لا عيب أن يسعى الرجل والمرأة إلى الجمال ، أسميه الجمال الصحي ، كالعناية بالبشرة والشعر بمواد مفيدة كالزيوت المختلفة وممارسة الرياضة للحفاظ على الرشاقة ، لا مانع أيضاً أن يلجاً البعض إلى عمليات تجميل تكون ضرورية وتشعل الشخص يحس بالرضة كعمليات تجميل الأنف مثلاً ( كأن يكون الأنف كبيراً جداً وغير متناسق مع الوجه أو فيه انحراف وتيرة واضح ويعيق التنفس ) أو مثلاً اللجوء إلى عمليات تصغير الثديين حين يكونا بحجم يسبب بضيق تنفس خاصة عند النوم ، هذا التجميل ضروري وسليم ، لكن ما نلاحظه في أيامنا هو الهوس المرضي بتغيير الشكل وفي كل الأعمار حتى لدى شابات بعمر الورود وشبان أيضاً يُخربن ملامح نضارة الصبا بعمليات تجميل تكون غالباً ضارة وتعطي نتائج سلبية . ورغم الكثير من البرامج والمقالات حول مخاطر عمليات التجميل التي يتسبب الكثير منها بكوارث وأحياناً الموت إلا أن الإحصائيات تشير إلى ازدياد كبير في عمليات التجميل ، وكل مدة يظهر نموذج ما للجمال وفي عصر العولمة حيث صار العالم قرية كونية أصبح نجوم السينما والفنانين هم المثل الأعلى للأجيال الشابة . أعطي مثالاً عن نموذج الجمال الدارج منذ فترة قصيرة وهناك هياج لتقليده عند فئة كبيرة من الشبان وهو ( الحنك العريض ) أجرت هذه العملية ملكة جمال لبنان نادين نجيم إضافة لنفخ مبالغ به لشفتيها ( كانت أجمل بكثير حين انتخبت ملكة جمال لبنان ) لكنها لم تستطع مقاومة النموذج المفروض وإغواء الإعلام بعرض أحدث نموذج للتجميل ( الحنك العريض ) للأسف الممثل قصي خولي أجرى العملية إياها ( تعريض الحنك ) وفعلاً أصابني الذهول وأنا أتأمل أي تشويه أحدثه بوجهه وشعرت أنه ممثل آخر غير الممثل الذي تبهرني موهبته ، كيف سيقتنع المشاهد بشكلك الجديد وقد أحبوك واقتنعوا بأدوارك السابقة قبل إجراء عملية التجميل . وهنا السؤال الذي يطرح نفسه : ماذا لو بعد مدة زمنية بطل نموذج أو موضة الجمال ( الحنك العريض ) وأصبح الحنك الضيق والمستدير هو الموضة ؟ هل سيُخضع هؤلاء الذين سبق وأجروا عملية ( الحنك العريض ) إلى مبضع جراح التجميل ليصيروا متماشيين مع صرعات موضة التجميل ؟ وبحكم عملي كطبيبة عيون لربع قرن في المشفى الحكومي ومشافي خاصة كنت على إطلاع كبير على كل الآثار الجانبية الكارثية لعمليات التجميل وسأحاول أن أضيئ عليها وألخصها :
أولاً :عمليات شد الأجفان هي عملية بسيطة ومُبررة لمن يعانون تهدل في الأجفان ( خاصة الأجفان العلوية ) لكن الكثير من النساء ( غالباً نساء ) يلجأن لتكرار هذه العملية عدة مرات بحجة أن تهدلاً أصاب مرة ثانية الأهداب ، وللأسف معظم أطباء التجميل يهمهم الربح ، قلة نادرة من أطباء التجميل تملك ضميراً مهنياً وترفض إجراء عمليات تجميل مؤذية للشخص . رأيت كثير من الحالات التي أدت عمليات شد الأجفان إلى شتر في الأجفان ، هذا الشتر يصعب إصلاحه ويتسبب بتقرحات في القرنية ، لأن القرنية التي يُترض أن تكون محمية تماماً ومُغطاة أثناء النوم أصبحت معرضة دائماً للهواء الخارجي لأن الجفن المشوه المشطور لا يغطيها ، يتسبب ذلك في جفاف وتقرحات القرنية التي قد تنتهي بكثافات وتقرحات في القرنية وفقدان الرؤيا في العين . للأسف لم أجد برامج تحكي عن اختلاط عمليات شد الأجفان ( خاصة العمليات المتكررة ) . وهنا سأذكر وشم الحاجبين الذي انتشر كوباء في كل الفئات العمرية ، مؤلم أن تجد صبية بحاجبين جميلين تلجأ إلى نزع شعر الحاجبين ورسم وشم حاجبين بعرض الأصبع – والأدهى – أنها تختار مكاناً للحاجبين الجديدين فوق أو أسفل مكان حاجبيها الأصليين ، شاهدت حالات مروعة من الالتهابات لجلدية والتورمات بسبب المواد المستعملة في وشم الحاجبين والله أعلم ما هي .
ثانياً : حقن المواد المالئة ( عادة الهيالورونيك أسيد ) هو حمض ينتجه الجسم ويعطي النضارة والامتلاء في الوجه مع العمر يتراجع مستوى الهورمونيك أسيد في الجسم فتظهر التجاعيد خاصة حول العينين وانخفاض في المنطقة تحت العينين ، كذلك ذبول الشفتين والوجنتين . الهيالورونيك أسيد الأصلي باهظ الثمن جداً ، غالباً ما يُعطي حقنه بيد طبيب ماهر وخلوق نتائج إيجابية أي تبقى تعابير الوجه كما هي لكن مع نضارة جميلة ، لكن حمض الهيالورونيك يحتاج كل سنتين على الأكثر لإعادة الحقن ، لأنه ينقص ويتلاشى بعد مدة . من المقبول أن تلجأ امرأة أو رجل تجاوزا الأربعين لحقن الهيالورونيك أسيد خاصة إذا كان عملهما في التمثيل والإعلام . لكنني كنت شاهدة على حالات حقن حمض الهيالورونيك لشابات في عمر عشرين عاماً يشكين من عقدة نقص من ملامح وجوههن ويلجأن ( بعضهن تحمل صورة ممثلتها المفضلة أو الفنانة الفلانية ) وتقول لطبيب التجميل : أريد أن أكون مثلها . وللأسف تجد أطباء تجميل يجرون لها أي تجميل تطلبه . الخطورة أن التجميل أصبح تجارة أي غايته الأولى الربح ، ولا يهم الآثار الكارثية الخطيرة على من تسلم وجهها لطبيب تجميل بلا ضمير ، أصبح هناك بازار ومنافسة بين أطباء التجميل وبين الشركات المنتجة أو المستوردة لمواد التجميل ، فتظهر أنواع عديدة من إبر الهيالورونيك أسيد ( الباهظ الثمن جداً لكنه آمن وحقيقي ) رخيصة جداً يُروج لها أطباء التجميل والتجار والله أعلم ما هذه المواد التي تستورد من دول فقيرة عديدة ، يتسبب حقنها بالتهابات خطيرة وعميقة في الوجه إضاقة للتشوه وغالباً يصعب إصلاح هذه الاختلاطات .
الخطر الأكبر في المواد المالئة الدائمة مدى الحياة ، أي أن الشخص ( امرأة أو رجل ) يلجأ لطبيب تجميل يحقن في الوجه لمرة واحدة فقط مادة مالئة تبقى كما هي مدى الحياة ، طبيعي أن يفرح من يطلبون التجميل ( خاصة استعادة نضارة الوجه وملئ الفجوات تحت العينين وحول الفم ونفخ الخدين أن يختاروا الحقن بمواد مالئة إلى الأبد ، حقن لمرة واحدة فقط ومفعول هذه المادة مدى الحياة لا تنقص ولا حاجة لحقن المزيد . ثبت علمياً أن معظم هذه المواد المالئة الدائمة مدى الحياة تتحول إلى عظم !! ( أي تصير عظماً ) وأحب أن أذكر حالة شابة لجأت لي كطبيبة عيون تشكو من ألم لا يُحتمل في عينها وصداع شديد ومصابة بجحوظ شديد في عينها اليمنى ( ثمة جحوظ أخف قليلاً في عينها اليسرى ) للوهلة الأولى فكرت بفرط نشاط الدرق الذي يسبب جحوظاً أو بورم دماغي ، كانت الشابة في الخامسة والثلاثين من عمرها موظفة وجامعية تعشق شاباً يصغرها بستة أعوام وأرادت أن تجمل نفسها بأن تملاْ التقعر تحت أجفانها السفلية بمادة مالئة دائمة ، وفعلاً أجرى لها طبيب اختصاصي في التجميل حقن مادة مالئة دائمة في الأجفان السفلية ، بعد أقل من شهرين بدأت تشكو آلام مبرحة في عينيها مع جحوظ في العينين وتدني شديد في القدرة البصرية ، وفي كل مرة كانت تراجع طبيبها كان يتملص منها ، طلبت صورة طبقي محوري لرأسها فتبين أن المادة المالئة الدائمة تحولت إلى مادة عظمية وأن هذه المادة العظمية تضغط على العصب البصري وأعصاب العين وتسبب الجحوظ وتدني الرؤية والألم المبرح والتشوه ، رجوت طبيب تجميل خلوق جداً ( لا يرضى إجراء أي تجميل إلا أن كان له ضرورة ) أن يجري لها عملية ، رفض في البداية وقال لي : لست مسؤولاً عن إصلاح أخطاء غيري ، حاله تلك الشابة صعبة جداً فليحاول طبيبها أن يصحح الخطأ الفادح ، لكن برجاء كبير مني ولأن صداقة تربطنا والأهم لأنه خلوق قبل أن يجري عملية للشابة إياها ، استغرقت العملية ست ساعات وهو يفتت بآلة خاصة الكتلة العظمية التي تحيط في العين والتي تسببت بأضرار خطيرة ، ست ساعات من الصبر لطبيب تجميل خلوق ووجداني وهو يقرض العظم حول العين ، هذا العظم الذي هو أساساً المادة المالئة الدائمة التي يحقنها كثيرون دون أن يعرفوا آثارها الكارثية ، لأن الإعلام لا يُظهر إلا النجاح والجمال واستعادة الشباب والنضارة . ولأن الاستثمار في مجال التجميل رابح جداً فقد راج مؤخراً حقن خيوط من مادة معينة وبطريقة معينة تحت الجلد ،تحقن في الوجه والرقبة خاصة ، هذه الخيوط يتعامل معها جسم الإنسان كمادة غريبة عنه فيشكل غلافاً لها ، أي تصبح الخيوط كأنها مادة في الوجه والعنق وتشد الوجه والعنق ، وأيضاً هناك مزاد علني على أسعار الخيوط حيث يلجأ بعض أطباء التجميل للترويج لخيوط بسعر معقول ، وأطباء آخرين أسعارهم مرتفعة جداً ، كانت نتائج حقن هذه الخيوط تشوهات فظيعة في الوجه ، شتر في العين أو الشفتين الخ ، الكارثة أن إصلاح هذا الاختلاط شبه مستحيل ، وأن عملية نزع الخيوط خطيرة قد تخرب أعصاباً وأنسجة .
ثالثاً : عمليات تجميل الأعضاء التناسلية ، ومن الضروري التطرق لهذا الموضوع لأنه أصبح ظاهرة منتشرة جداً ، ولن أتوقف عند عملية تكبير المؤخرة التي تلجأ إليها الكثير من الممثلات ( منهن ممثلة سورية معروفة ومشهورة ) لكن سأحكي عن الهوس المرضي بتجميل الأعضاء التناسلية حتى أن أحد أطباء النسائية في اللاذقية كتب على اللافتة العملاقة لعيادته : اختصاصي في تجميل الأعضاء التناسلية ، ولا داعي أن أستفيض في الشرح في تقنيات هذه العمليات لكنها عمليات مؤذية جداً في مناطق حساسة وأيضاً استعمال مواد كثيرة للحقن في الأعضاء التناسلية منها ( الهيالورونيك أسيد أيضاً ) ووضع حلقات حديد أو مسامير معدنية صغيرة في مناطق عدة من الأعضاء التناسلية للذكر والأنثى ، ولا أعرف كيف يتعايش هؤلاء مع هذه القطع المعدنية التي تسبب إضافة إلى الألم إل تنخر ونقص اروية في الأنسجة . وأين الإغراء قي هذه الحلقات المعدنية والمسامير المغروسة في الأعضاء التناسلية ، وأجراء عمليات جراحية مختلفة خطيرة على الأعضاء التناسلية للذكر والأنثى . هو جنون وهوس التجميل أن يتم الانحطاط الأخلاقي والإنساني وأن يُصاب الناس بالخلل العقلي لدرجة يلجؤون لإجراء عمليات تجميل الأعضاء التناسلية . آخر مقال قرأته عن زرع مسبار أو سلك له مواصفات معينة يُزرع في العضو الذكري ليساعد أكثر على الانتصاب .
علم النفس يقول لا يجوز أجراء عمل جراحي مهما كان نوعه لشخص إلا بعد أن يخضع لفحوصات نفسية وعقلية في الطب النفسي . لكن للأسف تجارة التجميل رابحة جداً ومغوية جداً كإغواء الشيطان . وكما قال أحد الفلاسفة : انعدام الأخلاق يولد الوحوش .