Apache Creation Story
Native American Lore
قصة خلق العالم حسب قبائل الأباتشي
أسطورة من أساطير سكان أمريكا الأصليين – قبيلة الأباتشي
تقدّس قبيلة الأباتشي جميع الحيوانات والناس والنظام الشمسي والظواهر الطبيعية.
و كل ما يفوق إدراكهم و استيعابهم ينسبونه دائمًا إلى قوة خارقة أو طاقة فوق طبيعية .
في البداية، لم يكن سوى العدم، لم يكن سوى ظلام دامس يلف المكان، فلا أرض ولا سماء ولا شمس ولا قمر. ومن قلب العتمة هذه، ظهر على حين غرة ، قرصٌ رقيقٌ، أصفرٌ من جانب، و من جانب آخر أبيض، ولاح كما لو أنه معلّقاً في الفضاء، وجلس داخله رجل ذو لحية صغيرة، ليس سوى خالق الكون الذي يعيش في الأعالي، وبدا كما لو أنه قد استيقظ لتوّه من قيلولة طويلة، فرك جفنيه ووجهه بكلتي يديه، ونظر نحو الظلمة اللامتناهية، فظهر له نورٌ في الأعالي، ثم نظر للأسفل فأصبح بحراً من النور، أمًا في جهة الشرق فقد أنشأ خطوطاً صفراء ذهبية من الفجر. بينما لمعت، إلى الغرب، عدة ألوان في كل مكان، وظهرت أيضًا الغيوم ذات الألوان المختلفة. مسح الخالق وجهه المتعرق وفرك يديه معاً، ثم دفعهما إلى أسفل، وإذ بسحابة لامعة من الغيوم جلست عليها فتاة صغيرة يتيمة الأبوين، فقال لها الخالق: ” قفي وأخبريني إلى أين أنتِ ذاهبة أيتها الفتاة”، لكنها لم ترد، ثم فرك عينيه مرة أخرى ومدً يده اليمنى إلى الفتاة يتيمة الأبوين، فمسك يدها. فسألته وهي تتشبث بيده: “من أين أتيتَ؟”، فأجابها: “من الشرق حيث يكون النور الآن”، ثم صعد إلى غيمتها، فسألته ثانيةً: “أين الأرض؟”، فسألها بدوره: ” أين السماء؟”، ثم راح يغنًي: ” أنا أفكًر، أفكًر، أفكًر فيما سأخلقه بعد ذلك”. غنًى أربع مرات، والرًقم أربعة هو الرًقم السحري.
مسح الخالق على وجهه بيديه، ثم فركهما معا، وبعدئذٍ فتح كلتا يديه على وسعهما، فخلق إله الشًمس، وأعاد الكرّة مرة أخرى، وفرك جبينه المعروق فخرج من بين يديه ولدٌ صغيرٌ، هو الإله ابن السماء الصغير. جلس هؤلاء الآلهة الأربعة فوق سحابة صغيرة يتفكرون في صمت عميق. ثم سأل البارئ الخالق:” ماذا سنفعل بعد ذلك؟”، وأردف: “هذه السًحابة صغيرة جداً، لا تتسع لنا جميعاً للعيش عليها”، فخلق الرتيلاء ومجموعة الدب الأكبر وكذلك الريح والبرق وبعض السًحب الغربية لإيواء هدير الرًعد، الذي كان يهدر في الأرجاء وها قد توقف الآن. ثم بدأ الخالق في الغناء:” لنصنع الأرض، أنا أفكًر في خلق الأرض، الأرض، الأرض، أنا أفكًر في الأرض” أربع مرًات غنًى ذلك.
تصافح الآلهة الأربعة مع بعضهم البعض فاختلط عرقهم معاً، ثم فرك الخالق كفًيه، فسقطت منهما كرة صغيرة مستديرة بنيًة اللًون، بحجم حبًة فول، بل ربًما أكبر قليلاً منها، فركلها الخالق، وإذ هي تكبر ثم قامت الفتاة اليتيمة بركلها أيضاً فازدادت ضخامةً. ثم إله الشًمس و الإله ابن السًماء يتناوبان ركلها بقوة، وكلًما ركلاها كانت تتمدد الكرة أكثر فأكثر، ثم طلب الخالق من الرًيح أن تدخل إلى داخل الكرة وتنفخ فيها، وقامت الرتيلاء بغزل حبلاً أسوداً فربطت به الكرة وزحفت مسرعةً بعيداً نحو الشرق، ثم شدّت الحبل بقوّة، وأعادت الرتيلاء ربط حبلٍ أزرق اللون إلى جهة الجنوب، وحبل آخر أصفراً إلى جهة الغرب، و حبل أبيض نحو الشمال، وفي كل مرًة تشد الرتيلاء حبالها في جميع الاتجاهات، كانت الكرة البنًية تزداد في الحجم و تكبر بما لا يقاس، وهكذا صارت الكرة هي الأرض، ولم تكن ثمة جبال أو تلال أو أنهار عليها يمكن رؤيتها، بل ظهر على سطحها سهول بنيًة ناعمة ولكن بلا أشجار.
حكً الخالق صدره وفرك أصابعه معاً فظهر الطًائر الطًنان. فقال له الخالق: “حلًق شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، ثم عدْ، وأخبرنا بما تراه”. ولما عاد الطائر الطنّان قال:” كل شيء على ما يرام. أجمل ما في الأرض هو وجود الماء على الجانب الغربي”. لكن الأرض ظلت تتدحرج وتتراقص للأعلى و للأسفل، فقام الخالق بصنع أعمدة أربعة عملاقة كي لا تتأرجح، بألوان مختلفة: أسود وأزرق وأصفر وأبيض، حملت الرًيح الأعمدة الأربعة، و ثبتتها في أركان الأرض الأربعة، فاستقرًت. ولما رأى الخالق هذا، غنًى قائلاً: ” ها قد تم خلق العالم الآن وها هو يرتاح بهدوء”، وكرًر ذلك أربع مرات، ثم راح يغنًي أغنية عن السًماء. لكن حتى هذي اللحظة لا يوجد بشر في هذا الكون -لم يكن قد ولد الإنسان بعد- وكان الخالق يعتقد أن يُوجد بشر، وما أن انتهى من الغناء عن السماء أربع مرات، حتى ظهر ثمانية وعشرون شخصاً للمساعدة في خلق السماء فوق الأرض. ثم رتّل الخالق بأنه جاعل خلفاء في الأرض والسماء، ثم أرسل صانع البرق لتطويق العالم، فعاد بثلاثة مخلوقات غريبة الشكل، فتاتان وصبي، عُثر عليهم في محارة حجريًة زرقاء فيروزية. لم يكن لديهم عيون ولا آذان ولا شعر ولا أفواه ولا أنوف ولا أسنان. كان لديهم فقط أذرع وأرجل، لكن لا اصابع في أيديهم وأقدامهم.
وأرسل الخالقُ إلهَ الشمس كي يطير ثم يعود ليخبر أين سوف يتمً بناء دور عبادة الشًمس التعرًقية (1). أما الفتاة اليتيمة الأبوين فقد غطًت دور العبادة هذه بأربع غيوم كثيفة، ثم وضعت أمام المدخل الشًرقي سحابة حمراء ناعمة لكلً دار عبادة، لاستخدامها كسجادة لقدمي إله الشًمس بعد التعرًق.
قاموا بعدئذ بتسخين أربعة أحجار بواسطة النار التي في دار العبادة التعرقية، فوضعوا المخلوقات الغريبة الثًلاثة بالقرب من النًار. بينما راح الآخرون في الخارج يغنًّون أغاني الشفاء، حتى حان وقت انتهاء التعرًق، فخرج الغرباء الثلاثة ووقفوا على السجًادة الحمراء السًحرية، فصافحهم الخالق بكلتي يديه، وقدّم لهم أصابع لأيديهم وأرجلهم، وأفواه وعيون وأذان وأنوف وشعر .
وأطلق الخالق على الصبي اسم فتى السًماء، ليكون رئيس مخلوقات السًماء. أما الفتاة فقد أطلق عليها اسم “ابنة الأرض” لتتولى مسؤولية الأرض ومحاصيلها، أما الفتاة الأخرى فقد أطلق عليها اسم ابنة التلقيح، ومنحها مسؤولية الرعاية الصحيًة لجميع سكان الأرض.
ولأن الأرض كانت مسطًحة وقاحلة، فقد اعتقد الخالق أنه من البهجة خلق الحيوانات والطًيور والأشجار والتلال. ثم أرسل حمامة لترى كيف يبدو العالم، فعادت بعد أربعة أيام وقالت : ” كلً شيء جميل حول العالم. ولكن بعد أربعة أيام من الآن، سترتفع المياه على الجانب الآخر من الأرض وتتسبب في فيضان عظيم”.
فصنع الخالق شجرة صنوبر عالية جداً. وغطًتها الفتاة اليتيمة الأبوين بصمغ الصنوبر، فتشكّلت كرة كبيرة مشدودة. وبعد أربعة أيام حدث الفيضان، فصعد الخالق فوق سحابة، وأخذ معه مساعديه الثمانية والعشرين، ووضعت الفتاة اليتيمة الأبوين الآخرين في الكرة الكبيرة المجوفة، وأغلقتها بإحكام من الأعلى.
في غضون اثني عشر يوماً، انحسر الماء، تاركاً الكرة العائمة عالياً على قمة تلة صغيرة، وغيّرت مياه الفيضانات المتدفقة السًهول فحوّلتها إلى جبال وتلال ووديان وأنهار، وقادت الفتاة اليتيمة الأبوين الآلهة من الكرة الطافية إلى الأرض الجديدة، حملتهم على سحابتها، وصعدت إلى الأعلى حتى التقوا، هناك، مع الخالق ومساعديه، الذين أكملوا عملهم في صنع السماء خلال وقت الطوفان على الأرض، ثم نزلت الغيمتان معاً إلى مكان خفيض، وهناك، في الوادي، جمعت الفتاة اليتيمة الأبوين الجميع معاً، كي يستمعوا إلى خطبة خالق الكون، الذي قال:” سوف أترككم بعد الآن. أتمنى أن يبذل كل واحد منكم قصارى جهده لإنشاء عالم مثالي وسعيد، وأنت يا هدير الرعد، يجب أن تكون مسؤولاً عن السًحب والمياه، و أنتَ يا ابن السماء الصغير، اعتنِ بجميع مخلوقات السماء، وأنتِ يا ابنة الأرض، تتولين المسؤولية عن جميع المحاصيل وشعوب الأرض، أما أنتِ يا فتاة التلقيح، فسوف تهتمين بصحتهم وتوجهيهم، وأنتِ أيتها الفتاة اليتيمة الأبوين، أتركك في موقع المسؤوليًة عن كلً شيء”، ثم استدار الخالق نحو الفتاة اليتيمة الأبوين وفركا أرجلهما بأيديهما وسرعان ما أطلقوا الشًرارات بقوًة إلى الأسفل. فانتصبت بينهما على الفور كومة كبيرة من الخشب، لوح الخالق فوقها بيده، فاشتعلت فيها النًيران العظيمة، فتصاعدت سحب الدًخان الكثيف دفعة واحدة نحو السًماء، واختفى الخالق خلف السًحاب الكثيف، تبعته الآلهة الأخرى، تاركين ثمانية وعشرين عاملاً لشعوب الأرض.
ذهب إله الشًمس ليعيش ويسافر مع الشمس، أمًا الفتاة اليتيمة الأبوين فقد غادرت باتًجاه الغرب لتعيش في الأفق البعيد، وقام فتى السًماء الصًغير وفتاة التلقيح بعمل منازل سحابية في الجنوب، ولا يزال من الممكن رؤية الدًب الأكبر في السًماء الشًمالية ليلاً، وهو دليل موثوق للجميع .
الهوامش :
1) دور عبادة الشمس التعرًقية: ترجمة للأصل في النص الإنكليزي Sweat-house، بمعنى “بيت التعرق”، وتكثر مثل هذه الدور في الغرب ” أوروبا و أمريكا” بالشكل الذي نعرفه باسم حمام الساونا. وكما هو معروف في الثقافة العالمية، فإنً حمًام الساونا يعود بأصوله لشعوب أوروبا الشمالية، وبالأخص سكان فنلندة. غير أن بعض العلماء أثبتوا أن سكان شمال أمريكا و كندا الأصليين، مثل قبائل الأسكيمو، يتوفر في تجمعاتهم السًكنية الكبيرة ما يشبه الساونا، وهو عبارة عن مكان على هيئة غرفة لها قبة، تحتوي على موقد للنار وحجارة خاصة للتسخين، ويتم سكب الماء على الحجارة الساخنة فيتصاعد البخار في الغرفة و يتحول جوها إلى الرطب بسبب البخار، وهذا، بدوره، يساعد على التعرق. وعادةً ما كان يتجمع السكان في مثل هذه الحجرات كي يتعرقوا، وكانوا يعتقدون، كجزء من طقوس عبادتهم، أن هذا يساعدهم على التطهر من الشرور الموجودة في داخلهم، ومن الشائع أن يتجمعوا داخل هذه الأماكن شبه عراة ويدخنون التبغ وأثناء تعرقهم كانت تخرج الأرواح الشريرة من أجسادهم .