تداعيات حرب 2023/2024 : خيمة للخلوة .. خيمة للعزلة

في 3 حزيران 2024 كتب ابن غزة شجاع الصفدي منشورا عنوانه ” خيمة للعزلة ” أتى فيه على فكرة طرأت على ذهن صديق له فحواها إقامة خيمة لخلوة شرعية للأزواج ممن يرغبون في ممارسة علاقتهم الزوجية ، بعيدا عن الخيام المتلاصقة المكتظة بالبشر في مخيمات النزوح الجديدة منذ 7 أكتوبر ، حيث افتقد الناس خصوصياتهم ، فأصبحت أخبارهم على مسمع جيرانهم ، وقبل ذلك على مرأى أبنائهم .

شجاع لم يحتج خيمة للخلوة ، فهذا ما لم يشغله كثيرا ، ولكنه احتاج خيمة للعزلة ، ليفكر في اقتراح صاحبه وما طرأ على ذهنه في هذا الواقع القاسي ، حيث الصراخ والضجيج بين ساكني الخيام ، وهو ” خيمة للعزلة ” ، وغالبا ما احتاج الكتاب إلى حيز خاص بهم يكتبون فيه ، علما بأن سبب تفكيره بخيمة للعزلة يعود إلى ما سمعه من صديقة عبرت عن أمنيتها بالحصول على مكان تسترخي فيه ، فلا يزعجها أحد ولا يلتفت إلى خصوصيتها ، ويعود أيضا إلى ما شاهده في الأسواق وبين الخيام .

عندما قرأت الفكرة التي طرأت على ذهن صديقه كتبت ” أجمل نص قرأته في كتابات كتاب غزة منذ بداية الحرب : المضحك المبكي ” ، وشجاع عقب على اقتراح صديقه بعبارة ” المضحك المؤلم ” .

كانت تعليقات القراء على ما كتبه متفاوتة وحافزا لكتابة حول الكتابة .

مر الأمر الذي لفت نظري من قبل موضوع شبيه له هو وقوف الغزيين طوابير طوابير أمام المراحيض ، وهذا ما كتبت عنه مقال ” مأساة الفلسطيني في حياته اليومية : الحمامات ” ( الأيام 21 / 4 / 2024 ).

في الأسبوعين الأخيرين تحدثت الطبيبة المتخصصة بالصحة الجنسية والإنجابية الغزية إسراء صالح في حوار معها ( عبر بودكاست ) عن تخصيص غرفة في مراكز إيواء اللاجئين الفلسطينيين ، ثم لاحقا خيمة في مخيمات الخيام ، ليقيم – لساعات فيها – الأزواج الراغبون في الإنجاب ، أو الراغبون في ممارسة علاقتهم الحميمة ، أو الأزواج الجدد .

تساءلت إسراء إن كان ثمة خصوصية لهؤلاء ، فالكل في مراكز الإيواء أو في خيمة المخيم يعرفون سبب ذهاب الأزواج إلى الغرفة أو الخيمة .

حديث إسراء كان له صدى كبير تعددت الآراء فيه واختلفت . صدى أوسع بكثير من صدى كتابة شجاع والسبب واضح ومعروف ، فعدد مشاهدي شريط فيديو أو متابعي لقاء تلفازي أضعاف أضعاف القراء .

المقال والحديث استثارا في ذهني حكايا شاهدتها ، أو سمعت عنها ، أو قرأت حولها ، تؤكد ما علقت به قارئة عن الخصوصيات في المخيمات منذ إقامتها بعد العام 1948 ، وهو :

– ومتى كان هناك خصوصيات في مخيمات اللجوء ؟

ربما كان أجدادنا وآباؤنا يخجلون من الخوض في هذا الموضوع في خمسينيات القرن العشرين يوم عاشوا عشر سنوات في المدارس أولا وفي الخيام ثانيا ! ربما خجلوا من قص حكايات بعض شاذين أو شبقين جنسيا يتسللون ليلا إلى خيام مجاورة لخيمتهم ، وأذكر أن أحاديث شباب المخيم لم يكن يخلو من حكايات التلصص على بيوت الجيران والإصغاء إلى ما كان يدور فيها بين الأزواج من أحاديث وما يصدر عنهم من حركات ، وكانت مثل هذه الحكايات تتناقل وتشيع وتنتشر بسرعة . لقد كانت موضوعا متداولا محببا . لم تكن الخيمة تستر ولا كانت غرف الوكالة أيضا تخفي ، فشبابيكها وأبوابها كانت من ألواح خشب بينها فراغات تمكن أحيانا من الرؤية ، وما أكثر الأشقياء والفضوليين والمرضى نفسيا !

فيما كتبه الشاعر أحمد دحبور بعنوان ” فصول من سيرة ذاتية ” ، عن مكان إقامتهم بعد النكبة ، ما يخبرنا عن انتفاء أي خصوصية للاجئين . يحكي أحمد عن الثكنة التي أقاموا فيها والغرفة التي كانت من نصيب عائلته ، فلما تزوج أخوه الكبير مصطفى قسمت أمه الغرفة بالبطانيات إلى شطرين .

السؤال عن مكان لعريسين فلسطينيين يقضيان فيه ليلة الدخلة ألح على محمود درويش بعد الشتات الفلسطيني إثر الخروج من بيروت حيث فقد الفلسطينيون خيمتهم الأخيرة ” بيروت خيمتنا الأخيرة ” . في قصيدة ” مطار أثينا ” 1983 نقرأ :

” في مطار أثينا انتظرنا سنينا . تزوج شاب فتاة ولم يجدا غرفة للزواج السريع . تساءل : أين أفض بكارتها ؟ فضحكنا وقلنا له : يا فتى ، لا مكان لهذا السؤال ” .

وتعد رواية سامية عيسى ” حليب التين ” أشمل نص أدبي فلسطيني أتى على افتقاد الفلسطيني خصوصيته ، بل واجرأ ما كتب في هذا . يتزوج الفدائي ويقيم مع عائلته والسكن ضيق ، فكيف له أن يمارس حياته ؟

المقطع الآتي غيض من فيض في الرواية : ” بعدما تزوجا صارت [ الأم ] تفسح لهما الوقت والمكان في النهار لكي يفعلا ما لم يستطيعاه بقربها في الليل . كان أيضا يفرغ في أحشائها على عجل أو هي تدعه يفعل خشية أن تباغتهما فاطمة [الأم ] أو ضوضاء التفاصيل التي تجري وراء باب الغرفة أو على الطرف الآخر من جدارها ” .

والطرف الآخر من جدارها تشير إلى تلاصق بيوت المخيم حيث يسمع الجار كل ما يقال في بيت جاره .

الكاتب الغزي يسري الغول في منشور كتبه في 8 / 9 / 2024 لا يروق له أن يجعل من الأمر قضية ، وإن كان لا بد من مناقشته فليناقش لفضح الاحتلال ويقول إنه قاربه في عمله ” ملابس تنجو بأعجوبة ” .

عندما تعود بي الذاكرة إلى مسلسلات شاهدتها قاربت حياة البدو ، منذ الجاهلية إلى عصرنا ، فإن ” خيمة الخلوة ” للعريسين كانت معروفة ، إنما ما يختلف الآن هو قربها بسبب الحرب .

عن د.عادل الاسطه

شاهد أيضاً

عادل الأسطة يقدِّم قراءةً حول تجربة القائد يحيى السَّنوار.. العمل طابق القول

علي البطة  دعا الدكتور عادل الأسطة الناقد الأدبي وأستاذ الأدب سابقا في جامعة النجاح، جميع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *