هذيان الفضة ( شعر )

الشاعرة : سوسن الحجة ( سورية ) –مدينة جبلة –

( طفلتان في عرض الطريق – تبتلعان الحصى – البلاد وأنا )

كم حفرت في روحي هذه العبارة لسوسن الحجة ، عبارة تلخص وتختصر الألم السوري ، قرأتها عرضاً قبل أن أبدأ بالقراءة الممتعة الإبداعية للشاعرة سوسن الحجة . تكتب سوسن بشفافية عالية ، تشعر بالخفة والتحرر من ثقل الألم ، سوسن تنجح في تحويل الألم إلى نسمات أو ريح ، تشذب الزوايا الحادة الجارحة للألم ، تشعر أن روح سوسن شفافة مثل كلماتها لدرجة شعرت وأنا أقرأ ديوانها الرائع ( هذيان الفضة ) أنني في حضرة روح / كأن ثقل الجسد وحضوره توارى وهي تغوص في أعماق المرأة بعمق وتأمل ، تحررت من التحدث عن الوجع العاري للمرأة ( ظلم المجتمع والنظام الأبوي الخ ) قطعت علاقتها مع تلك الأفكار واللغة التي ماتت وأصبحت ممجوجة . سوسن الحجة روح حرة تخاطب الله :

أصحو .. فوضى تخنق المكان – من يُبعثرني يا الله ؟

أهذا المكان لي ؟ وذا رمل الجسد – أم انخماص الروح – في ضوء الزبد ؟

بين جدران ذاتي – أهمي – غريبة تترك غريبة –

في رجفة الأحلام – انزياح اللون عن مداره – أصحو : من يبعثرني يا الله !!!

تحوم معاني كلمات سوسن إلى الصوفية ، كل ما تكتبه مُبطن بتأمل عميق بمعنى الحياة والألم والحب ، أحب أن أبتكر تعبير : شعر سوسن له بطانه وعلينا أن نتأنى لنقرأ ما تخفي الكلمات التي تبدو واضحة ومفهومة لكنها تضم معاني فلسفية وصوفية ، أي تعبير مدهش حين تكتب ( العشق : أن يُصبح العالم قابلاً للقراءة ) أو تكتب ( النأي : حزن الفكرة – في قلب الماء ) أو ( بين النبل والكآبة – خيط شفيف ) سديم من المشاعر يولدها شعر سوسن في النفس ، نشعر أننا نشاركها في التأمل ، يا للروعة في تعريف العشق هو أن يُصبح العالم قابلاً للقراءة .

لكنها تقتصد في الحديث عن حزنها ( أزرع قصيدة على قبري – أسند موتي بحكاياتك – رخام المسافة – شاهدة القبر . قلمً من حديقة الكتابة – على مقاس الروح – طلقة تقتله ..

واد سحيق يلهو بنا – أبحث عني – لا ضوء يرتعش – لا كلمة – ظلي بلا رأس .

تحكي سوسن عن الحب مُبتكرة لغتها الخاصة ، موغلة في المشاعر ، لا تحكي عن الرجل ( الحبيب ) كذكر ولا كشهوة وتنجو بلغتها من تعابير ألم البعد والفراق ، الحبيب في روح سوسن هو توأم لروحها وكأنه لا يعنيها إن التقيا أم لا فهو في قلبها يسكن روحها ، تتوق إليه ، الجسد والشهوة غائبان من شعر سوسن ( إلا نادراً ) لأن أساس الحب روح تعشق روحاً . تقول

  • أختال بين كائنين – أنت والكتابة
  • ألاحق شعاعك – كعتمة – تعشق الهاوية .
  • وأنا هنا – امرأة تنتظر غدها – تصقل وجه السماء – تُقلم الشمس – صقيعاً صقيعاً – تٌعلم جرحها –كيف يهديها الزهور ؟ -تُكنس صفحة الأبدية .
  • عميقة تلك العبارة ( أختال بين كائنين –أنت والكتابة ) وأظن هذا هاجس كل النساء المبدعات ، فمن الصعب أن تجد رجلاً يقبل ندية المرأة خاصة إن كانت مبدعة أو ناجحة أكثر منه ، لكن سوسن لا تخون حريتها وكرامتها كمبدعة ولا ترضى أن تتنازل عن الكتابة من أجل حبيب ، وهي لا تنكر حيرتها المؤلمة لكن الحب بالنسبة لها هو الندية والمساواة بين المرأة والرجل خاصة في مجال الإبداع .
  • أحببت في شعر سوسن الحجة الاختزال ، وتكثيف المعنى ، هي لا تسقط في فخ إغواء اللغة بل تمسك خيوط الإبداع كلها بيدها وتكتب . وما أجمل قولها ( أنا امرأة تحن إلى نبعها ) . أخيراً أحب أن أختم بما كتبت سوسن :
  • وطن يجوع -إلى وطنه – يمحو قمراً حزيناً – في سلال الذاكرة .

عن هيفاء بيطار

شاهد أيضاً

أدب السبعينيات الفلسطيني: بدايات زمن الرواية

في العام 1999 صدر كتاب الناقد المصري جابر عصفور “زمن الرواية” وعنوانه يفصح عن محتواه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *