I
مغنّي
صديقي الذي امتهن الأغاني
نثر الحانه فوق حطام المدينة
ورحل
II
حور عين
لا أدرى إن كان ما شاهدته حقيقةً أم خيالاً. لكني متأكد أنه قد حدث في وقت ما. المسألة، باختصار، أنني أعتقد أني قد مررت فجر اليوم في طريق مهجور لا إنس فيه ولا جن. فجأةً، برز لي من الظلمةِ رجلٌ ملتحٍ بجلبابٍ قصيرٍ للركبة وبعصا غليظة. سدَّ علي الطريق وخاطبني: هل ترغب في معاشرة الحور العين؟ ذهلتُ من السؤالِ وظننتُه يتخابثُ عليَّ ليلهيني ويسلبني ما أملك. أجبت دون تردد: العلم عند الله إن كان لي نصيب فيهن. أجابني: وإن صحبتك اليهن الآن على أن تطيع أمري بعد ذلك في كل ما أطلب منك؟ ضحكت مقهقها.. الآن.. أهي مزحة يا هذا؟ جذبني من ذراعي وعصب عيني وأمرني قائلاً: تناول هاتين الحبتين وسر بصمت ولا تسأل شيئاً. انتابني الخوف ولكن لم يعد بالإمكان الفرار من الورطة التي وقعت فيها. مشينا طويلاً. قد تكون ساعات طوالاً، أو نهاراً وبعضاً من الليل إلى أن توقف وتنحنح. فُتحت بوابة صريرها ينبئ عن ضخامتها. سرنا صعوداً حتى توقف فجأة. نزع العصابة عن عيني فإذ بي في حديقة غنّاء تشدو فيها البلابل والحساسين. عن يميني يسير جدول من عسلٍ وعن يساري جدول من لبنٍ. وجوارٍ يرفلنَ في ملابس من السندس اللامع. وغلمان يخدمون عليهن. طار صوابي فهل أنا فعلا في الجنة؟ هممت بالاقتراب من حورية كأنها القمر فأمسك بذراعي الرجل وقال: لن تدخل جنتي حتى نعود إلى حيث جئنا وتطيع أمري. إن وافقت بقيت في الجنة إلى أبد الآبدين وإن رفضت فسأرسلك إلى جهنم وبئس المصير. وسارع بإعطائي حبة صغيرة ما أن تناولتها حتى لم أحس إلا وأنا مضطجع على ارض غرفة رثة قميئة وصاحبي واقف أمامي كالمارد. نظر الي وقال بصوت قاسٍ: غداً وقت امتحان مدى إيمانك، وبعد الامتحان نتقابل في الجنة. وافقته رغم تسلل جرثومة الشك الى روحي. اتفقنا على اللقاء فجر اليوم التالي في المكان المهجور ذاته. عصّب عينيّ.
طيلة الليل لم أنم. فهل ما شاهدته كانت الجنة فعلا أم هيء لي ذلك؟ لم أصل إلى الحقيقة .كل ما اكتشفته أنني سأصبح في وضع آخر لا اعرف عنه شيئاً. وأنتم تعرفون البقية لأننا الآن قد بتنا على ابواب المغرب وأنا ما زلت في غرفتي مرعوباً من الخروج منها حتى لا يوصلني صاحبي إلى جهنم وبئس المصير كما وعدني.
III
في الطريق إلى منتصف الستين \ دفء
شيعني ثلاثة:
صديقي المشرد المعتوه،
كلب أجرب ظن أن هنالك ما يوزع على روحي،
شيخ ضرير كفنني وصلى علي بالمقلوب، ثم رحل.
حينما توسدت الأرض وأطبق علي شعرت بصوت يناديني،
توسد المعتوه الثرى فوق الأرض،
اضطجعت أنا تحتها،
تلحف بالسماء،
تلحفت برمل لاسع كنار جهنم.
أسند رأسه على شاهد قبري،
استندت على حصى أقلق راحتي،
ثم شرعنا ثلاثتنا بالغناء.
IV
نصر
ينهمك عزرائيل في قبض الأرواح، يعمل دون كلل أو ملل. يجوب المدن والقرى المدمرة، يقبض أرواح من يلتقط أنينه من بين الأنقاض أو من أطاحت به رصاصة قناص أو شظايا صاروخ أو قذيفة. يقترب إسرافيل من الجثث المكومة، ينظر إلى كل هذا الدمار الهائل، ينزل بوقه عن كتفه، يقرّبه للنفخ فيه إعلانا بقيامة الأموات. فجأة يعيد البوق إلى مكانه. يرحل متمتماً: مازال الوقت مبكراً على القيامة، ما هي إلا جولة من الحرب انتصر بها عزرائيل، فليهنأ بنصره ولو إلى حين.
V
طيران
غادرت العش، حلقت عاليا ، خمرت وتسكعت وتشردت وفي خضم هذا كله نسيت رأس أبي الذي حملته معي، ركضت إلى الثلاجة، رغبة مني في أن اشرح له لماذا فعلت هذا، لأول مرة سأتحدث إليه، هل سيفهمني؟ نظر إلى معاتبا، حين نطقنا في الوقت ذاته، خرج صوتي من الرأس الموضوعة أمامي بينما خرج صوت ابي من رأسي.