رواية للكاتب والروائي مهند طلال الاخرس، تقع على متن 240 صفحة من القطع المتوسط، وهي من اصدارات دار اليازوري العلمية للنشر بطبعتها الاولى 2022. رواية تتناول عملية فدائية من سلسلة عمليات معركة التحرير المستمرة ، أبطالها مجموعة من شباب عاشوا مرارة اللجوء والحرمان من وطن يضم احلامهم . يمسك الراوي بيدنا من البداية ليحكي لنا قصة حلم غامض – تتبدى تفاصيله مع كل صفحة نقلبها – للغضنفر ، الفدائي الذي يُلقى على عاتقه تدريب تلك المجموعة التي دفعها اخلاصها وصدقها الى التطوع في تلك المهمة . خطوة بخطوة نرى معالم المعسكر ، ونعيش فيه ايام التدريب يوما بيوم ، نتعرف من خلالها على الابطال و دوافعهم لخوض غمار هذا التدريب مع جهلهم بتفاصيل ما هم مقبلون عليه ، ثقة منهم بالبدر ” أبوجهاد” ، وصدقا بنكران ذواتهم أمام الهم الأكبر والواجب المقدس . ضبابية الحلم ، براعة من الراوي في اقناعنا بقبول غموض العملية ” زمانها ومكانها “. يسترسل الكاتب في محاولة للبوح بأسرار الابطال واحدا واحدا من خلال سرد سلس ، سهل ممتنع في بعض احيانه ، يضعنا على عتبة الحقيقة برهة ثم يتركنا لنكمل الجزء الأكبر منها ، ربما ليست محاولة للتوظيف الرمزي بقدر ما أن الواقع يمتلك مفاجآت لا يستوعبها خيال. وهذا ما لمحته في كل زاوية من زوايا الرواية ، فليست هنالك حكاية كاملة ، بل جزء من حَكايا ترشدك الى فتح باب من التأملات والتصورات. في كل سطر من الحكاية يحضرني بيت من قصيدة هنا او حكمة او شعار هناك ، لعل قصة الخاتم ، هي ما استدعت محمود درويش في قصيدته مديح الظل العالي وهو يقول : – عم تبحث يا فتى ؟؟ – عن خاتَم ، لأسيج العالم .. بحدود هذا البحر من خلال حكاية اهزوجة “مديلي ايدك” تسمعها الحاجة سرحانة ، تستدل على استشهاد ابنها ، حقيقة أخرى لو حاول كاتب عتّي أن يستدعي جوارحه لن يأتي على مثلها. بساطة وتلقائية ابطال الرواية ، وصدق الانفعالات ، تنسجم مع تلقائية البدر، حيث نلمس مساحة العزيمة التي يزرعها القائد ” ابو جهاد ” حيث وجوده او زيارته هي حافز بحد ذاته ، ولا يحدث هذا الا إن كان القائد يمثل قدوة في حين وشعاراً في احايين . في اسلوبه يحفزنا الكاتب عند نهاية كل فصل أن نقفز فورا الى الفصل اللاحق حتى لا يفوتنا ما كان قد رمى اليه في نهاية الفصل الاول ، استطاع الكاتب أن يأسر حواس القارئ ويجعله متلهفا لملاحقة الاسطر حتى تعرف ما سيجري لاحقا. وهذا سيلمسه القارئ تقريبا مع كل قفلة فصل ، ومرة اخرى ربما هي الحقيقة الموجعة يكون لها وقع ابلغ من وقع الرمز والاستعارة . بعد توضيح سبب انتهاء التدريبات والامر بالتجهيز للعملية فجأة ننغمس في تفاصيل العملية ، حيث ينقل لنا الكاتب الجلسات التي يتم فيها الافصاح عن العملية واهدافها وخطط تنفيذها ، بتفصيل غير متكلف ، نسمع حوارهم ونتصور انفعالاتهم وحركاتهم ، مما يضفي على الرواية تشويقا مضاعفا ، بحيث ان الكاتب يضعك في نفس الغرفة معهم وكأنك تستمع لأصواتهم وتشعر بتأثير المكان ، وهذا يتكرر مرة اخرى في الفصول الاخيرة في الرواية التي تحكي قصة التوغل والاشتباك . في كل فصل من فصول الكتاب يتأكد لك أنك تتعامل مع فن جديد من فنون الأدب ، لا ينطبق عليه التأريخ ، ولا السيرة الذاتية ، ولا حتى الرواية بمعناها الكلاسيكي ، وإنما نوع تكون الحقيقة هي جوهره ، وتضفي عليه سحر ا يفوق سحر الخيال ، ربما لامس الكاتب ما اسموه ” بالسحرية الواقعية ” في الأدب اللاتيني ، وذلك أنك تتعامل مع احداث حقيقة في قصة حقيقة ، ويشقُّ عليك أن تتخيلها حتى لا تتجنى علي طهارتها. تفاصيل بدء التحرك والانتقال للعملية ، وما حدث من اخطاء في اكثر من مرحلة من مراحل التنفيذ هي ما تعطي نكهة وطعما للقصة أن هؤلاء بشرٌ طبيعيون ، وما يحدث نتيجة ضعف الامكانيات مبرر ومستوعب ، حتى الارتجال والتعاطف ، والاندفاع ، كل تلك الافعال والمشاعر مفهومة في السياق التاريخي للحدث ، وكل ذلك كمقدمة لعظمة العملية التي قاموا بتنفيذها ، والشجاعة والاستبسال من ثلة من شباب مناضل في مواجهة الة عسكرية مدججة بكل أنواع الاسلحة ، كما قال محمود درويش ” بكل سلاحها البريّ والبحريّ والجويّ” وتحقيق هذا المستوى من الندية يخبرنا بأننا أمام سلالة العمالقة الأوائل أصحاب الأرض الاصليين . تناولت الرواية مواضيع عديدة كلها بطريقة جميلة كان يعرف المؤلف تماما أن يضعها ، حيث يسحب من القارئ الملل ويلقيه في لهيب من الحيرة حينا والتشويق احيانا ، وبأسلوب ” واقعي ” كانت الاشارات والاستدلالات والاسقاطات لها سحرٌ خفي ، يلقيك بين الألم اللذيذ واللذة المؤلمة ، ولن أستطيع أن اوفي هذا الجهد حقه في بضعة سطور ، ولكن ، ان كان لي أن اختار ايقونة من هذا الجهد المضني فعلي لزاما أن أختار اجتزاءً من تحفيز البدر للأبطال في وصيته الاخيرة بتلقائية تختصر الحكاية كلها ” عندما تهبطون بيافا ، تنسموا هواءها جيداُ، وقفوا فوق أرضها بشموخ ، إياكم أن تهتز أقدامكم ، فتلك أرضكم ، لن تجدوا أرضاً تحن عليكم مثلها ، قفوا عليها بثبات ، فالأرض الطيبة تعرف ابناءها ، وتعرف وقع خطاهم عند الاياب ” .
Check Also
موضوع السجن في الأدب الفلسطيني قبل العام 1948
في التاسع والعاشر من الشهر الجاري، قدمت ورقة في مؤتمر الرواية في جامعة اليرموك الذي …
من اروع الروايات تحمل الكثير من الأحداث التاريخية وطريقة السرد تثيرالحماس لدى القارىء تجبرك على الانتقال الروحي لتسمو بك لمشاهدة أحداثها وكأنك إحدى شخصيات الرواية …
أعتقد أن الكاتب ألقى تعويذة للرواية فهي بالمختصر إسقاط نجمي