كان لي الحظ أن أحظى بكرسي في المسرح الكبير المخصص للموسيقا في باريس (خاصة الموسيقا الكلاسيكية) لحضور حفل موسيقي مُبهر لفرقة جبران الفلسطينية المبدعة le trio joubran
وقد كتبوا على الدفتر الدعائي الصغير (عشرون ربيعاً) وهو عمر الفرقة، كان مؤثراً للغاية أن تكلم أحد الإخوة جبران بأن كلمة (عشرون ربيعاً)ً غير مناسبة في هذه الظروف الكارثية التي تمر بها فلسطين، وأنهم يفضلون استعمال كلمة (عشرون خريفاً) أو (عشرون شتاءً).
) الإخوة جبران (سمير ووسام وعدنان أبهروا الحضور بعزفهم على العود ، وثمة شابتين تعزفان أيضاً على الكمنجة وشابان آخران يعزفان على آلة موسيقية لم أعرف اسمها بالضبط. الحضور كان بالآلاف فمسرح الـ philharmonie في باريس يتسع للآلاف، ولم يكن أي مقعد شاغراً. خلف الفرقة شاشة عرض سينمائي تظهر عليها كلمات مترجمة إلى الفرنسية عن فلسطين خاصة حين عزفت فرقة الإخوة جبران موسيقا وصوت محمود درويش يقرأ بصوته المخملي قصيدة (ونحن نحب الحياة) القصيدة كُتبت بالعربية وبالفرنسية على الشاشة، أيضاً قصيدة أخرى لمحمود درويش.
لم أتخيل قوة الموسيقى خاصة (العود)؛ لم تكن مجرد موسيقا ساحرة بل شعرت (كما الحضور) أننا في فلسطين، أو أن المكان أصبح فلسطين، وبين أغنية وأخرى؛ وبين عزف وآخر يدوي تصفيق حار وصادق وحماسي له صدى كلمة (فلسطين). وفي العتمة بدت لي الحشود بالآلاف كأنهم أهل غزة، وعكست الشاشة صورة قمر كبير وندف بيضاء كثيفة تطير، أحسستها أرواح الشهداء في فلسطين خاصة أرواح الأطفال.
طوال ساعتين من العزف الرائع للفرقة، كانت الموسيقى تتلون وتحكي عن الألم الفلسطيني، وعن معاناة الفلسطينيين، وعن صمودهم وتمسكهم بأرضهم. وقالوا بأنهم يهدون هذه الحفلة لكل فلسطيني يزرع شجرة زيتون، وتذكرنا إصرار الإحتلال الإسرائيلي على اقتلاع أشجار الزيتون؛ وحرقها؛ فهي ترمز لفلسطين.
أي سحر للموسيقى يُفجر الأحاسيس في الروح ويُحيي الأمل بحق الفلسطينيين ببلدهم، وكبر الشعور لنشعر بحق كل الشعوب الخاضعة لأنظمة قمعية بالحرية والكرامة؟
كانت فلسطين في الاحتفال قلب العالم ومنارة الحق لكل شعوب الأرض المُضطهدة والمظلومة وحين ظهرت عبارة (القدس عاصمة فلسطين) على شاشة العرض دوى تصفيق استمر طويلاً حتى أن البعض كان يبكي من التأثر والحماسة والحب لفلسطين ولشعب جبار لن يكف عن النضال من أجل استعادة وطنه وأشجار الزيتون.
الموسيقى قوة وصمود وحب وجمال، وهي لغة عالمية تثير مشاعر الكرامة والحق في المستمعين، خاصة أننا (أي الشعوب العربية) وصلنا إلى حالة من التعب والإحباط من هول المعاناة في سوريا ولبنان والعراق واليمن وغيرها من الدول.
أيقظت موسيقى الإخوة جبران مشاعر الأمل بإمكانية تحقيق الأحلام، بحق كل مواطن بالحرية والكرامة والفرح.
كان حفلاً لا يُمكن نسيانه بل هو كالوشم في الذاكرة، تأثيره في النفوس كفعل الخميرة التي تحول الإحباط إلى قوة، وتؤكد أن من بذرة الألم يولد النصر والحرية، وأن الحق لا يضيع طالما هناك أبطال عظماء مستعدون أن يفدوا تراب فلسطين بدمهم.
الإخوة جبران من الناصرة لكنهم يعيشون حالياً في لندن وقد أحيوا حفلات كثيرة في دول عديدة.
ما أروع المقاومة بالموسيقى من قبل شباب مبدعين قلبهم ينبض بحب فلسطين، ورسالتهم إيصال معاناة الفلسطينيين إلى العالم بأسره.
أتمنى أن تكون هناك حفلة أخرى للأخوة جبران وأن يقولوا فيها (عشرون ربيعاً)