالي، إلى إيجاد طريقة بديلة للرد على مشاعر الخسارة المنتشرة بسبب تآكل دولة الرفاهية. وبينما يعد الديمقراطيون السويديون ناخبيه بثبات الماضي من خلال استحضار الحنين العرقي، يحتاج اليسار إلى تقديم رؤية لدولة رفاهية قوية يمكن أن تشمل جميع الأشخاص الذين يعيشون في السويد. ويكاد يكون من المؤكد أن هذا سيتطلب تقديم مفهوم أكثر رحابة لما يعنيه إحساس أن تكون سويدياً.. إحساس لا يستمد معناها من العرق أو من البلد الأصلي.

الصورة المرفقة: جيمي أوكيسون، زعيم حزب الديمقراطيين السويديين، يعلق زوجاً من الأصفاد للتأكيد على سياسة حزبه بخصوص ” سيادة القانون والنظام”.  ويستخدم رمز وتعبير صافرة الكلب في القاموس السياسي، كإيحاء أو مجاز في الرسائل السياسية لكسب الدعم من مجموعة معينة دون إثارة  / سمع؟ المعارضة. من المعروف أن الصوت الذي تطلقه صافرة  الكلاب لا يسمعه البشر ومن هنا أتى المجاز، فالغاية هي إسماع الصوت للأنصار وليس لغيرهم. ( مصدر الصورة: Julia Reinhart/NurPhoto via Getty Images)

…..

المصدر: https://www.bostonreview.net/articles/race-and-swedens-fascist-turn/

عن محمود الصباغ

كاتب ومترجم من فلسطين

شاهد أيضاً

العدوان على غزة: أجندة إسرائيل الاقتصادية

ما هي الأسباب الحقيقية وراء معارضة إسرائيل لتطوير حقول الغاز في الساحل الفلسطيني؟ هل هي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *