Titian: Sisyphus Sisyphus, oil on canvas by Titian, 1548–49; in the Prado Museum, Madrid. Heritage Image Partnership Ltd./Alamy

منهج النقد الأسطوري

منهج النقد الأسطوري

Mythological Criticism

كثيراً ما ننجذب للحكايات الأسطورية والخرافية، ونتحلق حول ساردها الكبير قبل الصغير للسماع والاستمتاع، ولمّا كان هذا النوع الأدبي فنٌّ وجب تقويمه؛ ظهر النقد الأسطوري الذي انصرف لنقد المتون النصيّة التي اختص اهتمامها بهذه الموضوعات، وكثيراً ما يلجأ الكاتب لهذه المتون لأسباب سياسية و دينية و ثقافية[1].

فالأسطورة هي: “حكايةٌ تلعب فيها الآلهة دوراً أساسيا “[2] ، فهي قصص عن كائنات خرافية قد تكون حقيقةً أو جزءاً من الحقيقة[3]، وهي “حكاية مجهولة المؤلف تتحدث عن الأصل والعلّة والقدَر ويفسر بها المجتمع ظواهر الكون والإنسان”[4], وتشمل أنواعها الأسطورة الدينية والتاريخية والأدبية والرمزية، وتضم الترميز وأدب الرعب والخيال والفانتازيا والخرافات وقصص الجان والأشباح والخوارق.

أما النقد الأسطوري هو النقد الذي “يقوم على استقراء الظواهر الأسطورية داخل النصوص الإبداعية، ثم تَتَبُّع مصادر هذه الأساطير الموظفة ثم يصنفها تصنيفاً نوعياً ثم يحدد طرائق التوظيف الأسطوري في النصوص الإبداعية موضوع الدراسة للوقوف على تجلياتها داخل العمل الأدبي، ومدى احتفاظها بخصائصها كشخصية، أو حادثة أو موقف أسطوريا، من خلال احتفاظها بالحد الأدنى للخصائص الجوهرية، ومدى تحولها داخل العمل الأدبي”[5].

 

إجراءات النقد الأسطوري

  • الفهم من خلال القراءة وتفكيك النص.
  • التفسير والتأويل ضمن التصور الأسطوري يدرس الرموز والصور الخيالية.

ولا نكتفِ بالبحث عن الجماليات إنما عن الماضي الثقافي والاجتماعي والإنساني لهذا العمل.

 

آليات النقد الأسطوري

1-التجلي (Emergence): أي حضور العناصر الأسطورية في العمل بشكل صريح أو عن طريق الإشارة من خلال العنوان أو الاقتباس أو ذكر كلمة[6].

2-المطاوعة (Flexiblite): قابلية العنصر الأسطوري للتشكل وفقاً لرؤية المبدع وخلفياته المعرفية، عن طريق التماثل والتشابه والفروق والتغيرات والاختلافات، والغموض وتعدد الرؤى[7].

3-الإشعاع (lrradiation): هي الخصائص الذاتية التي يمتلكها العنصر الأسطوري للقدرة على الإشعاع من خلالها يستطيع المبدع أن يستغلها كي تشع الأسطورة في العمل الأدبي[8].

من خلال هذه الآليات ينطلق النقد الأسطوري في مقاربته للنص الأدبي للوقوف عند تجلي العناصر الأسطورية الموظفة في هذا العمل، وهل ثمة انزياح ومتغيرات لحقت بها، ومعرفة مدى إشعاع تلك العناصر أو الرموز الأسطورية التي لحقت بها، وبالتالي معرفة ما منحه من جمالية خاصة.

 

خطوات المنهج الأسطوري

  • شرح النص وتفسيره
  • البحث عن جماليات العمل الفني
  • ربط النص بصاحبه وأحوال مجتمعه
  • التعامل مع ظواهر النص لا كظواهر فردية بل كظواهر جماعية
  • تحديد شبكة الصور الفطرية والبحث عن الماضي[9]

 

أمثلة على توظيف الأسطورة في الأدب:

  • السيّاب في قصيدة (أغنية في شهر آب):

تموز يموت على الأفق

وتغور دماه على الشفق

في الكهف المعتم والظلماء

نقّالة إسعاف سوداء

وكأن الليل قطيع نساء

كحل وعباءات سود

الليل خباء

الليل نهار مسدود[10]

تطالعنا هنا الأسطورة المعروفة عن تموز إله الخصب الذي يقتل على يد خنزير بري ويموت فتنتقل دمائه على الأرض ومنها تحيا النباتات ويحل الربيع، فتحزن عليه زوجته عشتار وتقرر النزول للعالم السفلي للبحث عنه.[11]

النص الخاص بالشاعر على الصعيد الشخصي، أي الحالة النفسية الخاصة بالشاعر تتحدث عن مرضه واستشعاره بقرب الموت وأن آماله في الشفاء تتلاشى فيستحضر هذه الأسطورة لتضفي على نصه بعضاً من ملامح تموز، أما على المستوى العام فالقصيدة كتبت في فترة انتفاضة العراق ضد الحكم الملكي، وبوقتها لم يحقق الشعب شيء.

الليل ولادةٌ للثورة وإعادة للحياة التي يأمل تحقيقها ولو بعد حين، فالسيّاب استعمل الرموز لوصف الحياة السياسية في تلك الفترة وتحديداً فترة الخمسينيات.

 

  • البياتي في قصيدته (في المنفى) :

عبثاً نحاول- أيها الموتى- الفرار

من مخلب الوحش العنيد

من وحشة المنفى البعيد

الصخرة الصماء للوادي يدحرجها العبيد

(سيزيف) يبعث من جديد

في صورة المنفى الشريد [12]

الأسطورة المستحضرة في هذا النص (من ديوان أباريق مهمشة) هي أسطورة سيزيف، وهو إغريقي عوقب بأن يعمل بلا نهاية ولا توقف في العالم السفلي إلى الأبد، يدحرج صخرة إلى قمة التل ثم تسقط قبل وصولها، لأنه سخر من الآلهة ووقف بوجهها ورفض الظلم وحاربه فكانت هذه عقوبته، وتتفق أغلب المصادر على أنه شخصية إيجابية عوقبت لرفضها الظلم وبات يعرف بأنه رمز لليأس والعذاب الأبدي والعبثية[13].

وفي النص السابق يرمز سيزيف للإنسان الذي يكرر أفعاله ذاتها في العبثية واللاجدوى، وما البشر إلا عبيد في أوطانهم، ففي كل يوم يولد سيزيف جديد يدفع بعمله ولا يصل إلى نهاية، يدفع صخرةً بلا طائل ولا مستقبل.

 

  • أسطورة الغول

كما ورد في قول الراجز:

الحرب غولٌ أو كشبه الغول             تدق بالرايات والطبول[14]

فالغول هو نوع من أنواع الجن يعرِض في السفرِ، يتلون في ضروب الصور للشباب ذكراً كان أم أنثى، إلا أن الأكثر أنثى، فيقترن بصورتها أكثر وقيل أنها على هيئة بشر تتكلم وتحب وتحارب ولها وجوه مرعبة وشعر كثيف وأظفار طويلة وهي في غاية الطول وحجمها غير معروف[15]، وقد ارتبطت معاني الغول بالقتل والفتك والدمار والهلاك لأن هذا الكائن قادرعلى أن يفتك بالإنسان وأن يرعبه إلى أبعد الحدود ويكثر وروده بأشعار الحروب، لأنها – أي الحروب – كالغول بما تلحقه بالبشر من خراب ودمار، فالحروب أيضاً  كالغول تغتالهم اغتيالاً.

 

سلبيات وإيجابيات النقد الأسطوري

من سلبيات النقد الأسطوري إهماله للجوانب الفردية، وتداخله مع المناهج الأخرى كالنفسية والبنيوية بفرعيها التكوينية والشكلية، فضلاً عن أن الاتجاه العام للتحليل سوف يتجه نحو فكرة الأسطورة ومن أين استُقت وما الذي أضفاه الكاتب على نصه وبالتالي يقل الاهتمام بالجوانب الجمالية والبلاغية، ومن ايجابيات هذا المنهج أنه يضفي على النص حالات جديدة من خلال المحاورة والتأويل، وهذا بدوره يؤدي إلى إغناء التحليل النقدي، فضلاً عن أنه يتجاوز الدلالة السطحية ويعمد إلى تفكيك النص، وخلوّه من الانطباعية كونه يعتمد على التوثيق وتماسك المنهج وتكامل الرؤية، ولا نغفل الهدف من النقد الأسطوري وهو الوقوف على مدى قابلية الأسطورة للتشكل الأدبي عن طريق التحويل والتغير.

 

الهوامش والمصادر

[1] في نقد الشعر العربي المعاصر, رمضان الصباغ, دار المعارف, ط1, الإسكندرية 1998 :344.

[2]اثر الأسطورة في لغة ادونيس, محمد الصالح, مكتبة علاء الدين,ط1, المغرب 2006 :21.

[3]ينظر:أدبالأسطورة عند العرب, فاروق خورشيد, مكتبة الثقافة الدينية, ط1, القاهرة 2004 :38.

[4]الرمز والرمزية, محمد فتوح, دار المعارف, ط2, القاهرة 1978:288.

[5]مسارات النقد ومدارات ما بعد الحداثة, حفناوي بعلي, أمانه عمان الكبرى, ط1, الأردن 2007 :97.

[6]ينظر:الأدبوالأسطورة, راضية بو بكري, مختارات جامعة باجي (أعمال ملتقى الأدبوالأسطورة) عنابه 2007: 17.

[7] ينظر:الخطاب السردي في أدبإبراهيم الدرغوتي, شادية شعروش, دار سحر للنشر: 65.

[8]ينظر: المصدر نفسه :65.

[9]ينظر:مقال للدكتور جميل الحمداوي من موقع الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب.

[10]ديوان بدر شاكر السياب, المجلد الثاني, المركز الثقافي العربي, دار العودة, ط3, المغرب 1993: 13.

[11] ينظر:قاموس أساطير العالم, آرثر كورتل, ترجمة سهى الطريحي, دار نينوى, دمشق 2010: 120.

[12]أباريق مهشمة, عبد الوهاب البياتي, دار الآداب, ط4, بيروت 1969: 109-110.

[13]ينظر: أسطورة سيزيف, ألبير كامو, ترجمة زكي حسن, دار مكتبة الحياة, بيروت 1989: 139, وينظر: قاموس أساطير العالم: 126.

[14]الحيوان, الجاحظ, تحقيق عبد السلام هارون, دار إحياء التراث العربي, ط3, بيروت 1969: 195.

[15]ينظر:الحيوان: 158, وينظر: لغز عشتار, فراس السواح, دار علاء الدين, ط6, دمشق 1996: 234, وينظر: موسوعة الفلكلور الفلسطيني, سرحان نمر , ط2, ج2, 432.

عن د. زينب ميثم علي

شاهد أيضاً

عادل الأسطة يقدِّم قراءةً حول تجربة القائد يحيى السَّنوار.. العمل طابق القول

علي البطة  دعا الدكتور عادل الأسطة الناقد الأدبي وأستاذ الأدب سابقا في جامعة النجاح، جميع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *