تداعيات حرب 2023 / 2024 : الجوع الكافر في هذا الزمن الكافر

في ” وتريات ليلية ” كتب الشاعر العراقي مظفر النواب :

لا تلم الكافر في هذا الزمن الكافر ، / فالجوع أبو الكفار /- مولاي! أنا في صف الجوع الكافر ، / ما دام الصف الآخر يسجد من ثقل الأوزار ” .

ثم عاد وكتب قصيدته في الحانة القديمة ” وخاطب فيها امرأة تعمل فيها ، وأقر بأننا مثلها بغايا مع فارق هو أنه لم يفن منها سوى الجسد الفاني ، في حين أن غيرها يبيع اليابس والأخضر ويدافع عن كل قضايا الكون وينسى وجه قضيته .

وفي الحرب الدائرة حاليا في قطاع غزة هلك عديدون من أبنائه جوعا ، ومن يتابع صفحات التواصل الاجتماعي لأبنائه هناك مثل صفحة مخيم النصيرات وصفحة رفح تل السلطان يجمعنا وغيرهما العديد من الصفحات يقرأ العجب العجاب عن قسوة حياة النازحين . رجل يشعر بالعجز والضعف وقلة الحيلة ويتمنى الموت لأنه غير قادر على توفير الطعام لأبنائه ، وامرأة فقدت زوجها ولا تملك مبلغا ضئيلا من المال يمكنها من شراء الطعام فتناشد الآخرين علهم يقرضونها خمسين شيكلا مقابل حجز هويتها وثانية لا تطلب مالا وكل ما تريده أن يحضر القادرون لها الخضار فقط وأغرب ما قراته عصر 9 / 6 / 2024 هو عرض امرأة شرفها مقابل إطعام أولادها . أردت مشاركة المنشور على صفحتي ولكني تراجعت وخجلت ؛ تراجعت فقد تذكرت ما كان يثيره نشر قصص قصيرة كهذه ، مثل قصة ” الانتظار ” لجمال بنورة { خضوع امرأة لابتزاز موظف مقابل حصولها على لم شمل زوجها المقيم في المنفى } ، وخجلت بخاصة بعد أن قرأت التعليقات التي لفتت انتباهي إلى جوانب عديدة أهمها أن المنشور مريب ويمكن أن نقف وراءه ذبابة إلكترونية صهيونية ، فالحرة تجوع ولا تأكل من ثدييها ، وفتيات غزة شريفات ولا يمكن أن يفعلن هذا مهما بلغ الأمر ، وكنا لاحظنا أشرطة فيديو عديدة يأكل فيها الأطفال النباتات البرية سدا لرمق الجوع وأخرى لأشخاص ميتين من قلة الطعام وسوء الغذاء وثالثة لغزيين يعرضون صورا شخصية لهم قبل الحرب وثانية تظهر حالتهم الحالية وثمة فارق واضح فقد جعلت الحرب منهم عواجيز ، وأطرف تلك الأشرطة هو الشريط الذي تتحدث فيه طفلة في الثامنة من عمرها ، بعفوية وبراءة ، تقريبا ، وتصف ما فعلته الحرب فيها فقد حولتها من فتاة بضة ممتلئة جميلة ذات شعر جميل إلى فتاة نحيلة لم يعد لوجهها وشعرها أي جمال .

اللافت في المنشور الذي أشرت إليه هو أن ناشرته وناشره معا أي الزوج والزوجة كتبا رقم الواتس اب الخاص بهما . وقد رجحت لهذا أن ذبابة إلكترونية صهيونية وراءه أو أنهما أرادا إدانة العالمين العربي والإسلامي واستثارة النخوة فيهما أو القول لهما ليس لديكم نخوة لأنكم أوصلتمونا إلى هذا ، ومع ذلك فقد استثار في ذاكرتي ما قرأته من أعمال أدبية سابقة بخاصة فلسطينية

وأولها قصة سميرة عزام ” لأنه يحبهم فالسارد يروي قصصا لفلسطينيين دفعتهم ظروفهم القاسية بعد النكبة إلى الانحراف كالسرقة ” اللص ” والإخبار / التجسس ” الوغد وشرب الخمر وسوء معاملة المرأة / الزوجة ” المجرم والبغاء البغي ” :

وعرفت البغي

والبغي هي زوجة شهيد كان ينفق على العائلة لم يكن لنا سواه ولما ماتت أمي في هجرتنا لم يبق أمامي إلا هذه الطريق ” ويشعر صديق الشهيد بالحزن حين يعرف الأمر فقد كان من الممكن أن تنتهي إليها بعض أخواتنا لو لم يخطئنا رصاص اليهود ” .

ولا تختلف قصة جمال بنورة فتاة من فلسطين عما ورد في هذا الجانب عن قصة سميرة عزام . إن الفتاة تضطر لممارسة الجنس بعد أن فقدت معيلها في حرب 1948 . لقد لجأت إلى أقاربها لتقيم معهم ، غير أن أحد أبنائهم قد استغلها جنسيا ، ومن ثم لفظتها العائلة فوجدت نفسها بلا مأوى .

لا أريد أن استقصي النماذج كلها ولكني سوف أتوقف أمام قصيدة ورواية لهما دلالاتهما ؛ القصيدة لمحمود درويش وعنوانها نخاف على حلم ” والرواية لسامية عيسى وعنوانها حليب التين ” .

ظهرت قصيدة درويش في ديوانه ورد أقل ( 1985 ) وفيها يخاطب الحلم . يخاف عليه ومنه يخاف ويطلب منه أن لا يصدق كثيرا فراشاتنا ، والفراشات دال رمزي سرعان ما يفصح الشاعر عنه حين يقول لا تصدق إذن صبر زوجاتنا ” . لماذا ؟ لأنهن سينسجن ثوبين ثم يبعن عظام الحبيب ليبتعن كأس الحليب لأطفالنا .

في رواية سامية عيسى يستشهد زوج صديقة الفدائي وتضيق الحياة على أمه فاطمة وأولاده وزوجته ويحاول انتهازي في الثورة أن يستغل فاطمة جنسيا ، وهو ما تلاحظه صديقة التي تبحث عن عمل في دبي ، وهناك في صالون النساء الذي يعود إلى نوال ، وهي أيضا لاجئة كانت تقيم في مخيم ، تتزين صديقة . وتهيؤها نوال لرجل الأعمال الخليجي جاسم فتراها جميلة . تتأملها والحسرة تأكلها فتقول : ” لو كان لي نصف جمالها لما احتجت أن أعمل قوادة على الإطلاق ” .

هل كانت سامية عيسى قرأت قصيدة محمود درويش المذكورة أم أنها هي التي كانت صحفية في الخليج عرفت فلسطينيتين تشبهان نوال وصديقة ؟

لزياد الرحباني أغنية تقول كلماتها :

أنا مش كافر. بس الجوع كافر .

وأنا ، حين أكتب هذا ، مش فاجر ، ولا الكتاب الذين قاربوا الموضوع فاجرين ، إنما ” نحن بشر أيها البشر، والعبارة لإميل حبيبي .

كل عام وانتم بخير وشعبنا الفلسطيني بحال أفضل وبخاصة أهل قطاع غزة .

(الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء 9 و 10 و 11 و 12 / 6 / 2024 ).

عن د.عادل الاسطه

شاهد أيضاً

أدب السبعينيات الفلسطيني: بدايات زمن الرواية

في العام 1999 صدر كتاب الناقد المصري جابر عصفور “زمن الرواية” وعنوانه يفصح عن محتواه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *