قراءة في كتاب”وايزمن وسموتس، دراسة حول التعاون الصهيوني الجنوب أفريقي”
إن ما تشهده الساحة السياسية في العالم من جهة، ومنطقتنا العربية على وجه الخصوص، من تماهي إسرائيل في المضي نحو تحقيق وإتمام مشروعها الاستيطاني الغاشم يدعونا لدراسة العوامل الرئيسية التي استند عليها زعماء الحركة الصهيونية في تحقيق أهدافهم القريبة والبعيدة أمام صمت عالمي عربي مطبق تتطلب دراسة العوامل التي ساعدت اسرائيل على تحقيق ذلك .
حقق الزعيم الصهيوني الشهير حاييم وايزمن الروسي الأصل، النواة الأولى للمشروع الصهيوني وقيام دولة اسرائيل فيما بعد، عندما أقيمت باسمه مستعمرة في فلسطين تحت الانتداب البريطاني والتي عرفت بمستعمرة داوود تقديراً منها لاكتشافه طريقة صناعة الأسيتون، الذي كانت له أهمية في دفع الإنتاج الحربي المتصل بصناعة المتفجرات، كما كان لعمله في خدمة البحرية البريطانية أثره في تطوير الحركة الصهيونية.
تولى وايزمن ما بين 1917-1935 رئاسة المنظمة الصهيونية العالمية، والمفاوضات التي تمخضت عن وعد بلفور 1917، والذي رأى بفلسطين نقطة استراتيجية هامة في الإمبراطورية البريطانية وبأن الشعب الوحيد الذي يمتلك المال لتطويرها هو اليهود.
قبل نهاية الحرب العالمية الأولى كانت الجالية اليهودية الجنوب أفريقيّة أغنى جالية في العالم على أساس الفرد الواحد، إلا أنها رغم المكاسب الاقتصادية كانت تفتقر إلى الازدهار الثقافي.
إن احتلال بريطانيا لمصر في العام 1883 دفع بها إلى الاهتمام المباشر بفلسطين كدفاع لاحق عن قناة السويس، وقد أبدت الحكومات البريطانية المتوالية اهتماماً متزايداً بالصهيونية السياسية بعد العام 1900، وبرزت للوجود إمكانية الاستيلاء البريطاني القسري على فلسطين بصفتها استجابة للمطامح الصهيونية وبدأ لتأسيس مستوطنات يهودية في فلسطين على أساس فردي في عهد هيرتزل الذي عارض الهجرة الفردية المتكتمة بغية منحها سيادة أكيدة تكون آمنة في ظلّ القانون، ولقد منحت البراءات للشركات التجارية والاستعمارية التي شكلت الفكرة الرئيسية لنشاطاته من العام 1895 حتى وفاته في العام 1904.
أكد هيرتزل العلاقة بين الصهيونيّة والمصالح الإمبريالية الصهيونية في وقت عمَّ فيه الذعر في بريطانيا بسبب تدفق اللاجئين اليهود الروس وما رافقهم من تهديد لمستوى الحياة في عهد جيمس بلفور حين أصبح عدد اليهود في بريطانيا 10 ملايين نسمة.
اقترح هيرتزل أن تكون سيناء مركزاً لتجمع الشعب اليهودي جوار فلسطين، لكن وزير المستعمرات البريطاني رفض مغادرة مصر وعرض على هرتزل مشاركة اليهود ثروات تلك الممتلكات البريطانية، لكن هرتزل أكد وجوب الاستيطان في فلسطين، أو بالقرب منها وموافقته الاستيطان في أوغندا أو قبرص أو سيناء، لوجود جماهير ضخمة مستعدة للهجرة، من أجل الوصول النهائي نحو فلسطين.
وافق هرتزل في المؤتمر الصهيوني السادس الذي انعقد في العام 1903 على إنشاء مستعمرات يهودية تتمتع بحكم ذاتي في أوغندا ضمن مساحة كبيرة من الأرض، مما أدى موقفه هذا إلى انقسام المؤتمر وانشقاق الحركة الصهيونية بذريعة افتقاد مشروعه لـ “الإغراء التاريخي”، فأُبطلَ المشروع ولم يعد أحد يطرحه بعد وفاة هيرتزل.
تزعم وايزمن الزعامة الصهيونية في العام 1904, في أعقاب وفاة هيرتزل. وكان وايزمن يرى أن على فلسطين أن تقع ضمن مجال النفوذ البريطاني وبأن بريطانيا لو شجعت استيطاناً يهودياً في فلسطين لكان بالإمكان هجرة مليون يهودي إليها خلال مدة لا تقل عن عشرين عاماً ولا تزيد عن ثلاثين عاماً على أبعد تقدير، وبالتالي سوف يكون هؤلاء المهاجرين على أهبة الاستعداد للدفاع عن المصالح البريطانية في قناة السويس المهمة بالنسبة لها، وفي المقابل, سوف يحصل هؤلاء المهاجرون على وطن لهم.
ساعد وايزمن على تحقيق حلمه قبوله وظيفة رسمية حكومية في لندن استطاع عبرها توسيع علاقاته برجال الدولة ووزراء المستعمرات والخارجية كبلفور وتشرشل، فغدا حلم وايزمن في العام 1917 وعد بلفور بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، على ألا يلحق الضرر بالحقوق الدينية والمدنية والسياسية للجماعات غير اليهودية في فلسطين، ولا بحقوق اليهود في أي بلد آخر. ويقول وايزمن إن وصوله لهذا الوعد استغرق ثلاثون عاما من استقطاب الشخصيات البارزة، مثل بلفور وتشرشل وسواهما من موظفي الحكومة البريطانية، وكذلك العديد من الشخصيات السياسية و المؤثرة في الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا، ولعلّ من أبرزهم (جان كريستيان) سموتس.
عرف سموتس بأنه عسكري وسياسي بويري، لعب دورا هاما في الحربين العالميتين ، ولد في جنوب أفريقيا في العام 1870 لعائلة ثرية من البيض تعود بأصولها إلى هولندة. درس المحاماة بجامعة كمبردج واشترك في حرب البوير ضد البريطانيين. عمل، فيما بعد، على التقريب بين المشروع الصهيوني وبريطانيا فمنحته بريطانيا رتبة مارشال واشترك في وضع ميثاق الأمم المتحدة في العام 1941 ومن ثم أصبح رئيسا للجمعية (الملكية) البريطانية وتوفي في العام 1950. ويعتبر سموتس من الشخصيات الاستعمارية التي آمنت بالحركة الصهيونية وفاق ولاءه لها إخلاص العديد من الصهاينة اليهود، وكان هذا سبباً في تكريس علاقة حميمة ووطيدة بينه و بين الزعيم الصهيوني وايزمن، والتي كان لها كبير الأثر في تحقيق أهداف الصهيونية.
استخدم سموتس منصبه ونفوذه القوي في لندن لصالح الحركة الصهيونية وقضيتها, فتبنى ورعى ودعم أهدافها, لاسيما وعد بلفور على وجه الخصوص، مما أثمر تحالفاً ثنائيا بينه وبين وايزمن ضد لندن.
بعد عودة سموتس إلى جنوب أفريقيا, تولى منصب رئاسة الوزراء هناك، بالإضافة إلى وزارة الشؤون المحلية، في وقت كانت تعاني فيه البلاد من كساد اقتصادي في أعقاب الحرب العالمية الثانية, الأمر الذي ساهم في تدهور أوضاع الأفارقة في جنوب أفريقيا. وظهور بعض الثورات وأهمها الهوتنيوت بزعامة الجنرال هيرتزوك.
ولكن سموتس تمكن من إخماد تلك الثورات وتمادى في بطشه وتمييزه العنصري، مما أدى إلى إدانته من الاشتراكيون الدوليون فقات المنظمات العمّالية بمؤازرة الجنرال هيرتزوك, فتمكن مناصري هذا الأخير من إلحاق هزيمة نكراء في صفوف جنود سموتس الذي اضطر لتسليم السلطة بعد سبع عشرة سنة قضاها في ممارسة سياسات التمييز العنصري لم يتوقف خلالها عن تدعيم مساندة الجالية اليهودية الجنوب أفريقية فأعلن بأن “العهد القديم” هو أروع الآداب التي تفتّق عنها الذهن البشري على الإطلاق، ويخصص بالقول السكان الهولنديون البيض القدامى في جنوب أفريقيا، وناشدهم تقديم المساعدة لإخوانهم المحزونيين تشجيعاً لبناء وطنهم في فلسطين.
انعقد في العام 1920، مؤتمر سان ريمو، الذي قرّر حدود فلسطين تحت الانتداب البريطاني وفقاً لمؤتمر السلام ودمج وعد بلفور بالتسوية. و أبرق سموتس للكولونيل المختص بالمستعمرات وأوصى بتأمين الحدود الشمالية لفلسطين بحيث تضم نهر الليطاني، على أن تنساح الحدود الشرقية حتى خط سكة الحجاز، و ينبغي لصك الانتداب أن يراعي، في صياغته، فسح المجال للتطورات الصناعية والزراعية اللاحقة التي سوف تنشأ بسبب الهجرة التي يجب أن تكون واسعة ودون قيد، وعمل سموتس على احتمال توسيع منطقة الاستيطان في لبنان والاردن.
أقرّ تشرشل ما ذكره سموتس بخصوص أهمية الحركة الصهيونية للمصالح الامبريالية البريطانية والعمل على تأمين موطناّ ومركزاّ في فلسطين لـ “العرق اليهودي” المنتشر في جميع أنحاء العالم، على الرغم من تباين رغبة اليهود البريطانيين فيما يتعلق بموضوع الهجرة ( إلى فلسطين), وقدرة البلاد على استيعاب 4 ملايين يهودي . و لم يخفِ وايزمن مخاوفه من نقض تشرشل لسياسة بريطانيا فوجّه له رسالة ينصحه فيها بتطابق المصلحة اليهودية الإنكليزية في فلسطين، بل وأضاف أن بريطانيا استخدمت الصهيونية لتثبيت المركز الذي فازت به في فلسطين، ويترتب على هذا الاعتراف بأن سياسة بريطانيا في فلسطين كانت مخيبة للآمال.
بعد عودة سموتس إلى جنوب أفريقيا قدّم تقريراً للصهاينة هناك عن مباحثاته مع وزير المستعمرات بخصوص إضرابات يافا وما نتج عنها من قرار وقف الهجرة الصهيونية من بريطانيا وبأنه قابل تشرشل وبحث معه الموضوع وحصل على وعود مرضية بشأن المستقبل لإقرار سياسة الوطن القومي وتعمل على استيعاب مزيداَ من المهاجرين وبإجراء تغييرات تحقق ذلك وأنه قد أبلغ وايزمن بنتائج اللقاء .
استدرج وايزمن سموتس نحو تقديم المزيد من الدعم ليهود جنوب افريقيا بطلبه الترحيب بلجان ستتوجه نحو جنوب أفريقيا في جولة لجمع الأموال من أجل دعم الصندوق الصهيوني المركزي وأكد سموتس لوايزمن مساعدته للقضية اليهودية في حال ساءت الأمور في فلسطين. فأعلن سموتس جهاراً في العام 1922، كاستجابة للبيان الأبيض بإعطاء المصالح اليهودية الأولوية التامة في فلسطين أنه سيكون من الشؤم على بريطانية التخلي عن الهدف بشأن تحقيق وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وبأنه “لا شيء سيحرف وجهة نظرنا عن تحقيق ذلك”.
وكان سموتس على اتصال وثيق مع وايزمن و المكتب المركزي للمنظمة الصهيونية ( العالمية) أثناء انعقاد لمؤتمر الإمبراطوري سنة 1923، مشيرا جهوده المبذولة في إقناع رؤساء الوزراء البريطانيين الآخرين، وهو ما ساهم في الحصول على تأكيدات جديدة للحفاظ على مبدأ ( إنشاء) الوطن القومي لليهود، وأعلن سموتس من لندن للمؤتمر الصهيوني الجنوب أفريقي بأن رئيس الوزراء أعلن أن هذه لمسألة بدأت تسير بخطىً متسارعة و بنجاح كبير، وأن كل ما تبقى على الصهاينة في جميع أنحاء العالم هو الاستفادة من الفرص المتاحة لهم لتحقيق مشروع الوطن القومي بكل الوسائل الشرعية.
أعفي سموتس في العام 1924 من منصبه في رئاسة الوزراء، مما أتاح له الوقت الكافي لتكريس جهوده لدعم القضية الصهيونية، واعتبر أن صيغة الوطن القومي سوف تعود للظهور من جديد، وبقوة، بعد أن تاهت في الصحراء لسنوات عديدة، وعلى الجانب الآخر، طرحت انتفاضة لبراق في العام 1929 في فلسطين تهديداً جديداً للمشروع الصهيونية، وشكّلت الهجمات على المستوطنات الصهيونية وعلى أماكن عملهم و سكنهم في القدس و الخليل و صفد و أماكن أخرى خراً جدياً على الأهداف الصهيونية, وعرقلت تأسيس الوكالة اليهودية لفلسطين في المؤتمر الصهيوني السادس، وقد طغت أحداث انتفاضة البراق على موظفي سلطة الانتداب البريطاني، فتسببت في فتور واضح للعلاقة بين وايزمن و السلطات البريطانية، مما أدى، بدوره، لإضعاف نقاط القوة التي كان يتمتع بها وايزمن، فلم يكن بوسع هذا الأخير إلّا التحذير ن تبعات الضعف الذي رآه يعمّ الإمبراطورية بأسرها تمهيداً للإشارة بأهمية الصهيونية و مشروعها في المنطقة بالنسبة للمصالح البريطانية, ولم يتأخر سموتس عن دعم و تأييد صديقه وايزمن، فأعلن بأن على بريطانيا الالتزام بتعهداتها السابقة لتكسب ودّ يهود العالم، وحذّر من مضاعفات عكسية على بريطانيا في كلٍّ من آسيا وافريقيا، لما تشكله فلسطين من حلقة وصل حيوية لمواصلات الإمبراطورية بسبب موقعها الهام قرب قناة السويس، وأشار وايزمن، من جهته، بأنه على بريطانيا أن تتخلى عن انتدابها لفلسطين في حال عدم تجاوبها لتأمين تنفيذ ما ورد في بنود الانتداب، في الوقت عينه الذي أكّد من جديد على ولائه لبريطانيا.
تابعت بريطانيا مشروعها الرافض لرغبات وايزمن، في حينه، فنشرت في العام 1930 وثيقة توقف بموجبها الهجرة اليهودية وعمليات شراء الأراضي، مما اعتبر تخليّاً عمليّاً عن صك وعد بلفور، وكان لهذه الوثيقة من شأنها أن تستدعي تدخّل سموتس المباشر من جديد باعتباره أحد المسؤولين عنه، فقام بتذكير السلطات البريطانية بما يلقاه الوعد من تأييد من أميركا ويهود العالم، ودعا إلى تنفيذ بنوده فوراً.
عاد وايزمن لترأس الوكالة الصهيونية بعد اعتزاله السياسة ما يقارب الأربع سنوات، توجه فيها إلى جنوب افريقيا لدعم الجالية اليهودية هناك، التي ازدادت أعدادها بسبب تدفق اللاجئين من ألمانيا الهتلرية، مما ساهم في اختلال “التوازن الثقافي” والتمييز العنصري بين القادمين الجدد من يهود أوروبا ويهود جنوب أفريقيا المحليين.
لم تجدٍ نفعاً السياسات الترقيعية لسلطات الانتداب، فاندلعت الثورة العربية ” الكبرى” في فلسطين في العام 1936, وهي الفترة التي هدت دفقاً غنياً من المراسلات والتشاور بين وايزمن وسموتس، فاقترح الأخير اختصار عدد المهاجرين مؤكداً ضرورة منح الثقة للحكومة البريطانية، ومحرضاً وايزمن على متابعة الأهداف الأولى، مؤكداً ضرورة بقاء الحركة الصهيونية تحت كنف الانتداب من أجل المحافظة على منجزات وعد بلفور. ومع اقتراب الثورة من نهايتها، وتحديداً في العام 1938، بدأ الموقف الأمريكي يميل لأن يكون عامل توازن للسياسة البريطانية مع تأييد ودعم اليهود الأمريكان لأقرانهم في فلسطين، وليس أدل على ذلك من إشارة سموتس إلى احتمال انتقال مقر المؤسسة اليهودية من لندن إلى نيويورك .
رافق دخول بريطانيا الحرب العالمية الثانية عام 1939 نوع من الهدنة السياسية في فلسطين، وقد فرضت الحرب في أوروبا أبعاد جديدة للصراع في فلسطين بدأت بفرض حكومة فلسطين الانتدابية قيوداً واسعة على بيع الأراضي إلى اليهود، وهذا ما عارضه، بطبيعة الحل، سموتس، ما عمل وايزمن على فضحه أثناء زيارته لأمريكا و التقائه باليهود هناك، الذين أكدوا له أنهم لن يسمحوا للحكومة البريطانية بمزيد من الانجراف في سياستها، ودعوا الحكومة البريطانية إلى توضيح حقيقة ما يجري في فلسطين, وخلال الفترة بين 1939 و 1941 كانت الحركة الصهيونية تعمل على تأسيس “جيش يهودي” زاد من مخاطر الأعمال الإرهابية ضد الإنكليز في فلسطين.
أثبت سموتس مقدرته على حبك نصوص لاهوتية على شكل قواعد سياسيّة تنص على أن وعد إبراهيم عليه السلام أصبح جزءً من القانون الدولي للعالم متمثلاً بوعد بلفور، مستعرضاً آلام اليهود في ألمانية النازية، مشيراً إلى دعوة العالم للخالق الذي مازال يقود تقدم “العرق اليهودي” بتردد نحو هدفه.
بدأت عام 1944 نهاية الحرب تلوح في الأفق والتي كان سموتس، أثناءها، يعد العدة لما بعد الحرب بمزيد من الاهتمام بالولايات المتحدة وبتحقيق شكل أقوى لعصبة الامم التي ارتبط اسمه بها ارتباطاً وثيقاً لضمان إجبار الحكومة البريطانية على التخلي عن قيود الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
توجه سموتس إلى لندن معلناً أن أفضل الحلول في ظل ما يشهده العالم العربي من اضطراب هو تقسيم فلسطين بشكل ينصف اليهود ويؤسس لدولة يهودية قابلة للنمو، وفي تلك الأثناء استخدم وايزمن ورقة ضغط جديدة حذّر فيها من هجرة شديدة لليهود نحو بريطانيا وأميركا محذراً من وابل يهودي يغرق الغرب مسيجاً تلك التهديدات بصيغة ديبلوماسية مشيراً إلى ضرورة إقامة دولة يهودية في القدس بهجرة ثلاثة ملايين يهودي في السنتين القادمتين، مبدياً عدم رغبته بمفاوضة العرب باعتبار امساك بريطانيا مقاليد الأمور، حيث كانت في جانب آخر تدور محادثات بين روزفلت والعاهل السعودي حاول فيها روزفلت الحصول على موافقة بني سعود لتأسيس دولة يهودية في فلسطين مؤكداً أن رفض بني سعود أو أي طرف عربي آخر سيهدم أمله بتحقيق ذلك.
