يوفال أبراهام
ترجمة محمود الصباغ
كشف تحقيق قام به فريق مشترك من مجلة +972 و Local Call كيف مكّنت الضربات الجوية المتساهلة على أهداف غير عسكرية واستخدام نظام ذكاء اصطناعي، الجيش الإسرائيلي من تنفيذ أخطر حروبه وأكثرها دموية على غزة.
يبدو أن التفويض الموسع الممنوح للجيش بقصف أهداف غير عسكرية، وتخفيف القيود المتعلقة بالخسائر المدنية المتوقعة، واستخدام نظام ذكاء اصطناعي لتوليد أهداف محتملة عديدة تفوق ما نفذه الجيش من أهداف في أي حرب سابقة، ساهم فيما نراه من طابع مدمر لحرب إسرائيل الحالية على قطاع غزة، لا سيما في مراحلها الأولى. وكشف تحقيق الفريق المشترك، بناء على وصف أعضاء المخابرات الإسرائيلية -الحاليون والسابقون- كيف لعبت هذه العوامل، على الأرجح، دوراً في إنتاج ما يعتبر إحدى أكثر الحملات العسكرية دمويةً ضد الفلسطينيين منذ نكبة العام 1948.
واستند فريق التحقيق المشترك في إعداد تقريره إلى العديد من المحادثات التي أجراها مع سبعة أعضاء حاليين وسابقين من الوسط الاستخباراتي الإسرائيلي -من بينهم عناصر من المخابرات العسكرية وأفراد من سلاح الجو الذين شاركوا في عمليات عسكرية واستخباراتية إسرائيلية في القطاع المحاصر-؛ بالإضافة إلى شهادات وبيانات ووثائق فلسطينية أتت من قطاع غزة، فضلاً عن التصريحات الرسمية للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ومؤسسات حكومية إسرائيلية أخرى. مقارنة الحرب الحالية(1) – التي أطلقت عليها إسرائيل اسم “عملية السيوف الحديدية”، والتي بدأت في أعقاب الهجوم الذي قادته حماس(2) على جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر – بالهجمات الإسرائيلية السابقة على غزة، نشهد اتساعاً كبيراً لميدان عمليات الجيش من خلال قصفه الكثيف لأهداف لا تعتبر ذات طبيعة عسكرية واضحة؛ شملت المباني الخاصة والعامة والبنية التحتية والكتل الشاهقة [الأبراج السكنية والتجارية]، والتي تقول المصادر إن الجيش يعرّفها بصفتها “أهداف القوة” (2).
وبحسب وصف مصادر لديها خبرة مباشرة في تطبيقه في غزة سابقاً في الماضي لفريق التحقيق المشترك للمصطلح، فهو يشير بالدرجة الأولى، إلى إلحاق الضرر بالبنية المدنية للمجتمع الفلسطيني بالإضافة إلى “خلق صدمة”، من بين أشياء أخرى، يكون لها بالغ الأثر على المدنيين ، وتدفعهم، بالتالي إلى “الضغط على حماس”. كما أكد العديد من المصادر استخباراتية لفريق البحث المشترك، بشرط عدم الكشف عن هويتهم، امتلاك الجيش الإسرائيلي ملفات لمعظم- إن لم نقل جميع- الأهداف المحتملة في غزة -بما في ذلك المنازل- مما يعني إمكانية تحديد عدد المدنيين الذين من المحتمل قتلهم في هجوم على هدف معين. ويكون العدد/ الرقم محسوب ومعروف مسبقا لوحدات المخابرات التابعة للجيش، التي تعرف أيضا قبل وقت قصير من تنفيذ الهجوم تقريباً عدد المدنيين الذين من المؤكد قتلهم أو سوف يقتلون في الهجوم. وفي إحدى الحالات التي ناقشتها المصادر مع فريق البحث المشترك، وافقت القيادة العسكرية الإسرائيلية عن سابق معرفة على قتل مئات المدنيين الفلسطينيين في محاولة لاغتيال قائد عسكري كبير واحد من حماس. ويقل أحد مصادر فريق البحث المشترك: “ارتفعت أعداد القتلى المدنيين [المسموح بهم] كجزء من هجوم على مسؤول كبير في عمليات سابقة، من عشرات إلى مئات كأضرار جانبية”.
“لا شيء يحدث بالصدفة”
يقول مصدر آخر لفريق البحث المشترك: “عندما تُقتل فتاة تبلغ من العمر 3 سنوات في منزلها في غزة، فذلك لأن شخصاً ما في الجيش قرر أنه ليس من المهم أن تقتل، أو لو قُتلت؛ وأن قتلها ليس أكثر من ثمن يستحق دفعه من أجل ضرب هدف [آخر]. نحن لسنا حماس. وصواريخنا وقذافنا هذه ليست صواريخ عشوائية. كل شيء [لدينا] مقصود. ونعرف بالضبط حجم الأضرار الجانبية الموجودة والتي يمكن حدوثها في كل بيت”. غير أن هناك سبباً آخر، وفقاٌ لفريق البحث المشترك، للعدد الكبير من الأهداف، وللضرر الواسع الذي يصيب حياة المدنيين في غزة، ويتمثل في الاستخدام الواسع لنظام “حبسورا “، وهو عبارة عن منظومة تعتمد على الذكاء الصناعي قادرة على “توليد” الأهداف بشكل تلقائي تقريباً بمعدلات عالية في الدقة تتجاوز كثيراً المنظومات التي كان يستخدمها الجيش في حروبه السابقة ، وكما يصفه ضابط استخبارات سابق، يسهّل نظام حبسورا، بشكل أساسي ما يمكن تسميته “مصنع الاغتيالات الجماعية”. ووفقاً للمصادر، يسمح الاستخدام المتزايد للأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي، مثل حبسورا، للجيش بتنفيذ غارات واسعة النطاق على المنازل السكنية التي يسكنها أحد عناصر حماس ، حتى أولئك الذين يعتبرون عناصر شابة وغير مؤثرة. ولكن الأمور لا تسير هكذا على الدوام، حيث تشير شهادات الفلسطينيين في غزة إلى مهاجمة الجيش الإسرائيلي، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، العديد من المساكن الخاصة التي لا يتواجد فيها أو يسكنها عضواً معروفاً أو ظاهراً في حماس أو أي جماعة مسلحة أخرى. ويمكن لمثل هذه الضربات ، كما أكدت المصادر لفريق البحث المشترك أن تتسبب بقتل عائلات بأكملها عن عمد في سياق هذه العملية.
كما تضيف مصادر أخرى أن هذه البيوت المستهدفة من قبل الجيش لا تعتبر مصدراً لتنفيذ هجمات ضد الجيش أو لأي نشاط عسكري في معظم الحالات، ويعلق المصدر في سياق انتقاده لهذا الأسلوب بالقول: ” أعتقد حسبما أذكر، أن الأمر أشبه بأن يقصف [المسلحون الفلسطينيون ] جميع مساكن عائلاتنا عندما نعود [الجنود الإسرائيليون] للنوم في بيوتنا في عطلة نهاية الأسبوع “.
ويشير مصدر آخر لفريق البحث المشترك، كيف أخبر أحد الضباط الكبار في المخابرات عناصره، بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، إن الهدف هو “قتل أكبر عدد ممكن من نشطاء حماس”، حيث خففت المعايير والضوابط المتعلقة بإيذاء المدنيين الفلسطينيين بشكل كبير. وعلى هذا النحو ، يتابع المصدر قوله؛ هناك “حالات نقوم فيها بالقصف استناداً إلى تحديد خلوي واسع لمكان أو موقع الهدف، مما يؤدي إلى مقتل المدنيين. وغالباً ما يحدث ذلك لتوفير الوقت، بدلاً من بذل جهود أكثر للوصول إلى تحديد أكثر دقة”.. وكانت نتيجة هذه السياسات خسائر فادحة في الأرواح البشرية في غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. لقد فقدت أكثر من 300 عائلة 10 أفراد أو أكثر منها في القصف الإسرائيلي في الشهرين الماضيين – وهو رقم أعلى بـ 15 مرة عن الضحايا المماثلة التي نتجت سابقاً في الحرب الأكثر دموية التي شنتها إسرائيل على غزة في العام 2014. وحتى وقت كتابة هذا التقرير [30.11.2023]، تم الإبلاغ عن مقتل حوالي 15,000 فلسطيني، والعدد مرشح للازدياد. وبحسب مصادر فريق البحث المشترك ، يحدث كل هذا “خلافاً للبروتوكول الذي استخدمه الجيش الإسرائيلي في الماضي.. ولعل السبب يعود إلى الشعور بإدراك كبار المسؤولين في الجيش فشلهم في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ولذلك نراهم منشغلين بمسألة كيفية تزويد الجمهور الإسرائيلي بصورة [النصر] التي ستنقذ سمعتهم”.
“الذريعة لإحداث الدمار”.
شنت إسرائيل هجومها على غزة في أعقاب الهجوم الذي قادته حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر (4)على جنوب إسرائيل. وخلال ذلك الهجوم، وتحت وابل من نيران الصواريخ، ارتكب مسلحون فلسطينيون مجزرة ضد أكثر من 840 مدنياً وقتلوا 350 عسكرياُ (ما بين جنود وأفرد أمن)، واختطفوا حوالي 240 شخصاً -مدنيين وجنوداً- وقادوهم إلى غزة، وارتكبوا عنفاً جنسياً واسع النطاق، بما في ذلك الاغتصاب، وفقا لتقرير صادر عن منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان غير الحكومية في إسرائيل(5). ومنذ اللحظة الأولى التي تلت الهجوم، أعلن صنّاع القرار في إسرائيل صراحة أن الرد سيكون مختلفاً تماماً هذه المرة عن العمليات العسكرية السابقة في غزة، ووضعوا نصب أعينهم هدفاً معلناً يتمثل في القضاء التام على حماس، وسوف يعمل الجيش بتكتيك جديد وصفه دانيال هغاري، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في 9 تشرين الأول/ أكتوبر بـ “التركيز على الضرر وليس على الدقة”(6) . وسرعان ما ترجم الجيش هذه التصريحات إلى أفعال على الأرض.
ووفقا للمصادر التي تحدثت إلى فريق البحث المشترك، يمكن تقسيم الأهداف في غزة التي قصفتها الطائرات الإسرائيلية إلى أربع فئات تقريباً. تتضمن الفئة الأولى ما يعرف بـ “الأهداف التكتيكية”، وتشمل أهداف عسكرية معيارية مثل الخلايا العسكرية المسلحة، ومستودعات الأسلحة، وقاذفات الصواريخ الأرضية والصواريخ المضادة للدبابات، وحفر الإطلاق، وقذائف الهاون، والمقرات العسكرية، ومراكز المراقبة، وما إلى ذلك. وتشير الفئة الثانية إلى “الأهداف تحت الأرض”؛ وبشكل أساسي الأنفاق التي حفرتها حماس تحت أحياء غزة، بما فيها الأنفاق تحت منازل المدنيين. ويمكن أن تؤدي الغارات الجوية على هذه الأهداف إلى انهيار المنازل فوق الأنفاق أو بالقرب منها. والفئة الثالثة من الأهداف هي “أهداف القوة”، وتشمل المباني الشاهقة والأبراج السكنية في قلب المدن، والمباني العامة مثل الجامعات والبنوك والمكاتب الحكومية. والغاية أو الفكرة وراء القصف المتعمد لمثل هذه الأهداف دفع المجتمع الفلسطيني إلى ممارسة “ضغط مدني” وذلك بحسب رأي ثلاثة مصادر استخباراتية شاركت في تخطيط أو تنفيذ ضربات على أهداف القوة في حروب سابقة.
أما الفئة الأخيرة فتتألف من “منازل العائلات” أو “منازل الناشطين”. والغرض المعلن من هذه الهجمات هو تدمير المساكن الخاصة من أجل اغتيال أحد السكان المشتبه في أنه ناشط في حماس أو الجهاد الإسلامي. إلا أن الإفادات الفلسطينية في الحرب الحالية تؤكد أن بعض العائلات التي قتلت لم يكن من بينها أي ناشطين من هذه التنظيمات. ويبدو أن الجيش الإسرائيلي أولى اهتماماً خاصاً، في المراحل الأولى من الحرب الحالية، في الفئتين الثالثة والرابعة من “أهدافه التكتيكية”. ووفقاً لتصريحات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في 11 تشرين الأول/أكتوبر، عن حصيلة الأيام الخمسة الأولى من القتال، اعتبر “نصف الأهداف التي المستهدفة -1,329 من أصل 2,687- أهداف قوة.”(7).
وليس بعيداً عن هذا ما ذكره أحد المصادر لفريق البحث المشترك والذي شارك في هجمات إسرائيلية سابقة، كيف كان يطلب منهم “البحث عن المباني الشاهقة التي يحتمل أن ينسب أحد طوابقها أو حتى نصف طابق فيها إلى حماس… قد يكون هذا الطابق، في بعض الأحيان، مكتب المتحدث باسم جماعة مسلحة، أو نقطة يلتقي فيها الناشطون.. لقد فهمت من الكلمة أنها ذريعة تسمح للجيش بإحداث الكثير من الدمار في غزة.. هذا ما قالوه لنا… لأنهم لو أخبروا العالم بأسره أن مكاتب [الجهاد الإسلامي] في الطابق العاشر ليست مهمة بحد ذاتها كهدف، ولكن وجودها يعطينا المبرر لهدم المبنى برمته بهدف الضغط على العائلات المدنية التي تعيش فيه لتضغط هي بدورها على المنظمات الإرهابية، فسوف يعتبر العالم هذا التصرف منا عمل إرهابي. لذلك لا يقولون ذلك”.
ونقلت مصادر مختلفة ممن خدموا في وحدات المخابرات الإسرائيلية إل فريق البحث المشترك، أن بروتوكولات الجيش كانت، حتى قبل هذه الحرب الحالية على الأقل، تسمح بمهاجمة أهداف القوة في حال خلو المباني من السكان وقت الغارة. ولكن الحال تغير الآن، إذ تشير الشهادات ومقاطع الفيديو من غزة إلى أنه منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، تعرضت بعض هذه الأهداف للهجوم دون إخطار مسبق لسكانها، مما أسفر عن مقتل عائلات بأكملها نتيجة لذلك.
يمكن استخلاص الاستهداف الواسع والكثيف للمنازل السكنية من البيانات العامة والرسمية. فوفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة -الذي يقدم حصيلة القتلى منذ أن توقفت وزارة الصحة في غزة عن القيام بذلك في 11 تشرين الثاني/نوفمبر بسبب انهيار الخدمات الصحية في القطاع(8)– قتلت إسرائيل، بحلول وقت بدء وقف إطلاق النار المؤقت في 23 تشرين الثاني/نوفمبر، 14,800 فلسطيني في غزة(9). ومنهم نحو 6000 طفل و 4000 من النساء، يشكلون معا أكثر من 67 % من مجموع الضحايا. لا تبتعد هذه الأرقام التي قدمتها وزارة الصحة والمكتب الإعلامي الحكومي -وكلاهما يقع تحت رعاية حكومة حماس- كثيراً عن التقديرات الإسرائيلية(10)؛، علماً أن وزارة الصحة في غزة لا تحدد عدد القتلى الذين ينتمون إلى الأجنحة العسكرية لحماس أو الجهاد الإسلامي والذيم يقدرهم الجيش الإسرائيلي ما بين 1000(11) و3000(12) قتيلاً فلسطينياً مسلحاً. ووفقاً لتقارير إعلامية في إسرائيل، فإن بعض المقاتلين القتلى ما زالوا مدفونين تحت الأنقاض أو داخل نظام الأنفاق تحت الأرض التابع لحماس، وبالتالي لم يتم إحصاؤهم رسمياً ضمن عداد القتلى.
وتفيد بيانات الأمم المتحدة(13) للفترة حتى 11 نوفمبر/تشرين الثاني، وهو الوقت الذي قتلت فيه إسرائيل 11,078 فلسطينيا في غزة، إلى أن 312 أسرة على الأقل فقدت 10 أشخاص أو أكثر في الهجوم الإسرائيلي الحالي. وعلى سبيل المقارنة، فقدت خلال “حملة “الجرف الصامد” في العام 2014، نحو 20 عائلة في غزة 10 أشخاص أو أكثر. وفقدت 189 أسرة على الأقل ما بين ستة وتسعة أشخاص وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، في حين فقدت 549 أسرة ما بين شخصين وخمسة أشخاص. ولم يتم بعد تقديم تفاصيل محدثة لأرقام الضحايا المنشورة منذ 11 تشرين الثاني/ نوفمبر.
وجاءت الهجمات المكثفة على أهداف القوة والمساكن الخاصة في ذات الوقت الذي دعا فيه الجيش الإسرائيلي، في 13 تشرين الأول/أكتوبر، سكان شمال قطاع غزة البالغ عددهم 1.1 مليون نسمة، معظمهم يقيمون في مدينة غزة، إلى مغادرة منازلهم والانتقال إلى جنوب القطاع. وبحلول ذلك التاريخ، كان عدداً قياسياً من أهداف القوة قد قصف، وقتل بالفعل أكثر من 1000 فلسطيني، بمن فيهم مئات الأطفال(14). وفي المجموع، ووفقاً للأمم المتحدة، تم تهجير 1.7 مليون فلسطيني، أي الغالبية العظمى من سكان القطاع، داخل غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وادعى الجيش أن المطالبة بإخلاء شمال القطاع تهدف إلى حماية أرواح المدنيين. ويرى الفلسطينيون غير ذلك؛ فهذا النزوح الجماعي إنما هو جزء من “نكبة جديدة” – محاولة للتطهير العرقي لجزء من الأراضي أو كلها.
“هدموا مبنى شاهقا من أجله”
وفقاً للجيش الإسرائيلي(15)، فقد ألقي خلال الأيام الخمسة الأولى من القتال ما مجموعه 6000 قنبلة على القطاع، بوزن إجمالي يبلغ حوالي 4000 طن. وذكرت وسائل الإعلام أن الجيش قضى على أحياء بأكملها(16). وبحسب مركز الميزان لحقوق الإنسان ومقره غزة، أدت هذه الهجمات إلى “تدمير كامل للأحياء السكنية، وتدمير البنية التحتية، والقتل الجماعي للسكان”(17). كما وثق المركز والعديد من الصور القادمة من غزة، قصف إسرائيل للجامعة الإسلامية في غزة، ونقابة المحامين الفلسطينيين، ومبنى الأمم المتحدة لبرنامج تعليمي للطلاب المتفوقين(18)، ومبنى تابع لشركة الاتصالات الفلسطينية، ووزارة الاقتصاد الوطني، ووزارة الثقافة، والطرق، وعشرات المباني الشاهقة والمنازل -خاصة في الأحياء الشمالية من غزة.
وفي اليوم الخامس من القتال وزع الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي على المراسلين العسكريين في إسرائيل صور الأقمار الصناعية “قبل وبعد” (19) القصف لأحياء في شمال القطاع، مثل الشجاعية والفرقان (على اسم مسجد في المنطقة) في مدينة غزة، والتي أظهرت دمار عشرات المنازل والمباني. وقال الجيش الإسرائيلي إنه قصف 182 هدفاً من أهداف القوة في الشجاعية و312 هدفاً في الفرقان.
وقال رئيس أركان سلاح الجو الإسرائيلي، عومير تيشلر، للصحفيين العسكريين إن جميع هذه الهجمات كان لها هدف عسكري مشروع، رغم تعرض أحياء بأكملها للهجوم أيضاً “على نطاق واسع وليس بطريقة جراحية”. وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي تعرض أحياء بذاتها للهجوم ” لأنها تمثل أماكن إرهابية تختبئ فيها حماس” وذلك في معرض إشارته إلى أن نصف الأهداف العسكرية حتى 11 تشرين الأول/أكتوبر كانت أهدافاً للقوة،؛ وأن الأضرار لحقت بـ “مقرات العمليات” و”الأصول العملياتية” و”الأصول التي تستخدمها المنظمات الإرهابية داخل المباني السكنية”. وفي 12 تشرين الأول/أكتوبر، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل ثلاثة “أعضاء بارزين في حماس”(20)، اثنان منهم من الجناح السياسي للحركة.
ولكن، رغم هذا القصف الإسرائيلي الساحق، يبدو أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية العسكرية لحماس في شمال غزة خلال الأيام الأولى من الحرب كانت ضئيلة للغاية. في الواقع، أخبرت مصادر استخباراتية لفريق البحث المشترك أن الأهداف العسكرية التي كانت جزءً من أهداف القوة قد استخدمت سابقاً عدة مرات كنوع من التغطية لتعمد إيذاء السكان المدنيين. ويصرح أحد المصادر بالقول: “حماس موجودة في كل مكان في غزة. لا يوجد مبنى لا يحتوي على شيء لا ينتمي إلى حماس، لذلك إذا كنت تريد إيجاد طريقة لتحويل مبنى شاهق إلى هدف، فستتمكن من القيام بذلك بسهولة”.. . ويقول مصدر استخباراتي آخر كان قد نفذ ضربات سابقة ضد أهداف القوة: ” لن يقصفوا قط برجاً ليس لديه مقومات تمكننا من تعريفه كهدف عسكري ؛ سيكون هناك دائماً بطريقة أو بأخرى، طابق في المباني الشاهقة [مرتبط بحماس]. ولكن بالنسبة للجزء الأكبر، عندما يتعلق الأمر بأهداف القوة، فمن الواضح أن الهدف بحد ذاته ليس له قيمة عسكرية تبرر هجوماً من شأنه أن يسقط المبنى الفارغ بأكمله في وسط المدينة، بمساعدة ست طائرات وقنابل تزن عدة أطنان”.
في الواقع، وفقاً لمصادر شاركت في تجميع أهداف القوة في الحروب السابقة، على الرغم من أن ملف الهدف يحتوي عادة على نوع من الارتباط المزعوم بحماس أو غيرها من الجماعات المسلحة، فإن ضرب الهدف المعين يعمل في المقام الأول كـ “وسيلة تسمح بإلحاق الضرر بالمجتمع المدني”. وفهمت المصادر المطلعة التي زودت فريق البحث المشترك بهذه المعلومات، بعضها صراحةً وبعضها ضمنياً، أن الضرر اللاحق بالمدنيين هو الغرض الحقيقي من هذه الهجمات. ففي أيار/مايو 2021، على سبيل المثال، تعرضت إسرائيل لانتقادات شديدة لقصفها برج الجلاء(21)، الذي يضم وسائل إعلام دولية بارزة مثل الجزيرة وأسوشيتدبرس وفرانس برس(22). وادعى الجيش أن المبنى كان هدفاً عسكرياً لحماس.
وقد أفادت المصادر لفريق البحص المشترك أنه كان في الواقع هدفاً من أهداف القوة. وإنه كان مأمولاً أن يمثل هذا ضرراً حقيقياً لحماس من خلال استهداف و”هدم المباني الشاهقة، لأنه سيخلق رد فعل في الوسط الشعبي في قطاع غزة ويخيف السكان”. “لقد أرادوا إعطاء مواطني غزة شعوراً بأن حماس لا تسيطر على الوضع. وكانوا في بعض الأحيان يطيحون بالمباني وأحياناً في مباني الخدمات البريدية والمباني الحكومية”.
على الرغم من أنه من غير المسبوق أن يهاجم الجيش الإسرائيلي أكثر من 1000 هدف من أهداف القوة في خمسة أيام، إلا أن فكرة التسبب في دمار شامل وإلحاق ضرر جماعي بالمناطق المدنية لأغراض استراتيجية تمت صياغتها في العمليات العسكرية السابقة في غزة، والتي كانت شرارتها ما يسمى بـ “عقيدة الضاحية” في حرب لبنان الثانية في العام 2006(23).
ووفقا لهذا المذهب -الذي طوره رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق غادي إيزنكوت، الذي هو الآن عضو في الكنيست وجزء من حكومة الحرب الحالية- الذي يحدد تعامل جيش نظامي ضد جماعات حرب العصابات مثل حماس أو حزب الله، ينض على ضرورة استخدام إسرائيل للقوة النارية غير المتناسبة والساحقة أثناء استهداف البنية التحتية المدنية والحكومية من أجل إرساء الردع وإجبار السكان المدنيين على الضغط على الجماعات لإنهاء هجماتها. ويبدو أن مفهوم “أهداف القوة” قد انبثق من هذا المنطق نفسه.
كانت المرة الأولى التي حدد فيها الجيش الإسرائيلي بشكل علني تكتيك “أهداف القوة” في غزة في نهاية عملية الجرف الصامد في العام 2014. حين قصف الجيش أربعة مبانٍ خلال الأيام الأربعة الأخيرة من الحرب –ثلاثة مبانٍ سكنية متعددة الطوابق في مدينة غزة، ومبنى شاهق في رفح(24). وأوضحت المؤسسة الأمنية في ذلك الوقت أن الهجمات كانت تهدف إيصال رسالة إلى الفلسطينيين في غزة بأنه “لم يعد هناك شيء محصن”(25)، والضغط على حماس للموافقة على وقف إطلاق النار. وجاء في تقرير لمنظمة العفو الدولية في أواخر العام 2014: “تظهر الأدلة التي جمعناها أن الدمار الهائل [للمباني] تم تنفيذه عمداً، دون أي مبرر عسكري” (26).
وفي تصعيد عنيف آخر بدأ في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، هاجم الجيش مرة أخرى أهدافا للقوة. في ذلك الوقت، قصفت إسرائيل المباني الشاهقة ومراكز التسوق ومبنى قناة الأقصى التلفزيونية التابعة لحماس. وصرح أحد ضباط القوات الجوية في ذلك الوقت: “مهاجمة أهداف القوة ينتج عنه تأثير كبير جداً على الجانب الآخر.. لقد فعلنا ذلك دون قتل أي شخص وتأكدنا من إخلاء المبنى والمناطق المحيطة به”(27). وقد أظهرت العمليات السابقة أيضاً كيف أن ضرب هذه الأهداف لا يعني فقط إلحاق الضرر بالروح المعنوية للفلسطينيين، بل سيعمل على رفع الروح المعنوية داخل إسرائيل. وكشفت صحيفة “هآرتس” أنه خلال عملية “حارس الأسوار” في العام 2021، أجرت وحدة الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي عملية نفسية على المواطنين الإسرائيليين من أجل زيادة الوعي بعمليات الجيش الإسرائيلي في غزة والأضرار التي ألحقتها بالفلسطينيين(28). قام الجنود، الذين استخدموا حسابات مزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي لإخفاء أصل الحملة، بتحميل صور ومقاطع من ضربات الجيش في غزة على تويتر وفيسبوك وإنستغرام وتيك توك لإظهار براعة الجيش للجمهور الإسرائيلي.
وخلال هجوم العام 2021 ، ضربت إسرائيل تسعة أهداف تم تحديدها كأهداف قوة – وجميعها مبان شاهقة وأبراج. وقال مصدر أمني لفريق البحث المشترك “كان الهدف من القصف هو انهيار هذه المباني الشاهقة للضغط على حماس، وأيضا حتى يرى الجمهور [الإسرائيلي] صورة النصر.. لكن الأمر لم ينجح، فبصفتي شخص متابه لحماس ، سمعت مدى عدم اهتمامهم بالمدنيين والمباني التي تم هدمها. في بعض الأحيان وجد الجيش شيئاً ما في مبنى شاهق مرتبط بحماس، ولكن كان من الممكن أيضا ضرب هذا الهدف المحدد بأسلحة أكثر دقة. خلاصة القول؛ لقد أسقطوا برجاً من أجل هدمه ليس إلا “
“الجميع يبحث عن أطفاله وسط هذا الركام”
لم تشهد الحرب الحالية مهاجمة إسرائيل لعدد غير مسبوق من أهداف القوة فحسب، بل شهدت أيضا تخلي الجيش عن سياساته السابقة بتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين؛ حيث كان الإجراء الرسمي في السابق عدم مهاجمة أهداف للقوة إلا بعد إجلاء جميع المدنيين منها، وتشير شهادات السكان الفلسطينيين في غزة إلى أنه منذ 7تشرين الأول/ أكتوبر، هاجمت إسرائيل الأبراج السكانية التي لا يزال سكانها بداخلها، أو قصفتها دون القيام باتخاذ خطوات مهمة لإخلائها، مما أدى إلى مقتل العديد من المدنيين. وكثيراً ما تسفر هذه الهجمات عن مقتل أسر بأكملها، كما حدث في الهجمات السابقة المذكورة أعلاه؛ ووفقاً لتحقيق أجرته وكالة أسوشيتدبرس بعد حرب العام 2014، فإن حوالي 89% من قتلى القصف الجوي لمنازل العائلات كانوا من السكان العزل، ومعظمهم من الأطفال والنساء.
ويؤكد تيشلر، رئيس أركان القوات الجوية، حدوث تحول في السياسة، فقد أبلغ الصحفيين أن سياسة “طرق الأسطح” التي ينتهجها الجيش -حيث سيطلق ضربة أولية صغيرة على سطح مبنى لتحذير السكان من أنه على وشك أن يتعرض للقصف- لم تعد قيد الاستخدام “حيث يوجد عدو”. وأضاف أن طرق السقف هو “مصطلح وثيق الصلة بجولات [القتال] وليس بالحرب”. وذكرت المصادر التي عملت سابقاً على أهداف القوة إن الاستراتيجية الوقحة للحرب الحالية يمكن أن تكون تطوراً خطيراً، فالغاية من مهاجمة أهداف القوة في الأصل حدوث “صدمة” غزة وليس بالضرورة قتل أعداد كبيرة من المدنيين. ويذكر أحد المصادر ممن لهم دراية عميقة بالتكتيك: “تم تصميم الأهداف على افتراض أنه سيتم إخلاء المباني الشاهقة من الناس، لذلك عندما كنا نعمل على [تجميع الأهداف]، لم يكن هناك أي قلق على الإطلاق بشأن عدد المدنيين الذين سيتعرضون للأذى. كان الافتراض أن الرقم سيكون دائما صفراً.. وهذا يعني أنه سيكون هناك إخلاء كامل [للمباني المستهدفة]، الأمر الذي يستغرق ساعتين إلى ثلاث ساعات، يتم خلالها استدعاء السكان [عبر الهاتف للإخلاء]، وإطلاق صواريخ تحذيرية، كما نتحقق من لقطات الطائرات دون طيار من أن الناس يغادرون بالفعل المباني الشاهقة”.
غير أن الدلائل من غزة لا تشير إلى ذلك، فبعض المباني الشاهقة -التي نفترض أنها كانت أهدافا للقوة- قد أسقطت دون سابق إنذار. وحدد فريق البحث المشترك حالتين على الأقل خلال الحرب الحالية قصفت فيهما المباني السكنية الشاهقة بأكملها وانهارت دون سابق إنذار ، وفي حالة واحدة، وفقا للأدلة ، انهار مبنى شاهق على المدنيين الذين كانوا بداخله. وفي 10 تشرين الأول/أكتوبر، قصفت إسرائيل مبنى بابل في غزة، وفقاً لشهادة بلال أبو حصيرة(29)، الذي عمل على سحب الجثث من تحت الأنقاض في تلك الليلة. وأسفر القصف على المينى عن مقتل عشرة أشخاص، بينهم ثلاثة صحفيين. وفي 25 تشرين الأول/أكتوبر، قصف مبنى التاج السكني المكون من 12 طابقاً في مدينة غزة بالأرض، مما أسفر عن مقتل العائلات التي تعيش داخله دون سابق إنذار. ودفن حوالي 120 شخصاً تحت أنقاض شققهم، وفقاً لشهادات السكان.
وكتب يوسف عمار شرف، أحد سكان برج التاج، على منصة X أن 37 من أفراد عائلته الذين كانوا يعيشون في المبنى قتلوا في الهجوم: “والدي ووالدتي؛ الأحباب أبو إسماعيل وأم إسماعيل شرف، زوجتي؛ قرة عيني، إسلام بعلوشة، أبنائي وفلذات كبدي (ملك، مالك، ياسمين، نور) ومعظم إخواني وعائلاتهم”(30). وذكر السكان أنه تم إلقاء الكثير من القنابل، مما ألحق أضرارا ودمر شققا في المباني المجاورة أيضاً. وبعد ستة أيام، في 31 تشرين الأول/أكتوبر، قصف مبنى المهندسين السكني المكون من ثمانية طوابق دون سابق إنذار(31). وبحسب ما ورد تم انتشال ما بين 30 و 45 جثة من تحت الأنقاض في اليوم الأول. وعثر على طفل واحد على قيد الحياة، دون والديه. وقدر الصحفيون أن أكثر من 150 شخصاً قتلوا في الهجوم(32)، ظل الكثير منهم مدفونين تحت الأنقاض. وكان يقع المبنى في مخيم النصيرات للاجئين، جنوب وادي غزة -في “المنطقة الآمنة” المفترضة التي وجهت إليها إسرائيل الفلسطينيين الذين فروا من منازلهم في شمال ووسط غزة- وبالتالي كان بمثابة مأوى مؤقت للنازحين، وفقاً للشهادات(33).
ووفقاً لتحقيق أجرته منظمة العفو الدولية، قصفت إسرائيل في 9 تشرين الأول/أكتوبر ما لا يقل عن ثلاثة مبانٍ متعددة الطوابق، فضلاً عن سوق مفتوح للسلع المستعملة في شارع مزدحم في مخيم جباليا للاجئين، مما أسفر عن مقتل 69 شخصاً على الأقل(34). ويقول أحد شهود العيان: “كانت الجثث محترقة… لم أكن أريد أن أنظر، كنت خائفاً من النظر إلى وجه عماد [يقصد ابنه].. كانت الجثث متناثرة على الأرض والجميع يبحثون عن أطفالهم في هذه الأكوام. تعرفت على ابني فقط من سرواله. أردت دفنه على الفور، فحملته وأخرجته”. ووفقاً لتحقيق منظمة العفو الدولية، قال الجيش إن الهجوم على منطقة السوق كان يستهدف مسجداً “حيث كان هناك نشطاء من حماس”. غير أنه -وفقاً للتحقيق- لا تظهر صور الأقمار الصناعية أي مسجد في المنطقة المجاورة. ولم يجب الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي على استفسارات فريق البحث المشترك حول هجمات محددة، لكنه ذكر بشكل عام أن “الجيش الإسرائيلي قدم تحذيرات قبل الهجمات بطرق مختلفة، وكلما سمحت الظروف بذلك، قام أيضاً بتسليم تحذيرات فردية من خلال المكالمات الهاتفية إلى الأشخاص الذين كانوا في الأهداف أو بالقرب منها (كان هناك أكثر من 25000 محادثة مباشرة خلال الحرب، إلى جانب ملايين المحادثات المسجلة والرسائل النصية والمنشورات التي تم إسقاطها من الهواء لغرض تحذير السكان). بشكل عام، يعمل الجيش الإسرائيلي على تقليل الضرر اللاحق بالمدنيين كجزء من الهجمات قدر الإمكان، على الرغم من التحدي المتمثل في محاربة منظمة إرهابية تستخدم مواطني غزة كدروع بشرية”.
“أنتجت الآلة 100 هدف في يوم واحد.”
وفقاً للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، هاجمت إسرائيل بحلول 10 تشرين الثاني/نوفمبر، خلال الأيام الـ 35 الأولى من القتال، ما مجموعه 15,000 هدف في غزة. واستناداً إلى مصادر متعددة، يعد هذا الرقم مرتفعاً جداً مقارنة بالعمليات الرئيسية الأربع السابقة في القطاع. فخلال عملية حارس الأسوار في العام 2021 ، هاجمت إسرائيل 1500 هدف في 11 يوماً. وفي عملية الجرف الصامد في العام 2014، الذي استمر 51 يوماً، ضربت إسرائيل ما بين 5,266 و 6,231 هدف. وخلال حملة “عمود السحاب” في العام 2012، تعرض حوالي 1,500 هدف للهجوم على مدى ثمانية أيام. وفي عملية الرصاص المصبوب” في العام 2008، ضربت إسرائيل 3,400 هدف في 22 يوما. كما أخبرت مصادر استخباراتية خدمت في العمليات السابقة فريق البحث المشترك أنه لمدة 10 أيام في العام 2021 وثلاثة أسابيع في العام 2014 ، أدى معدل هجوم يتراوح بين 100 و 200 هدفاً يومياً إلى وضع لم يتبق فيه لسلاح الجو الإسرائيلي أهداف ذات قيمة عسكرية. فلماذا إذن، بعد ما يقرب من شهرين، لم ينته الجيش الإسرائيلي بعد من أهدافه في الحرب الحالية؟
قد نجد الإجابة في بيان صادر عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في 2 تشرين الثاني/نوفمبر، يذكر فيه أن الجيش يستخدم نظام الذكاء الاصطناعي “حبسورا” لتحديد بنك أهدافه.. و”يتيح استخدام الأدوات الآلية لإنتاج أهداف بوتيرة سريعة، ويعمل من خلال تحسين المواد الاستخباراتية الدقيقة وعالية الجودة وفقاً للاحتياجات [التشغيلية]”(35). وينقل البيان عن مسؤول استخباراتي كبير قوله إنه بفضل حبسورا ، يتم إنشاء أهداف لضربات دقيقة “مع التسبب في أضرار جسيمة بالعدو وأدنى حد من الضرر يمكن أن يصيب غير المقاتلين. فنشطاء حماس ليسوا محصنين -بغض النظر عن المكان الذي يختبئون فيه”. ووفقاً لمصادر استخباراتية، فإن حبسورا يصدر، من بين أمور أخرى، توصيات تلقائية لمهاجمة المساكن الخاصة التي يعيش فيها أشخاص يشتبه في أنهم من حماس أو الجهاد الإسلامي. ومن ثم تنفذ إسرائيل عمليات اغتيال واسعة بقصفها العنيف لهذه المنازل السكنية.
وأوضح أحد المصادر أن نظام حبسورا يعالج كميات هائلة من البيانات التي “لم يتمكن عشرات الآلاف من ضباط المخابرات من معالجتها”، كما أنه يوصي بقصف المواقع في الزمن الحقيقي. وكما تقول المصادر، يتجه معظم كبار مسؤولي حماس إلى الأنفاق تحت الأرض مع بدء أي عملية عسكرية، وهنا سيكون استخدام نظام مثل حبسورا ممكناً لتحديد مواقع منازل نشطاء صغار نسبياً ومهاجمتها. وأوضح ضابط مخابرات سابق أن نظام حبسورا يمكّن الجيش من إدارة “مصنع اغتيال جماعي”، حيث “ينصب التركيز على الكمية وليس على النوعية”. فالعين البشرية “ستتجاوز الأهداف قبل كل هجوم، لكنها لا تحتاج إلى قضاء الكثير لمتابعتها أو الانشغال بها”. وبما أن إسرائيل تقدر أن هناك ما يقرب من 30,000 عضو من أعضاء حماس في غزة، وجميعهم محكوم عليهم بالموت، فإن عدد الأهداف المحتملة هائل.
وأنشأ الجيش الإسرائيلي، في العام 2019 ، مركزاً جديداً يهدف إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لتسريع توليد الأهداف. وتحدث رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق أفيف كوخافي في مقابلة معمقة مع “واينت Ynet ” في وقت سابق من هذا العام عن الشعبة الإدارية التي تعامل مع الأهداف التي تضم “مئات الضباط والجنود، وتستند إلى قدرات الذكاء الاصطناعي الذي بمساعدته يمكن معالجة الكثير من البيانات بشكل أفضل وأسرع من البشر، وتترجمها إلى أهداف للهجوم.. وكانت النتيجة أنه في عملية حارس الأسوار [في العام 2021] ، ومنذ اللحظة التي تم فيها تنشيط هذه الآلة ، ولدت 100 هدف جديد كل يوم. وكما ترى، في الماضي كانت هناك أوقات في غزة نولد فيها 50 هدفاً في السنة. أما الآن وهنا وبفضل هذه الآلة ننتج 100 هدف في اليوم الواحد”(36).
واطلع فريق البحث المشترك من مصدر عمل في قسم الأهداف الجديد هذا: “نحن نعد الأهداف تلقائياً ونعمل وفقاً لقائمة مرجعية.. إنه نظام بمثابة مصنع حقاً؛ نحن نعمل بسرعة وليس ثمة هناك وقت للتعمق في الهدف. وجهة النظر هي أنه يتم الحكم علينا وفقاً لعدد الأهداف التي ننجح في توليدها “. ويذكر أحد المسؤولين العسكريين الكبار لصحيفة جيروزاليم بوست في وقت ستبق من العام طبيعة بنك الأهداف وكيف صار بمقدور الجيش، بفضل أنظمة الذكاء الاصطناعي توليد أهداف جديدة بمعدل أسرع من الهجمات(37). وقال مصدر آخر إن الدافع إلى توليد أعداد كبيرة من الأهداف تلقائيا هو تحقيق لعقيدة الضاحية.
وهكذا سهلت، إلى حد كبير، الأنظمة الآلية مثل حبسورا عمل ضباط المخابرات الإسرائيلية في اتخاذ القرارات أثناء العمليات العسكرية، بما في ذلك حساب الخسائر المحتملة. وأكدت خمسة مصادر مختلفة أن عدد المدنيين الذين قد يقتلون في الهجمات على المساكن الخاصة معروفاً مسبقاً للمخابرات الإسرائيلية ويظهر بوضوح في ملف الهدف المستهدف تحت فئة “الأضرار الجانبية”. وبحسب هذه المصادر ، هناك درجات من الأضرار الجانبية ، يحدد الجيش بموجبها ما إذا كان من الممكن مهاجمة هدف داخل مسكن خاص. ويقول أحد المصادر: “عندما يصبح التوجيه العام “الأضرار الجانبية 5″ ، فهذا يعني أننا مخولون بضرب جميع الأهداف التي ستقتل خمسة مدنيين أو أقل -ويمكننا التصرف في جميع ملفات الأهداف التي تكون أضرارها الجانبية 5 أو أقل”. ويقول مسؤول أمني شارك في مهاجمة أهداف خلال العمليات السابقة: “في الماضي، لم نكن نحدد بانتظام منازل صغار أعضاء حماس لقصفها.. في فترة خدمتي، إذا ما تم وضع علامة على المنزل الذي كنت أعمل فيه على أنه من فئة أضرار جانبية 5 ، فلن تتم الموافقة عليه دائماً [للهجوم].” ويتابع القول لم نكن نحصل على الموافقة إلا إذا كان من المعروف أن أحد كبار قادة حماس يعيش في المنزل.” ويضيف.. “حسب فهمي، يمكنهم اليوم تمييز جميع منازل [أي ناشط عسكري في حماس بغض النظر عن رتبته].. وهذا يعني الكثير من المنازل. أعضاء حماس غير المهمين بأي ولأي شيء حقاً يعيشون في منازل في جميع أنحاء غزة. لذلك، يميزون المنزل ويقصفونه ويقتلون الجميع هناك”.
سياسة منسقة لقصف منازل العائلات.
في 22 تشرين الأول/أكتوبر، قصف سلاح الجو الإسرائيلي منزل الصحفي الفلسطيني أحمد الناعوق في مدينة دير البلح. أحمد صديق مقرب وزميل لي. أسسنا قبل أربع سنوات، أسسنا صفحة عبرية على الفيسبوك تسمى “عبر الجدار”(38)، بهدف جلب الأصوات الفلسطينية من غزة إلى الجمهور الإسرائيلي. أدت الغارة في 22 أكتوبر/تشرين الأول إلى انهيار كتل خرسانية على عائلة أحمد بأكملها، مما أسفر عن مقتل والده وإخوته وأخواته وجميع أطفالهم، بمن فيهم الرضّع. ولم ينجُ سوى ابنة أخته ملك البالغة من العمر 12 عاماً وظلت في حالة حرجة، وكان جسدها مغطى بالحروق. بعد بضعة أيام ، توفيت ملك. قتل واحد وعشرون فرداً من عائلة أحمد ، ودفنوا تحت منزلهم. لم يكن أي منهم من المسلحين. كان أصغرهم يبلغ من العمر سنتين؛ وأكبرهم والده وكان يبلغ من العمر 75 عاماً. أحمد، الذي يعيش حالياً في المملكة المتحدة، هو الآن الوحيد الذي بقي حياً من عائلته بأكملها. تحمل مجموعة عائلة أحمد على تطبيق واتساب عنوان “معاً أفضل”. آخر رسالة ظهرت هناك أرسلها، بعد منتصف الليل بقليل في الليلة التي فقد فيها عائلته. وكتب: “أخبرني أحدهم أن كل شيء على ما يرام”. لم يرد أحد. نام لكنه استيقظ في حالة من الذعر في الساعة الرابعة صباحاً. غارقا في العرق ، فحص هاتفه مرة أخرى. صمت. ثم تلقى رسالة من صديق مع الأخبار الرهيبة. حالة أحمد شائعة في غزة هذه الأيام. فقد ردد رؤساء مستشفيات غزة في مقابلاتهم مع الصحافة، نفس الوصف: تدخل العائلات المستشفيات كسلسلة من الجثث، طفل يليه والده ثم يتبعه جده. الجثث كلها مغطاة بالتراب والدم.
ووفقاً لأقوال ضباط سابقين في المخابرات الإسرائيلية، يكون الهدف المطلوب، في كثير من الحالات التي يتم فيها تفجير مسكن خاص، “اغتيال نشطاء حماس أو الجهاد”، ويتم مهاجمة هذه الأهداف عندما يدخل الناشط إلى المنزل. ومن الواضح أن رجال الاستخبارات على علم ما إذا كان أفراد عائلة هذا الناشط أو جيرانه قد يموتون أيضاً في الهجوم ، ويعرفون أيضاً كيفية حساب عدد الأشخاص المحتمل قتلهم. علماً أن المصادر تشير بأن هذه المواقع المستهدفة هي منازل خاصة لا ينطلق منها أي عمل أو نشاط عسكري ضد الجيش في معظم الحالات. لا يملك فريق البحث المشترك بيانات عن عدد العناصر العسكرية الذين قتلوا أو جرحوا بالفعل في غارات جوية على مساكن خاصة في الحرب الحالية، ولكن هناك أدلة كافية تشير إلى أنها في كثير من الحالات، لم تكن مواقع عسكرية أو سياسية ينتمي إلى عناصر من حماس أو من الجهاد الإسلامي.
وفي 10 تشرين الأول/أكتوبر، قصف سلاح الجو الإسرائيلي مبنىً سكنياً في حي الشيخ رضوان في غزة، مما أسفر عن مقتل 40 شخصاً، معظمهم من النساء والأطفال. في أحد مقاطع الفيديو المروعة التي تم التقاطها بعد الهجوم، شوهد الناس يصرخون، ويحملون ما يبدو أنه دمية تم سحبها من أنقاض المنزل، ويمررونها من يد إلى أخرى. وعندما تقوم الكاميرا بالتكبير ، يمكننا أن نرى ما يجملونه ليست دمية، بل جسد طفل(39). وقال أحد السكان إن 19 من أفراد عائلته قتلوا في الغارة. وكتب ناجٍ آخر على فيسبوك أنه لم يجد سوى كتف ابنه تحت الأنقاض. حققت منظمة العفو الدولية في الهجوم واكتشفت أن أحد أعضاء حماس كان يعيش في أحد الطوابق العليا من المبنى، لكنه لم يكن موجوداً وقت الهجوم(40). ومن المرجح أن قصف منازل العائلات التي يفترض أن نشطاء «حماس» أو الجهاد الإسلامي يعيشون فيها أصبح سياسة أكثر تنسيقاً للجيش الإسرائيلي خلال عملية “الجرف الصامد” في العام 2014. ففي ذلك الوقت، كان 606 فلسطينيين -حوالي ربع القتلى المدنيين خلال 51 يوما من القتال(41)– من أفراد العائلات التي قصفت منازلها. وعرَف تقرير للأمم المتحدة في العام 2015 هذه الإجراءات بأنها جريمة حرب محتملة و”نمط جديد” من العمل “أدى إلى وفاة عائلات بأكملها”(42). وفي العام 2014، قُتل 93 طفلاً نتيجة القصف الإسرائيلي لمنازل العائلات، من بينهم 13 طفل أعمارهم أقل من سنة واحدة(43).
وقبل شهر، تم بالفعل تحديد 286 طفلاً تتراوح أعمارهم بين عامٍ واحدٍ أو أقل قتلوا في غزة، وفقاً لقائمة هوية مفصلة بأعمار الضحايا نشرتها وزارة الصحة في غزة في 26 تشرين الأول/ أكتوبر(44). ومن المرجح أن العدد قد تضاعف أو تضاعف ثلاث مرات منذ ذلك الحين. ومع ذلك، وفي كثير من الحالات، وخاصة(45) خلال الهجمات الحالية على غزة(46)، نفذ الجيش الإسرائيلي هجمات ضد مساكن خاصة حتى عندما لا تكون هذه المساكن محددة كأهداف عسكرية معروفة أو واضحة. فعلى سبيل المثال، ووفقاً للجنة حماية الصحفيين، قتلت إسرائيل، حتى 29 تشرين الثاني/نوفمبر، خمسين صحفياً فلسطينياً في غزة، بعضهم في منازلهم مع عائلاتهم.
رشدي السراج الذي يبلغ من العمر، 31 عاماً، صحفياً من غزة، ولد في بريطانيا، وأسس منصة إعلامية في غزة تسمى “عين ميديا”. وفي 22 تشرين الأول/أكتوبر، أصابت قنبلة إسرائيلية منزل والديه حيث كان نائماً، مما أسفر عن مقتله(47). كما توفيت الصحفية سلام ميمة تحت أنقاض منزلها بعد قصفه، وقتل معها طفلها هادي البالع من العمر 7 سنوات، بينما لم يتم العثور على شام ذات الثلاث سنوات تحت الأنقاض. وقتل صحفيتان أخرتان ، هما دعاء شرف(48) وسلمى مخيمر(49)، مع أطفالهن في منازلهن. واعترف محللون إسرائيليون بأن الفعالية العسكرية لهذه الأنواع من الهجمات الجوية غير المتناسبة محدودة.
بعد أسبوعين من بدء القصف في غزة (وقبل الغزو البري) -بعد إحصاء جثث 1,903 طفل، حوالي 1,000 امرأة، و 187 رجلاً مسناً في قطاع غزة- غرد المعلق الإسرائيلي آفي إيسخاروف قائلاً: “بقدر ما هو صعب سماع ذلك، لكنه حتى اليوم الـ 14 من القتال، لا يبدو أن الذراع العسكرية لحماس قد تضررت بشكل كبير. الضرر الأكبر الذي لحق بالقيادة العسكرية هو اغتيال [قائد حماس] أيمن نوفل”(50).
“نحارب الحيوانات البشرية”.
يعمل نشطاء حماس بانتظام انطلاقا من شبكة معقدة من الأنفاق التي بنيت تحت مساحات شاسعة من قطاع غزة. هذه الأنفاق، كما أكد ضباط المخابرات الإسرائيلية السابقون الذين تحدثنا إليهم تمر أيضا تحت المنازل والطرق. ولذلك، فإن المحاولات الإسرائيلية لتدميرها بالضربات الجوية من المرجح أن تؤدي في كثير من الحالات إلى قتل المدنيين. وقد يكون هذا سببا آخر للعدد الكبير من الأسر الفلسطينية التي تم القضاء عليها في الهجوم الحالي. قال ضباط المخابرات الذين تمت مقابلتهم أثناء إعداد هذا المقال إن الطريقة التي صممت بها حماس شبكة الأنفاق في غزة تستغل عن عمد السكان المدنيين والبنية التحتية فوق الأرض. كما أن هذه الادعاءات كانت أساس الحملة الإعلامية التي شنتها إسرائيل بالتزامن مع الهجمات والغارات على مستشفى الشفاء والأنفاق التي تم اكتشافها تحته. كما هاجمت إسرائيل عدداً كبيراً من الأهداف العسكرية مثل نشطاء مسلحين من حماس، ومواقع لإطلاق الصواريخ، والقناصة، والفرق المضادة للدبابات، والمقرات العسكرية، والقواعد، ومراكز المراقبة، وغيرها.
ومنذ بداية الغزو البري، استخدم القصف الجوي ونيران المدفعية الثقيلة لتوفير الدعم للقوات الإسرائيلية على الأرض. ويقول خبراء في القانون الدولي إن هذه الأهداف مشروعة، طالما أن الضربات تمتثل لمبدأ التناسب. وردا على استفسار من فريق البحث المشترك؛ قال الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي: “الجيش الإسرائيلي ملتزم بالقانون الدولي ويتصرف بموجبه، وبذلك يهاجم أهدافاً عسكرية ولا يهاجم المدنيين. تضع منظمة حماس الإرهابية عناصرها وأصولها العسكرية في قلب السكان المدنيين. تستخدم حماس السكان المدنيين بشكل منهجي كدروع بشرية، وتشن القتال من المباني المدنية، بما في ذلك المواقع الحساسة مثل المستشفيات والمساجد والمدارس ومرافق الأمم المتحدة”.
كما زعمت مصادر استخباراتية تحدثت إلى فريق البحث المشترك أن حماس تتعمد في كثير من الحالات “تعريض السكان المدنيين في غزة للخطر وتحاول منع المدنيين بالقوة من الإخلاء”. وقال مصدران إن قادة حماس “يفهمون أن الضرر الإسرائيلي بالمدنيين يمنحهم الشرعية في القتال”.
وفي حين يصعب، في ذات الوقت، تخيل الأمر الآن، فإن فكرة إسقاط قنبلة تزن طناً واحداً بهدف قتل ناشط واحد في حماس ينتهي بقتل عائلة بأكملها كـ “أضرار جانبية” لم تكن دائما مقبولة بسهولة من قبل قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي. ففي العام 2002، على سبيل المثال، قصف سلاح الجو الإسرائيلي منزل صلاح مصطفى محمد شحادة، الذي كان آنذاك قائد كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس. فقتل مع زوجته إيمان وابنته ليلى البالغة من العمر 14 عاما و14 مدنيا آخرين، بينهم 11 طفلاً. وأثار القتل ضجة عامة في كل من إسرائيل والعالم، واتهمت إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. وأدى هذا الانتقاد إلى اتخاذ الجيش قراراً في العام 2003 بإسقاط قنبلة أصغر وزنها ربع طن على كبار مسؤولي حماس -بمن فيهم زعيم كتائب القسام المراوغ، محمد الضيف- أثناء وجودهم في اجتماع عقد في مبنى سكني في غزة، على الرغم من الخوف من أنها لم تكن قوية بما يكفي لقتلهم. ويقولـ في هذا السياق، الصحفي الإسرائيلي المخضرم شلومي إلدار ، في كتابه “التعرف على حماس” أن قرار استخدام قنبلة صغيرة نسبياً كان بسبب سابقة شحادة، والخوف من أن قنبلة تزن طناً واحداً ستقتل المدنيين في المبنى أيضاً. فشل الهجوم، وفر كبار ضباط الجناح العسكري من مكان الحادث.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2008، وفي أول حرب كبرى شنتها إسرائيل ضد حماس بعد استيلائها على السلطة في غزة، قال يوآف غالانت، الذي كان يرأس في ذلك الوقت القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، إن إسرائيل “تقصف لأول مرة منازل عائلات” كبار مسؤولي حماس بهدف تدميرهم، ولكن ليس بهدف إيذاء عائلاتهم. وشدد غالانت على أن المنازل هوجمت بعد أن تم تحذير العائلات بأسلوب “الطرق على السطح”، وكذلك من خلال مكالمة هاتفية، بعد أن اتضح أن نشاطاً عسكرياً لحماس كان ينفذ داخل المنزل.
بعد حملة “الجرف الصامد” في العام 2014، والتي بدأت خلالها إسرائيل بقصف منازل العائلات بشكل منهجي من الجو، جمعت جماعات حقوق الإنسان مثل بتسيلم شهادات من الفلسطينيين الذين نجوا من هذه الهجمات(51) جاء أن المنازل انهارت على فوقهم فدفن الناس أحياء، وقطّعت شظايا الزجاج جثث من بداخلها، وفاحت رائحة الدم قي المكان.
وتستمر هذه السياسة الفتاكة حتى اليوم –ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى استخدام الأسلحة المدمرة والتكنولوجيا المتطورة مثل حبسورا، وأيضاً إلى المؤسسة السياسية والأمنية التي خففت من قبضة الآلية العسكرية الإسرائيلية.
وها هو غالانت الذي يشغل الآن منصب وزير الدفاع، وبعد خمسة عشر عاماً من إصراره على أن الجيش يبذل قصارى جهده لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين، من الواضح أنه قد غيّر لهجته حين قال يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر: “نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقاً لذلك”.
……
العنوان الأصلي: A mass assassination factory’: Inside Israel’s calculated bombing of Gaza
المصدر: https://www.972mag.com/mass-assassination-factory-israel-calculated-bombing-gaza/
المراجع:
1- https://www.972mag.com/topic/october-2023-war/
2- تطلق حركة حماس على هجومها اسم “طوفان الأقصى”
3- https://www.israeldefense.co.il/node/37949 [ عبري]
4-https://www.972mag.com/october-war-israelis-palestinians-historic/
5-https://www.phr.org.il/wp-content/uploads/2023/11/5771_Sexual_Violence_paper_Eng-final.pdf
7-https://www.maariv.co.il/breaking-news/Article-1044157 [عبري]
8-https://www.972mag.com/gaza-health-system-hospitals-collapse/
9-https://www.ochaopt.org/content/hostilities-gaza-strip-and-israel-flash-update-50
13-https://www.ochaopt.org/content/hostilities-gaza-strip-and-israel-reported-impact-day-35
14-https://www.ochaopt.org/content/hostilities-gaza-strip-and-israel-flash-update-8
15-https://www.ynet.co.il/blogs/gazawar6eve/article/rj4wutsbt [عبري]
17-https://www.mezan.org/en/archive/2/Press-Releases
18-https://news.yahoo.com/un-educational-building-gaza-destroyed-144952127.html?guccounter=1
19-https://www.ynet.co.il/blogs/gazawar5day/article/h1endhqz6 [عبري]
20-https://www.maariv.co.il/breaking-news/Article-1044352 [عبري]
21-https://www.aljazeera.com/news/2021/5/15/give-us-10-minutes-how-israel-bombed-gaza-media-tower
24-https://www.theguardian.com/world/2014/aug/26/israel-bombs-two-gaza-city-tower-blocks
25-https://www.mako.co.il/news-world/arab-q2_2015/Article-784aeae848ccc41004.htm [عبري]
29-https://www.youtube.com/watch?v=QklsbrnWnno
30-https://twitter.com/_Ysharaf/status/1722596375420920273
31-https://twitter.com/AJArabic/status/1719806516096532857
32-https://twitter.com/AlMayadeenNews/status/1720674657278329181
33-https://twitter.com/Bashar_Hamdan/status/1719844784355860691
36-https://www.ynet.co.il/news/article/byatqqx00h [ عبري]
37-https://www.jpost.com/israel-news/defense-news/article-767706
39-https://twitter.com/Husnain62643787/status/1711796332166611056
41-https://www.btselem.org/download/201501_black_flag_eng.pdf
42-https://www.ohchr.org/en/hr-bodies/hrc/co-i-gaza-conflict/report-co-i-gaza
43- انظر الهامش (41)
44-https://drive.google.com/file/d/19xErp5tA1aqHlGoPyx52Dak9LGJ8yioX/view
47-https://www.washingtonpost.com/world/2023/10/19/journalists-killed-israel-gaza-war/
50-https://twitter.com/issacharoff/status/1715445906084893102 [عبري]
51-https://www.btselem.org/publications/summaries/201501_black_flag