حكاية سنا

سميتها سنا ، هي شابة من اللاذقية عمرها سبعة عشرة عاماً تعيش في قاع المدينة مع أسرة فقيرة متعددة الأطفال ، ودوماً هناك شجارات حادة بين أمها وأبيها ، لا أحد يهتم بسنا وهي لم تكمل دراستها ولم تحصل حتى على الشهادة الإعدادية ، تتوالى أيامها كما لو أنها نبتة دون أية عناية أو اهتمام . وسنا جميلة لفتت أنظار الكثير من الشبان ، لكنها كانت ضحية ابن الجيران الوسيم الذي نجح في جعل سنا تعشقه ، ونجح في إغوائها لتترك بيت أهلها – الذي لا تشعر بأية محبة أو اهتمام فيه – وترافقه إلى شقة بعيدة عن الحارة هي على الأغلب شقة أحد أصدقائه ، سنا كانت ذاهلة فما أن اختلت بحبيبها في الشقة حتى اغتصبها ، ونجح في مؤاساتها وهي تبكي مؤكداً لها أنه من شدة حبه لها واشتياقه ليضمها بين ذراعيه لم ينجح في السيطرة على نفسه فمارس معها الحب ، وحلف إيماناً معظمة أنه لم يغتصبها لكن ما حصل هو ممارسة فعل الحب . صدقته سنا التي لا تملك أيه خبرة حياتية ولا محاكمة منطقية لما حصل ، خافت سنا أن ترجع إلى أهلها بعد أن فقدت شرفها وبكارتها فبقيت مع حبيبها في الشقة مشوشة لا تعرف هل هي مُغتصبة أم أن الشاب الذي أحبته مارس معها الجنس لأنه يُحبها وأنه لم يغتصبها ، بعد أيام أحضر الشاب صديق له مارس الجنس مع سنا ، وهي ذاهلة ومشلولة الإرادة ، ثم تتابع أصدقاء حبيبها وعددهم سبعة في مضاجعتها ،انهارت أعصاب الصبية لكنها كانت محكومة بالشاب الحبيب ولا تجرؤ على الرجوع إلى بيت الأسرة . وتم اكتشاف ما حصل مع سنا وأعادتها الشرطة إلى بيت أهلها ، وفشلت في محاولة الانتحار ، وكانت محظوظة أن والدها لم يذبحها ، بل رفع دعوى ضد الشاب ابن الجيران الذي غرر بابنته . وحُوكم الشاب واعترف أنه أساء لسنا واعترف أصدقاءه السبعة أنهم اغتصبوا سنا مراراً . حُكم الشبان السبعة مع الشاب ابن الجيران بالسجن لسنوات واختفت سنا عن الأنظار حابسة نفسها في منزل أسرتها البائس تتمنى الموت . وصارت سيرتها على كل لسان .

كانت المفاجأة أو الصدمة أن أحد الشبان السبعة الذين تناوبوا على اغتصاب سنا ، قد طلب من المحكمة الإذن أو السماح له بالزواج من سنا وأنه سيكون زوجاً صالحاً ، وحسب القوانين فإن المُغتصب لا يُعاقب إذا تزوج الشابة التي اغتصبها ، لكن الحكم الذي صدر عن المحكمة الموقرة هو بالإفراج عن الشبان كلهم الذين اغتصبوا سنا . أي أن الشبان الذين اغتصبوا سنا أطلق سراحهم وعفت عنهم المحكمة وكأنهم لم يرتكبوا جرماً ولم يغتصبوا قاصراً . المُهين والمُخزي أن حكم المحكمة بالإفراج عن الشبان الذين اغتصبوا سنا وتبرئتهم لم يثر الاستنكار ، كأن الزانية ومن تتحمل اغتصاب الشبان لها هي سنا وحدها ، فهي الإثم مُجسداً وهي العاهرة التي بقيت في الشقة يتناوب الشبان – أصدقاء حبيبها – على اغتصابها ، لا يخطر ببال أحد إحالتها إلى طبيب نفسي خاصة أنها أقدمت على الانتحار لكن لم تنجح في قتل نفسها ، وأي قانون يجد أن العدالة أن يتزوج المغتصب الشابة التي اغتصبها ، أي علاقة ستكون مع رجل انتهك جسدها وكرامتها . لأن المُجتمع يُحمل المُغتصبة جرم الاغتصاب ، ويجد ألف سبب لإدانتها وألف سبب لتبرئة المُغتصب .

سنا تمثل آلاف الفتيات القاصرات اللاتي يعشن في قاع الفقر والجهل ويتم استغلالهن بأقذر الأساليب ، ويتم نبذهن اجتماعيا أو قتلهن وفي أحسن الأحوال يتم تزويج المُغتصبة للمُغتصب . ومن خلال عملي لربع قرن في المشفى الوطني الحكومي في اللاذقية حيث أكثر من يقصده الفقراء – حالياً يقصده أكثر من 80 بالمئة من الشعب السوري – كنت شاهدة على حالات مُروعة من سفاح القربى والاغتصاب ، جرائم تُدفن في الصمت ، إحدى تلك الجرائم قصة أختين الأولى بعمر ثلاثة عشرة سنة والأخرى بعمر ستة عشرة سنة ، كان والدهما يغتصبهما وبمعرفة الأم ومعرفة الأعمام ( إخوة الأب المُغتصب لبناته ) لكن شاباً خلوقاً أحب الابنة الكبرى وحكت له أن والدها يغتصبها ويغتصب أختها ، وكان الشاب شهماً فتقدم بدعوة إلى المحكمة ، لكن أعمام الفتاة هددوه بالقتل وقالوا له أن الابنتين تلجآن إلى إغواء والدهن للحصول على المال ، وقد التقيت الأختين في المشفى الوطني بانتظار الفحص النسائي من قبل طبيب نسائية ليثبت هل تعرضن لاغتصاب وفقدن عذريتهن ، لا أنسى الطريقة الاستعلائية والتحقيرية التي كان يتعامل بها ثلاثة عناصر من الشرطة مع الأختين ، كانوا ينظروا إليهن باحتقار ، وكانت الأخت الصغرى تبكي بتفجع وبصوت عال وجسدها يرتجف ، ورجال الشرطة ينهرونها ويشتمونها ويصفوها بكلام مُهين ، لم يبدي أحد أي تعاطف مع الأختين ، بل إن بعض الممرضات والأطباء العاملين في المشفى الوطني اعتبروا أنه من العار أن تشتكي فتاتين قاصرتين على والدهما بأنه يغتصبهما وبأنهما فضحتا نفسيهما ولن يتقدم أحد للزواج منهما ، وأن الحكمة كانت في الصمت ودفن جريمة اغتصاب الأب لهما في الصمت ، وفي هذه الحالة من الصمت يمكن لكل فتاة إجراء عملية ترقيع غشاء البكارة واستعادة العذرية حين سيتقدم الشبان للزواج منهما، أي أن العقلية الاجتماعية بشكل عام في بيئة الفتاتين ترى أن السكوت عن اغتصاب الأب لابنتيه هو القرار الحكيم والصحيح ، لأن الشكوى التي قدمها الشاب الشهم الذي يحب الصبية الكبرى قد فجرت الفضيحة ، هذه الفضيحة التي هي جريمة اغتصاب الأب لابنتيه سوف تُعاقب عليها الفتاتين القاصرتين ، خاصة أن أعمامهما شهدا زوراً في المحكمة وقالوا أن الفتاتين ساقطتين أخلاقياً وعاهرتين وكي يسترا على عهرهما يتهمان الأب الذي لا يُفوت صلاة . الأب كان يملك دكاناً لبيع الزجاجيات ، أي أحواله المادية جيدة ، زوجته التي صمتت عن اغتصابه لابنتيها قالت : لو تكلمت سيطردني وبناتي من البيت ، وسيتزوج أخرى . أم مسحوقة الكرامة ذليلة وجاهلة تختار الصمت كي لا يطردها زوجها من البيت ويتزوج أخرى .

أخيراً هذه العقلية الظالمة التي تحتقر المرأة وتحملها مسؤولية اغتصابها ، وتعتقد أنها ترحمها وتنصفها حين يقبل الرجل الذي اغتصبها أن يتزوجها . هذه العقلية تشجع وتبارك اغتصاب الشباب للفتيات . أي عار أن يتم تبرئة سبع شبان تناوبوا على اغتصاب سنا لأن أحدهم تطوع ليتزوجها ، وعلى الأرجح سيلجأ إلى دفعا للعمل في مجال الدعارة . وسيكون أمامها احتمالين إما الانتحار أو الإذعان أو ارتكاب جريمة وقتل الزوج المُغتصب الذي حولها إلى عاهرة وفي هذه الحالة سيحكم عليها بالسجن لسنوات طويلة لأنها ارتكبت جريمة قتل .

هذا هو الواقع للأسف ، وهذه هي القوانين الظالمة للمرأة . فالمُغتصبة تُعامل كساقطة ومسؤولة عن اغتصابها . ونظرة المجتمع لها – بشكل عام – كعاهرة لا يتقدم أي شاب للزواج منها .

عن هيفاء بيطار

شاهد أيضاً

مملكة الغرباء

الرواية: مملكة الغرباء – الكاتب: الياس خوري الناشر: دار الآداب – الطبعة الأولى عام 1993 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *