أفكار منتصف النهار (37): انسداد الأفق

بداية أحب أن أشير أنني أحترم كل الناس مهما تباعدت أفكاري وتناقضت مع أفكارهم ، وبأنني لا يُمكن أن أكون ديانة لأحد . لكن يؤلمني كثيراً أن أرى بعض الناس لم تتغير أفكارهم وقناعاتهم حتى لو تغيراً طفيفاً ، لكأن عقلهم من باطون ، وأعترف أن حلقة على يوتيوب ( أتابع عدة برامج على يوتيوب ) استوقفتني وأحسست أنني محشورة في زاوية أكاد أختنق . الحلقة يُقدمها إعلامي سوري لبق ومثقف يسكن في دمشق وهو يحترم جمهوره الكبير حتى أن الكثيرون يكتبون له : حتى لو اختلفنا معك بالأفكار فنحن نحبك ونتابعك . ضيف تلك الحلقة كان ضابطاً في الجيش العربي السوري ( ملازم أول ) – لا تهم الأسماء – ولكن الأهم أن مقدم البرنامج والضابط يمثلان شريحة من الشعب السوري . الضابط تجاوز لباقة المهنة لأنه أجبر الصحافي أن يبدأ هو بالأسئلة ، والصحافي اللبق قال له : يا سيد أنا من عليه أن يسأل وأنت تجيب . لكن الضابط لم يبالي باحترام البرنامج وقصف الإعلامي قائلاً : أنتم المعارضون خارج سوريا قل لي بماذا أفادتكم الحرية ؟؟!!! خربتوا الوطن . رد الإعلامي : أنا لست خارج سوريا بل أسكن في دمشق وأبث برنامجي من دمشق . المُروع أنه بعد 13 سنة من الثورة السورية ( آذار 2011 ) وكل ما حصل خلال هذه السنوات من ترويع وهول ومجازر ، وتدخل قوى خارجية إيران وحزب الله أولاً ثم روسيا وطبعاً أميركا وفصائل كثيرة مسلحة ، وبعد أن نزح ثلث الشعب السوري إلى بلاد الله ، وبعد تفكك اللحمة الوطنية وتقسمت سوريا لانتماءات مذهبية مختلفة وبعد الانهيار الاقتصادي المروع والغلاء الفاحش ( أصبح الدولار ب 16 ألف ليرة سورية ) وكيلو اللحم 250 ألف ليرة سورية أي راتب موظف ، بعد آلاف ( كواكب الشهداء ) كما يسميها الإعلام السوري وبعد مئات الآلاف من المعوقين بسبب الحرب ( لدرجة أن المشفى العسكري في اللاذقية تحول فقط إلى مشفى لتركيب الأطراف الاصطناعية ) . بعد ثلاثة عشرة سنة من الهول السوري يفاجئنا الضابط إياه برأيه الذي يؤمن به حت نخاع عظامه : ماذا أفادتكم الحرية !!! خربتم البلد !!! أعرف الكثيرين من شعبي المذعور تتقصف فرائصه رعباً من كلمة ثورة أو حرية ، وقال الضابط : كانت حياتنا مثالية قبل 2011 لكن بدكون حرية !! كأن الحرية تهمة أو تعويذة من عمل الشيطان . الإعلامي سأله بلباقة : لكن حضرة الضابط كيف كانت حياتنا قبل 2011 ، لكن الضابط أكمل فكرته العبقرية واتهم الحرية أنها سبب الفساد .

واتهم الضابط كل السوريين الذين تركوا سوريا بالخيانة ( فالوطن ليس فندقاً ) . أتساءل حقاً هل يؤمن هذا الضابط والشريحة التي تفكر مثله حقاً بما يقول !!! هل كنا أحرار قبل 2011 لعله هو نفسه أشرف على تعذيب مئات الألوف من السوريين سجناء الرأي لمجرد أنهم طالبوا بالحرية والعيش الكريم ، كيف يتجاهل السجون السورية الرهيبة خاصة سجن تدمر ( وغيره ) وقد أبدع عبد الرحمن منيف في روايته ( الآن هنا ) في وصفه ، وأبدع مصطفى خليفة في وصف السجون السورية في روايته ( القوقعة ) كذلك الدكتور راتب شعبو الذي سجن 16 سنة بعمر 19 سنة وكتب رواية رائعة ( خلف هذه الجدران ) وكثيرون كتبوا وأدلوا بشهاداتهم . كيف يتجاهل الضابط الذي يسخر من كل مواطن حر ومن الإنسانية بأن الحرية سبب الفساد والدمار !!! ويقول مراراً وبسخرية : بدكون حرية !!! لماذا يطيش صوابك ( وصواب أمثالك ) يا حضرة الضابط من كلمة حرية !! وفي أعماق أعماقك كل إنسان يتوق للحرية وللتعبير عن آرائه ولا يخاف من تنصت الجدران عليه ولا يخاف من كتبه التقارير وإذلال المواطن وترويعه إذا اشتكى إذ تهبط عليه تهمة ( جريمة إلكرتونية ) . أظنك تعرف حضرة الضابط حيتان المال الذين أوصلوا 90 بالمئة من الشعب السوري إلى المجاعة وإلى انتحار الشباب وإلى الموت غرقاً هرباً في قوارب الموت ، أظنك تعرف أن شابات سوريات عازبات تركن سوريا بسبب الجوع وعملن في دول الخليج وأن أمهات تركن أطفالهن الصغار عند الأب أو الأقارب وذهبن للعمل في دول الخليج ليؤمن الطعام لأولادهن . الحيوانات تتوق إلى الحرية يا فخامة الضابط ، لكن حين تتحول حياة الشعب السوري إلى ما يُشبه ( أمان الدجاجات في القفص ) فإن الكل يرتعب من كلمة حرية ومن كلمة ثورة . أظنك تعرف إبن زميلك الضابط الذي قتل ضابطاً لأنه تجاوزه في قيادة السيارة ولم يُعاقب المراهق بل سُجن مواطن مسكين نيابة عنه . نريد الحرية ومستعدون للموت في سبيلها . ونريد الكرامة والعيش الكريم لأولادنا وتأمين مستقبلهم ، نريد أن ننجو من كتبة التقارير ومن الابتزاز والفساد . ليست الحرية سبب الفساد كما تقول بل تجارة الكبتاغون والغش وإذلال الشعب السوري العظيم بلقمة عيشه . لم نكن بخير أبداً قبل 2011 وإلا لما قامت الثورة السورية المُطالبة بالحرية والكرامة .

عن هيفاء بيطار

شاهد أيضاً

منمنمات

الكاتبة والشاعرة السورية مي عطاف الناشر : سلسلة الإبداع العربي . 2023 أعترف وأنا أقرأ …

تعليق واحد

  1. Hey people!!!!!
    Good mood and good luck to everyone!!!!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *