تداعيات حرب 2023 / 2024: «علـى قلـق كـأن الريح تحتي»

اليوم الأحد 6/ 10/ 2024 هو اليوم الأخير من عام الحرب الأول الذي بدأ يوم سبت في  7/ 10/ 2023.
مضى العام وكانت النتيجة عشرات آلاف القتلى ومائة ألف جريح ومشوّه ويتيم وأرمل وأرملة، ومحو عائلات بأكملها من السجل المدني، وتدمير قطاع غزة تدميراً شبه كامل لجعل الحياة فيه، لأهل غزة في قادم الأيام، شبه مستحيلة، وهذا ما طمحت إليه الحركة الصهيونية منذ مؤتمرها الأول، رافعةً شعار «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» متسائلةً عن مستقبل سكان البلاد، وهو ما شغل بال الأب الروحي للحركة الصهيونية (ثيودور هرتسل) في روايته «أرض قديمة جديدة» (1902).
في بداية الحرب أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) أن الحرب حرب وجود، وقال إنه تلميذ (جابوتنسكي) الذي رأى أن السلام في المنطقة يتحقق بالقوة/ بالسيف، وهذا ما لم يتحقق منذ بداية المشروع الصهيوني، فالمقاومة ما زالت مستمرة والفلسطينيون ما زال نصفهم في أرضهم.
في ثلاثينيات القرن العشرين فهم الشاعر إبراهيم طوقان كُنه المشروع الصهيوني فلخّصه بأبيات شعرية منها:
«
أجَلاءً عن البلاد تريدون فنجلو أم محوَنا والإزالة؟»
و
«
يا قومُ ليس عدوكم ممن يلين ويرحم
يا قوم ليس أمامكم إلا الجلاء فحزموا».
ويبدو أنه قرأ ما انشغل به آباء الصهيونية في الموقف من سكان البلاد. ماذا سنفعل بهؤلاء الأغيار الغرباء الذين أقفروا بلاد آبائنا وصحّروها في أثناء غياب آبائنا عنها؟
ويبدو أن طوقان قرأ وجهتَي النظر المختلفتين في النهج، المتفقتين في النتيجة، وهما وجهة نظر تيار رأى التضييق على سكان البلاد العرب، حتى يرحلوا من تلقاء أنفسهم، ووجهة نظر تيار ثانٍ ذهب إلى أن ذلك لا بد من أن يُنجز بالقوة، ومنذ العام 1948 والتياران يتصارعان حتى آل الصراع إلى غلبة التيار الثاني ممثلاً الآن بـ (بنيامين نتنياهو) وحزبه و (ايتمار بن غفير) و (بتسلئيل سموتريتش)، ويبدو أن العام الثاني من الحرب سيتواصل في قطاع غزة وفي الجنوب اللبناني معاً وفي الوقت نفسه، ويبدو أن إسرائيل مصرة على تحقيق شعارها «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» بالقوة، أو على الأقل «أرض أكثر وعرب أقل».
في العام الأول من الحرب صار المرء عداد موتى وجرحى، وعداد إحصاء دبابات دُمرت وآليات أُعطبت وبيوت نُسفت على رؤوس أصحابها، وما تحقق معكوساً هو أن العرب ليسوا أبناء صحراء يدمرون الطبيعة ويخربونها، وهذا ما حفلت به الأدبيات الصهيونية، وإنما هم بنوا وشيّدوا المشافي والمدارس والجامعات، وجاء الإسرائيليون ليقفروها ويصحروا قطاع غزة، كأنما أسقط الصهيونيون في أدبياتهم، صفاتهم التي تقبع في أعماقهم، على العرب، وهنا نتذكر ثانية ما قاله طوقان فيهم:
«
أعداؤنا – منذ أن كانوا – صيارفةٌ
ونحن – منذ هبطنا الأرض  – زُرّاع».
في عام الحرب الأول استرجع المرء أحداث مائة عام من الصراع، كأنما كان زبدتها كلها. لقد عشنا النكبة الجديدة وعشنا معها أيضاً النكبة الأولى وما بينهما، فما من حدث إلا ذُكر بمثيله، بل وأكثر.
وإذا كان طوقان نفسه قال:
«
أمامك أيها العربي يوم
تشيب لهوله سود النواصي
مناهج للإبادة واضحات
وبالحسنى تنفذ والرصاص
لنا خصمان ذو حول وطول
وآخر ذو احتيال واقتناص
تواصَوا بينهم فأتى وَبالاً
وإذلالاً لنا ذاك التواصي»
فإن الخصمين ما زالا هما هما مع حلول الولايات المتحدة الأمريكية محل بريطانيا العظمى، دون أن تتخلى الأخيرة كلياً عن دورها القذر، فطائرات تجسّسها ترصد الأماكن التي يقبع فيها المقاومون، وتقدم المعلومات التي تجمعها إلى الجهة الإسرائيلية، لتتمكن الأخيرة من تتبعهم وتصفيتهم.
مر العام الأول ونحن نرصد أحداثه ساعة ساعة ويوماً يوماً وشهراً شهراً، ونتابع أخبار الجبهات في الشمال والجنوب وما يلم بالسكان المدنيين، نتابع هذا كله متابعةً حثيثة حتى فقدنا الشغف بالحياة في أبسط مظاهرها. الشغف بالقراءة والشغف بالسفر والشغف بمتابعة مسلسل والشغف بحضور مؤتمر أو إلقاء محاضرة ومحاورة جمهور الحاضرين.
عندما أقارن في باب القراءة مثلا بين ما قرأته في هذا العام بما قرأته في أعوام سابقة أرى الفرق واضحاً. فلأول مرة منذ خمسة عقود لم أقرأ في عام كامل سوى ثلاث روايات، حتى الدراسات الطويلة والمقالات التي تزيد على خمس صفحات أُكمل قراءتها بالكاد. صرت قلقاً لا يثبت على حال، قلقاً حتى لكأن المتنبي قال بيته يصف حالتي:
على قلقٍ كأنَّ الريح تحتي
أُوجهها جَنوباً أو شَمالا.
لا أستقر لساعة دون أن أبحث عن آخر الأخبار، وفي الأيام الأخيرة بدأت الأوضاع تتأزّم أكثر وأكثر و… و….

عن د.عادل الاسطه

شاهد أيضاً

في وداع إلياس خوري

 1) لم يكتب لي القدر أن أتقابل مع إلياس خوري وجها لوجه ، مع أننا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *