تبلورت بوتقة النظرية النسوية بمناهج ما بعد الكولونيالية وأصبح التركيز على المرأة ونتاجها، أديبة كانت أم ناقدة، وصورتها في الأدب، وقد اختلفت المسميات ما بين الأدب النسوي، والأنثوي، والنسوية، والفيمنيزم، وغيرها من المسميات، ويصل الخلاف والاختلاف إلى جنس الكاتب للنص، فيقال إن “الرجل يكتب بعقله ويعيد بناء العالم، أما المرأة فتكتب بقلبها وتركز على المشاعر، وعليه فإن العالم هو المركز لما يمكن أن نسميه رواية الرجل، بينما الذات هي مركز الرواية النسائية” [1]، ولكي يكون العمل متكاملاً على ركني العقل والقلب وهما ضروريان لأي نص إبداعي وجب المزاوجة بينهما، وعدم التخلي عن أحدهما أو تهميشه على حساب الأخر، فليس بالضرورة أن يكون النقد الذي تمارسه المرأة يتصف أنثوياً، ولا الذي يمارسه الرجل ذكورياً، فالكتابة والإبداع لا تقيد بموضوع معين أو تفرض على كاتب ما فهو حر باختياراته، وتناول ما يدور في فكره من خيالات أو مواضيع، فهل رأينا عملاً أدبياً يخلو من المرأة أو الرجل؟ فأحدهما مكمل للأخر، فقد يتناول الرجال موضوعات تهم المرأة وقضاياها كالتحرر والتهميش والقمع الذي تتعرض له في بعض المجتمعات، وقد تهاجم امرأة النساء بعملها. وكما هو مأثور (عدو المرأة امرأة)، فالاتجاه الأنثوي للكتابة ليس خطاباً مرتبطاً بالمرأة بشكل لازم، ومن الممكن إلحاق الرجل في الكتابة الأنثوية [2]، فالمواضيع ليست حكراً بل هي متاحة للكل، وأي مبدع باختلاف جنسه بعد طرحه للعمل يعطي الحق لكل القراء والنقاد تناوله، وانتقاده وفق أي منهج ونظرية يرونها توافرت بالنص بشكل أكبر من غيرها، ويركز مقالنا على النقد النسوي لا الحركة والنزعة التي ظهرت في نهاية ستينيات القرن العشرين كتيار مضاد للوضع الإنساني المهين الذي عانت منه المرأة عبر العصور الماضية ولا تزال [3]، فالنقد النسوي هو ممارسة تتسم “بتعدد وجهات النظر، ونقاط الانطلاق وتنوعها كما أنه يفيد من النظرية النفسية السيكولوجية الماركسية ونظريات ما بعد البنيوية عموماً وعلى الرغم من نزعة التعدد هذه، إلا أن هناك مفاهيم معينة تجمع هذا الشتات أهمها الاختلاف الجنسي في إنتاج الأعمال الأدبية وشكلها ومحتواها وتحليلها وتقويمها” [4]، فهو نقدٌ لا يضع حداً لممارسته، ويدخل ضمنه نظريات متعددة تجمع مشارب مختلفة كالنفسية والماركسية وما بعد الكولونيالية، وتحدد بافتراقها ولاسيما الاختلاف الجنسي للأعمال الأدبية، والمقصود هنا منتج النص، والمتلقي له، إذ إنهما ليسا استئثاراً على جنس معين، فالنقد النسوي كما يراه حفناوي بعلي هو “فرع من النقد الثقافي الذي يركز على المسائل النسوية، وهو الآن منهج في تناول النصوص والتحليل الثقافي بصفة عامة” [5]، فيصنف الأستاذ بعلي موقع النسوية على خارطة النقد وانتمائه ضمن مناهج ما بعد الحداثة، والنقد الثقافي تحديداً. أما الموضوعات التي تدخل ضمن نطاق دراسته فهي المسائل النسوية أي كل ما يخص المرأة بغض النظر عن جنس الكاتب أو المتلقي، أما بسام قطوس فيذهب بوضع حد للنقد النسوي بأنه “كل نقد يهتم بدراسة أدب المرأة, ويتابع دورها في إبداعها ويبحث عن خصائصه الجمالية واللغوية والبنائية”[6]، فقطوس يوسع من نظرة الدكتور بعلي إلى البحث في خصائص النص وطريقة البناء والتأليف، أما حسين المناصرة فيرى أن النقد النسوي منهج وممارسة نقدية يقوم بها كل من الرجل والمرأة، ويتضح ذلك في تعريفه له بأنه “خطاب نقدي أو منهج نقدي يتبناه الرجل أو المرأة دون التفريق بينهما في هذا الجانب” [7]، فيؤكد مناصرة أن كلّ من الممارسة النقدية والنص الإبداعي لا يحدد بجنس معين، إنما ينضوي تحت مسمى النقد النسوي، فبدليل ما تقدم، وأراء النقاد، فالنقد النسوي هو الذي ينصرف الاهتمام بقضايا المرأة، بغض النظر عن جنس المؤلف أو الناقد، فجل النتاج يصنف نسوي، وهو ما يؤكده حد الأدب النسوي “الأعمال التي تتحدث عن المرأة، الأدب الذي يكتب عن المرأة سواء كان كاتبه رجل أو امرأة” [8]، أي يتحدث عن المرأة بأي قضية كانت، وبالتالي فإن مسمى النسوية يدخل في ميادين الأدب والنقد كون الأعمال الأدبية (الشعرية، النثرية) لا تخلوا من ذكر المرأة والحديث عنها بالمجتمع، فهو ليس خطاب مضاد للرجل، وهذا ما أكد عليه الأستاذ حفناوي بعلي الذي وجد أن “خطاب المرأة النقدي في الثقافة العربية يعد خطاباً مكملاً لنقد الرجل، وليس مناقضاً له، وهو ملتحم مع قضايا المرأة والمجتمع غير أنه جاء محتشماً في المراحل المتقدمة، وشهد تطوراً مشهوداً في العقود الأخيرة، وبرزت تجارب وكتابات نسوية ناضجة، دخلت بقوة إلى الساحة الأكاديمية بالرغم من كون النقد الذكوري ظل طاغياً إلى يومنا هذا” [9]، فهو مكمل ورافد للتجارب الذكورية وإن كان الأخير هو السائد بشكل أكبر، فالذي يهتم به النقد النسوي هي موضوعات تخص المرأة بشكل عام، لكن لا يُشترط أن يكون منتج النص امرأة أيضاً، إذ قد يكون الكاتب رجلاً، وكذلك قد يتناول العمل نقدياً كلا الجنسين بالقراءة والتلقي، إذا لم توضع حدود لممارساتهم كون النصوص الأدبية متاحة للجميع، وكما قال الجاحظ “المعاني مطروحة بالطريق” كذلك أي نص إبداعي هو مطروح لكل القراء وموضوعاته تقترب من المجتمع، وتضم الرجل والمرأة ويبقى أن نذكر أن النقد النسوي هو ما انصرف لدراسة وتحليل وشرح المرأة في هذه الأعمال بغض النظر عن الصفة التي طرحها بها منتج النص.
……………….
الهوامش والمصادر
[1] دراسة عربية، المجلد 12، العدد2، بيروت، كانون الأول 1975: 47-71، النص للأستاذ جورج طرابيشي نقلا عن: في النقد النسوي إشكاليات وملامح، د. رزان محمود إبراهيم: 125-138، آفاق النظرية الأدبية المعاصرة بنيوية أم بنيويات، تحرير وتقديم فخري صالح، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، بيروت 2007.