كان الناقد العربي الفلسطيني الكبير يوسف سامي اليوسف (أبو الوليد) يجمعنا دوماً… في كل حين نزوره، لا نشعر إلّا وأتى فلان وفلان وفلان من أدباء ومثقفي سورية دون مواعيد، دائماً وأبداً حاضر لاستقبالنا..
في أي موضوع سياسي كان يُنهي الجدال بيننا بمنتهى الحسم والبساطة بحيث ينقلنا الى مطرح أبعد مما نفكر وأقرب مما نتواجد فيه جميعاً من استلاب وقهر واحتلال وقمع ورعب.
في الموضوعات الأدبية، كدارس ومختص في الأدب الإنكليزي كان مطلعاً على الكثير من علماء وفلاسفة النقد الأجنبي ما أعطاه أفقاً إضافياً يفيض عن حاجة الآخرين.
من كتبه “ما الشعر العظيم” قمة في متعة القراءة.
آخر ما أهدانيه كتاب جديد له “مقال في الرواية” وكتاب قديم “النفري” في الصوفية، وله أيضاً “قراءة في الشعر الجاهلي، و”الفيض الإلهي”.
كتب عن غسان كنفاني وسميره عزام و ت .س. إليوت، والديانة الفرعونية وغيره كذلك.
أبو الوليد مخزون فكري عجيب، مزيج من الصوفية والتألق والتطرف في الذائقة. ذاكرة غنية بالمشاهد والتاريخ الفلسطيني والعربي… وأبو الوليد لا يؤرخ الحدث، بل يُحدّث التاريخ هذا الذي زيّفوه بالسياسة والمثاقفة والمقدس.
كثيرا ما حدّثنا عن “لوبيا” قريته الفلسطينية يوم خرج منها طفلاً مثقوب الوجع وملتئم الذاكرة.
كان يكتب بعض القصائد، لكنّ الناقد مسكون دوماً بنقده كما الشاعر بشعره.
في آخر زيارة له بعد العملية الثانية لقلبه رجوته أن يُحافظ عليه، لأننا بحاجة إلى ما يضخّ لشبابنا الدماء.
أدعو المختصين في الآداب الى إدراج كتبه في الجامعات كمراجع للمختصين والباحثين. هذا ونُمي إليّ أن نظريته في الشعر تُدرّس في السوربون.
ينطفىء الإنسان كما تنطفىء قناديل بلاده وليس فقط بالحروب نخسر الأوطان، لكن أيضاً عندما يتساقط الأعلام.
شاهد أيضاً
قضية دير مار الياس الكرمل: الديني والسياسي (1)
القسم الأول آلاف من الحجاج المسيحيين واتباع الطوائف المسيحية العربية في الوطن يؤمّون دير مار …