2024-02-11
لم أقرأ ترجمات لقصائد عبرية كتبت في الحرب هذه أنجزها الفلسطينيون المهتمون بالشعر العبري إلا قليلاً.
قبل عقود اهتم بعض الشعراء أمثال راشد حسين ومحمد حمزة غنايم وفاروق مواسي وسلمان ناطور وأنطوان شلحت وآخرين مثل أنطون شماس مترجم إميل حبيبي، اهتموا بالشعر العبري وترجمته.
الآن يتابع الترجمة نبيل طنوس، ومؤخراً ترجم ثلاث قصائد ألقيت في بيت الكرمة في حيفا في ٢١/ ١٢/ ٢٠٢٣، وترجم أيضاً قصائد لشعراء وشاعرات من الأرض المحتلة في ١٩٤٨، إذا ما قورنت موضوعاتها ونغمتها بالشعر الفلسطيني الذي كتب في حرب ١٩٦٧ بدت مختلفة كلياً، ولا أظن أن محتواها وصيغتها يمكن أن تزج بقائليها في السجون أو تعرضهم إلى المساءلة، كما حدث مع أسلافهم توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم و…، وهذا عموماً موضوع آخر.
ما قرأته من مقاطع، من قصائد عبرية قيلت في الحرب، قرأته في مقال كتبه يحيى عبد الله أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة المنصورة تحت عنوان «شيطنة الشعب الفلسطيني وتجريده من إنسانيته في الخطاب الشعري الإسرائيلي» (٢٩/ ١/ ٢٠٢٤)، وقد لاحظ أن الشعراء الإسرائيليين نشطوا في الكتابة منذ بداية الحرب، حيث واكبتها قصائدهم، ونعتوا مقاومي حماس بما نعته به قادتهم السياسيون، وهو ما تداولته وسائل الإعلام «مسخ ومخرب وعاهر وجبان وحيوان ومفترس وأرنب شرير وانتهازي جبان… إلخ» وأنه قتل الأطفال وبقر بطون الحوامل وقطع الرؤوس أيضاً.
مضمون ما قرأته ذكرني بقصيدة الشاعر (رئوبين) التي كتبها قبل ١٩٤١ وعنوانها «أنشودة النصر» ونشرها في جريدة (دوار هايوم) العبرية، ورد عليه في حينه إبراهيم طوقان (نص القصيدتين أوردته، مع كتابة عنهما، في كتابي «الأديب الفلسطيني والأدب الصهيوني» ١٩٩٣).
ويبدو أن حيونة الفلسطيني وشيطنته بدت أوضح في تلك القصيدة التي ترجمها الفلسطينيون، فاستفزت شاعر فلسطين الأبرز في تلك الفترة إبراهيم طوقان ورد عليها بقصيدته التي غالباً ما خلت منها بعض طبعات دواوينه – خلوها من شعره الماجن الذي حفظه النابلسيون عن ظهر قلب وتداولوه فيما بينهم مشافهة – والقصيدة عنوانها «في الرد على رئوبين شاعر اليهود» ومطلعها:
«هاجر أمنا ولود رؤوم
لا حسود ولا عجوز عقيم».
وتقول الموازنة بين ما ورد في القصائد التي اقتبس منها يحيى عبد الله وما ورد في قصيدة (رئوبين) إننا منذ ٣٠ القرن٢٠، حتى الآن، ما زلنا نراوح في الدائرة نفسها، باستثناء بعض الأصوات التي تعزف خارج سيمفونية العداء وتبدو نشازاً، ولها ترجم طنوس ثلاث قصائد ألقيت في لقاء مشترك للعرب واليهود الرافضين للحرب.
وفي كل حرب عموماً تخرج أصوات يهودية تحتج وتسخر من القيادات القائمة عليها.
في حرب ١٩٦٧ مثلاً ذاع صيت (حانوخ ليفين) الذي تأثر بنتاجه محمود درويش، فكتب تحت عنوان «أنا وأنت والحرب القادمة».
طبعاً بالإضافة إلى أصوات أخرى ظهرت بعد ١٩٧٣ وفي أثناء حرب ١٩٨٢ كتب عنها سلمان ناطور مطولاً في كتابه «كاتب غضب».
في مطلع قصيدة (رئوبين) نقرأ الآتي:
« أحاط بنا الأعداء، ألبوا علينا المدينة والقرية، وفتحت الصحراء فاها
خرج الفلاحون من أوكارهم، من دير ياسين مأوى الذئاب
من المالحة التي تبنى بأموال اليهود، من قالونيا، من شعفاط
من بيت صفافة، ومن صور باهر مكمن اللصوص
تجمعوا من منازلهم، وجاؤوا بالعصي يتظاهرون،
وكان السلاح الناري، مخبوءا تحت عباءاتهم
تقاطروا من أنحاء البلاد: أشرار يافا نفاية البحر العكر
وجاء وحوش الصحراء للبلد من جبال اليهودية ومن سهول أريحا
جاؤوا للتنكيل والتدمير والسلب.
حاربنا أعداءنا على أبواب القدس، وماجت الجموع في مسجد عمر،
حتى كأن المسجد مغارة قطاع طرق، أو بيت معد لعشرات الألوف
من قاذورات سكان فلسطين».
رد إبراهيم طوقان جاء أيضاً قاسياً. كأنك حين تقرأ القصيدتين، إن كنت من قراء الشعر العربي القديم، كأنك تقرأ قصائد لشعراء النقائض في العصر الأموي، حيث كل شاعر يفخر بحسنات قومه ويقلل من الأقوام الآخرين الخصوم.
عندما درس البروفيسور (شموئيل موريه) مدرس الأدب العربي في الجامعة العبرية في ٧٠ و ٨٠ و ٩٠ القرن العشرين صورة اليهود في مرآة الأدب العربي قال إنه «في فترات الحرب غالباً ما ينظر كل طرف إلى الآخر بمرآة مقعرة تضخم الصورة وتشوهها»، ومنذ ٧٥ عاماً والصراع هو الصراع ولم تسهم فترة السلام القصيرة في تحسين صورة الآخر في أدب كلا الطرفين القومي.
لقد ازدادت في كلا الجانبين قوة التيار الديني تأثيراً، وغالباً ما تأثر الشعراء بما ورد في الكتب القديمة، وقد بدا هذا في الحرب الدائرة حالياً جلياً لدى الطرف الإسرائيلي.
في ١٩٨٨ كتب محمود درويش «عابرون في كلام عابر» وترجمها الإسرائيليون فشيطنوه واتهموه بأنه يطالب اليهود بالرحيل، وأن يأخذوا معهم أيضاً جثث موتاهم.
رأى الكاتب التشيكي اليهودي (فرانز كافكا) في قصته «بنات آوى وعرب» أن العداوة بين الطرفين هي في الدم. هل شيطن اليهود، هو الذي كتب إلى أبيه لائماً ومعاتباً وقاسياً، بل وكارهاً، فلم تكن علاقته بأهله ودية، أم أنه انتقص من قيمة العرب حين جعلهم وبنات آوى في قصة واحدة واختار لها العنوان المذكور؟