أفكار منتصف النهار (38) العنف والإجرام عند الطفال والمراهقين .

كل مدة نسمع عن جريمة مروعة قام بها مراهق ( أحياناً أطفال 8 سنوات مثلاً ) وقد تناولت مقالات عديدة هذه الظاهرة ، كذلك تم نقاش هذه الظاهرة عبر ندوات تلفزيونية ، لكن للأسف العنف عند المراهقين في تزايد خطير، غالباً عنف يترافق مع وقاحة وقلة احترام للأهل والمدرسين . ومنذ أيام حصلت جريمة مروعة في ضاحية في باريس حيث قام مراهق ( 13 سنة) باستدراج مراهقة هي حبيبته إلى منطقة بعيدة قليلا عن المدرسة وطلب من اثنين من رفاقه أن يساعداه في قتلها بطريقة وحشية . شيء يدعو الى الذهول ان يقتل الشابة المراهقة التي يُفترض أنه يُحبها . بالتأكيد هؤلاء المراهقين يتأثرون بالأخبار في كل المحطات وربما يحسون أن القاتل بطل فيقلدونه خاصة أن الكثير من المحللين السياسيين والسياسيين وبعض الناس يرون المجرم بطل يفخرون ببطولته ويؤلفون له الأغاني ، وآخرون يرون القاتل مجرم وليس بطلا وفي الحالتين هناك نهر من الدماء يُسفك وكوماً من الأموات والشهداء يتزايدون كل يوم . من ناحية أخرى بينت الإحصائيات أن أكثر الأفلام مشاهدة هي أفلام العنف خاصة من قبل المراهقين ، ولا بد من ذكر العامل الأهم هو التطور التكنولوجي للأسلحة ولا اعرف لماذا نشرات الأخبار تُفصل بدقة كبيرة أنواع البواريد وتطورها وتزايد قدرتها الخارقة على القتل من بعد ومسيرات تقتل بدون طيار ، اذكر حين كنت في المرحلة الإعدادية في سوريا درسنا لمدة عامين تفاصيل البارودة ( كانت أعمارنا بين 14 – 16 سنة ) وكانت مدربة الفتوة تفلك البارودة قطعة قطعة وتشرح لنا وظيفة  كل قطعة حتى أنني حتى اليوم أذكر كلمة ( سبطانة ) ثم كانت تصطحبنا نحن المراهقات البريئات إلى ساحة خالية ونبدأ تدريبات الرمي . لا أعرف ما الغاية من هذه الدروس التفصيلية عن البارودة ، وهل يوماً ما سيُطلب مننا الرمي ليس على زجاجات بل على بشر . وأصبح العلماء – الذين يُفترض أنهم يخدمون الإنسانية ويحمونها من القتل والحروب _ يتباهون في تطوير أنواع فائقة الخطورة من أسلحة الفتاكة ، وأصبح التلويح باستعمال السلاح النووي دارجاً في كل نشرات أخبار . يهدد به القادة الأعداء بعضهم البعض . وفي أميركا ذكر لي العديد من الأصدقاء أن شراء بارودة أو رشاش أسهل من شراء موبايل حيث بائع الأسلحة لا يطلب أيه معلومات عن المشتري وما الغاية من شراء السلاح ؟ الكل يقول : دفاعاً عن النفس في مجتمع السلاح – إن أمكن لي استعمال هذا التعبير – شاهدنا عشرات الجرائم قام بها مراهقون بأن يدخل مراهق مع بارودة أو رشاش ويقتل عشرات التلاميذ في المدرسة ، أو يقتل عشرات من ذوي الاحتياجات الخاصة والتعليق الرسمي الحكومي دوماً يقول أن هؤلاء مختلين عقلياً !!!

في علم النفس ( خاصة في كتب الدكتور أسامة عكاشة نقيب الأطباء النفسانيين في العالم وكتابه الرائع : ثقوب في الضمير ) يشرح بعمق وبدقة أن هناك خواء روحي وتراجع كبير في القيم ، إضافة إلى تخلخل قيم الأسرة ، فالأم والأب مشغولان في العمل ويعودان مرهقين بالكاد يعرفون ماذا يشعر أطفالهم وماذا يفعلون ، أيضاً انسداد الأفق بسبب الفقر وانعدام الحريات والتهميش لدى المراهقين في العالم كله خاصة عالمنا العربي حيث بينت الإحصائيات عام 2023 في لبنان تزايد قتل النساء أربعة أضعاف السنة التي قبلها .

ما يهمني هنا الجرائم المُروعة التي يقوم بها المراهقين ، فهل يُعقل أن نفسر كل جرائمهم بأنهم مختلين عقلياً ؟ بالطبع لا . الأفلام والألعاب التي يتابعها المراهقون على آيباد أو موبايل تبث أفكاراً شيطانية إجرامية لغاية تدمير روح الشباب ، لا أنسى المراهق الذي كان يجلس بجانبي في الطائرة وأهله معه كان يحضر فيلماً عن رجل ينتزع بيده التي لبس فيها مسامير حديدية ينتزع حنجرة رجل آخر . ترى ألا يخطر ببال أمه وأبيه أي خطر كبير على نفسية الطفل . بل أصبح الأهل إذا أرادوا نزع جهاز الآيباد من يد أطفالهم المراهقين يتحول الأطفال إلى وحوش يكسرون كل ما تطاله أيديهم ويصرخون ويضربون رأسهم بالجدار لدرجة ينهزم الأهل ويعيدون لابنهم الجهاز . كما أن انتشار الماريجوانا والمخدرات وسهولة الحصول عليها يجعل المراهقين مشوشين وفاقدي السيطرة على تصرفاتهم فلا يجدون إلا في العنف والإجرام وسيلة لتحقيق الذات .

التفسير السطحي أن هؤلاء المراهقين مختلين عقلياً خاطئة ، قد يكونون الى حد ما مختلين عقلياً لكن الأسباب الأهم هو غياب شبه تام لدور الأهل والمدرسة وأتمنى لو يخضع الأهل وليس المراهقين لدورات في الطب النفسي ، فالطفل منذ طفولته الأولى ( ثلاث أو أربع سنوات ) تظهر عليه وفي سلوكه مظاهر العنف الذي سيتطور فيما بعد إلى إجرام . أحد الأطفال أعرفه كان عمره خمس سنوات وكانت هوايته استدراج القطط الصغيرة حديثة الولادة إلى قطرميز زجاجي فيه بقايا أسماك أو أشياء أخرى وعندما تسقط القطط الصغيرة في الفخ كان يُغلق بإحكام القطرميز الزجاجي ويتفرج على القطط كيف تختنق وكيف تحك الزجاج متألمة كان ابن السنوات الخمس يستمتع باحتضار القطط ، مراهقين أعرفهم كانت هوايتهم طعن قطط وكلاب الشوارع وقد رأيت كيف قطعوا بسكين ذنب الكلب وأذنيه وطعنوه في خاصرته ، يُمكنني أن أعطي مئات الأمثلة عن حالات مشابهة لكن الأهم أن ينتبه الأهل إلى الطبيعة العدوانية الخطيرة لأولادهم وأن يراقبوهم ويستشيرون طبيباً نفسياً ، إحدى الأمهات التي نبهتها أن ابنها يستدرج القطط الصغيرة إلى قطرميز ويستمتع باختناقها حتى تموت ضحكت وقالت لي ( خليه يتسلى !!) وما هي إلى قطط أي – برأيها – تعذيب الحيوان ليس تعذيباً بل تسلية .

نحن نعيش في عصر انحطاط القيم الإنسانية والكراهية والشماتة بالآخر الذي نعتبره عدواً ، مع العلم كل البشرية ضحية جزاري الحروب الذين يرعبون الناس بما يملكون من ترسانة أسلحة مميتة ،والويل لمن يعترض .

الندوات لا تفيد ولا المقالات _ أشك أن يقرؤها إلا القلة _ هؤلاء المراهقين الذي صاروا متوحشين ومجرمين يحتاجون لعلاج نفسي ومن يحتاج لعلاج نفسي أكثر الأهل والمدرسين . أصبحت كلمة محبة وإنسانية وغيرية ومساندة كلمات فاقدة للمعنى أشبه بشيك بلا رصيد . لا أنسى رواية ( القاتل العاطفي ) التي ترجمها ترجمة ممتازة الصديق إسكندر حبش هي قصة شاب هوايته في الحياة القتل للقتل .

عن هيفاء بيطار

شاهد أيضاً

أفكار منتصف النهار (36) التُهم الخُلبية

لا أحد يجرؤ في اللاذقية أن يحكي عن أكثر شخصيتين مؤثرتين من الناحية الإنسانية والاجتماعية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *