جون ر. بوين
ترجمة محمود الصباغ
اشتكى وزير الداخلية الفرنسي جيرالد درمانان على شاشة التلفزيون*، في تشرين الأول \ أكتوبر الماضي، أثناء الحملة الجديدة التي شنتها الحكومة [ الفرنسية] ضد الأشكال الإسلامية “للنزعة الانفصالية”، من أنه كثيراً ما “صُدم” أثناء دخوله أحد المتاجر ومشاهدته رفّاً من “الطعام الطائفي، cuisine communautaire “.وتوسع درمانان لاحقاً في ملاحظاته هذه، عندما وضّح عدم إنكاره حق الناس في تناول منتجات حلال أو الكوشير (أي “الأطعمة الطائفية \ المذهبية” المعنية). رغم شعوره بالأسف، لأن الرأسماليين الذين يلهثون وراء الربح كانوا يعلنون، عموماً، عن أطعمة مخصصة لشريحة واحدة فقط من المجتمع. بل، الأسوأ من ذلك، أنه كان يحدث ذلك في متاجر المواد الغذائية التي يؤمّها الجميع. وزعم -الوزير الفرنسي- أن هذا يضعف الجمهورية لأنه يشجع على “النزعة الانفصالية”. وعلى الرغم من الغموض المتعمد لمصطلح” طائفي\ مذهبي communalist” لم يكن أحد يعتقد أن الوزير كان يفكر في بيتزا مصنّعة من الكوشير بطبيعة الحال.، بل فُهمَ من حديثه أنه يشير إلى انزعاجه من الطرق العديدة التي تشير إلى تراجع المسلمين العلني في التعبير عن التزامهم بمبادئ الجمهورية -ليس أقلّها ارتداء الحجاب في المدارس وانتشار الأزياء الخاصة برياضة العشاري “الديكاتالون**”-.
وملاحظة درمانان هذه ليست سوى نسخة من شكوى أوروبية واسعة من أن الطعام الحلال يقسم المواطنين، وينتهك معايير الرفق بالحيوان، ويُدخل الإسلام، خلسة، في المجتمع الغربي. وهذه الشكوى، والإجراءات المصاحبة التي بدء في اتباعها، تتغير تبعاً للسياسات ما بعد الكولونيالية والمناهضة للإسلام في كل بلد من بلدان القارة الأوروبية. وفي هذه القضية، تظهر السياسات المتبعة بوصفها سياسات محلية وإقليمية وعالمية في آنٍ واحد.
ولكن لماذا اكتسب الوصول إلى الطعام ” الديني” الملائم مثل هذه الأهمية السياسية في أوروبا قاطبة؟
تسليط الضوء على [الأكل] الحلال
لم يكن هذا هو الحال دائماً. فعندما وصلت الموجات الأولى من المهاجرين المسلمين إلى أوروبا، بعد الحرب العالمية الثانية، لم يكن لديهم سوى سبل قليلة للتأكد من أن طعامهم يخضع لقواعد الحلال. فتجنبوا لحم الخنزير، وربما اشتروا لحومهم من جزار محلي مسلم، وتلوا صلواتهم قبل الأكل. ولكن بحلول الثمانينيات، كان جيل جديد من المسلمين قد بلغ أشده، وكان أقل رغبة واحتمالاً للعيش في دوائر المهاجرين، وكانت تغمر هؤلاء الحماسة لتجربة الأطعمة المختلفة التي يتناولها زملائهم في الدراسة من الهولنديين أو الفرنسيين أو البريطانيين. كان بعضهم يتعلم عن الإسلام، في فضاءات فكرية، من خلال محاضرات يلقيها خطباء مشهورون أو زيارة مواقع إسلامية على الإنترنت، ويسعى بعضهم إلى مزيد من التأكيد على أن الطعام الذي يشترونه قد تم تحضيره وإنتاجه وفقاً لقواعد الحلال. غير أن هذا لايعني أن هذه القواعد محددة بوضوح. وعندما استجاب رجال الأعمال الاقتصاديون والدينيون لهذا المطلب، وجدوا أنفسهم، أحياناً، في منطقة مجهولة غير واضحة. كان لحم الخنزير ممنوعاً. ولكن ماذا لو حدث اتصال بلحم الخنزير دون أن يترك أثراً واضحاً؟ كيف يمكن للمرء أن يعرف ما إذا كان لحم البقر الحلال قد لامس لحم البقر غير الحلال؟ وماذا عن الكائنات المعدلة وراثياً؟ أو الحيوانات التي تربى في ظروف رهيبة؟ وقد خلق هذا عند بعض المسلمين، في نهاية المطاف، تساؤلات عن أنواع أخرى من الأطعمة أيضاً: مثل أنواع الأجبان، والإنزيمات المستخدمة في صنعها. ومع ظهور هيئات تدقيق خاصة جديدة للمصادقة على المواد الغذائية على أنها حلال، غالباً ما وجد هؤلاء أنفسهم مضطرين للارتجال. أخبرتني إحدى هيئات التدقيق الحلال الرئيسية مؤخراً، “إذا أرادوا منا التصديق على مرحاض حلال، فسوف نرى ما علينا فعله بهذا الخصوص!” (لقد فعلوا ذلك، والحديث هنا يتعلق بالمواد الكيميائية المستخدمة في التنظيف). وبينما حدثت هذه النقاشات بين المسلمين، إلا أنها جذبت القليل من الاهتمام العام. ومع ذلك، كانت، ثمة، قضية واحدة تتعلق بالحلال طالما أثارت الكثير من الجدل العلني حولها، هي قتل الحيوانات بالصعق قبل ذبحها.
يعتقد العلماء المسلمين أن قتل الحيوان يجب أن يتم بطريقة غير مؤلمة قدر الإمكان. وهذا يتطلب وجود شخص مدرّب يستخدم سكيناً حادةً ويجب أن يقوم بالتكبير، بصوت مسموع أمام الحيوان وعلى مسمعه؛ إذ يعتقد البعض أن هذا الأمر يجعل الحيوان يدرك أنه ذبيحة وليس أي شيء آخر، كما هو الحال، أيضاً، في طريقة الكوشير اليهودية المماثلة (שחיטה شاخيطا)، حيث يفضل أن يكون الحيوان واعياً [لذبحه] وذلك لسبب عملي آخر أيضاً، إذ ينبغي أن ينزف الحيوان دمه بالكامل حتى يصبح كوشير، أي حلال. وهذا يتفق مع القاعدة التي تشترك فيها الديانتان في عدم أكل الدماء. وقد أدان نشطاء جمعيات الرفق بالحيوان في أوروبا طريقة القتل هذه على أساس أن الحيوان يعاني، بلا داعٍ يذكر، لأنه لم يصعق قبل الذبح.
هولندا والحيوانات
يُنظر إلى الصعق، في هولندة على وجه الخصوص، كموضوع مثير للجدل، حيث كان مطروحاً للنقاش لأكثر من قرن. حظر قانون فحص اللحوم للعام 1919 الذبح دون صعق مسبق، لكنه منح اليهود إعفاءً عند تقديم طعام الكوشير لأبناء طائفتهم المحلية باعتباره “ركيزة” محددة دينياً، ومكانياً في مجتمع ديني محدد. وبحلول ثلاثينيات القرن الماضي، توفرت بكثرة تقنيات الصعق، مما منح قوة جديدة لمعارضين ذبح الكوشير استناداً إلى قواعد الرفق بالحيوان. وعندما تم حظر الذبح دون عوائق في ظل الاحتلال النازي، سمح كبار الحاخامات الهولنديين بالصعق كإجراء احتياطي.
استمرت تطبيق قواعد ما بعد الحرب في هولندا في تقييد ذبح الكوشير على المجتمعات اليهودية المحلية، في حال استطاعت هذه التجمعات إظهار حاجتها إلى كمية معينة من اللحوم (كما في حالة الصادرات الغذائية المعتمدة من الكوشير إلى إسرائيل اليوم). جاءت المعارضة القوية الوحيدة لمنح هذه الإعفاءات من قبل حزب الإصلاح البروتستانتي المحافظ SGP، الذي جادل بأن هولندا دولة بروتستانتية. وعندما وصل المسلمون بدأوا في تنفيذ عمليات الذبح بأنفسهم وغالباً في الخفاء، وتحرك المسؤولون لتنظيم هذه الممارسة. لكن الحكومة [الهولندية] غيرت من موقفها في خطابها الذي ظهر بعد الستينيات. كان السماح للمسلمين واليهود بممارسة طقوسهم جزءً من كيفية قيام “الأمة القائدة” بتطوير “مجتمع متعدد الثقافات”، ونالت هذه الامتدادات دعماً واسعاً من الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية والليبرالية. ولكن بحلول القرن الحادي والعشرين، بدأت الكتل في التحول. فلم تعد القضية بين المسيحيين واليهود، ولا بين المسلمين (الذين انخرطوا الآن في الجدل)، ولا بين الجماعات الثقافية؛ لقد كان تصعيداً بين وجهات النظر الدينية والعلمانية. فأخذت الجماعات المسيحية نفسها، التي عارضت الذبح الشعائري باسم الأمة الهولندية البروتستانتية، تقدم الدعم الآن للسماح به كمسألة تتعلق بالحرية الدينية. وكان يقع على الجهة المقابلة من هذه الجدل الأحزاب اليمينية المتطرفة المتنامية، التي تتبع بيم فورتوين وخيرت فيلدرز، والحركات الاجتماعية الجديدة. عندما دخل حزب “من أجل الحيوانات Party for the Animals” الجديد البرلمان في العام 2006، رعى مشاريع قوانين لإنهاء هذه الممارسة. وبدأت زعيمتهم، ماريان ثيمي، حملة للضغط على سلسلة متاجر الأغذية الكبيرة ألبرت هاين Albert Heijn لوقف بيع اللحوم الحلال. وجادلت، ثيمي، بأنه حتى المسالخ في منطقة حزام الكتاب المقدس جنوب هولندا، كانت تذبح، بدافع وحيد هو تحقيق الأرباح والعوائد المادية، دون صعق، “لتكريس لحم العجل إلى الله”، تاركةً الهولنديين يستهلكون الطعام الحلال دون علمهم. على الرغم من أن ما يقرب من 80% من الذبح الحلال في هولندا يستخدم الصعق، إلا أن حملتها عمّمت جميع أنواع الذبح الحلال على أنها غير مصعوقة، وهي معادلة يبدو أنها مقبولة على نطاق واسع من قبل الجمهور الهولندي.
تجعل السياسة الهولندية الأمور من السهولة، نسبياً، أن تنال فيها الأحزاب الصغيرة درجة معقولة من التأثير السياسي بسبب التقاليد التي لا تزال فعالة والمتمثلة في تسوية بولديرين (إشارة إلى المعايير القديمة للتعاون المحلي المتبعة من أجل إنشاء أراضي زراعية جديدة من خلال بناء السدود) وغالباً ما تنجح أحزاب القضية الواحدة في لفت الانتباه إلى قضاياها في البرلمان، خاصة عندما تشغل العديد من الأحزاب مقاعد في البرلمان. وحزب “من أجل الحيوانات” هو مثال معياري على هذا الاحتمال؛ فقد حقق تقدماً سياسياً جيداً طوال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في حملته المكرسة لإنهاء طقوس الذبح. في الوقت ذاته الذي ابتعد فيه العديد من التقدميين الهولنديين عن الدعوة إلى التعددية الثقافية والبحث عن نسخة جديدة من الهوية الهولندية على أساس حقوق -المرأة، والمثليين، ولمَ لا.. الحيوانات أيضاً؟. وعندما اشتبكت مجموعات المصالح المختلفة حول قضية الصعق، جمعتهم الحكومة معاً للانخراط في تسوية بولديرين آنفة الذكر، وكانت النتيجة “ميثاق” العام 2012 الذي سمح بالإعفاء من قتل الحيوانات دون صعقها من أجل الذبح الشعائري، كما سمح بتصدير مثل هذه اللحوم. لكن الضغط استمر من اليمين السياسي، ففي تموز\ يوليو 2017 ، توصلت الحكومة الهولندية وممثلو المسالخ والزعماء المسلمون واليهود إلى ملحق إضافي لاتفاقهم الأصلي الذي وضع قواعد الذبح الشعائري. ويشير الملحق الإضافي إلى أنه إذا لم يفقد الحيوان الذي قُتل بدون صعق وعيه خلال أربعين ثانية من الذبح، فيجب عندئذٍ صعقه. كما ينص على أنه لا يمكن السماح بالذبح الشعائري إلا بقدر ما يكون “ضروريًا لتلبية الاحتياجات الفعلية للمجتمع الديني المحلي في هولندا”، وبالتالي يحظر بشكل واضح لا لبس فيه تصدير مثل هذه اللحوم. وفي غياب أي تشريع جديد، ليس من الواضح إلى أي مدى غيّرت الاتفاقية من ممارسات الذبح. لقد نفذ معظم اللاعبين الرئيسيين في سوق اللحوم الحلال صعق الحيوانات. بدأت بعض خدمات هيئات التدقيق الحلال، الذين يعملون الآن كمروّجين لهذه الممارسة، في البحث عن اتفاقيات مع مسالخ في أماكن أخرى من أوروبا. بالإضافة إلى ذلك، كان من الصعب على ممثلين هيئات التدقيق الحلال الذين تحدثت إليهم أن يتخيلوا الانتظار لمدة أربعين ثانية بعد الذبح قبل المتابعة نظراً لوتائر العمل العالية في خطوط الذبح.
ربما يكون الأمر الأكثر أهمية هو كيفية استجابة الاتفاقية الجديدة للمخاوف السياسية العميقة الجذور. لقد قدمت هولندة حلاً لهذه المشكلة الشائكة. فأولاً، صورت المستهلكين اليهود والمسلمين ذوي العقلية الدينية على أنهم أعضاء في مجتمعات محلية يمكن تحديدها جغرافياً، والتي قدمت العذر الشرعي الوحيد للقتل غير المفاجئ للتعبير عن احتياجاتها من طريقة الذبح المطلوبة؛ سيحتاج المسلخ إلى الحصول على تصريح من زعيم ديني بأن كمية معينة من هذه اللحوم ضرورية (بند يعيد إنتاج ما كان سائداً في ثلاثينيات القرن الماضي لطرق الكوشير في الأحياء اليهودية). كما عززت الحكومة المفهوم الأساسي للحرية الدينية. وثانياً، تم تقديم الحل على أنه اتفاق، ميثاق بين جميع الأطراف المتضررة. ناهيك عن عدم دعوة المدافعين المسلمين عن طقوس ذبح الحيوانات غير المصعوقة؛ يكفي أن يكون هناك بعض المسلمين واليهود يوقعون على الاتفاقية. بعد ذلك، أخبرت شركات إنتاج الأغذية هيئات المدققين الحلال الذين وظفتهم أنه يجب عليهم إثبات أن الطيور كانت على قيد الحياة حتى اللحظة التي قُتلت فيها. وسوف يسمح ذلك لهذه الشركات بالادعاء بأنها قد استوفت القواعد المقبولة للحلال، عموماً، وأن الحيوانات صُعقت بشكل فعال -وذلك لإرضاء المجموعات التي تعتبر الفشل في الصعق عملاً قاسياً ويسبب الألم للحيوان. وهنا ينبغي على المدققين في هولندا تطبيق “اختبار الحياة”. وبالنسبة إلى أي شركة هولندية تسعى للتصدير إلى دولة ذات أغلبية مسلمة، يجب على المدقق إثبات أن الحيوانات سوف تكون واعية عندما تُقتل. في الواقع، يعد هذا أحد أهم مظهرين حالة الحلال، في التصديق على اللحوم للتصدير، أما المظهر الآخر فيتمثل بعدم وجود تلوث اللحوم الحلال بلحوم أخرى غير حلال. وعندما كنت أراقب مدققاً يتبع لإحدى الهيئات الهولندية لتدقيق الحلال، كنت أرى أنه كان بحوزته مجموعة من الأدوات، تشمل أجهزة قراءة وقياس واختبارات وحتى جداول كهربائية كتبها مستوردون ماليزيون. وهو يعي ويقوّم ممارساته على أنها تنطلق من دوافع أخلاقية وموجهة عملياً لتلائم معايير المستورد، وفي بعض الأحيان، أيضاً تلائم معايير المكانة الأعلى لمراجعي الطرف الثالث الدوليين.
المملكة المتحدة والسوق الإثني
تتوفر خيارات الصعق وعدم الصعق على نطاق واسع، عند مقارنة ما سبق بالمملكة المتحدة، حيث لا يتحمل المدققون الحلال نفس الأعباء التي تفرضها الدولة. ولا يوجد ما يمكن مقارنته بالانقسام القوي العام والخاص الذي يميز فرنسا. لقد دمجت حكومة المملكة المتحدة، إلى حد كبير، القواعد المتعلقة بإنتاج الطعام الحلال إلى اللوائح الأخرى غير الدينية، مما يضمن سلامة الأغذية والتحقيق في مزاعم الاحتيال. ويعود الفضل في ذلك في الغالب إلى انتشار مرض جنون البقر في التسعينيات، مما أدى إلى قلق شديد بشأن مصدر اللحوم. وغالباً ما تستهدف، في الواقع، الاحتجاجات العامة بشأن الطعام الحلال في المملكة المتحدة وضع العلامات أو عدم وجودها. وإذا كانت فرنسا تخشى الآثار الخلافية الاجتماعية للإعلان عن الحلال، فإن المملكة المتحدة تخشى الفشل في القيام بذلك، وتخشى أن المنتجات الحلال غير المصنفة تشير إلى أن المسلمين يتسللون خلسة إلى المملكة المتحدة عن طريق الطعام الإسلامي. لم تغب مخاوف الحلال قط عن انتقادات ما بعد الكولونيالية للمواطنين البريطانيين الجدد، بدءً من قضية هانيفورد عام 1984، حيث اشتكى مدير مدرسة متوسطة في برادفورد من تقديم الطعام الحلال في المدرسة (بالإضافة إلى الإجازات الطويلة التي تقضيها العائلات المهاجرة لرؤية الأقارب في البنجاب أو كشمير). رددت جماعات حقوق الحيوان واليمين المتطرف شكواه، مؤكدة على عدم قدرة التعددية الثقافية على تعزيز الاندماج.
ظهرت في العام 1994، اتهامات عن وضع علامات غير صارمة إلى القول بأن البريطانيين كانوا يأكلون الحلال دون معرفة ذلك، مما دفع بالحكومة إلى إنشاء هيئة الأغذية الحلال. وبعد تسع سنوات، أدت اكتشافات لحم الخنزير في الطعام المباع على أنه حلال إلى إنشاء هيئة مستقلة، وهي المعروفة باسم لجنة مراقبة الحلال (HMC)، في مدينة ليستر. يتم تحديد هذا الكيان من خلال ثلاث ميزات. أولاً، تم بناء اللجنة على قاعدة شبكة تجارية قوية من المتحدثين باللغة الغوجاراتية الذين أقاموا في شرق إفريقيا قبل العثور على موطن لهم أكثر استقراراً في المملكة المتحدة. ثانياً، شرعت اللجنة في تقويم وضعية الحلال للمواد من خلال الجمع بين التطبيق الصارم للفقه الإسلامي والتحليل الكيميائي. ثالثاً، أعادت اللجنة تشكيل عملية الحصول على الشهادات كطريقة للتجنيد والحفاظ على شبكة خاصة بالمغتربين والإثنيات على أساس المشورة التسويقية وحس الشراكة. وهذا يعني أن تصبح هذه الشبكات هي المسارات الرئيسية للاتصال والتحكم؛ أظهرت نقاط القوة في المجتمع البريطاني ما بعد الكولونيالي، في حين كانت بمثابة اللعنة في فرنسا
كل بلد وقلقه بشأن الحلال
إذا كانت مخاوف الحلال توفر ذخيرة مفيدة للسياسات المناهضة للإسلام في جميع أنحاء أوروبا، فإنها، في الوقت عينه، تسلط الضوء على تنوع سياسات ما بعد الكولونيالية. ويمكن للسياسيين الفرنسيين أن يثيروا تطلعاتهم نحو الفضاء العام الجمهوري الخالي من علامات الانفصال من خلال انتقادهم لمحلات السوبر ماركت التي تعرض المنتجات الحلال. ومنذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، على الأقل، اتهم المسؤولون الفرنسيون المحال التجارية الصغيرة المنتشرة في الأحياء والتي تبيع اللحوم الحلال فقط بالتمييز ضد غير المسلمين. وذهب أحد رؤساء البلديات إلى أبعد من ذلك، في العام 2016، عندما أمر أحد المحال بيع الكحول ولحم الخنزير أو سوف يتعرض للإغلاق، خشية أن يُفهم عدم وجود هذه المنتجات أن بلديته تتضمن أحياء مسلمة، علماً أن تلبية احتياجات الأحياء المسلمة، في المملكة المتحدة وهولندا، كان، بالضبط، هو ما يبرر النشاط المتزايد لإنتاج المنتجات الحلال، واعتمادها، وأحياناً تصديرها.
تتزايد معارضة الإنتاج الحلال في جميع أنحاء أوروبا. والهدف الأسهل هو الإعفاء الديني الممنوح في العديد من البلدان لحظر القتل دون صعق. ورأينا، في السنوات القليلة الماضية، كيف ألغت عدد من الدول الشمالية هذا الإعفاء. كما قضت محكمة العدل الأوروبية وبشكل حاسم، في كانون الأول \ ديسمبر الماضي، بأن الدول الأعضاء قد تلغي مثل هذه الاستثناءات على أساس أن الطلب يحد بشكل مذهل من الحرية الدينية ولكنه “يتناسب مع الهدف” المتمثل في تعزيز الرفق بالحيوان.
وبعيداً عن الجوانب القانونية، تؤمن المخاوف المتعلقة بالحلال تكثيفاً مفيداً، من الناحية السياسية، للسياسيين المناهضين للإسلام. وبسبب ضبابية معظم الاتهامات، من قبيل:
كيف يمكن أن يؤدي تخزين تلك الأطعمة المعتادة إلى أن تكون شكلاً من أشكال النزعة الانفصالية الإسلامية؟ وكيف يعني السماح لأقليّة صغيرة من الجزّارين بممارسة الذبح الحلال إلى ” أسلمة” أوروبا؟ ثم كيف يمكن استغلال كل هذا لدعم الأشكال المختلفة والمتنوعة من الحركات المعادية للإسلام، التي توافق التوقعات الخطابية في كل دولة أوروبية؟
وفوق كل هذه المخاطر والاتهامات، وتوقعاتها، فهي سوف تسمح أيضاً بتجاوز بعض العقبات والمصاعب، إذ لا يستقيم لمن أن تعارض حملات الرفق بالحيوان، ونداءات الوحدة الوطنية، والمطالبة بنشر الحقيقة (ولا شيء سوى في الحقيقة) عندما يتعلق الأمر بالدعاية والإعلان، وفي ذات الوقت تستخدم تلك المخاوف بهدف إخفاء [أجندة] عدائية أعمق بكثير من مجرد مخاوف واتهامات.
…….
العنوان الأصلي: What Does Europe Have Against Halal?
المصدر: https://bostonreview.net/global-justice/john-r-bowen-what-does-europe-have-against-halal
تاريخ النشر:11 يونيو 2021
*علق وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد درمانان، على انتشار المنتجات الغذائية الحلال بالمتاجر في بلاده، ضمن سلسلة تصريحات مناهضة لكل ما هو إسلامي، بعد حادث مقتل مدرس فرنسي على يد شاب قالت السلطات إنه شيشاني. وعبر الوزير الفرنسي عن انزعاجه من وجود أقسام خاصة بالمنتجات الغذائية الحلال بالمتاجر في بلاده، قائلا: “إن وجود المنتجات الحلال بالمتاجر تصدمه، وإنه منزعج، على الصعيد الشخصي، من وجودها”. وأضاف، خلال مقابلة أجرتها معه إحدى القنوات المحلية: “يجب ألا توجد في تلك المتاجر أقسام خاصة بتلك المنتجات وحدها”. وتابع قائلا: “فالمذهبية أو الطائفية تبدأ بهذا الشكل، والرأسمالية لها مسؤولية في هذا”.
**العشاري من ألعاب القوى المشتركة والتي تتكون من عشر مسابقات تقام على مدار يومين متتالين، وينظر إلى من يفوز بالعشاري كأعظم رياضي في العالم، واستعمل هذا التعبير للمرة الأولى عندما قال ملك السويد جوستاف الخامس لـ جيم ثورب: “أنت يا سيدي، أنت أعظم رياضي في العالم” بعد أن فاز ثورب بعشاري أولمبياد ستوكهولم في العام 1912 حيث ظهرت منافسات العشاري لأول مرة أيضاً كبطولة رسمية.