قدّم سموتس إلى وايزمن النصح بالتخلي عن فكرة التقسيم والبقاء تحت مظلة الانتداب البريطاني طمعاً بفلسطين كاملة غير مقسمة خوفا من حالة عدم الاستقرار والذي سيضمن بدوره فرصة لمزيد من الهجرة اليهودية في ظل تخفيف الشروط الجائرة عليها الآن، ووعد بالموافقة على حراسة المصالح الصهيونية في مؤتمر سان فرانسيسكو عبر عصبة الأمم.
تبنى مؤتمر الأمم المتحدة مقدمة الميثاق التي أعدها سموتس بإقرار سلطة القوى العظمى، وهي سلطة الفيتو كإقرار بواقع القوة، مشترطاً تحويل الأراضي تحت الانتداب إلى أراضٍ تحت الوصاية والتي استثنت بموجبه بريطانيا فلسطين وشرق الأردن من هذا الترتيب , وفي أيلول\ سبتمبر 1946 اقترحت اللجنة الخاصة بفلسطين التابعة للأمم المتحدة التقسيم وأوصت الجمعية العمومية بدولة يهودية، وكان التأييد العام للتقسيم يمثل حينئذ السياسة الصهيونية الرسمية والذي لعب وايزمن دوراً فاعلاً لتأمين ثلثي الأعضاء، مؤكداً معجزة توافق الموقف الإيجابي لأميركا وروسيا بعد تردد ملحوظ وموقف محايد من بريطانيا، وتمكن سموتس من تأمين موقف وفد جنوب افريقيا، وهكذا لاقى تقرير اللجنة الخاصة بفلسطين التابعة للأمم المتحدة قدراً كبيراً من التأييد كبنية رئيسية للمناقشة، وقفت منه بريطانيا موقفاً محايداً.
لعب المال اليهودي الجنوب أفريقي دوراً بارزاً في إقامة المستعمرات عبر جالية يهودية جنوب أفريقية في العديد من المناطق الفلسطينية ممن يديرون مزارع خاصة ، مما ساهم في التأسيس لمشاريع إنتاجية لتطوير فلسطين اقتصاديا بهدف توسيع مجال الاستيطان والوطن القومي اليهودي، وهذا ما كرّس الصداقة المعهودة بين سموتس ووايزمن، اللذان انصبت جهودهما من جديد لضمّ بريطانيا من المعسكر المؤيد للعرب إلى المعسكر المؤيد لمصالح اليهود باعتبار أن موقف بريطانيا الحالي سيقلل من هيبتها و سوف يشكّل استمرارها ف تأييد العرب خطراً واضحاً على القضية اليهودية برمتها. وما إن حلّ العام 1947 حتى بات تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية هو السياسة المعلنة للأمم المتحدة بعد ما يقارب من إحدى وثلاثين عاما من العمل لصالح المشروع الصهيوني. وبحلول العام 1948 تفاقمت حدة العنف الناجمة عن إقرار مشروع التقسيم، وزادت حدة المضاعفات الاقتصادية والعسكرية والسياسية للولايات المتحدة، مما تسبب منها تراجعاً عن فرض التقسيم والعمل، من جديد، على إقرار الوصاية في مجلس الأمن، وهذا ما أثار استياء وايزمن الذي عاد لطلب العون والمشورة من سموتس عبر الوفد الجنوب أفريقي في الأمم المتحدة في لحظة تاريخية حرجة سبقت الانسحاب البريطاني من فلسطين, الذي أُعلنَ عنه في الخامس عشر من ايّار 1948 و الإعلان عن قيام إسرائيل في اليوم ذاته فاعترفت بها عدة دول عدا بريطانيا التي كانت تدعم الجيوش العربية في فلسطين بالأسلحة و العناصر رغم مطالبة الولايات المتحدة بوقف الأعمال القتالية في البلاد. و أرسل وايزمن رسالة إلى سموتس طلب فيها ضرورة اعتراف جنوب افريقيا بالقرار، باعتبار سموتس أهم من تبنى المشروع الصهيوني، لكن سموتس تحفظ حيال الاعتراف بالدولة الوليدة مراعاة للحساسيات البريطانية في جنوب افريقيا والذين كان الكثير منهم يكن كرهاً لليهود من جهة وللمسلمين الذين يواجهون الإنكليز من جهة أخرى. وبالمقارنة تم الاعتراف بالصداقة الصهيونية دون الدولة الناشئة. و في 26 أيار\ مايو سقطت حكومة سموتس نتيجة المواجهات بين جماعات الإرهاب اليهودي والجنود البريطانيين في فلسطين، مما نسف الشعور المؤيد للبريطانيين، وقدمت حكومة الحزب القومي الجديدة في جنوب أفريقيا اعترافاً رسمياً بإسرائيل، بل وانضم كثيرون إلى صفوف مقرري مصير اسرائيل. في الوقت الذي تم فيه تنصيب وايزمن أول رئيس لدولة إسرائيل.
رأى سموتس انتخاب وايزمن بمثابة تحقيق للقضية التي عمل عليها منذ العام 1918، وبأن وايزمن استطاع بنفوذه إنشاء أساس متين لبناء دولة بغياب سلطة و غياب جيش، ورأى أن الموقف البريطاني ن إسرائيل يعود سببه إلى الخوف من العرب بينما لم يرَ سموتس بأن العرب يشكلوا مسألة عسكرية خطيرة.
يتفاخر سموتس بكونه ساهم في دفع أعظم حدث في التاريخ نحو الأمام وهو تأسيس الدولة اليهودية، وأجرى مقارنة بين أحداث الثلاثة آلاف سنة الماضية والأحداث المعاصرة، فقال : لقد جاء اليهود من الصحراء وتدفقوا نحو البلاد التي وعدوا بها لأن الناموس كان فيهم قوياً فاستولوا على البلاد من العمّونيين، والفريسيين، ومن شعوب أخرى مذكورة في العهد القديم. و يؤكد على لسانه ” آمنت بكل جوارحي بالعدالة التاريخية”.
بوفاة سموتس في الحادي عشر من أيلول\ سبتمبر1950، ينتهى فصلٌ هام في العلاقات الصهيونية- الإسرائيلية والجنوب أفريقية التي بنيت على ثوابت آمنة.
……
ملاحظة: سوف يعذرني من سيقرأ هذا التلخيص لغرابة اللغة والتراكيب وبعض الجمل، وذلك يعود في اعتقادي لسوء الترجمة، رغم محاولتي أن أنقل بأمانة محتوي الكتاب دون تدخل أو شرح، وأتمنى على من لديه نسخة أصلية أن يعمل على ترجمته من جديد نظراً لأهميته رغم تقادم الزمن. والكتاب من تأليف ريتشارد ستيفنس أستاذ مادة التاريخ في جامعة لينكولن\ بنسلفانيا الأمريكية, وصدرت طبعته الأولى في بيروت سنة 1975 عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية بعنوان Weizmann and Smuts: A Study in Zionist-South African Cooperation ، وصدرت الترجمة العربية دون تاريخ ( يبدو أنها في العام 1975 أيضاً وذلك حسب تاريخ مقدمة الطبعة العربية الصادرة عن : منشورات الطلائع- قوات الصاعقة في دمشق و ترجمة رفيق إبراهيم جبور، و مراجعة وتقديم العميد الركن محمد الشاعر)