سهرة مع إلياس خوري وروايته ” رجل يشبهني ” -القسم الحادي عشر-

XXV

تعريف جديد للوطن: الوطن هو المقبرة

أكثر ما يغريني في مواصلة الكتابة عن ثلاثية “أولاد الغيتو” أن كاتبها من الكتاب القلائل الذين يكتبون وهم مطلعون على الآداب السابقة اطلاعاً واسعاً، وقد خصصت هذه الميزة بكتابة تحت عنوان “الكاتب قارئاً: أقرأ لكي أكتب”، وفي المقابل فإن أكثر ما يجعلني أتردد في الكتابة عن روائيين كثر أنهم قليلاً ما قرأوا الروائيين المؤسسين الذين سبقوهم، وهكذا فإنهم لا يبنون أعمالهم على أعمال من سبقوهم.

وقليلون هم روائيونا الذين ينظرون لرواياتهم ويظهرون مكانتها في مسيرة الرواية الفلسطينية والعربية، وأقل من هؤلاء هم الذين ينظرون إلى كتابتهم في ضوء الرواية العالمية.

فيما قرأته من مقالات نظرية للكاتب التشيكي (ميلان كونديرا)، وقد جمعها في كتاب عن فن الرواية، فإنه كان ذا رؤية نقدية للروائيين الذين سبقوه، وأنه ينظر إلى ما يكتب في ضوء النتاج السابق لنتاجه.

مرة قررت ألا أكتب عن كاتب ناشئ إلا إذا حاورته وعرفت ما قرأه من روايات عربية وفلسطينية ورأيه فيما قرأ وأين يضع كتابته في ضوئها.

في “رجل يشبهني” توقفت من قبل أمام عبارة آدم / إلياس “الأدب هو إعادة كتابة أدب سابق عليه، وهذه مسألة يجب أن تشغل النقاد، كي يصلوا في النهاية إلى الكتاب الذي كتب الأدباء مقاطع منه من دون أن يدروا”، وفي كتابي “أسئلة الرواية العربية: إلياس خوري” أولاد الغيتو: اسمي آدم “نموذجاً” أتيت على منهج ( برونتير ) التاريخي الذي كان يدرس عمل الأديب الجديد في ضوء أعماله السابقة، وفي ضوء أدبه الوطني فالقومي فالإنساني، وتبدو هذه المهمة في زماننا صعبة على أكثر النقاد، فـ (برونتير) عاش في القرن 19 ولم يكن الانفجار الكتابي الذي نشهده في العقود الثلاثة الأخيرة قائماً.

ما مكّن إلياس خوري ربما من الاطلاع على النتاج السابق يتمثل في عدة عوامل منها أنه من مثقفي جيل ستينيات القرن20، ومنها إقامته في لبنان البلد الذي يطبع الكتب، ومنها أنه أشرف على سلسلة روايات عالمية “من تجارب الشعوب”، ومنها أنه ناقد وأستاذ جامعي أيضاً، وهذا وفر له إمكانيات لا تتوفر لغيره. ويمكن ملاحظة النظر إلى نتاجه في ضوء النتاج السابق في اكتناز الثلاثية بأبعاد معرفية، وقد كتبت عن هذا، ومنها مساءلته لذلك النتاج وتقييمه وإقراره بجمالياته وبتأثره فيه.

كنا لاحظنا تقييمه الجمالي لجبرا ولكنفاني، وكنا لاحظنا تأثره اللغوي بإميل حبيبي حيث اللعب والتلاعب بالألفاظ والنزوع نحو الاشتقاقات اللغوية والتغابي ومزج الجد بالهزل.

بقي مدى تأثره بأفكار وموضوعات طرقها الأدباء الفلسطينيون وغيرهم، مثل الغربة والمنفى والضحية الجلاد ومثلها، وقد أتيت على قسم منها وأنا أدرس الجزء الثاني “أولاد الغيتو: نجمة البحر” وأتوقف مطولاً أمام الضحية الذي أراد أن يفهم ما حدث مع اليهود في معسكرات الإبادة فسافر إلى بولندا متقمصاً شخصية يهودية ليتمثل حقيقة ما جرى.

في “رجل يشبهني” يحضر من الأدباء الفلسطينيين جبرا إبراهيم جبرا وراشد حسين وغسان كنفاني ومحمود درويش وإميل حبيبي وفوقهم يحضر أنطون شماس. إنهم لا يغيبون عموماً عن الأجزاء الثلاثة، وهنا تحضر بعض أسئلتهم ومنها سؤال الوطن.

في العام1994 أنجزت بحثاً عنوانه “الوطن في شعر إبراهيم طوقان” تتبعت فيه هذا الدال في الشعر العربي القديم، ولم أتوقف عن المتابعة. كانت رواية غسان كنفاني “عائد إلى حيفا” (1969) هي العمل الأدبي الأشهر الذي أشهر هذا الدال وساءل معناه، علماً بأن هناك أعمالاً أدبية أسبق وظفته. وأنا أعيد قراءة قصة إميل حبيبي “بوابة مندلباوم” (1962 تقريباً) لاحظت أنه أسبق من غسان في تعريف هذا الدال، ما دفعني إلى التساؤل إن كان غسان تأثر بإميل، وقد كتبت مقالاً تحت عنوان “هل تأثر غسان كنفاني بإميل حبيبي ؟”.

في السنوات العشر الأخيرة قرأت ثلاثية الجزائري محمد ديب “البيت الكبير” و “النول” و “الحريق” وتوقفت أمام تعريف دال الوطن فيها، ما دفعني لكتابة مقال عنوانه “دال الوطن في الرواية العربية” ، وقد نشرت مقالاتي هذه في زاويتي في جريدة الأيام الفلسطينية.

هل غاب هذا الدال عن إلياس خوري في ثلاثيته؟ وإذا لم يغب فهل كرر المدلولات السابقة له أم أنه أضاف مدلولاً جديداً؟

في أثناء كتابته عن مدينة جنين تحت الاحتلال يكتب عن جوليانو خميس، وقد أتيت على هذا من قبل “الفلسطيني اليهودي.. اليهودي الفلسطيني” وفي أثناء حوار آدم وجوليانو يأتيان على مجزرة 2002 وشهدائها ومنهم أبو جندل يوسف ريحان وعلاء الصباغ. رأى جوليانو رجلاً كهلاً على عربة يريد أن يتسلق الركام فحاول أن يساعده ثم أخبره بأن المقبرة بعيدة لعله يثنيه عن الذهاب، فالوضع صعب. يقتنع الكهل برأي جوليانو ويقول: “معك حق يا ابني، ليش نروح على المقبرة، المخيم كله صار مقبرة”.

في الحوار بين جوليانو والكهل ما يعلمنا عن أصول الأخير ابن قرية عين حوض الذي هجر منها في العام 1948 ليصبح مخيم جنين “عين حوضي، وأنا ناطر ترجعلي عين حوض”.

سيلتفت العجوز إلى جوليانو ليسأله:

– “شو هو الوطن؟”

أنه السؤال نفسه الذي سأله سعيد . س في رواية كنفاني؟

ولأن جوليانو يحتار فإنه يجيب بأنه لا يعرف. هنا يعرف الرجل الوطن:

“الوطن هو المقبرة، حيث تقبرون يكون وطنكم”

ويضيف:

“مقبرتنا حرثوها اليهود بعين حوض، وهون انقبرنا تحت ركام بيوتنا، أهم اشي نلم الشهداء وندفنهم بالمقبرة، حتى نحس إنه عندنا وطن، ونحن ناطرين الوطن”.

عندما يسأله جوليانو:

“ولأي متى مننطر؟”

يجيب:

“مننطر ليخلص الانتظار”.

وتجنباً للتكرار أحيل إلى دراستي ومقالاتي السابقة حول دال الوطن، مع أنني مطمئن إلى أن هذا التعريف الجديد لدال الوطن لم يرد في الأدب الفلسطيني من قبل.

XXVI

راشد حسين وزوجته اليهودية

شكّل راشد حسين شخصية أساسية من شخصيات “رجل يشبهني” وقد آثرت أن يكون مقالي الأحد لدفاتر الأيام الفلسطينية تحت عنوان “راشد حسين في ذكراه” ، وقد اعتمدت في كتابته على الرواية.

قبل أن أكتب هذه الكتابة عدت إلى كتاب الروائي إلياس خوري “الذاكرة المفقودة” (1981) لأعيد قراءة ما كتبه عن أشعار راشد وأوازن بين ما كتبه ناقداً وما كتبه روائياً، فثمة آراء نقدية في الرواية يبثها على لسان الدكتور مأمون الأعمى الذي التقى بطه حسين وبراشد حسين أيضاً وحكى قصة اللقاء لآدم الذي لم يجتمع بالأول ورأى الثاني في المنام فعرفه.

والحقيقة أنني قرأت دراسات كثيرة عن راشد ولكني لم أستمتع بها استمتاعي بما قرأته في الرواية.

في حزيران العام الماضي حتى بداية أيلول نشرت في جريدة الأيام الفلسطينية خمس مقالات تحت عنوان “المرأة اليهودية عاشقة للفلسطيني” عن ريتا محمود درويش وتناسلها في أعمال روائية فلسطينية وعدت إلى ما كتبه نبيه القاسم عن صورة المرأة اليهودية في نثر سميح القاسم، وفيما كتبه نبيه قرأت قصة عشق راشد لزوجة ضابط يهودي، وهو عشق أدى إلى انفصالها عن زوجها ومغادرتها دولة إسرائيل للإقامة في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد لحق بها راشد فتزوجا، ولكنهما سرعان ما انفصلا.

ما قرأته في دراسة نبيه أعادني إلى كتاب الدكتور محمود حسني عن راشد وحياته وشعره، وفوجئت بمعلومات، كنت قرأتها ثم نسيتها، تخص الشاعر وعلاقته بزوجة الضابط وما انتهت إليه.

في أشعار راشد قصائد عديدة عن علاقته بفتاة يهودية لعل أهمها “الحب والغيتو”، وكان راشد أول من استخدم دال الغيتو لوصف ما ألم بفلسطينيي المدن الفلسطينية إثر النكبة، وفي القصيدة يستغرب كيف أن من عانوا في أوروبا من الغيتو يحشرون الفلسطينيين الباقين في مدنهم بغيتوات.

عندما كنت أقرأ قصيدة “قبلك” كنت أرى أن الشاعر يعني الأرض وعلاقة الفلسطيني بها، ولم يخطر ببالي أن زوجة الضابط أيضاً معنية، وهذا ما نبهتني إليه الرواية.

لعل الصفحات التي صور فيها الروائي شخصية راشد من أجمل صفحات الرواية، وهي كما ذكرت تمتد من 281 إلى 345، وحين طلب مني القاص زياد خداش أن يكفي كتابة عن رواية إلياس، فقد أجبته بأنك إن لم تقرأ قصة راشد في الرواية فستخسر الكثير.

لعل ما يستحق أن يجمع في كتاب هو ما كتب عن محمود درويش وريتا من مقالات وكتابات في وسائل التواصل الاجتماعي والتعليقات التي كتبت في المكتوب، إذ إن كثيرين استنكروا قيام مثل هذه العلاقات بين فلسطيني محتلة أرضه وفتاة يهودية تنتمي إلى شعب أقام دولته على أنقاض شعب المعشوق.

لأم كلثوم طقطوقة قديمة “قوللي ولا تخبيش يا زين” تأتي فيها على القبلة إن كانت حلالاً أم حراماً، فتجيب:

“القبلة إن كانت للملهوف” فلا ذنب فيها “لأن ربنا رب قلوب”، وماذا إذا ما مال قلب الشاعر لامرأة يهودية؟

لماذا أثير السؤال الأخير؟

عندما قص راشد في مطعم خريستو في عكا قصته مع ضابط المخابرات العراقي الذي حقق معه بشأن قصيدة “قبلك” سأله الحضور:

“من هو الزوج؟”

“ألا تخشى على حياتك؟”

“مش ملاقي ولا بنت عرب، حتى حليوا اليهوديات بعيونك؟” وطلب منه أن “سيبك منها”.

في كتاب “القضاة” من العهد القديم نقرأ قصة شمشون اليهودي ودليلة الفلسطينية. لقد أحب شمشون دليلة على الرغم من اعتراض قبيلته، فكيف يأمن لامرأة من الأعداء. وما توقعه قومه حدث، فقد أفشت دليلة سر زوجها ما أوقعه في أسر الفلسطينيين. والطريف أن الريبة نفسها التي تملكت قوم شمشون تتملك قلوب فلسطينيين كثر إزاء ارتباط بعض الشباب الفلسطيني بفتيات يهوديات، فأكثرهن من وجهة نظر المرتابين مرتبطات بالموساد.

انتهت علاقة محمود درويش وريتا بالانفصال لأنها التحقت بالجيش، وانتهت علاقة راشد حسين بـ آن بالانفصال، لا لأنها التحقت بالجيش، فقد تخلت عن جنسيتها الإسرائيلية وهاجرت إلى أمريكا وصارت تحاضر في الجامعة، انتهت العلاقة لأن راشد لم يستطع أن ينسى ماضيه في فلسطين ولم يستطع أن يتأقلم مع حاضره في نيويورك، فأغرق في شرب الفودكا والدخان حتى توفي مختنقاً.

عموماً فإن مقالي الأحد مختلف عن هذه الكتابة.

اليوم يمر على وفاة راشد حسين ٤٦ عاماً، وكنت في العام 1977 أقرأ ديوانه “أنا الأرض لا تحرميني المطر” ومن قبل قرأت أشعاره التي ضمها “ديوان الوطن المحتل” الذي أعده في المنفى الشاعر يوسف الخطيب.

ثانية أقول، وهذا رأي شخصي، إن ما كتب عن راشد في “رجل يشبهني” هو كتابة آسرة، ولعل أنطون شمّاس الذي كتب عنه وعن روايته في الثلاثية هو من قص قصة مطعم خريستو في عكا على الكاتب.

استدراك

” ريتا وراشد حسين وغولدا مائير “

تحت عنوان ” ريتا وراشد حسين وغولدا مائير ” نشرت في جريدة الأيام الفلسطينية  (4/9/2022.. انظر أدناه) الحلقة الخامسة من سلسلة مقالات ” المرأة اليهودية عاشقة للفلسطيني ” أتيت فيها على سبب انتشار قصائد محمود درويش في ريتا ، علما بأنه لم يكن أول من أحب فتاة يهودية وكتب شعرا فيها ، وعلما بأنه لم يكن الفلسطيني الوحيد الذي أحب فتاة يهودية .

في ” رجل يشبهني ” التي نشرت بعد نشر المقال بأربعة أشهر كتابة عن محمود درويش وريتا وراشد حسين وآن ، وفيها يرى مأمون الأعمى ، ومن ورائه إلياس خوري ، أن درويش كتب عن ريتا كموضوع شعري ولكن الحب الحقيقي والقصة الحقيقية كانا بين راشد وآن .

وحين يمعن المرء النظر في العلاقة بين درويش وريتا وبين راشد وآن يكتشف أن ما ذهب إليه مأمون / إلياس ممكن جدا ومقنع أيضا ، فعلاقة درويش بالفتيات اليهوديات لم تستمر طويلا ولم تتخذ مسارا مأساويا ، وأن علاقة راشد ب آن

استمرت أكثر واتخذت طابعا مأساويا ، وأن البندقية بين العاشق والمعشوق تتمثل في الضابط زوج آن .

وأنا أقرأ الصفحات الستين التي غطت في ” رجل يشبهني ” قصة راشد بالمرأة اليهودية قلت إن إلياس خوري سيفجر قنبلة موسمية في هذا الجانب وسيجعل قراء محمود درويش الذين سئموا من تكرار الكتابة في الموضوع يعودون إليه ليخوضوا فيه من جديد . غابت تفاصيل علاقة راشد بالمرأة اليهودية عن كثيرين منا فلم نخض فيها وبقينا نخوض في علاقة درويش بريتا ، وأعتقد أن رواية إلياس ” رجل يشبهني ” ستعيدنا إلى الحكاية من جديد وهذه المرة ستتخذ من راشد وحكايته نقطة البدء والانطلاق . ماذا فعلت بنا يا إلياس خوري ؟

كنا توقفنا منذ العام ١٩٧٧ أمام قصيدة محمود درويش ” كان ما سوف يكون ” وشكلنا في أذهاننا صورة راشد حسين أكثر مما شكلناها من قراءتنا أشعاره أو ما قرأناه عن حياته ، والآن تأتي رواية إلياس خوري لتقلب لنا دماغنا وتزلزل ثوابتنا .

المرأة اليهودية عاشقة للفلسطيني 5 :

” ريتا وراشد حسين وغولدا مائير ” :

لم أكن أتوقع أن تقودني الكتابة تحت عنوان ” المرأة اليهودية عاشقة للفلسطيني ” إلى ما قادتني إليه ، ويبدو أن ريتا شغلت أذهان العديد من الدارسين والكثيرين من قراء محمود درويش لدرجة أخذ ينظر بعض محبيه ، حين يقرأون مقالات جديدة في الموضوع ، بالضجر والملل ، وطالب بعض هؤلاء بأن نترك الشاعر يستربح في قبره ، دون أن يدركوا أن المتنبي منذ ألف ومائة عام مازال يشغل الدارسين ومثله أبو نواس ، وقد توغل الدارسون في حياتهما الشخصية لدرجة لا تتخيل تمس النسب والشذوذ .

في العام ٢٠١٦ قرأت رواية الياس خوري ” أولاد الغيتو : اسمي آدم ” التي لم تخل من استحضار درويش والكتابة عن علاقته بريتا ، ويذهب مأمون الأعمى فيها ، وهو أحد المفتونين بالشاعر وشعره ، مثل الياس خوري نفسه ، إلى أن علاقة ريتا لم تكن مع محمود بل مع راشد حسين ، ولنقرأ الآتي : ” ناجي هذا ليس إنسانا حقيقيا ، إنه شخصية في كتاب ، أتى بها مأمون إلى هنا كي يثبت أن الواقع أكثر خيالية من الخيال .

هذا كان لب محاضرة مأمون عن محمود درويش في الجامعة ، قدم محاضرة مدهشة عن شخصية ريتا في القصيدة الدرويشية ، ليستخلص بعد ذلك أن الشاعر الذي أحب ريتا وتزوجها لم يكن درويش بل راشد حسين ، وأن حكاية موت هذا الشاعر في نيويورك أكثر مأساوية من كل الشعر الفلسطيني . وهذا خطأ .” .

في الشهر الماضي كتبت عن سميح القاسم والتعاويذ المضادة للطائرات ودفعتني الكتابة إلى قراءة دراسات أنجزت عن الشاعر ، قادني قسم منها إلى دراسات عن راشد حسين وزوجته وقصيدته ” الحب والغيتو ” (1963) .مما قرأته دراسة نبيه القاسم ” المرأة اليهودية في روايات سميح القاسم ” التي أتت على راشد وزواجه من اليهودية الأميركية (Ann Lavee) زوجة أحد ضباط الجيش الإسرائيلي ، وقد أحال نبيه القراء ، إن رغبوا في معرفة تفاصيل القصة ، إلى كتاب حسني محمود “(راشد حسين من الرومانسية إلى الواقعية)  1984) . لقد ظهرت المرأة اليهودية عاشقة للفلسطيني في شعر محمود وراشد وفي نثر سميح ، فلماذا لم تذع قصة الأخيرين ذيوع قصيدة درويش وقصة حبه ؟

وحول استغراب قسم من العرب عن علاقة حب بين شاعر فلسطيني وفتاة يهودية يكتب نبيه : ” يستغرب الكثيرون من المثقفين العرب قصص الحب العنيفة التي ربطت شاعرينا المرحومين راشد حسين ومحمود درويش وشاعرنا سميح القاسم بفتيات يهوديات … ولا تمحى ملامح الاستغراب ، ويظل التساؤل يعذبهم : كيف ؟ ولماذا ؟ ولا يجدون الجواب ولن يجدوه ” .

يلخص حسني محمود قصة راشد مع المرأة التي عشقته وأحبته فتركت زوجها وهاجرت إلى أميركا وهناك تزوجت من راشد وعاشا معا ثم افترقا لأسباب غير التي وردت في قصيدة درويش ” ريتا ” :” بين ريتا وعيوني بندقية ” .

فما فصل بينهما هو التحاق ريتا بالجيش الإسرائيلي ، وهذا ما لم تقدم عليه زوجة راشد طليقة الجنرال ، فقد هاجرا إلى أميركا ، وكان لحياتهما هناك أن تستمر لولا أنه رغب في الإقامة في العالم العربي في حين فضلت هي البقاء في أميركا ومواصلة حياتها الأكاديمية ، ولولا إسرافه في الشرب .

مثل راشد ومحمود أقام سميح القاسم غير علاقة حب مع فتاة يهودية ، وقد أتى عليها في الجزء الثالث من أعماله النثرية القصصية ” ملعقة سم ثلاث مرات يوميا بعد الأكل ” وهذا ما توقف أمامه نبيه عموما . فلماذا شاعت قصة حب محمود وريتا واهتم بها الدارسون وغناها مارسيل وكررها مئات آلاف المستمعين والقراء العرب ، فيم ظلت قصة حب راشد وزواجه وقصة حب سميح في الظل ، سميح الذي حين كتب عن علاقته بفتيات يهوديات اختار النثر واختار شخصية روائية لتكون قناعا له يعبر عن تجربته من خلالها ، خلافا لدرويش الذي استخدم ضمير المتكلم وأفصح في مقابلات عديدة معه أنه عرف فتيات يهوديات ؟

غالبا ما يقال إن قوة قصائد المتنبي هي التي خلدت سيف الدولة الحمداني . لقد عاش في زمنه عشرات الشعراء الذين كتبوا فيه قصائد مديح ماتت بموتهم . وأعتقد أيضا أن غنائية قصيدة درويش وغناء مارسيل خليفة لها أيضا كان له إسهامه في الانتشار . هل يمكن أن نغفل الجانب السياسي في الموضوع ؟

مع أن للجانب السياسي تأثيره إلا أنه لم يكن العنصر الحاسم المقرر ، فحكاية درويش وحسين والقاسم فيه متشابهة تماما .

هنا آتي على رواية سليم نصيب ” العشيق الفلسطيني ” لغولدا مائير ( الترجمة العربية مي حماد 2010 . أنظر مقالي في الأيام الفلسطينية في 5/6/2011 ) .

كانت فاتحة الكتابة عن الموضوع ما ورد في رواية دينا سليم حنحن ” ما دونه الغبار ” وعليها عقبت راوية بربارة عن روايتها ” على شواطئ الترحال ” وذهبتا إلى أن ما كتبتا عنه لم يكن متخيلا أو مخترعا وإنما هو من الواقع ، فهل ما كتبه سليم نصيب عن غولدا مائير لا يصدق ؟

يذهب سليم نصيب وهو يهودي لبناني اسمه سليم تركية إلى أن غولدا أحبت الفلسطيني البير فرعون وظلت علاقتهما سرية حتى 1937 ثم انقطعت، ولم تفصح لأحد عن حبها للدور الذي ستلعبه في الحركة الصهيونية خوفا على سمعتها . كان البير يشبه الشاب اليهودي الاوكراني الذي أحبته حين كانت في الرابعة عشرة و … .

هل كانت غولدا مائير حقا عاشقة للفلسطيني ، فكانت بذلك أول من خاض التجربة ؟

About د.عادل الاسطه

Check Also

موضوع السجن في الأدب الفلسطيني قبل العام 1948

في التاسع والعاشر من الشهر الجاري، قدمت ورقة في مؤتمر الرواية في جامعة اليرموك الذي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *