في نقد ” عن بعض الكتابات العربية حول حرب غزة “.

يقدّم  السيد  زياد ماجد (1)على منبر ”  القدسُ العربي “، تحت عنوان ” عن بعض الكتابات العربية حول حرب غزة”  سردا تفاصيلا (2)  لما حصل من تحوّلات نوعية في الرأي العام السياسي والشعبي ، وعلى المستوى الحقوقي  والرسمي ، الأوروبي والعالمي والأمريكي، لصالح قضية الشعب الفلسطيني ، مؤكّدا على   ضرورة إدراك أبعاد ما نتج  عن حرب اسرائيل  العدوانية الانتقامية  من انتهاك لحقوق الإنسان ومجازر، عرّت  حقيقتها العنصرية  وأدّت الى ما  حصل من   تغيير حقيقي في الرأي العام الشبابي والطلابي، قد يغيّر سياسات  الحكومات تجاه قضية الشعب الفلسطيني ،وبالتالي تغيير  موازين قوى الصراع لصالح القضية السياسية الفلسطينية؛ وهي  من الأهمية بمكان لإعادة  قراءة  حرب غزة، وعملية  هجوم طوفان الأقصى  التي فجّرتها، بما تستحقه ، خاصة على صعيد  لا منطقيّة   تحميل حماس مسؤولية مجازر الجيش الإسرائيلي ،أو إعطاء مبررا للحرب الإنتقامية ، تاركا للقارئ حرية الوصول إلى الاستنتاج ” بفضل” حماس ….وبانتصارها!
أوّلا ،
رغم الطابع الحواري الذي يأخذه الطرح ، والموقف  الحيادي الذي يحاول الكاتب تقمّصه ، لايخرج في تقديري عن إطار ما يروّج على صعيد الثقافة السياسية من أجل ” توجيه ” الرأي العام ، وهو ما أحاول توضيحه في هذه المقاربة النقدية  لما يذهب إليه مقال السيد ماجد، في النهج و المقدمات والاستنتاجات .
بداية، في  منهج القراءة، لا أرى من  الموضوعية تغييب   عوامل السياق التاريخية  لهذه المرحلة من  ” حرب  غزة  ” التي أطلقها  هجوم طوفان الأقصى  في السابع من أكتوبر ، سواء التي ترتبط بالعلاقات التاريخية” الجدلية”  بين حماس وسلطة الاحتلال، و حماس والسلطة الفلسطينية ، وما فرضته من قواعد اشتباك في  معادلات الهدن والحروب في صيرورة متواصلة منذ 1987 وحتى فجر السابع من  أكتوبر، أو التي تتعلّق مباشرة  على الصعيد الإقليمي  بحيثيات وخطوات وإجراءات  مشروع التطبيع الإقليمي الأمريكي الذي أطلقت واشنطن صيرورته منذ مطلع 2020 ، وما وجّبته في سياسات واشنطن في مواجهة عواقب الهجوم الحمساوي والحرب الإسرائيلية الانتقامية، التي أظهرت في سياقات الحرب تقاطعا  مع مصالح حماس والنظام الايراني، وتعارضا مع رؤية اليمين الصهيوني حول مآلات الحرب واهدافها ، خاصة فيما يتعلّق  بمصير حماس !
في هذه اللحظة السياسية والعسكرية  الفارقة، (وما قد ينتج عنها من عواقب على خطط ترتيب شروط السيطرة الإقليميّة  الأمريكية  لحقبة ما بعد 2019، بات جليّا أنّ  التناقض في سياسات واشنطن “وتل أبيب” حول مستقبل وجود ودور حماس في إطار تسوية سياسية” فلسطينية/ إسرائيلية” تسعى إليها واشنطن بقوّه لكونها  أحد متطلّبات  نجاح جهود التطبيع الإقليمي)، من الطبيعي أن تصبح سياسات واشنطن تجاه  حكومة الحرب، وخططها لإنهاء دور حماس وتوريط إيران في حرب شاملة،العامل الرئيسي الذي  فرضّ نهج الحرب العدوانية الإسرائيلية ، وما تخللها من   مناورات للتملّص من ” الهدن الأمريكية”، وعدم سعي القيادة السياسية  لحسم الحرب وفقا لمنطقة  موازين القوى (3)؛ وهي قضايا أساسية لا يمكن تجاهلها  لِمَن يتوخّى تقديم قراءة ” حيادية ” حول ” حرب غزة ” التي باتت اليوم  مَحْرَق    جميع الصراعات الإقليمية ، والفلسطينية الإسرائيلية !
تساؤلات  احاول إعطاء إجابات موضوعية  عليها :
مع كامل تقديرنا لما حصلت عليه القضية الفلسطينية من أبعاد قانونية ونضالات طلابيّة- شعبيّة  داعمة على مستويات أوروبية  وأمريكية وعالمية ، دفع ثمنها الفلسطنيون غاليا ، من واجبنا ، كمناصرين لقضيتنا العادلة  أن نطرح التساؤلات  العميقة ، ونحاول مقاربة إجاباتها بموضوعية :
هل يمكن أنّ يحصل تغيير فعّال في موازين قوى الصراع لصالح قضية الشعب الفلسطيني (الذي يواجه حرب إبادة وتهجيير وتدمير شروط قيام دولته الفلسطينية الموعودة  بكلّ أصناف أسلحة التدمير الممنهج  وأكثرها  تطوّرا في هذه المرحلة الأخطر)، بناء على تغيير مهمّ  على صعيد الرأي العام ، الشعبي والسياسي والحقوقي ، ما يزال في المدى القريب والمتوسط( وربّما البعيد ) يفتقد لآليات ترجمة المواقف الى فعل سياسي؟

  في تقديري ، لايمكن أن يحصل هذا الفعل السياسي في ظل النظام السياسي الديمقراطي الأمريكي/ الأوروبي  ، وما يفرضه في علاقات  السيطرة الدولية ، والهيمنة الإقليمية ؛ وهو ما  أحاول توضيحه في نقد أفكار السيد زياد ماجد.  إضافة إلى ذلك   أحاول كشف دوافع الكاتب السياسية  ” الغير حياديّة ” في سعيه لإقناع القارىء بحصول تغيير حقيقي  في الرأي العام  لصالح ” الشعب الفلسطيني  وقضيته العادلة”- وهو كلام حق  ؟
ثانيا ،

ملاحظات نقدية  في لا موضوعية إمكانية تحوّل ما حصل من  تغيير في الرأي العام الشبابي والطلابي الأوروبي  والأمريكي إلى فعل سياسي يغيّر موازين قوى الصراع  لصالح الشعب الفلسطيني، في إطار مؤسسات ولعبة النظم الديمقراطية  القائمة .

1- لا موضعية رؤية الكاتب تتكشّف في محدودية سقف  الفعل السياسي الذي  يمكن أن يحدثه عمليا ما حصل من تغيير في الرأي العام الأمريكي والأوروبي .

أ-على المدى المباشر والقريب .

التساؤل الذي أود أن اطرحه مباشرة على  السيد زياد، وجها لوجه :

في تطوّرات الحرب العدوانية الإسرائيلية الأخيرة ، هل ترى أي تأثير إيجابي مباشر لما تعتبره في حرب غزة ” حدثا استثنائيا، بالمعنيين الحقوقي والسياسي “، سواء على صعيد ” الإبادة ، كفعل تمارسه إسرائيل “، أو على صعيد رضوخ إسرائيل لإرادة واشنطن و شركائها ، ورأي عام عالمي ، بالموافقة على ” هدنة إنسانية ” ؟ هل احتاج للتذكير بآخر مجازر جيش الاحتلال ضد مدنيين في مدرسة ” التابعين ” التي ذهب ضحيتها المئات ، واعتبرها ” خليل الحية “، نائب يحيى السنوار، تأكيدا على ” مضي  الاحتلال في إبادة شعبنا ” ؟

ب- على المدى المتوسط والبعيد .
لنفترض بصحّة وموضوعية الاستنتاجات التي وصل إليها السيد زياد، وتتحدّث عن تحوّل
“المسألة الفلسطينية اليوم عند قطاعات واسعة من الشباب والطلاب الجامعيين في فرنسا وبريطانيا وأمريكا وكندا مثلاً الى قضية كفاحية والى مدخل للعلاقة بالسياسة وبالشأن العام محلياً كان أو كونياً….وإنّ الشباب باتوا  “يرون في حرب إسرائيل على الفلسطينيين التجسيد الأبشع لمزيج الغطرسة والتطوّر التكنولوجي المعطوف على بربريةٍ ومسلك إبادةٍ محميّين بحصانة توفّرها حكوماتهم التي تزوّد تل أبيب أيضاً بالسلاح والمال والعتاد. وهذا يجعلهم يعتبرون المسؤولين السياسيين عندهم شركاء في قتل الفلسطينيين وتجويعهم وتدمير عمرانهم”، وأنّ الشباب والطلاب الجامعيين  وصلوا إلى قناعة تامة بشرعية ومبررات  تغير هؤلاء الساسة، بآخرين أكثر نصرة لحقوق الشعب الفلسطيني” فإنّ التساؤل الذي يطرح نفسه:

2-  ما هي الخَيارات المتاحة أمامهم  في النظام السياسي الديمقراطي  الأمريكي والاوروبي لتغيير الساسة  ؟

أ‌- على الصعيد الأمريكي  ، حيث العامل الرئيسي الحاكم !
ما يعرفه الجميع أنّه في الولايات المتّحدة، خَيارات الناخب الأمريكي ، بغضّ النظر عن طبيعة أهدافه ورؤيته السياسية ، تنحصر بين الديمقراطيين  والجمهوريين. فهل يمكن تغيير هؤلاء الساسة المؤيدين لإسرائيل من خلال ثنائية النظام الديمقراطي  القائم ، وهل يُتيح هذ النظام الديمقراطي  خيارا ثالثا ؟

الرافضون اليوم لسياسات إدارة بايدن الديمقراطية  المرتبطة بما حصل من تغييرات لصالح القضية الفلسطينية ستصبّ اصواتهم لصالح ترامب ، أليس كذلك ؟

هل يشكّل فوز  ترامب وحزبه الجمهوري بفترة رئاسية جديدة   انتصارا للقضية الفلسطينية؟

هذا يعني، أنّ تحويل ما حصل من تغيير في الرأي العام بات يتطلّب  تغيير النظام السياسي القائم، وهذا لا تتيحه آليات النظام نفسه، وبات الأمر يتطلّب ” ثورة ديمقراطية شاملة” ، تُسقط قوى وأركان النظام المسيطر طيلة قرون لصالح رؤوس الأموال وأصحاب  الشركات الإمبريالية الداعمة لحكومات إسرائيل، ونظامها السياسي العنصري؟

هل يرى الكاتب في ذلك إمكانية ، وهل يعتقد أنّ الشباب والطلاب الجامعيين الذين تحوّلت عندهم المسألة الفلسطينية  إلى قضية كفاحية  وإلى مدخل للعلاقة بالسياسة وبالشأن العام، سيكونوا قادة  هذه الثورة، وبعض جمهورها؟

ب-على الصعيد الاوربي  والفرنسي .
ما هي الفرص المتاحة أمام الشباب والطلاب الجامعيين  الذين تحوّلت عندهم المسألة الفلسطينية  إلى قضية كفاحية ، ومدخل للعلاقة بالسياسة وبالشأن العام في ظل لعبة الانتخابات البرلمانية  التي تسمح بالتنافس بين ممثلي اليمين والوسط واليسار  ؟

إيصال قوى وأطراف  اليسار  الأوروبي إلى السلطة، أليس كذلك ؟

هل يجهل  الكاتب طبيعة علاقة اليسار الاوربي والفرنسي مع إسرائيل؟

ثمّ لنفترض بخصول تغييرات سياسية نوعية في راس هرم النظام السياسي الاوروبي لصالح القضية الفلسطينية، هل تستطيع سلطات تلك النظم الخروج عن سقف رؤى ومصالح الولايات المتّحدة  تجاه العلاقة مع ” إسرائيل “؟!!

3- حول
لا فاعلية ” البعد الحقوقي أو التعريفات القانونية لخصائص الحرب الدائرة، مع ما لها من مترتّبات وتداعيات. ذلك أن عدّة مستجدّات طرأت منذ 7  تشرين الأول/أكتوبر 2023.”.

إذا كنّا كشعوب  ونخب داعمة لقضية الشعب الفلسطيني، نرفض ما يمارس بحقه من جرائم، خاصة خلال الحرب الأخيرة، ونثمّن ونقدر عاليا على الصعد القانونية والاخلاقية  إنجازات مؤسسات  العدل الدولية في سعيها لمحكمة إسرائيل (التي حظيت منذ تأسيسها بحصانة تامة تجاه الانتهاكات التي ترتكبها) أمام محكمة العدل الدولية بتهمة “الإبادة الجماعية”…..”، وجهود الذين ساهموا في توفير هذا الحجم من “التوثيق لما يجري، لجهة المواد البصرية وتكنولوجيا الخرائط وداتا المعلومات وجمع الأدلّة على الجرائم والمسؤولين عنها” التي دفعت  المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الطلب الى قضاة المحكمة إصدار مذكّرات توقيف بحقّ رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير دفاعه بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.. “، وإذا افترض بنجاح جهود المحكمة في إجراء محاكمة غيابية وإدانة، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه، في ضوء معرفتنا لنتائج حالات سابقة:

هل تملك المحكمة الموقّرة آليات فعّآلة لتنفيذ أحكامها العادلة ؟ هل تستطيع أن تفعل تحت البند السابع ؟

هل سيرسل مجلس الأمن جيوشه إلى تل أبيب لإحضار نتنياهو، أم سيتكفّل الإنتربول في القبض عليه ؟

إذا كانت قد عجزت محكمة العدل الدولية  وآلياتها التنفيذية عن تنفيذ قرارها على  ” عنصر ” من حزب الله ، بعد إجراءات محاكمة قتلت رفيق الحريري    استغرقت سنوات ، وكلّفت الخزينة اللبنانية ملايين الدولارات، هل نتوقّع نجاحها في القبض على نتنياهو ووزير دفاعه ؟!
فهل يجهل الكاتب تلك الحقائق في طبيعة آليات  عمل محكمة العدل الدولية و الأنظمة الديمقراطية في أوروبا  والولايات المتحدة الأمريكية  ؟

لا أعتقد ذلك، كما يبدو من مهاراته في التحليل السياسي!

ثالثا ،

طالما لا تغييب عن وعي السيد زياد وفقا لما ذهب إليه التحليل  عدم وجود نتائج  عملية  فعّالة’،  مباشرة او غيرها،  مما حصل من تغيير في الرأي العام الحقوقي والسياسي لصالح القضية الفلسطينية، فما هوى المغزى الحقيقي من هذا الطرح الذي يؤكّد على حصول تغيير في الرأي العام؟

في تقديري، ثمّة مغزيين مترابطين من حيث المقدّمات والهدف :

١-الأهمّ ربما أن دعاة “النقد الذاتي” لا يُشهرون دعوتهم إلا إذا تعلّق الأمر بالمسألة الفلسطينية… يبدو مؤدّى النقد المقصود وهدفه منذ 7 تشرين/أكتوبر تحميل حركة حماس وقسماً من الغزاويّين مسؤولية إبادة إسرائيل لعشرات الألوف منهم…” وإذا كان توجيه النقد للعملية الحمساوية وحساباتها مشروعاً، …. يبقى أنه في القانون الدولي إياه وفي القوانين الجنائية كلها، لا تُبرَّر جرائم على أساس جرائم أخرى سبقتها (أو وازتها)، فكيف إذا كان الامر حربَ إبادة أو سلسلة جرائم ضد الإنسانية لا مسؤول في القانون عنها سوى مرتكِبها!”
يفلسف الكاتب الفكرة الأساسية الواضحة التي يريد يقولها … حماس ليست مسؤولة عن المجازر التي ارتكبها جيش الغزو الإسرائيلي.

شخصيا ، أتفق مع هذا الرأي ، لكن لا اتوقّف عنده ، كما فعل كاتبنا المحترم ، لتغييب أبعاد أخرى في الحرب ، تُظهر إمكانية  تحمّل حماس بعض المسؤولية الوطنية والإنسانية عما نزل  بالشعب الفلسطيني من أهوال الحرب .

إذا كانت لا تتحمّل قيادة حماس مسؤولية ما نتج  من تدمير وقتل وتشريد في مسارات الحرب ، أفلا تتحمّل مسؤولية إعطاء حكومة الحرب المتربّصة مبررات إطلاقها ؟ ألم يكن توقيت الحرب واختلاف أهدافها ووسائلها  في اجندات حكومة الحرب عن حروب سابقة –  التي أنتجت  كلّ هذا الإجرام ” الغير مسبوق ”  –  حمساويا بامتياز ؟ هل يجوز  تبرئة ” القاعدة ” من عواقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001؟

2- المغزى الثاني  في وعي الكاتب هو التأكيد على واقعية الاستنتاج الذي أطلقته مواقع أمريكية حول  فكرة أنّ ” حماس تنتصر ” !

كيف ؟

    إذا كانت”  تُعدّ “حرب غزة” في فظائعها ومترتّباتها حدثاً استثنائياً بالمعنيين الحقوقي والسياسي” -لأنّها  نجحت في تحويل ” المسألة الفلسطينية بالنسبة إلى قطاعات واسعة من الشباب وطلاب الجامعات إلى عنوان ثقافي وقانوني وأخلاقي داخلي و”أممي”، والى قضية فرز سياسي خلال الانتخابات (الفرنسية والبلجيكية بخاصة). وها هي الآن تُملي خيارات وتحالفات قُبيل الانتخابات الأمريكية، على نحو غير معهود. وصارت بعلَمِها ورمزيّته حاضرةً في معظم التحرّكات السياسية اليسارية، ولَو غير المرتبطة مباشرة بها، كتلك المناهضة للفاشية ولليمين المتطرّف أو الرافضة للعنف الاقتصادي وللعنصرية، أو الداعمة لحقوق الأقليات والمدافعة عن المهاجرين والمعارضة لقمع الشرطة. وباتت بالتالي محور تقاطع بين الحركات الاجتماعية التقدّمية الجديدة الناظرة الى تعدّد الكفاحات وتداخلها كمنطلق لبناء هويّاتها”؛

   وإذا استطاعت بالتالي  تغيير موازين قوى الحرب لصالح القضية الفلسطينية التي تقاتل حماس في مقدمة المدافعين عنها في مواجهة العدو الإسرائيل؛

    وإذا كانت تلك الانجازات التاريخية  في طريقة تنفيذ هجوم طوفان الأقصى وما نتج عنه من عواقب على الأمن القومي الإسرائيلي،  هي ثمرة التفكير والتخطيط الحمساوي، الساعي الى ” جر حكومة العدو الى حرب قذرة ، تدمّر سمعتها الدولية” ، وقد فعلت ؛ أليس من الطبيعي أن يضعنا الكاتب أمام  الاستنتاج بأنّ “حماس تفوز” ، كما أكّدت إحدى مقالات ” فورن افيرز ” الأمريكية؟

لكن ،هل من الطبيعي، وهو تساؤل برسم الكاتب ،  من منظور مصالح الشعب الفلسطيني ، أن  تستجر قيادة حماس حربا قذرة ، تجلب الهلاك والدمار والتهجير لمئات آلاف الفلسطينيين ، وتدمّر شروط التسوية السياسية وحل الدولتين، كي تكسب الرأي العام العالمي ؟ أليس في هذا السلوك تأكيدا على” براغماتية” قيادة حماس السياسية، وعلى عدم موضوعية دعاياتها ، بل وسقوطها الأخلاقي والوطني؟
————————————-

(1)-
” لبناني- فرنسي ” ،  باحث في مركز ” غارنيغي للشرق الأوسط “..أستاذ لدراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأمريكية في باريس ، وكاتب إفتتاحية أسبوعية في موقع ” ناو لبنانون” الإخباري منذ ٢٠٠٩. كاتب في العديد من المواقع والصحف والدوريات  الفرنسية والعربية ، وله كتابات حول قضايا الإصلاح والتحوّل الديمقراطي…في لبنان وسوريا والإقليم. مساهم في تأسيس  ” الشبكة العربية للدراسات الديمقراطية ” و ” 2007، و ” حركة اليسار الديمقراطي ” 2004.
(2)-
https://www.alquds.co.uk/%D8%B9%D9%86-%D8%A8%D8%B9%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%BA%D8%B2%D8%A9/
(3)-من نافل القول إنّ في أبرز حقائق الحروب  ، بغضّ النظر عن حجمها  ومدى ساحاتها،  تأتي مسألة موازين القوى، وهي ترتبط بعوامل عديدة ، يأتي في مقدمتها القوّة العسكرية الفتّاكة، وقد كسبت الولايات المتّحدة الحرب العالمية الثانية بوحدانية امتلاك السلاح النووي ، وفازات على الاتحاد السوفياتي في سباقات  الحرب الباردة على مسار ”  التسلّح النووي ” الإستراتيجي.
إذا تبقى الولايات المتّحدة هي القوّة  العسكرية المهيمنة عالميا ، وبالتالي صاحبة اكبر مشروع سيطرة عالمية ، بمرتكزاته الإقليمية الرئيسية في أوروبا وشرق آسيا وشرق المتوسّط ، وما تزال دولة الاحتلال الإسرائيلي هي القوّة المهيمنة عسكريا على الصعيد الإقليمي، وتواجهه النظام الإيراني وأذرعه الميليشياوية  في حرب وجود شرسة على السيطرة الإقليمية. إذا كانت حقائق موازين قوى الصراع الموضوعية في هذه المرحلة من الحرب  على فلسطين والتنافس على السيطرة الإقليمية بين” إسرائيل”  وقوى مشروع السيطرة الإقليميّة الإيرانية ، في الأذرع والمركز ، تقول  بإمكانية حكومة الحرب الصهيونية وجيشها الأحدث ، والأفضل تسليحا  في الإقليم ، على تحقيق انتصارات  شاملة على حماس، على غرار غزوة 1967، أو 1982 ، دون أن تضطر لاستخدام اسلحة تدمير شامل، لم يمنعها من استخدام كامل قدراتها العسكرية في مواجهته ، وإنزال به هزيمة شاملة بما يتوافق مع تفوّقها النوعي النووي  ،أّلّا مظلّة حمايته الأمريكية التي نجحت في فرض قواعد اشتباك ما زالت  تحول دون تحقيق انتصار عسكري إسرائيلي شامل ، تتوافق مع آليات مشروع السيطرة الإقليميّة الأمريكية التشاركية، التي اخذ  فيها النظام الإيراني ” الإسلامي ” يحتل موقعا متزايدة الأهمية منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي ، اوصله، عند محطّة غزو العراق وإسقاط دولته خلال سنوات العقد الاوّل من الألفية الجديدة ،إلى إحتلال  رأس قائمة الشركاء الأمريكيين،  في سياق منافسة شرسة مع شراكات الولايات المتّحدة التاريخية، السعودية وإسرائيل  وتركيا، خلال سنوات العقد الثاني،  نفهم دوافع بعض المحللين ، وسعيهم لإبراز ما يبد و تغييرا  في موازين القوى لصالح ” القضية الفلسطينية ” ،تصب  بالضرورة في كفّة  ” مزايا”  حماس  التي تخوض وفقا لدعاية المقاومة  حرب   تحرير فلسطين ، بدعم من قوى مشروع النظام  الإيراني .
أن  يأخذ  هذا النمط من التحليل بعض  المصداقية لدى القارىء يفسّره  ليس فقط   استمرار الحرب طيلة أشهر عديدة ، دون أن تستطيع حكومة الحرب  حسمها لصالحها وفقا لموازين القوّة العسكرية ، ما نتج في سياقات حرب طويلة  من تزايد عدد المجازر ضد مواقع وبنى مدنية بذريعة مهاجمة  مواقع حماس العسكرية، وردود أفعال عالمية ،وصلت  إلى درجة من التحشيد الشعبي والرسمي والقانوني المؤيّد  للقضية الفلسطينية  عتبة جديدة في موقف الرأي العام ، وداخل بعض المؤسسات  الدولية ،لكنّ  مع الأسف، عدم توفّر الشروط الموضوعية والذاتية في طبيعة النظام الديمقراطي الأمريكي التي تُتيح  تحوّله  إلى فعل سياسي أمريكي واقعي، يُغيّر موازين القوى لصالح  الشعب  الفلسطيني ، لا تجعل تأثيره الإيجابي يتجاوز الحالة المعنوية ، وتجعل من تجاهل هذه الحقائق ، والتعويل على رأي عام لايملك  آليات الفعل السياسي  من أجل تغيير حقائق الحرب على غزة  نوعا من بيع الوهم السياسي، لا يتجاوز سقف الترويج للدعاية “فوز حماس ”   !

Palestinians mourn the death of their relatives in an Israeli airstrike at the Al-Awda School in Abasan, east of the city of Khan Younis in the southern Gaza Strip, July 10, 2024. (Abed Rahim Khatib/Flash90)

عن نزار بعريني

شاهد أيضاً

الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية

إعداد: محمود الصباغ استهلال عوديد إينون (1949..) صحفي إسرائيلي يكتب في جيروزاليم بوست. عمل سابقاً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *