الياس خوري وروايته ” أولاد الغيتو ” : تداخل الأجناس الأدبية ( مؤتمر القاسمي 2019 )

” أولاد الغيتو : اسمي آدم ” و ” أولاد الغيتو 2 : نجمة البحر ” هما عنوانان للجزأين الأول والثاني للروائي العربي اللبناني الياس خوري ، وقد صدرا عن دار الآداب في بيروت في العامين 2016 و 2019 على التوالي .

على غلاف الجزأين نقرأ العنوان وتحديد الجنس الأدبي ، وقد اختار الكاتب دال ” رواية ” لتعيين الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه الجزءان .

هل ثمة كلام بعد هذا الكلام للخوض في تجنيس العمل الأدبي ؟

في الصفحات الداخلية التي تعرف بالناشر وحقوقه ودار النشر ومكانها نقرأ أيضا دال ” رواية ” ، ولكن ما إن نبدأ بقراءة المقدمة التي كتبها المؤلف الياس خوري ، حيث أدرج اسمه في نهايتها ، حتى نقرأ كلاما آخر يعززه المتن الروائي ، ما يجعلنا ، بعد الانتهاء من قراءة الرواية نتساءل إن كنا نقرأ رواية أو نقدا أو سيرة فكرية لالياس أو سيرة ذاتية له مندمجة بسيرة ذاتية لآدم المؤلف الضمني للرواية أو إن كنا نقرأ نقدا ممتزجا أحيانا بدراسة لظواهر أدبية وشعرية ، أو أننا نقرأ هذا كله معا ؟

حيرة المؤلف :

يكتب الياس خوري لروايته مقدمة يأتي فيها على ما يكتبه ، ويعبر فيما كتبه في المقدمة عن حيرته في تصنيف أدبه ومعلنا ان ما يكتبه قد يكون أكثر من رواية ، فقد يكون سيرة .

نقرأ في المقدمة أكثر من دال يحيل العمل الأدبي إلى غير جنس أدبي ، وقد أحصيت المفردات التي تعبر عن حيرة المؤلف بالآتي :

” هذه الدفاتر ، هذه النصوص ، هذه الدفاتر ، مؤلف هذه الدفاتر ، الحكاية ، في هذا الكتاب ، هذه الدفاتر ، هذه الدفاتر ، غير أن هذه الدفاتر ، والنصوص المعنونة فيها بخط أسود ، الدفاتر ، هذه الأوراق ، الدفاتر التي أعطتني إياها ، قرأت هذه الدفاتر ثلاث مرات ، أن أسرق الكتاب وأنشره باسمي ، الرواية ، كرواية الكتابة ، السيرة الذاتية ، المخطوط ، ما يشبه مخطط رواية ، هذا الكتاب ، هذه الرواية ” ( ص 9 – 18 ) .

ولسوف يلاحظ القاريء أيضا حيرة الياس في تجنيس المخطوط الذي أعطته إياه تلميذته ( سارانج لي ) :

” سوف يلاحظ القاريء أن هذه الدفاتر تتضمن نصوصا غير مكتملة ، تراوح بين الرواية والسيرة الذاتية ، وبين الواقع والتخييل ، وتمزج النقد الأدبي بكتابة الأدب ، لا أعرف كيف يمكنني تصنيف هذا النص من حيث الشكل والمضمون ، فهو يمزج الكتابة بكتابة تمهيدية ، ويخلط السرد بالتأمل ، والحقيقة بالخيال ، كأن الكلمات تصير مرايا الكلمات ، وإلى آخره ..” (ص 16 )

رواية / سيرة ذاتية / نقد أدبي/ كتابة أدب .

ويضيف : ” هذا الكتاب يضم المخطوط كاملا …لم أضف إليه كلمة واحدة ، سوى كتابة عناوين الفصول الداخلية…. “( ص 17 )

مخطوط

و

” أعدت ترتيب هذه الدفاتر ولكن ترددت أمام الدفتر ذي الغلاف الأحمر الذي يحتوي في بدايته على ما يشبه مخطط رواية وضاح اليمن ” ( ص 18 )

ما يشبه مخطط رواية

و

” لكني غيرت رأيي في اللحظة الأخيرة ، قبيل إرسال هذا المخطوط إلى الناشر ، وقررت أن هذا الكتاب.. ” ( ص 18 )

هذا الكتاب .

و

” فقررت أن أضع لهذا الكتاب عنوان “أولاد الغيتو ” ، وبذا أكون قد ساهمت ، ولو بجزء يسير ، في كتابة رواية لم أستطع كتابتها ” ( ص18 )

هذا الكتاب/ رواية .

و

” وفي الختام أعتذر من سارانغ لي لأنني لم استشرها في مسألة نشر هذه الدفاتر كرواية بقلم آدم دنون ولكني على يقين بأنها ستفرح حين تجد نفسها في عداد أبطال هذه الرواية ” ( ص18 )

هذه الدفاتر كرواية .

وفي آخر الرواية يكتب الياس فقرة تحت عنوان ” إشارات ” يكرر فيها أن ما يكتبه هو رواية ” أمكنة هذه الرواية وأزمنتها ” ( ص 421 جزء أول )

رواية

و

” هذه الرواية ” مخطوط هذه الرواية ” و”فإن هذه الرواية ” و” بدأت بكتابة هذه الرواية ” ( ص 475 و 476 جزء ثان ) .

رواية .

المؤلف الضمني : آدم

حيرة الياس خوري في تجنيس روايته تنتقل إلى المؤلف الضمني آدم مع اختلافات طفيفة .

سوف أتابع أولا ما يرد على لسان آدم بهذا الخصوص ثم أثير أسئلتي .

” قررت أن أتبنى ما رفضته طوال حياتي ، فمشكلتي مع الكثير من الروايات كانت شعوري بأن الكاتب يستعير الشكل الروائي كي يكتب جزءا من سيرته بشكل موارب ” ( ص 98 )

رواية / سيرة ذاتية

و

” فما أكتبه وسأكتبه الآن ليس رواية ولا سيرة ذاتية ولا يخاطب أحدا ” ( ص 98 )

ليس رواية ولا سيرة ذاتية .

” هذه ليست رواية ولا حكاية ولا سيرة ، وهذا ليس أدبا ” ( ص 99 )

ليست رواية ولا حكاية ولا سيرة ذاتية .

و

” قررت التوقف عن الكتابة عبر تحويل الكتابة إلى لعبة شخصية ، من خلال هذا النص الذي أشعر وأنا أكتبه بأنني أعيد كتابة جميع الروايات التي أحببتها ، متحررا من ثقل الأشكال ، ومتلافيا عبور صحراء الفراغ التي تحاصر الكتابة الأدبية ” ( ص 152 )

النص / جميع الروايات / متحررا من ثقل الأشكال

و

” تقول الحكاية ، والحكاية ليست ما روته أمي ، بل ما صار أشبه بالاقتناع العام في الغيتو ” ( ص 154 )

الحكاية

و

” لذلك لن أكتب رواية . هذه ليست رواية . ومأمون بالاشتراك مع المخرج الإسرائيلي ، فتح لي باب النجاة من هذه الورطة “( ص 182 )

رواية / ليست رواية

و

” هل هذا يعني أن علي التوقف عن الكتابة ؟ فأنا رغم إصراري المبدئي على أن ما أكتبه ليس صالحا للنشر ، ولن ينشر ، تنتابني في لحظات الضعف رغبة في أن أرى اسمي بين أسماء الكتاب الذين أحبهم …. وأحلم ، في لحظات لا أجرؤ على التمادي فيها ، أن أنشر هذا الذي أكتب ” ( ص185 )

هذا الذي أكتب

و

” وصولا إلى زمني الجديد في نيويورك ، حيث أقوم بمساعدة غير مباشرة من سارانغ لي بإقناع نفسي بأنني أكتب رواية لا تشبه الروايات ، لأنها تنتمي إلى جنس أدبي لا أعرف له اسما ، ولست متأكدا من وجوده أصلا ” ( ص290 )

رواية لا تشبه الروايات / جنس أدبي لا أعرف له اسما

و

” لا أكتب الموت الجماعي في اللد كي أغطي الألم الفردي ، علي أن أكتب كل موت فردي بصفته تجربة خاصة ، ولذا علي إذا كنت مخلصا لمشروعي ، أن أكتب بلا نهاية كل اسم فيه حكاية كاملة بتفاصيلها الكثيرة ، وهذا ما لا أستطيعه ولم يستطعه أحد من قبلي ” ( ص343 )

حكاية

و

” لا أدري . فحكايات الغيتو لا تنتهي ، وإذا كنت سأواصل الحفر في ذاكرات الآخرين كي أرمم ذاكرتي المنسية ، فإن علي أن أكتب آلاف الصفحات ، وأنا غير قادر على ذلك . وباستثناء الخيال الذي لجأت إليه كي أكتب روايتي المبتورة عن شاعري القتيل وضاح اليمن…. ” ( ص417 )

رواية مبتورة / ذاكرات الآخرين

و

” المعنى هو الخطأ .

من قال إننا نحتاج إلى المعنى كي نروي ؟ فحلمي الدائم هو الوصول إلى نص بلا معنى ، مثل الموسيقى ، معناه يأتي من إيقاعات الروح….” ( ص418 )

نص / عدا أن الكلام السابق هو في صميم النقد الأدبي .

و

” لا أريد لأحد أن يسيء فهمي ، فمن أنا كي أكتب مذكراتي ؟ أنا لا أحد ” ( ص419 )

مذكراتي .

هل اختفت حيرة المؤلف الضمني بخصوص تصنيف ما يكتب ؟

وهل هذه الحيرة غير تعبير عن قناعته بأن ما يكتبه ليس سوى شكل أدبي تتضايف فيه الأجناس الأدبية وتتجاور ، بل وتجمع بين أكثر من جنس أدبي ؟

نقرأ في الجزء الثاني الفقرات الآتية :

” يحق لكاتب هذا النص وهو يروي سيرته أن يسأل نفسه لماذا يستعيد هذه الرحلة إلى وارسو ” ( ص222 /ج2 )

هذا النص / سيرته

و

” كاتب هذا النص يعرف أن شهادته لا تضيف جديدا إلى تفاهة الشر “

شهادته / شهادة

و

” لا يستطيع آدم أن يكمل حكاية لقائه اديلمان من دون أن يتذكر صديقه المخرج الذي اختفى بعد ذلك العرض السينمائي ، الذي جعل بطل هذه الحكاية وراويها يتفجر غضبا ، وينصرف إلى كتابة هذه النصوص المتناثرة بصفتها قصة حياته . والحقيقة أن هذه النصوص التي يطلق عليها مؤلفها رواية ، هي محاولة اعتراضية على الأدب أكثر مما هي عمل أدبي . صحيح أن آدم حاول أن يروي تجربته الشخصية ، لكنه ليس متأكدا من اي شيء “( ص259 / ج2و)

حكاية / نصوص متناثرة / رواية .

و

” آدم لا يكتب قصة كي يبحث لها عن ذروة . إنه يروي حياته فقط . وحين تروى الحياة عليك أن تخضع لمنطق الحكاية ، لا العكس “

حكاية / قصة

و

” يقول منطق الحكاية إن لكل قصة قصة سابقة عليها ، وقصة لاحقة بها …….

. وحين تقترب من كتابة هذه الحكايات ستكتشف أنك ترسم مرايا متوازية لا نهاية لها…. ” ( ص308 / ج2 )

حكاية / قصة

و

” هذه المقبرة لن تكون المقابر ، فالحكايات لا تدفن إلا لتولد من جديد . … أحب الحكايات التي ترويها لي عن الآخرين ، لأنها مرايا حكايتك التي لا تريد أن ترويها ” ( ص327 /ج2 )

حكاية / حكايات

و

” حكايات أم الزينات وحكايات سبلان ، مثل حكايات جميع القرى الدارسة ، لا نهاية لها ” ( ص341 / ج2 )

حكاية / حكايات

الخلاصة :

ما الذي يخلص إليه قاريء رواية ” أولاد الغيتو : اسمي آدم ” ؟

هل يدرجها تحت جنس أدبي واحد هو الرواية ، كما فعل الياس خوري حين كتب دال ” رواية ” على الغلاف وفي صفحات الرواية الأخيرة تحت مفردة ” إشارات ” ؟

وإذا ما أدرجها المرء تحت هذا الدال الذي اطمأن إليه الكاتب بعد حيرته ، فلماذا كتب الياس مقدمة للرواية وأبان فيها عن حيرته التي انعكست بوضوح على الدوال المتعددة المتنوعة التي تنتمي إلى أجناس أدبية لا إلى جنس أدبي واحد ؟

نستطيع أن نتفهم حيرة آدم الذي لم يكتب الرواية من قبل ، ولكن هل تبدو حيرة الياس مقبولة ، وهو ناقد روائي محترف ؟

يخيل إلي أن الياس كتب في هذه الرواية تجربته وسيرته الأدبية والفكرية ورأى فيها خلاصة قراءاته وأفكاره وتساؤلاته ، ومن هنا احتار في تصنيف عمله .

الياس خوري ناقد ودارس أدبي وكاتب مقالة ومؤرخ وروائي ومحاضر جامعي ، وقد حضر فيما كتب كل هذا ، ولذلك تقرأ في ” أولاد الغيتو “

1 – الدراسة الأدبية ، كما ورد في الجزء الأول حين أتى على سيرة وضاح اليمن وكما ورد عن عقدة قتل الأبناء في الأدب الإسرائيلي .

2 – والنقد الأدبي ، و تحفل الرواية بمقولات نقدية كثيرة وآراء تنظيرية لناقد متمرس ، وهو ما نقرؤه في نقد الياس خوري لأبرز أدباء المقاومة الفلسطينية مثل غسان كنفاني ومحمود درويش واميل حبيبي وجبرا ابراهيم جبرا وراشد حسين

3 – والتاريخ ، وفي الرواية اتكاء واضح على كتب مؤرخين فلسطينيين ويهود إسرائيليين وغير إسرائيليين ، وتأتي على مجزرة اللد ومجزرة صبرا وشاتيلا والغيتو اليهودي في وارسو و…

4 – والسرد الروائي وسرد الحكايات ، وهو ما نقرؤه عما ألم بمدن فلسطين وقراها وحكايات أهلها .

كل ما سبق وغيره يعني أن هناك تجاورا لأجناس أدبية مختلفة في النص الروائي .

وهكذا تتحقق في ” أولاد الغيتو ” مقولة ” عبر النوعية ” خير تحقق .

الأمر يحتاج إلى تفكير حقا ، والأدلة على تنوع الأجناس وتعددها وتجاورها أكثر من أن تحصى ، ويستطيع المرء أن يكتب عن ” أولاد الغيتو ” تحت عناوين رئيسية هي

– النقد الأدبي في ” أولاد الغيتو “

– السيرة الفكرية والروائية لالياس خوري : ” أولاد الغيتو ” نموذجا

– المجازر الصهيونية في فلسطين في العام 1948 في فن الرواية

– الياس خوري والسرد الروائي . استلهام شكل ألف ليلة وليلة والمزاوجة مع الشكل الروائي الحديث .

 

 

عن د.عادل الاسطه

شاهد أيضاً

عادل الأسطة يقدِّم قراءةً حول تجربة القائد يحيى السَّنوار.. العمل طابق القول

علي البطة  دعا الدكتور عادل الأسطة الناقد الأدبي وأستاذ الأدب سابقا في جامعة النجاح، جميع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *