” الرواية الفلسطينية من سنة 1948 حتى الوقت الحاضر ” هو آخر الكتب التي أقرأ فيها .
صدر الكتاب بالعربية ، مترجما عن الإنجليزية ، في العام 2020 عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت ورام الله ، وكانت الطبعة الإنجليزية صدرت في العام 2016 . مؤلف الكتاب هو الدكتور بشير أبو منة الذي يشغل منصب محاضر في أدب ما بعد الاستعمار ومدير مركز الدراسات الاستعمارية وما بعد الاستعمارية في جامعة ” كنت ” في بريطانيا ، وأما مترجمه فهو مصعب حياتلي .
في الأسبوع القادم يفترض أن أتحدث في احتفالية بيت لحم عن الرواية الفلسطينية في المنفى ، والسؤال الذي راودني وأنا اجمع بين ما أقرأ وما سأتحدث عنه ، هو :
– ماذا لو اعتمدت في محاضرتي على الكتاب الذي أقرأ فيه فقط ؟
وتلا السؤال سؤالان آخران هما :
– هل سأتحدث عن غسان كنفاني وجبرا إبراهيم جبرا فقط ؟ وإذا ما فعلت هذا ، فماذا سيقول عني جمهور المستمعين وبم سينعتونني ؟
من المؤكد أنني سأنعت بأنني من أهل الكهف ، وإنني لا أقول إلا معادا مكرورا ، فكنفاني استشهد في 1972 وجبرا توفي في 1994 ، وبعدهما جرت مياه كثيرة في نهر الرواية الفلسطينية في المنفى .
الخوض في الرواية الفلسطينية في المنفى بعد استشهاد كنفاني ووفاة جبرا تتطلب مساحة أضعاف مساحة مقال في صحيفة ، وهنا سوف أشير إلى ملاحظات عابرة حول الكتاب الذي توجه بالأساس لقارئ عالمي يقرأ بالإنجليزية ، ثم توجه للقارئ العربي من خلال الترجمة التي يحسب لمترجمها أنه ، في نقل نصوص الروائيين ، عاد إلى الروايات الأصلية لا إلى ترجمتها إلى الإنجليزية ، وهكذا لم يترجم المترجم وأعفى نفسه من الوقوع في كارثة وقع فيها بعض المترجمين .
في كتابه يدرس بشير أبو منة أربعة أصوات روائية فلسطينية هي جبرا إبراهيم جبرا وغسان كنفاني وإميل حبيبي وسحر خليفة ، ويأتي على الرواية المشتركة ” عالم بلا خرائط ” التي كتبها جبرا وعبد الرحمن منيف ، ثم يدرس كتاب الفرنسي ( جان جينيه ) ” أسير عاشق / سجين الحب ” ويتوقف بإيجاز أمام رواية الروائي اللبناني الياس خوري ” باب الشمس ” ، وهذا الجمع بين أربعة أصوات فلسطينية وثلاثة أصوات عربية وعالمية يعد مثار سؤال ، ويعيدني شخصيا إلى ورقتي التي كتبتها في العام 1997 لمؤتمر الأدب الفلسطيني في جامعة بير زيت ثم نشرتها في كتابي ” فلسطينية الأدب والأديب : سؤال الهوية ” الذي صدر في العام 2000 عن دار الشروق .
ويبدو أن المؤلف اعتمد في تحديد هوية الأدب ، بالدرجة الأولى ، على الموضوع ، لا على مكان الولادة أو الهوية الوطنية أو الأصول العائلية التي انحدر الكاتب منها أو اللغة ، فكتاب ( جينيه ) مترجم إلى العربية ، والطريف أنني في كتابي ذكرت ( جان جينيه ) وإن لم أذكر إلياس خوري ، فلم تكن روايته المذكورة قد صدرت . ( صدرت ” باب الشمس ” في 1998 – أي بعد عام من تقديم ورقتي في جامعة بير زيت ، ومع ذلك فقد تساءلت عن الكتاب العرب الذين يخوضون في الموضوع الفلسطيني وإدراج نصوصهم مثل السوري أديب نحوي وروايته ” عرس فلسطيني ” ، كما تساءلت عن النصوص التي يكتبها كتاب فلسطينيون بلغات غير العربية ، وذكرت رواية جبرا ” صيادون في شارع ضيق ” وروايات أخرى مكتوبة بالفرنسية والألمانية والعبرية مثل رواية إبراهيم الصوص ” بعيدا عن القدس ” المكتوبة بالفرنسية ورواية أنطون شماس ” عربسك ” المكتوبة بالعبرية … إلخ ) .
يركز الدارس على جبرا أكثر من تركيزه على كنفاني وحبيبي وخليفة ، ويدرس أكثر أعماله في حين يختار أعمالا محددة للثلاثة الأخيرين ، بل إنه درس الرواية المشتركة لجبرا مع منيف ، عدا أنه بدأ بجبرا على غير المعتاد في الدراسات العربية ومن أبرزها كتاب فاروق وادي ” ثلاث علامات في الرواية الفلسطينية ” الصادر في 1985 حيث درس كنفاني أولا وحبيبي ثانيا . ونادرا ما التفت أبو منة للروايات من ناحية جمالية . لقد ناقش أفكارها وصلتها بأفكار كتابها وما يطرحونه وطنيا واجتماعيا ، وأحيانا وحد بين سارد الرواية وكاتبها كما في دراسته لرواية حبيبي ” المتشائل ” التي وقف عندها دون أن يتجاوزها إلى سداسيته ومسروايته ” لكع ” وروايتيه ” اخطية ” و ” خرافية سرايا بنت الغول ” إلا نادرا .
هل اقتصر المؤلف على أعمال الروائيين المذكورين لأنها مترجمة إلى الإنجليزية ، ولم يدرس روايات كتاب آخرين لأنها لم تترجم ، علما بأن هناك روايات لكتاب آخرين لاحقين نقلت إلى الإنجليزية ، فسلمى الخضراء الجيوسي في مشروعها لترجمة الأدب العربي إلى الإنجليزية ؛ مشروع ( بروتا ) ، ترجمت روايات لفلسطينيين من الجيل اللاحق لجيل كنفاني وحبيبي وجبرا ، مثل إبراهيم نصرالله ويحيى يخلف . وكنت أتمنى لو قدم الدارس تفسيرا لتوقفه أمام الأصوات المدروسة دون غيرها . هل يرى مثلا أن ما كتب من روايات في العقود الثلاثة الأخيرة لم يشكل ظاهرة لافتة . حتى سحر خليفة التي درسها فقد درس من أعمالها الأعمال الأولى ، وتحديدا ” لم نعد جواري لكم ” و” الصبار ” و” عباد الشمس ” و” باب الساحة ” ، ولم يتوقف أمام بقية أعمالها التي ذكر عناوين قسم منها ولم يشر إلى عناوين أخرى .
إن عنوان الدراسة ” الرواية الفلسطينية من سنة ١٩٤٨ حتى الحاضر ” مقترنا مع زمن صدور الدراسة ( 2016 ) سيخدع القارئ الذي يفترض أنه سيقرأ أيضا عن الرواية الفلسطينية في العقود الثلاثة السابقة للعام 2016 – أي سيقرأ عن الأعمال اللاحقة لسحر خليفة وسيقرأ أيضا عن الأصوات الروائية الجديدة مثل يحيى يخلف وإبراهيم نصرالله ورشاد أبو شاور وليانة بدر وفاروق وادي وأحمد حرب وغيرهم ، ولكنه – أي القارئ – لن يجد ذكرا لهؤلاء وأعمالهم ، وإن وجد ففي الهامش ( ذكر اسم إبراهيم نصرالله وروايته ” زمن الخيول البيضاء ” في هامش ، وأشير إلى رأي ليحيى يخلف في رواية لسحر خليفة في هامش من الهوامش ) .
حقا هل توقفت الرواية الفلسطينية أمام بعض نتاجات الأسماء المذكورة وكل ما كتب بعدها لا يضيف إلى الرواية الفلسطينية أي جديد ؟
سؤال مشروع يثيره قاريء الكتاب ويثير أيضا أسئلة أخرى مثل ماذا يضيف الكاتب إلى الدراسات السابقة ؟ ولماذا أهمل عشرات الدراسات العربية حول الروائيين المدروسين واعتمد على دراسات أجنبية كثيرة جدا ؟
بقي أن أذكر أنه على الرغم من قائمة الشكر الطويلة لأصدقاء كثيرين للدارس أبدوا آراءهم فيما كتب لم تخل دراسته من عدم دقة في بعض قراءته للنصوص ، ومنها على سبيل المثال ما كتبه في هامش 30 من الفصل الخاص بإميل حبيبي ( صفحة ١٩٤ من الترجمة العربية ) وهو :
” ترى إشارة إلى قمع وكبت فلسطينيي الـ 48 في تلاعب إميل حبيبي باسم عمة سعيد في بداية الرواية ؛ فاسم عمته هو محصية ، لكن الجنود اليهود يلفظون اسمها مخصية ، فبعد تشريد سنة 1948 ، وضمن جهود الدولة الإسرائيلية لمنع عودة اللاجئين ، قامت إسرائيل بإحصاء للسكان الفلسطينيين ، وكأن حبيبي يلمح إلى أن من تم إحصاؤه تم إخصاؤه .”
هنا نجد خطأ في الفهم فليس لسعيد عمة اسمها محصية ولا مخصية . إن سعيد هنا يزور أم سعد التي كانت تعمل في الكنيسة وظنت أن سعيدا من المخابرات الإسرائيلية يظنها متسللة ، فأرادت أن تثبت له أنها ليست كذلك وأنها محصية ولديها شهادة بذلك .
ومن المعلومات غير الدقيقة مثلا ما ورد عن زواج سعيد ” إلى زواجه من زوجته الثانية ” إذ لم يكن سعيد تزوج قبل زواجه من باقية وإن أحب يعاد .
وكنت أتمنى لو توقف الدارس وهو يدرس ” المتشائل ” أمام الصورة التي أبرزها سعيد المتعاون لسعيد اللاجئ المقاوم ” سعيد في بلاط ملك ” . إن الصورة التي يقدمها سعيد المتعاون لسعيد المقاوم هي الصورة التي كان إميل حبيبي يحلم بها ليكون عليها ، وقد أشار سعيد بأنه كان يحدث بعض معارفه بأنه يحدثهم عن نفسه بما كان يحلم بأن يكون عليه .
الكتابة تطول والمساحة محدودة .
نشر أول مرة 27 آي 2021
نشر مرة ثانية، بتوسع، في جريدة الأيام الفلسطينية متوسعا فيه 29 آب 2023
ينشره مركز الجرمق بإذن من الكاتب