تداعيات حرب 2023/ 2024: المشروع الصهيوني وجنة الله الموعودة

أعادني شريط فيديو يصور ما آل إليه معبر رفح بعد احتلاله، بثه الإعلام العبري، في 19/ 6/ 2024، إلى نصوص أدبية صهيونية وعبرية وفلسطينية أتت على أرض فلسطين تحت الحكمين؛ الأول الحكم العربي والإسلامي خلال مئات الأعوام والثاني الحكم اليهودي الصهيوني الإسرائيلي منذ ١٩٤٨، علما بأن الدعاية للمشروع الصهيوني قامت على أكذوبة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» التي تنقض نفسها بنفسها، فالنصوص الأدبية التي تحكي عن أرض بلا شعب تذهب إلى أن العرب الذين قطنوا فيها، بعد ترك اليهود لها، حولوها إلى أرض قفراء جرداء؛ لأنهم لا يعرفون إلا التخريب والهدم والتصحير.
الأعمال الأدبية الصهيونية المكتوبة بغير العبرية عديدة؛ منها «أرض قديمة جديدة» لـ(ثيودور هرتسل) و»لصوص في الليل» لـ(آرثر كوستلر) و»اكسودس» لـ(ليون أوريس)، ومثلها الأعمال الأدبية الصهيونية الإسرائيلية المكتوبة بالعبرية مثل «خربة خزعة» لـ(يزهار سميلانسكي)، والأعمال الأدبية الفلسطينية أيضاً عديدة، وقد كتبت وفي خلفية كتابها الفكرية العديد من الأعمال الأدبية الصهيونية المشار إليها وغيرها، ولطالما أسهبت في الكتابة في الموضوع.
ما كتبته سابقاً هو ما استدعاه شريط الفيديو المذكور في الأسطر الأولى.
لقد ذكرني بتلك الأعمال وما كتبته عنها، ولكنه ذكرني أكثر وأكثر بالترجمة العربية لرواية هرتسل والصور المرفقة بها، وقد بلغ عددها ٤٦ صورة.
الصورة تذكر بالصورة، وصورة ما كان عليه معبر رفح قبل الحرب وما آل إليه، كما في الشريط، تستحضر الصور التي أرفقتها، بقصد، الجهة المسؤولة عن الترجمة العربية لرواية هرتسل.
من الصور التي زينت بها الترجمة:
صورة لميناء يافا سنة 1898، وثانية لباخرة ثيودور هرتسل في ميناء حيفا، وثالثة لمدينة القدس، ورابعة لمظاهرة شارك فيها عرب ويهود كتب تحتها «من مظاهر الأخوة اليهودية – العربية في هذه البلاد»، 3 صور لنساء عربيات في مؤتمر نسائي، وصورة لإحدى رياض الأطفال في قرية الطيبة، وصورتان متقابلتان: منظر عام لمرج يزراعيل قبل استيطانه والعفولة المدينة التي نشأت في قلب المرج بعد استيطانه، وصور لكنيس وكنيسة (البشارة في الناصرة) والمعبد البهائي عباس في حيفا وصورة لمسجد السلام، وكتبت عبارة من الرواية  «ولكن الكنس والمساجد والكنائس تقوم جنباً إلى جنب، وصورة لمستنقع كتب تحتها: تجفيف مستنقعات الحولة و»من الذي جفف المستنقعات؟»، وصورتان متقابلتان؛ الأولى لغور الأردن جنوب بحيرة طبرية كما كان عليه في سنة 1909، والثانية للمكان نفسه كما هو عليه في 1966، وكتب تعليق نصه «أن كبار السن من بينكم يعرفون ما كان عليه منظر هذا المكان قبل ٢٠ سنة»، وصورة للميناء الجديد في أسدود وصورة لاستخراج النحاس بالقرب من خليج إيلات، وثلاث صور لتل أبيب في 1909، حيث تم وضع حجر الأساس لها، وصورة لبلديتها في 1910 بجانب خزان الماء الأول، وصورة لها سنة 1967، وصورة لترعة في مشروع المياه القطري وكتب فوقها «لقد صنع إيمان مهندسي الماء هذه العجائب»، وصورتان لشارع في القدس؛ الأولى وهو مقفر والثانية وهو مزدهر – أي قبل الاستيطان وبعده.
وكان القصد من وراء إدراج الصور هذه هو تأكيد الفكرة الصهيونية المتعلقة بتحويل فلسطين من أرض قفراء جرداء صحراوية إلى جنة وإظهار أن اليهود يعمرون ما خربه العرب.
منذ بداية الحرب الدائرة حالياً، وتدمير٧٠ بالمائة وأكثر من قطاع غزة، أخذ بعض الغزاويين يعرضون صوراً لمدينتهم كما كانت عليه قبل ٧ أكتوبر وأخرى لما صارت إليه بعد التاريخ المذكور!
كان القطاع عامراً مزدهراً حافلاً بالحياة وحوله الجيش الإسرائيلي بسلاحه البري والبحري والجوي إلى مكان لا تصلح الحياة فيه.
شريط الفيديو الذي بثته وسائل الإعلام العبرية لصيرورة معبر رفح هو نقض للرواية الصهيونية كلها على مدار مائة وعشرين عاماً، وهو يدحض الأكذوبة التي حفلت بها أدبياتهم.
على مدار ٧٦ عاماً جعلت إسرائيل حياة الفلسطينيين جحيماً ولم تكتفِ بتدمير قراهم وتهجيرهم، بل واصلت ملاحقتهم في المنافي لتواصل تدمير ما بنوه هناك وبلا رحمة.
عندما تبدي صفية زوجة سعيد. س في رواية غسان كنفاني «عائد إلى حيفا» دهشتها مما رأته من عمران وزراعة يرد عليها زوجها:
«-
كان بإمكاننا أن نجعلها أفضل بكثير».
وقد عمر أهل قطاع غزة، منذ خروج المحتلين في 2005، القطاع فبنوا، على الرغم من الحصار، المباني وأقاموا المشافي والجامعات والأبراج وشقوا الطرق وزرعوا المساحة الضيقة وصدروا الورود والأزهار.
معبر رفح وما كان عليه قبل أربعين يوماً وما فعلته به الدبابات والطائرات الإسرائيلية خلالها، كما بدا في شريط الإعلام العبري، خير شاهد على تحويل فلسطين إلى جنة – أي والله

المصدر: https://al-ayyam.ps/ar/Article/402089/%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D9%A2%D9%A0%D9%A2%D9%A3-%D9%A2%D9%A0%D9%A2%D9%A4-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%87%D9%8A%D9%88%D9%86%D9%8A-%D9%88%D8%AC%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9

 

عن د.عادل الاسطه

شاهد أيضاً

تداعيات حرب 2023/ 2024:ما بين دجاجة الحسيني وخزان كنفاني وخازوق حبيبي؟

في الحرب تذكرت غير مرة رواية إسحق الحسيني «مذكرات دجاجة» (1943)، وتذكرت أكثر مواقف النقاد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *