تداعيات حرب2023 / 2024: العرب وتصحير فلسطين؛ إسرائيل وتحويل غزة إلى جنة

عادل الأسطة

2024-01-14

في بداية العام زار وزير الحرب (بني غانتس) معسكر حوارة وقال إن ما ألم بخان يونس سوف يتكرر في القصبة في نابلس إن حدثت فيها تفجيرات.
لم أصغِ إليه، ولكني سمعت ما نسب إليه أولاً من صديق في ظهيرة يوم الأحد 7/ 1/ 2024، وقرأته في المساء في صفحة صحافي. الأول قال إن (بني غانتس) زار جبل جرزيم وهناك قال ما قال، والثاني أجابني عن سؤالي:
– متى قال ذلك وأين؟
بأنه قاله قبل أربعة أيام، ولما سألته عن مرجع يعتمد عليه أحالني إلى نص الخبر في جريدة (يديعوت أحرونوت) العبرية، في 4/ 1/2024، مترجماً إلى العربية، وقد عقب قارئ آخر قائلاً إن (بني غانتس) قال الكلام أيضاً قبل شهر، ولكن الصيغة كانت مختلفة في التقديم والتأخير.
قاله في المرة الأولى وهو يتحدث عن خان يونس، مشيراً إلى أن ما سيلم بها لن يختلف عما ألم بحي القصبة في نابلس، وقاله في المرة الثانية بأن مآل حي القصبة في نابلس لن يختلف عن مآل خان يونس إن كان هناك إرهاب (؟)، فحيث يكون هناك إرهاب (؟) سيحل الدمار.
ولما بحثت في (غوغل) وجدته منشوراً في موقع 124NEWS بتاريخ 4/ 1/ 2024. (بني غانتس في الضفة الغربية: حكم القصبة في نابلس سيكون كحكم خان يونس. حيث يوجد إرهاب تجب إزالته).
ما قاله الوزير وما فعله جيشه في غزة استثار في ذهني مقولات صهيونية قرأتها، أولاً، في الدراسات التي تناولت صورة العربي في الأدب الصهيوني، كما في كتاب غسان كنفاني “في الأدب الصهيوني” وكتاب غانم مزعل “الشخصية العربية في الأدب العبري الحديث”، وثانياً في بعض الروايات الصهيونية مثل رواية (ثيودور هرتسل) “أرض قديمة جديدة” (1902) ورواية (ليون أوريس) “اكسودس” (1953)، بل وفي روايات فلسطينية تكلمت فيها شخصيات يهودية وهي تتحاور وشخصيات فلسطينية، مثل رواية إميل حبيبي “المتشائل”.
ومن هذه المقولات أن فلسطين كانت أيام العبرانيين مزدهرة وحل بها الخراب عندما آلت إلى العرب.
(هرتسل) مثلاً كتب في روايته عن زيارة شخصيتها اليهودية إلى القدس، فهالها ما رأت، وقارن صورة المدينة البائسة التي رآها بالصورة التي كانت عليها متشكلة من قراءاته للعهد القديم، ثم تخيل كيف ستغدو عليه خلال 20 عاماً من سيطرة اليهود، من جديد، عليها.
وتغنى (أوريس) بازدهار الأرض الصحراوية منذ قيام الدولة الإسرائيلية واخضرارها، ومثله (آرثر كوستلر) في روايته “لصوص في الليل” حيث كتب عن محاصيل وفيرة وغلال كثيرة.
ما قاله (بني غانتس) هو ما ألم بالمكان الفلسطيني على يد إسرائيل، منذ1948 ، وهو ما عكسته نصوص أدبية فلسطينية عديدة كتبت عن يافا وما صارت إليه بعد نكبة العام 1948، كما في قصيدة راشد حسين “الحب والغيتو” وعن بعض القرى الفلسطينية التي سويت بالأرض عددها حبيبي في “المتشائل” وكتب عنها محمود درويش في “لماذا تركت الحصان وحيداً؟” وفي “طللية البروة” و”على محطة سكة قطار سقط عن الخريطة” (ديوان “لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي”).
هذه المرة، وفي الحرب الدائرة حالياً منذ 7/ 10/2023 تنوب الصورة، محل الوصف في النصوص الأدبية، خير مناب.
وأنا أكتب المقال أدرج أحد الصحافيين الفلسطينيين صباح 8/ 1/2024 شريط فيديو نقلاً عن فضائية الجزيرة لجندي إسرائيلي يخاطب المحكمة العليا الإسرائيلية، التي يرى أنها ستقسم الشعب الإسرائيلي بخصوص الجرائم ضد المدنيين وتدمير بيوتهم، قائلاً:
– إلى المحكمة العليا التي تحاول أن تقسم الشعب وتؤثر على قتالنا إن هناك حلاً واحداً لغزة هو… وكان خلفه برج سكني من طوابق عديدة يُفجر ويتهاوى.
ونظر الجندي إلى الخلف حيث صورة البرج وهو ينهار. يعني أن الحل الوحيد لغزة هو التدمير وتسوية مبانيها بالأرض وتهجير سكانها.
من هم حقاً الذين أفقروا فلسطين وأقفروها وحولوها إلى صحراء؟ الفلسطينيون أم معظم يهود إسرائيل في القرن21م؟
لم يدمر الجيش الإسرائيلي الثكنات العسكرية للفلسطينيين ولم يهدم أسوارها ويأسر مقاتليها، بل دمر الجامعات والمشافي ودور العبادة وبيوت المواطنين الآمنين والمباني الأثرية والمتاحف والمراكز الثقافية وقتل الصحافيين، وافتخر قادته وقسم من صحافييه بذلك، بالصوت والصورة وعبر شاشات الفضائيات، وكان بعض قادته هددوا لبنان، من قبل، بأن يعيدوه إلى العصر الحجري.
في كثير من الأدبيات الفلسطينية عن يافا قبل 1948 وصف لازدهارها ومظاهر المدنية والحضارة فيها، ويدعم هذه الأدبيات ألبومات صور توثق ما كانت عليه، وتختلف صورة يافا في نصوص كتبت عنها في 60 القرن 20، مثل قصيدة راشد وتقرير سميح القاسم المنشور في سيرته الذاتية.
“كانت يافا مدينة مهنتها تصدير برتقال، وصارت مدينة مهنتها تصدير لاجئين. صارت مدينة يقتلها الذباب والضجر”، وصورة غزة قبل 7/10/2023 وصورتها الآن أقسى بآلاف المرات، وهذه هي بركات الصهيونية التي تحدث عنها الأب الروحي لها تحل علينا: تحويل فلسطين إلى جنة.
المصدر

https://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=1674f3f0y376763376Y1674f3f0&fbclid=IwAR1eQ3sW_UuhhHpUfAwp2m-4gxozlzRyA84d2OhUB4svBnIJOg3K7kFo6Kg

عن د.عادل الاسطه

شاهد أيضاً

عادل الأسطة يقدِّم قراءةً حول تجربة القائد يحيى السَّنوار.. العمل طابق القول

علي البطة  دعا الدكتور عادل الأسطة الناقد الأدبي وأستاذ الأدب سابقا في جامعة النجاح، جميع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *