تداعيات حرب 2023 / 2024: حزيران عن حزيران يفرق

في 9/ 6/ 1967 وضعت حرب الأيام الستة أوزارها أو كادت. انتهت الحرب التي بدأت في صباح يوم الاثنين، في الخامس من الشهر، انتهاء سريعاً، كما لو أنها لم تبدأ، حتى ليصدق ما قالته عنها أم سعد في رواية غسان كنفاني «أم سعد» 1969 وهو:
«
بدأت الحرب بالراديو وانتهت بالراديو»
وأضافت معبرة عن حزنها من نتيجتها:
«
وحين انتهت قمت لأكسره، ولكن أبا سعد سحبه من تحت يدي. آه يا ابن العم! آه».
ولم يكن أمام الفلسطينيين الذين ظلوا ينظرون إلى الزعامة العربية وجيوشها، لتحرر لهم بلادهم السليبة، إلا أن يعتمدوا على أنفسهم وأن يبادروا بذلك، فكان أن انتقلت الثورة الفلسطينية من السر إلى العلن، والتحق بها مئات، بل آلاف، الشباب الفلسطيني والعربي، وترك كثيرون أشغالهم ومقاعدهم الدراسية الجامعية وانضموا إلى معسكرات الفدائيين، في الأردن وسورية ولبنان، وتسللوا إلى فلسطين، وتأتي رواية كنفاني المذكورة على نماذج من أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان، ومنهم سعد الذي لم تعارض أمه التحاقه بالمقاومة، فقد قالت للراوي: «إذا لم يذهب سعد، فمن سيذهب؟».
كانت المرأة التي أقامت عشرين عاماً في المخيم متعبة، إذ اهترأ عمرها من قسوة الحياة هناك، ولو كان بإمكانها أن تلتحق بالفدائيين لفعلت «لعشت معهم. طبخت لهم طعامهم، خدمتهم بعيني»، ولكن ماذا تفعل بطفليها.
لقد وازنت أم سعد بين خيمة المخيم وخيمة معسكر التدريب وقالت عبارتها الشهيرة التي ترددت على الألسن وتناقلها الكتاب «خيمة عن خيمة بتفرق».
تذكرت عبارتها السابقة في بداية حزيران هذا، وكنت تذكرتها في حزيران العام 1982، وعليها قست، فاستبدلت كلمة بأخرى وقلت «حزيران عن حزيران يفرق»، وها نحن في حزيران 2024 وهذا، ومثله حزيران 1982، يختلفان عن حزيران 1967 زوايا عديدة: منها ما يخص صورة الجيش الإسرائيلي الذي حارب وحقق، على ثلاثة جيوش عربية، انتصاراً سريعاً كاسحاً، ولكنها بدأت تهتز، فقد ولى زمن الانتصارات السريعة الخاطفة.
ومنها ما يتعلق بصورة المقاتل العربي الذي لم يحارب، ثم تدرب وخاض حرباً قال فيها إن زمن حرب الأيام الستة ولى، وإن الحرب لم تعد كما لو أنها نزهة. لقد صارت كابوساً وحرباً حقيقية.
وإن تركنا صورة الآخر وصورة الذات بين حزيران وحزيران وتوقفنا أمام الأدبيات العربية التي كتبت في حزيران 1967 وحزيران 1082 هذا فماذا نجد؟
يمكن عموماً الإشارة إلى أعمال أدبية لافتة شاعت في السنوات اللاحقة لحرب 1967  وصارت عناوينها ومضامينها تتردد على ألسنة المهتمين بالأدب ومن أبرزها قصيدة «غنت فيروز مغردة» وقصائد نزار قباني السياسية «هوامش على دفتر النكسة» ومسرحية سعد الله ونوس «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» ومسرحية ممدوح عدوان «محاكمة الرجل الذي لم يحارب» ورواية عبد الرحمن منيف «حين تركنا الجسر» ومطولة مظفر النواب «وتريات ليلية»، وقد غلب على أكثرها طابع السخرية من الزعامة العربية من ناحية، ومن ناحية ثانية النزعة المازوخية – أي التلذذ بجلد الذات وشتمها.
باعت الزعامة العربية الجولان برمته كما ورد في القصيدة، والجندي لم يحارب، وحفلة السمر من أجل 5 حزيران ليست حفلة انتصار، وحين ترك الجيش الجسر، كما يقول زكي النداوي شخصية رواية منيف، شعر بأنه شوال فارغ مثقوب يستحق الموت ضرباً بالأحذية والكلب وردان أطهر منه وأفضل، والجماهير العربية مثل حكامها مهزومة تداوم في قبو مؤسسة الحزن حين تطق أكواب الزعماء ليلاً يسترقون السمع وراء الأبواب لصرخات بكارة القدس تغتصب، «فما أوسخنا! ما أوسخنا! ما أوسخنا!» أولاد قحبة.
من المؤكد أن جلد الذات والمبالغة فيها في الأدبيات السابقة لم تكن عامة طامة، فما كتبه أدباء المقاومة في الأرض المحتلة غلب عليه التحدي والإصرار «كبوة هذي وكم يحدث أن يكبو الهمام/ إنها للخلف خطوة من أجل عشر للأمام» و «خسرت حلما جميلا… وما خسرت السبيلا» و … و …. .
وجاء حزيران 1982 ليخلق الفدائي من جزمة أفقا ومن جرحه شفقا، وليقول للإسرائيليين «ستنفقون العمر في دبابة»، وبعدها بواحد وأربعين عاماً سيعرف الجيش الذي لا يقهر معنى الحرب.
في حزيران هذا يبدأ شهر الحرب التاسع ومن يدري كم ستطول، وكما قال سيمون في قصيدة محمود درويش «الكتابة على ضوء بندقية» (1971):
«
ويمر الحارس الليلي، / والاسفلت ليل آخر/ يشرب أضواء المصابيح / ولا تلمع إلا بندقية».
في الخامس من حزيران  2016 بدأت أكتب يوميات عن حزيران 1067 واخترت لها العنوان «حزيران الذي لا ينتهي» ثم أضفت لها عنواناً فرعياً هو «شظايا سيرة»، وقد رصدت فيها حياتنا تحت الاحتلال الإسرائيلي حتى 4 حزيران 1982 بداية الهجوم الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية التي تواجدت فيها فصائل المقاومة الفلسطينية.
وقد ذهبت إلى أن حزيران 1967 لم ينتهِ فما زال مستمراً، وها هي حرب 7 أكتوبر 2023 تدخل في حزيران 2024 شهرها التاسع. هل انتهى حزيران 1967؟
يرى الروائي اللبناني إلياس خوري أن نكبة العام 1948 مستمرة، وهذا عنوان آخر كُتبه، وعليه قس.

المصدر https://www.al-ayyam.ps/ar/Article/401663/%D8%AD%D8%B2%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D9%86-%D8%AD%D8%B2%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%8A%D9%81%D8%B1%D9%82?fbclid=IwZXh0bgNhZW0CMTEAAR3EPBMIZwQw0nZZjnJtYdHUZcZXO9GK6PtTcKAI_weG6MYvKv9_yFVD7i4_aem_AQw3Ow8LgC4bsUxwlLdGsNwSmsYgiIGXHSZs6P0L-Tqq7RCSE1tU2f0K5oMEWX4m29aRSybQt6YOU0EvpyOKx79w

 

About د.عادل الاسطه

Check Also

موضوع السجن في الأدب الفلسطيني قبل العام 1948

في التاسع والعاشر من الشهر الجاري، قدمت ورقة في مؤتمر الرواية في جامعة اليرموك الذي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *