ترجمة: وليد يوسف
هل يتعرض الدبلوماسيون الأمريكيون ومبعوثو وكالة المخابرات المركزية حقاً لـ “هجمات عصبية” غامضة حول العالم؟
بدأ دبلوماسيون من الولايات المتحدة ومبعوثو وكالة المخابرات المركزية في البلاد الإبلاغ عن ظهور مفاجئ لأعراض مرضية، تتراوح من الصداع وفقدان السمع إلى الدوار والغثيان. كما لاحظت صحيفة نيويورك تايمز، فإن الأعراض ظهرت، كما قال معظم [الضحايا]، من خلال صوت خارق عالي النبرة، كما لو كانوا محاصرين في “شعاع غير مرئي من الطاقة”.
هذه الظاهرة التي لا يمكن تفسيرها، والتي تم تسجيلها لأول مرة في عام 2016، أُطلق عليها اسم “متلازمة هافانا”، وقد تم الترويج لها في البداية على أنها قد تكون ناجمة عن نوع من الأسلحة الصوتية الكوبية.
الآن، بعد خمس سنوات، عادت متلازمة هافانا إلى دائرة الضوء – بعد أن انتشرت أيضاً خارج حدود كوبا.
وقد ادعى أكثر من 200 دبلوماسي وعسكري واستخباراتي أمريكي في جميع أنحاء العالم أنهم يعانون من هذه الحالة – سواء في الصين أو النمسا وكولومبيا أو حتى قيرغيزستان.
في أغسطس / آب، تأخرت زيارة نائب الرئيس الأمريكي كامالا هاريس لفيتنام بشكل طفيف بعد مخاوف من انتشار متلازمة هافانا في هانوي. وفي سبتمبر / أيلول، أجْلت وكالة المخابرات المركزية ضابطاً من صربيا كان – كما قالت فوكس نيوز- “عانى من إصابات خطيرة تتفق مع تلك المرتبطة بمتلازمة هافانا، وهي جزء من تصاعد هذه الهجمات على المسؤولين الأمريكيين في الخارج”.
في حين أن المصطلح المعتمد رسمياً للحوادث المتعلقة بهذه المتلازمات التي هي قيد الاشتباه بها هو “الحوادث الصحية الشاذة”، فإن اللغة العدائية التي تتضمن كلمات مثل “الهجمات” وما شابهها أصبحت طبيعية بشكل متزايد في مؤسسة الإعلام السياسي في الولايات المتحدة. وهذا أصبح مصدر قلق لأي شخص يؤيد أو لايرى حرجاً في سلوك الولايات المتحدة العدواني والهدام و القائم على الأكاذيب والافتراءات.
وفقاً لموقع ذا بوليتيكو The Politico الإلكتروني، فمن شبه المؤكد أن متلازمة هافانا هي “نتيجة لهجمات طاقة موجهة من قبل حكومة أجنبية. ومن المحتمل أنها روسيا” – وهي قصة تكتسب حالياً زخماً بين وسائل الإعلام لأنها توجه طاقاتها إلى الهجمات الصحفية التي تساعد في خلق الحقائق على الأرض بشأن اعتداءات الميكروويف المزعومة من قبل أعداء الولايات المتحدة.
لكن المشكلة في هذه الرواية هي أنه لا يوجد دليل يدعمها. فقناة فوكس نيوز، على الرغم من اعترافها بأنه “لم يظهر أي دليل حتى الآن على تورط روسي”، إلا أنها اختارت إنهاء مقالتها حول الحادث الصربي باقتراح من خبير مكافحة الإرهاب والسياسة الخارجية جيسون كيلماير بأن الولايات المتحدة يجب أن تمضي قُدماً وتتخذ إجراءات على أي حال، لأننا منذ خمس سنوات في هذه المشكلة ولا يوجد لدينا أي إثبات على أي شيء.
في هذه الأثناء، يؤكد مارك بوليمروبولوس المخضرم في وكالة المخابرات المركزية – الذي يُزعم أنه وقع فريسة لمتلازمة هافانا خلال مهمة في موسكو عام 2017 – أن العمل برمته يشكل “سلاحاً إرهابياً” و “عملاً من أعمال الحرب”.
لذلك، من الواضح أن التفكير ساري، يجب على الولايات المتحدة أن تنتقم – تماماً مثلما انتقمت ضد العراق لأنها ليس لديها خيار آخر كرد على هجمات 11 سبتمبر / أيلول 2001.
ومن أجل تخويف هذه الحشود من العملاء المتضررين، تم تعيين مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز- وهو نفسه دبلوماسي سابق في موسكو- للإشراف على حرب الوكالة المركزية على متلازمة هافانا بالإضافة إلى جاسوس متخفٍ، قاد ذات يوم عملية البحث عن أسامة بن لادن.
ووقع الرئيس الأمريكي جو بايدن بإخلاص على قانون هافانا، والذي يرمز إلى مساعدة الضحايا الأمريكيين المتضررين من الهجمات العصبية.
لكن السؤال: هل متلازمة هافانا بحد ذاتها فعل ولا أكثر؟
في مقال رأي حديث، كتب روبرت بالوه Robert Baloh – أستاذ علم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس – أن متلازمة هافانا “تبدو لي مثل حالة مرض نفسي جماعي” ، والمعروف أيضاً باسم “الهستيريا الجماعية”.
وأشار إلى أن هذه الظاهرة بدأت مع عميل سري واحد – يُفترض أنه متوتر- عميل أمريكي في كوبا “ظهرت عليه أعراض حقيقية، لكنه ألقى باللوم على شيء غامض” وأخبر زملائه بما حدث معه. ثم في النهاية، “بمساعدة وسائل الإعلام والمجتمع الطبي، توطدت الفكرة وانتشرت في جميع أنحاء العالم” على الرغم من عدم وجود أدلة طبية أوغيرها.
علاوة على ذلك، يشير مقال في بي بي سي نيوز إلى أن الولايات المتحدة نفسها كانت منذ فترة طويلة “مهتمة بتسليح أفران الميكروويف”، وأنه اعتباراً من التسعينيات، أشرف سلاح الجو الأمريكي على مشروع “لمعرفة ما إذا كانت الموجات الميكروية يمكن أن تخلق أصواتاً مزعجة في رؤوس الناس”، وكذلك أيضاً “لمعرفة ما إذا كان يمكن استخدامها لقتل البشر”.
شيء مزعج حقا.
تستمر قناة بي بي سي في اقتباس ضابط وكالة المخابرات المركزية السابق بوليمروبولوس حول كيف أن متلازمة هافانا هي الآن “مصدر إلهاء كبير لنا إذا كنا نعتقد أن الروس يفعلون أشياء لضباط استخباراتنا الذين يسافرون”. ويقول إن هذا الوضع “سيضع عقدة في بصمتنا العملياتية”.
لكن هل ستكون “العقدة” في البصمة العملياتية لوكالة المخابرات المركزية – ناهيك عن الجيش الأمريكي – أمراً سيئاً في النهاية؟ بعد كل شيء، تتمتع كلتا المؤسستين بسجل حافل من إرهاب عدد لا يحصى من الناس في جميع أنحاء العالم – من كوبا وغواتيمالا ونيكاراغوا إلى فيتنام وأفغانستان والعراق – بأساليب أكثر ضرراً وفتكاً من ضجيج وتحريض الصداع النصفي.
مهما حدث مع متلازمة هافانا، فمن الآمن القول إن الولايات المتحدة قد برعت منذ فترة طويلة في استغلال الهستيريا المحلية الجماعية لإحداث فوضى عدائية على الصعيد الدولي. يبدو أن الوقت قد حان، إذن، لتشخيص متلازمة بنوع مختلف من الخصوصية الجغرافية.
هوامش:
العنوان الأصلي: Havana Syndrome: an act of war or just an act?
المؤلف: بيلين فرنانديز
المصدر: https://www.aljazeera.com/opinions/2021/11/15/havana-syndrome-an-act-of-war-or-just-an-act