سهرة مع إلياس خوري وروايته ” رجل يشبهني ” -القسم التاسع-

XXIII

ربيع 2002 الفلسطيني في الأدب

أعادتني “رجل يشبهني” إلى ربيع 2002 الذي شهدته الضفة الغربية في أثناء انتفاضة الأقصى 28 / 9 / 2000 وانعكاسه في الأدب، بخاصة القصة القصيرة والرواية. وكنت قبل أسابيع كتبت عن حصار نابلس والحصار في الأدب الفلسطيني؛ حصار نابلس في خريف العام 2022 .

تذكرت روايات عديدة أنجزت في الموضوع منها رواية عفاف خلف “لغة الماء” (2007) ورواية سهاد عبد الهادي “ذاكرة زيتونة” (2007) ورواية سحر خليفة “ربيع حار” (2004)، وهذه روايات كتبت بعد الحصار بعامين أو ثلاثة، وقرأت روايتي وليد الشرفا “ليتني كنت أعمى” (2019) و “أرجوحة من عظام” (2022)، وكميل أبو حنيش “جهة سابعة” (2022) ومؤخراً رواية إلياس خوري “رجل يشبهني” (2023).

كتبت الكاتبات الثلاثة عن مدينتهن نابلس، وكتب الشرفا عن جنين ونابلس وبيت لحم، وأبو حنيش عن نابلس، ويكتب خوري في روايته الأخيرة عن جنين ونابلس بعد أن كان كتب عن اللد وحيفا ويافا وقرى الجليل مثل عيلبون وقبية وقرى الجنوب مثل أبو شوشة، فغطى بروايته فلسطين وكان في “باب الشمس” 1998 غطى الشتات الفلسطيني في لبنان، وفي “الوجوه البيضاء” كتب عن الفدائي الفلسطيني في زمن اللجوء الأول.

في انتفاضة الأقصى أنجزت مجموعة قصصية “فسحة لدعابة ما” في العام 2003 . وخطر ببالي وأنا استحضر هذه الكتابات كلها أن أوازن بينها من حيث طبيعة ساردها وموقع كاتبها في زمن جريان الحدث، لأرى الفرق بين كتابة من داخل الحدث وكتابة من خارجه.

عموما لم يعش أي منا في ربيع 2002 في البلدة القديمة باستثناء أبو حنيش، وربما كانت عفاف خلف مثله الأقرب إليها فكتبت عن أجوائها. كانت سهاد تقيم في أطراف المدينة ومثلها أنا وعشنا الاجتياح لكن ليس من داخل البلدة القديمة، وزارت سحر خليفة نابلس، هي المقيمة في عمان، زيارة عابرة فاجتمعت مع نساء حوش العطعوط وأصغت إليهن ودونت روايتهن. ومن المؤكد أن إلياس خوري يتكئ على روايات فلسطينيين أمدوه بها ووصفوا له المدينة وصوروها له بأشرطة فيديو وقد يكون دخل إلى خرائط (غوغل) ليتعرف إلى المكان.

تقدم الأعمال المذكورة نماذج فلسطينية مختلفة وترسم جوانب، من حياة أهل نابلس في حينه، بالكاد تتقاطع.

ما كتبه أبو حنيش عن الطبوق يختلف عما كتبه إلياس، وما كتبه الشرفا عن البلدة القديمة يختلف عما كتبه إلياس أيضاً.

شخصيا كتبت عن انعكاس الحصار علي وكتبت عما شاهدت. رأيت البلدة القديمة بعد انتهاء الحصار والمسيرة التي نظمت وسرت فيها، فكتبت قصة “هن .. هن” وكتبت نصوصاً نثرية لم أذكر فيها أي شخص ممن ذكرهم أبو حنيش وإلياس خوري.

رواية “جهة سابعة” في جزئها الثالث المكون من 114 صفحة هي سرد الكاتب عن مشاركته وما رآه حيث كان في قلب البلدة القديمة ونجا من الموت مراراً.

سمى الشرفا شارع النصر حارة النصر، وكتب إلياس عن بستان مواز لجامع النصر واختلط وصف المكان على كميل، فكان أحياناً ينعت حارة الياسمينة بحي الياسمينة، وهو في سرده كتب سطراً مهماً جداً بخصوص معرفته بالمكان. كميل من بيت دجن وسكن في البلدة القديمة ولكنه لم يحفظ تضاريسها عن ظهر قلب “لا نعرف الكثير عن البلدة وحاراتها وبيوتها” وهكذا قادته خطاه “لأحد الأزقة في حي الياسمينة”.

ولكن ما كتب عنه لم يكتب عنه أي من الآخرين وأنا منهم.

في ذروة الحصار كان بين المقاتلين جواسيس يرشدون الإسرائيليين ويمدونهم بالمعلومات، وقد اكتشف أحدهم، وأراد المقاتلون محاكمته. في هذه الأثناء يقنص القناصة الإسرائيليون مقاتلين يرتقيان شهيدين، وكل من يقترب من جثتهما قد يقنص. هنا يخير المقاتلون الجاسوس بين ميتتين؛ أن يقتل خائناً وجاسوساً أو أن يحاول سحب الجثتين فيموت برصاص إسرائيلي إن نجح القناصة في قنصه، ويختار هذا.

من المؤكد أن كميل أبو حنيش يروي من الداخل، ومثله كان من روى قصة الحصار على إلياس. أنا كنت أقيم في المساكن الشعبية الشرقية لا في البلدة القديمة، وهكذا كتبت شيئاً مختلفاً. القصص التي كتبتها وجرت أحداثها في البلدة القديمة هي قصص تصور نابلس في يومها الأول بعد انتهاء الاجتياح حيث كانت البلدة القديمة والدوار شبه خراب.

أعتقد أن النصوص الوارد ذكرها تستحق أن يكتب فيها بتفصيل أكثر. لعل دارسا ما ينجز هذه الكتابة.

استدراك

اجتياح نابلس 2002: رواية “الاجتياح”

من كتب رواية اجتياح مدينة نابلس في ربيع العام 2002؟

هل كتبتها سحر خليفة في “ربيع حار” 2004؟

هل كتبتها عفاف خلف في “لغة الماء”2007؟

هل كتبتها سهاد عبد الهادي في “ذاكرة زيتونة” 2007؟

هل كتبها وليد الشرفا في “ليتني كنت أعمى” 2019؟

هل كتبها كميل أبو حنيش في “جهة سابعة” 2022؟

أم كتبها إلياس خوري في “أولاد الغيتو3: رجل يشبهني” 2022؟

أنفقت ساعات في قراءة ثانية للقسم الثالث من “جهة سابعة”، كما أعدت قراءة صفحات من “لغة الماء” لأوازن بين الأحداث فيهما مع ما قرأته في “رجل يشبهني”. لقد شغفني ما ورد في الروايات الثلاثة عن الأحداث في المدينة وعن المكان الذي جرت فيه، وقد كتبت في هذا الموضوع، وصرت فضولياً حقاً. ثلاثة كتاب صلتهم بالمدينة تختلف؛ فعفاف ابنة نابلس، وكميل ابن بيت دجن وقد أقام في نابلس إقامة ليست طويلة، وإلياس خوري الذي رأى المدينة عبر أشرطة الفيديو أو عبر الإصغاء إلى معارفه منها.

كيف روى كميل قصة الجاسوس؟ وكيف روتها عفاف؟ وهي قصة لم يأت عليها إلياس!

يبدو أنني بحاجة إلى وقت أطول لقراءة هذه الروايات للوصول إلى نتيجة تقنعني.

قديما قال المتنبي: “ذو العقل يشقى في النعيم بعقله”.

لماذا أشغل نفسي بالماضي؟

صرت مثل آدم دنون شخصية رواية إلياس خوري. لا أنا قادر على التحرر من الماضي ولا أنا قابل أهاجر أو أتزوج، وأهل المدينة وفلسطين مثلي. إنهم ما زالوا يتحاورون في أمر طلاقي وإصراري على عدم الزواج والبقاء وحيداً.

أي والله!

من هو الشاعر الذي سئل عن سبب طلاقه وعما حدث مع نوار فأجاب: “ما أرانا نقول إلا معاداً مكروراً” .

وها أنا ما أراني إلا أقول معاداً مكروراً!

About د.عادل الاسطه

Check Also

موضوع السجن في الأدب الفلسطيني قبل العام 1948

في التاسع والعاشر من الشهر الجاري، قدمت ورقة في مؤتمر الرواية في جامعة اليرموك الذي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *