غزة الشهيدة / نورمان فنكلشتين

مراجعة جوديث دويتش

ترجمة محمود الصباغ

هذا كتاب ٌ غبر عادي بقدر  ما هو أيضاً كتاب صعب القراءة . ويذكر  مؤلفه “نورمان فنكلشتين* في المقدمة  أن إنجاز هذا العمل “كان مهمة شاقة ومضنية وصعبة،  وسبب ذلك نفوره العميق والشديد من كمية الكذب الفج، لا سيما عندما يوظف لمصلحة السلطة في وقت تكون فيه حياة البشر معلقة في كف عفريت”. ويضيف: “قصة  ما جرى ويجري غزة تدور حول كذبة كبيرة مكوّنة من ألف كذبة صغيرة وكذبة ، تبدو، في الغالب، معقدة وغامضة وعصية. ولهذا سيكون الهدف من الكتاب دحض الكذبة الكبيرة عبر كشف، بالأحرى فضح، جميع الأكاذيب الصغيرة “.

ويثير تحقيق فنكلشتين الدقيق في حروب إسرائيل على غزة العديد من الأسئلة حول المجتمع، ويمكن تعميم النتائج التي توصل إليها بشكل خاص على الحروب الأخرى. وهو يركز هنا على أحداث عملية الرصاص المصبوب (2008-2009)، وسفينة “مافي مرمرة” (2010)، وعملية الجرف الصامد (2014).

ويفصّل، كما عهدناه بدقة مميزة، في خلفية هذه الأحداث ومسار الهجمات الإسرائيلية العسكرية، وطرق تبرئتها من عقابيل هجماتها. ولعل مساهمته الفريدة تكمن في تحرّيه الدقيق عبر “تحليل منهجي للمنطق والأدلة”، للتحقيقات الرسمية التي عملت على تبرئة إسرائيل. ويستعرض في سياق ذكره تاريخ إسرائيل منذ العام 1948، نمطاً، بات واضحاً، من الاستفزازات الإسرائيلية غير المعلنة لإخفاء سلوكها العدواني، واستخدامها للقوة العسكرية المفرطة واستهداف المدنيين، واحتكامها لشرعية قانونية مخادعة أصلاً وموضع شك دائم في صحتها، فضلاً عن جملة أكاذيب بهدف تبرئة ساحتها والسماح لها بتنفيذ المزيد من الأعمال الوحشية بشكل مستمر.

ويشير الكتاب إلى عدة هجمات وحشية إسرائيلية سبقت عملية الرصاص المصبوب، أطلقت عليها إسرائيل أسماء شديدة الدلالة والقسوة؛ مثل: قوس قزح (2004)، أيام الندم (2004)، أمطار الصيف وسحب الخريف (2006)، الشتاء الحار (2008). وبعد الانتخابات الديمقراطية التي فازت بها حماس في العام 2005، فرضت إسرائيل حصاراً عقابياً أشار إليه المقرر الخاص للأمم المتحدة جون دوغارد بأنها المرة الأولى التي يخضع فيها شعب محتل لعقوبات تشكل انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة الرئيسة ولقرار حكم صادر عن محكمة العدل الدولية.

وفي ظل الحصار، كانت 80٪ من مياه غزة غير صالحة للاستهلاك البشري، ونصف السكان عاطلين عن العمل ويعانون من انعدام الأمن الغذائي. كما هاجمت إسرائيل السكان المدنيين المسجونين داخل أراضيهم ودمرت اقتصادهم فعلاً وليس قولاً. 

لقد هاجمت إسرائيل غزة بأكثر الطائرات المقاتلة تقدماً في العالم، ونفّذت ما يقرب من 3000 طلعة جوية وألقت نحو 1000 طن من المتفجرات. وكانت قواتها مجهزة بالأسلحة وبأنظمة متطورة لجمع المعلومات الاستخباراتية، في حين كان لدى «حماس» عدة مئات من الصواريخ البدائية وقذائف الهاون البسيطة.

وأجمع الكونغرس الأمريكي على تأييد الهجوم (كان تصويت مجلس النواب 390 مقابل 5). وانضم إلى جوقة التهليل لعملية الرصاص المصبوب توماس فريدمان الصحفي في “نيويورك تايمز “؛ الذي أعرب عن أمله في قيام إسرائيل “بتعليم” حماس الدرس بالقضاء على أكبر عدد من عناصرها وإلحاق آلام شديدة بسكان غزة. وكانت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني أعلنت – في سياق العملية العسكرية- بوقاحة لا تخلو من الجرأة، عدم وجود “أزمة إنسانية” في غزة. ووصف مدير الأونروا ما أظهرته بوضوح صور شهود العيان ونشرات الأخبار: “تعيش غزة كارثة ستنعكس مباشرة على السكان المدنيين المحاصرين والمصدومين، والمرعوبين”. وكان من الواضح الاستهداف المنهجي للبنية التحتية المدنية؛ فدُمر أو تضرر نحو 58,000 منزل، و280 مدرسة وروضة أطفال، و1,500 مصنع، بالإضافة إلى منشآت الكهرباء والمياه والصرف الصحي (أكثر من مليون شخص من السكان عاشوا دون كهرباء أثناء الغزو، ونحو نصف مليون بلا مياه نظيفة)، ودُمّر 190 مجمعاً زراعياً، وتعرضت 80٪ من المحاصيل الزراعية للتلف، وما يقرب من خُمس  الأراضي المزروعة. وأسفرت العملية، إجمالاً، عن قتل 1400 مدني، بينهم 350 طفلاً.

وأثبتت منظمة العفو الدولية، (أمنيستي)، وكذلك تقرير غولدستون، استخدام الجنود الإسرائيليين، وليس حماس، المدنيين كدروع بشرية. ووجد تقرير غولدستون أن الكثير من الدمار كان متعمداً ومرتبطاً بعقيدة منهجية عسكرية معينة؛  بل ربما هو جزء منها؛ فذكر أن الهجوم كان “متعمداً ومفرطاً  بطريقة عير متناسبة لمعاقبة وإهانة وترويع السكان المدنيين..”، كما أشاد “بصمود وكرامة  الغزيين”. وأوصى بأن تبدأ الدول؛ وبشكل فردي  العمل على “تحقيقات جنائية في محاكمها الوطنية، باستخدام  إجراءات القضاء والعدالة الدوليين، حيث تكون هناك أدلة كافية على ارتكاب انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف للعام 1949. وأشار  أيضاً إلى “القسوة  التي تبدو كأنها متعمدة” من جانب إسرائيل تجاه الأطفال.

ومما يؤسف له حقاً تراجع غولدستون في الفاتح من نيسان 2011، وتبرأه من “تقرير الأمم المتحدة المروع عن الجرائم الإسرائيلية والذي حمل اسمه”. وبيّن في تراجعه أن إسرائيل لم ترتكب جرائم حرب وأنها قادرة تماماً على التحقيق في انتهاكات القانون الدولي. وفي المقابل، رفض المحققون الثلاثة الآخرون هذا التراجع وأصدروا بياناً أكدوا -بشكل قاطع- لا لبس فيه نتائج التقرير الأصلية.

يتناول فنكلشتين، في تفاصيل كثيرة، أسباب تراجع غولدستون الذي أضفى الشرعية -عملياً- على ذرائع إسرائيل من حيث إن هذه الأخيرة لا تستهدف المدنيين؛ وأرجع استهدافهم  إلى الخطأ أو الضرر الجانبي الناجم عن استهداف المسلحين، وأن الدمار المفرط في المباني بسبب القصف كان مبرراً بموجب حق الدفاع عن النفس. وعزا تراجعه إلى صورة ضبابية ملتقطة من طائرة دون طيار لأفراد عائلة “السموني” لم يتم الكشف عنها إلا بعد 22 شهراً من المذبحة التي راح ضحيتها 29 فرداً من العائلة. وكانت هناك أدلة كثيرة على علم القوات الإسرائيلية بأن أفراد العائلة مدنيون؛ وكان الجنود الإسرائيليون المتمركزون بالقرب من المنزل قد حذّروا الضابط الميداني، العقيد “مالكا”، بأن هؤلاء الأفراد مدنيون. ويقارن فنكلشتين بدقة بين النتائج المستخلصة من تقرير غولدستون، وبين حيثيات تراجعه، وتقرير منظمة العفو الدولية، وما جاء في تقرير خبراء الأمم المتحدة. 

ووفقاً لتلك الصورة الملتقطة لعائلة “السموني”، كان رجال العائلة يجمعون الحطب، فيما اعتقد [الجيش الإسرائيلي]، خطاً،  أنهم مسلحون يحملون منصات إطلاق صواريخ. وهكذا اعتبرت المجزرة مجرد “خطأً بسيطاً”. علماً أن غولدستون كان يعرف تماماً حديث الجنود الإسرائيليين المتكرر عن رخصة الإقدام بـ “جنون” و “خبل” و “اختلال” و “تدمير كل ما يقع في طريقهم” و”القضاء على كل من وما يتحرك”. ويشير  جون دوغارد، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة،  إلى عدم وجود “حقائق جديدة تبرئ إسرائيل يمكنها دفع غولدستون إلى تغيير رأيه”.

ويستنتج فنكلشتين كيف ألحق غولدستون “بلمسة واحدة” أضراراً غير قابلة للإصلاح بمسائل الحقيقة والعدالة وسيادة القانون.. وكيف أفسد، بالأحرى سمّم، العلاقات اليهودية الفلسطينية، وقوّض الجهود الشجاعة للمعارضين الإسرائيليين، وزاد -بشكل لا يغتفر- من خطر هجوم إسرائيلي قاسٍ آخر. والشيء المميز الوحيد في تراجع غولدستون عن تقريره يتمثل، حسب فنكلشتين، في “تجديد رخصة إسرائيل للقتل”.

وقد اتبعت إسرائيل نمط الهجمات السابقة حين اعتدت على أسطول غزة  لكسر الحصار المفروض على غزة وقامت بقتل تسعة أشخاص من ركاب سفينة “مافي مرمرة”؛ فقد وصفت إسرائيل الضحايا بأنهم إرهابيون؛ وكان هجوم  الكوماندوز الإسرائيلي المخطط له مسبقاً غير متناسب إلى حد كبير؛  ويفوق مقتضيات الوضوح في الأفعال، لأن عناصر الكوماندوز فتحوا النار على ركاب  السفينة العزل وتعاملوا معهم مباشرة بالغاز المسيل للدموع والدخان والقنابل الصوتية واستخدموا في النهاية الذخيرة الحية.

ويستنتج فنكلشتين  من ذلك أن جنود الكوماندوز: “لم يطلقوا النار ضمن حدود الضوابط المعروفة أو المتعارف عليها ولا ضمن حالة الدفاع عن النفس، بل على العكس، لقد قتلوا المدنيين التسعة بإطلاق النار عليهم جميعاً بأكثر من رشقة واحدة (أصيب خمسة منهم في الرأس، وقتل ستة -على الأقل- من أصل التسعة بطريقة متسقة مع الإعدام التعسفي والسريع خارج نطاق القانون”).

وكانت إسرائيل قد عينت ياكوف تيركل، وهو قاضٍ سابق في المحكمة العليا الإسرائيلية، على رأس لجنة تحقيق، كما عيّن بان كيمون، الأمين العام للأمم المتحدة، الرئيس الكولومبي الفاسد والمجرم ألفارو أوريبي رئيساً للجنة تابعة للأمم المتحدة.

ويكشف فينكلشتين عن بؤس المفارقات المثيرة في تقارير تلك اللجان المختلفة ؛ فيشرح كيف أن “الشهداء” سلّحوا أنفسهم لقتل الإسرائيليين لكنهم لم ينجحوا في قتل حتى أولئك الذين كانوا بحوزتهم، بينما اتخذ الإسرائيليون “جميع الاحتياطات ومارسوا أعلى حالات ضبط النفس” للحيلولة دون قتل أي شخص ولكن انتهى بهم الأمر بقتل تسعة أشخاص”. واخترع تقرير الأمم المتحدة رواية قانونية جديدة فرّق فيها بين الحصار البري والبحري؛ كما لو كانت القوارب مخصصة لتهريب الأسلحة، مما يبرر الحصار البحري والهجوم على السفينة. “يجب أن يكون هذا الأمر هو الأول من نوعه، -وبالتأكيد- لا بد أنه يمثل الحضيض في تاريخ وسجلات الأمم المتحدة حين يشهر تقرير إحدى لجانها تصريحاً يشوه سمعة ضحايا اعتداء قاتل، كل ذنبهم أنهم سعوا إلى تسليط الضوء على جريمة مستمرة ضد الإنسانية”.

 ويركز الكتاب في الفصل الخاص بعملية الجرف الصامد على خيانة منظمة العفو الدولية ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لغزة. ويعزو هذه الاعتداءات الإسرائيلية كرد فعل على هزيمتها أمام حزب الله في العام 2006 وحاجتها لإثبات قدرتها على الردع. وتشير عقيدة الضاحية (بالإشارة إلى ضاحية بيروت الجنوبية التي سويّت بالأرض من قبل إسرائيل في العام 2006) إلى استراتيجية عسكرية تتمثل في التصرف الفوري والحاسم وبقوة مفرطة. فعملت إسرائيل على اغتيال أحمد الجعبري القائد العسكري لحركة حماس؛ وفاقمت العنصرية الإسرائيلية وحالة البارانويا من خلال إخفائها الحقائق حول مقتل ثلاثة شبان من المستوطنات. واستغلت حكومة نتنياهو مجموعة من الأحداث لشن هجومها الأضخم: تحول الربيع العربي إلى شتاء عربي، وإغلاق مصر مرة أخرى لحدود غزة. كما أدى إسقاط الطائرة الماليزية في العام 2014 إلى صرف الانتباه عن إسرائيل التي عمدت إلى قصف غزة بعد ساعات.  

لا شك إن الحقائق الأساسية حول اعتداء إسرائيل المفرط على السجناء مؤلمة فعلاً وتدمي القلب، وبلغة الأرقام: قتلت حماس 73 إسرائيلياً؛ 8٪ منهم مدنيون؛ بينما قتلت إسرائيل 2200 من سكان غزة 70٪ منهم مدنيون. وقتلت إسرائيل 550 طفلا [الرقم الأخير 556]، وقتلت حماس طفلاً إسرائيلياً واحداً، وكانت نسبة المساكن المدنية المدمرة 18,000: 1.

لقد تجاهلت منظمة العفو الدولية أدلة لا يرقى إليها الشك من مصادر إسرائيلية بأن مقاتلي حماس الذين خرجوا من الأنفاق استهدفوا جنوداً إسرائيليين، وليس مدنيين. ورفضت المنظمة العفو وكذلك تحقيقات الأمم المتحدة في عملية الجرف الصامد اتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية أو انتهاك ميثاق الأمم المتحدة أو اتفاقيات جنيف. كما افترضت هذه التقارير وجود تكافؤ بين معاناة سكان غزة واليهود الإسرائيليين. وقامت منظمة اليونيسيف ورئيس تحرير مجلة “لانسيت” الدكتور ريتشارد هورتون وجاك دي مايو من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ولويس مورينو أوكامبو من المحكمة الجنائية الدولية بـ “تبييض” السلوك الإسرائيلي الإجرامي، بل عبّروا عن إعجابهم باحترام إسرائيل لـ “سيادة القانون” . كما زعمت محكمة العدل الدولية، وهي التي كانت قد أعلنت -في وقت سابق- بعدم قانونية المستوطنات،  أن عملية الجرف الصامد كانت عملاً “معقداً للغاية” بما يحمل هذا القول من مراوغة شديدة جعلت فنكلشتين يتساءل “أين تكمن هذه التعقيدات: هل كان عندما أسقطت إسرائيل 100 قنبلة تزن  الواحدة منها طناً واحداً على [حي] الشجاعية أم عندما أطلقت بشكل عشوائي 20,000 قذيفة مدفعية شديدة الانفجار على مناطق مدنية مكتظة بالسكان؟”

وتظهر اقتباسات فينكلشتاين من تقارير منظمة العفو الدولية ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة كيف حصل تشويه وإغفال وحرف أو حتى حذف أدلتهم الخاصة. وكيف تجنبوا، أو ربما تهربوا من، الاعتراف باستهداف إسرائيل المتعمد للمدنيين وتدميرها مرافق الحياة الضرورية، بما في ذلك المنشآت الطبية والبنية التحتية للمياه والصرف الصحي ومحطات الطاقة والبنية الزراعة الاقتصادية والتجارية. وتسمح مثل هذه التقارير الرسمية لإسرائيل بالقول إنها تستهدف “المسلحين” فقط. ويتساءل فينكلشتين كيف تمكنت القوات الإسرائيلية من التعرف على المسلحين في الـ 18000 منزل التي دمروها؟.

من الواضح، عدم قدرة تقنية المراقبة الإسرائيلية والجنود على الأرض على التمييز، ظاهرياً، بين الأطفال الذين كانوا يطعمون الطيور أو الأطفال الذين يلعبون على أسطح منازلهم، وبين المسلحين. واستشهدت منظمة العفو الدولية بمزاعم إسرائيلية تقول بأن مشفى الوفاء [للتأهيل الطبي والتخصص الجراحي] كان “مركز قيادة”. وكان بإمكانها الإشارة إلى أن  ذريعة “مركز القيادة” ليست أكثر من حجة  افتراضية من جانب إسرائيل لتستهدف المشفى “. وحتى بعد أن  نفت صور الأقمار الصناعية الخاصة تلك المزاعم الإسرائيلية، لا تزال المنظمة تصر على أن وضع المشفى “لا يزال موضع تساؤل غير منتهي “. “وبناء على معيار الأدلة هذا، لم تتمكن المنظمة من التوصل إلى أن إسرائيل قد ارتكبت جريمة حرب ما لم تعترف إسرائيل بارتكابها”. وقبلت التحقيق الداخلي الإسرائيلي الذي “وجد أن الهجمات نفذت وفقاً للقانون الدولي”.

وبالمثل، يسخر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة “من اللغة والقانون والمعاناة الإنسانية” حين يبذل قصارى جهده لإعادة صياغة أي دليل على  استهداف إسرائيل للمدنيين. وتجاهل تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول مقتل 18 شخصاً كانوا ينتظرون إجلاءهم من مدرسة بيت حانون التابعة للأونروا الأدلة التي تشير  إلى قتل إسرائيل المتعمد مع سبق الإصرار للمدنيين.

 مثل هذه التقارير غير ملزمة، بالعادة، ورجح  التقرير أن تكون  الاعتداءات بمنزلة “هجوم عشوائي… وقد . . . يرقى إلى جريمة حرب”. ولم يقدم أي دليل على ضرب إسرائيل أهدافاً عسكرية في المدرسة؛ أو أن الهجوم وقع أثناء تبادل لإطلاق النار. “إن الحقائق  المثبتة التي تم التوصل والتي ضاعفت من جريمة ما حدث باعتباره عملاً مروعاً وغادراً.. تؤكد على الاتفاق مع الجيش الإسرائيلي لإجلاء جماعي سلمي ومنظم من مدرسة بين حانون، وأن القائد الإسرائيلي وعد مرتين، وبشكل صريح، بعدم استهداف هذا الملجأ بالذات”. ووصف التقرير مقتل المدنيين بعد ذلك بأنه حادث “عرضي”.

ويخلص فينكلشتين إلى أن إسرائيل لم تتخذ “جميع الاحتياطات الممكنة” لحماية المدنيين، بل عملت ما بوسعها لوضعهم في حمام دم.

يعبر فنكلشتين بعبارات غاضبة عمّا حصل، وقد يكون للقراء وجهات نظر مختلفة حول تعابيره تلك. ولكنه يوضح أن استنتاجاته ” ليست على تلك الدرجة من الخبث أو التحيز؛ وإنما توصل إليها بعد تحليل دقيق للأدلة المتاحة، رغم أنها مليئة بمشاعر اليأس الممزوجة بالسخط”.

يؤكد الكتاب على سلوك نمطي إسرائيلي واضح تتعمد من خلاله استفزاز حماس بطريقة غير معلنة، مما يفرض على هذه الأخيرة القيام برد فعل تبدو فيه هي المعتدية والبادئة بالأعمال العدائية، مما يتيح لإسرائيل الادعاء بحقها في الدفاع عن نفسها بأي وسيلة ضرورية.

يعبّر فينكلشتاين في هذا الكتاب عن غضبه من تبرئة إسرائيل من جرائمها على يد أشخاص ومؤسسات مرموقة، مما يسمح بتصاعد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.  

والنتيجة!

إن كشف الأكاذيب الصغيرة والكبيرة جزء  أساسي من أساسيات النضال بعدم تكرار  ذلك  كما يؤكد فنكلشتين.

……

المصدر: https://www.nyjournalofbooks.com/book-review/gaza-inquest

*عنوان الكتاب الأصلي Gaza: An Inquest into its Martyrdom    (2018)

عن محمود الصباغ

كاتب ومترجم من فلسطين

شاهد أيضاً

العدوان على غزة: أجندة إسرائيل الاقتصادية

ما هي الأسباب الحقيقية وراء معارضة إسرائيل لتطوير حقول الغاز في الساحل الفلسطيني؟ هل هي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *