مدعواً من الصديقين المجيدين محمد وفاطمة ، إلى مسرح اولد فيك، خرجت من مشاهدة مسرحية ماري بيج مارلو (Mary Page Marlowe) لكاتبها تريسي ليتس ، مندهشا بقدرة الممثلة سوزان ساروندن ورفيقاتها على تقمص أحد عشر مشهداً “لتحولات” امرأة أميركية(مهم جداً أخذ ذلك في الاعتبار)أو تمثُلات حياتها من الطفولة وإلى أن اقعدتها الشيخوخة.
الفصول باختصار، مع ملاحظة ان لا تسلسل زمني في مسرحتها
1-ماري في الستينيات تتحدث لمعالجة نفسية في مواجهة مع الذات
2- متزوجة في الثلاثينيات وأم في تجاذب بين الأمومة ومسؤولياتها أو الحرية
3- في أواخر المراهقة وتعقيد العلاقة مع الوالدين
4-هي في الخمسينات بعد الطلاق وبعض الندم
5-وهي في العشرين من العمر والعمل وعلاقة جديدة واندفاع نحو الحياة
6-وهي في الأربعينيات تتورط قانونيا بسبب إدمان الكحول
7- ماري في السجن
8-ماري في الطفولة وتكوين الشخصية
9- ماري في سن متقدمة تبدو في الستين
10 هي مع ابنتها المراهقة(تكرار علاقتها مع أمها)
11- ماري في لحظة تأمل تربط خيوط حياتها في تغير الأزمان .
الزمن في الفصل الأخير هو ما أعادني إلى مسرحيتين أُخريين في ثيمة المرأة ، ولا استطيع الإنكار أن تذكرهما في (استعادة مقارنة) إن جاز التعبير هو ما أعطى مسرحية ماري بيج مارلو، لاحقاً عُمقاً لم تسمح به المشاهدة المباشرة.
المسرحية الأولى هي ” الأعوام” لصاحبة نوبل الفرنسية آني آرنو ، (كتبت عنها بتوسع نسبي على صفحتي في حينه2/شباط/فبراير)وهي تروي في فصولٍ متتابعة زمنياً (كرونكلي) حياتها من الطفولة إلى الشيخوخة .
هنا تبدى الفارق في مفهوم الزمن ، فهو عند ماري يبدو وكانه مرايا لتعدد حالات او مراحل في تكوين فرد واعتلاجاته وقضاياه ، زمن خاص لصاحبه معزول عن سياق تاريخي، عند آني آرنو الزمن هو زمن جماعي هو الوعي به مقروناً بالوعي الطبقي هي جزء من تاريخ عظيم عالمياً ومحلياً (فرنسا)فالزمن وإن بدا كخلفية لأحداث إلا أنه زمنها وزمن كل من عاشه معها ، هي ونحن هناك معها في الحرب الفيتنامية وفي حرب الجزائر وفي الثورة الشبابية في 68 وفي التيارات الفكرية واصطراعاتها من فلاسفة فرنسا في نصف القرن الذي تتفاعل فيه شخصية آرنو .
ليس فقط ،بل المرأة عند آرنو إنسان أوسع يعيش في رحابة فكر وقضايا أكبر واوسع في فهم الجسد والجنس والولادة والاجهاض والتحرش والانتماء الحزبي.
هذا لا يعني إنكار عذابات ماري وكأني أكاد اقول بل إنه من حقها بالمطلق، فماذا لو كانت أكثر وعيا لذاتها في سياق وعي اجتماعي اوسع، ومع أن المسرحية تقول بأننا نصنع انفسنا ولكن ايضا هناك من يصنعنا، هذا هو الغائب ” من يصنعنا” وهو بالتحديد الزمن الجمعي والذي يعطي للسعادة معناها الأغزر وللحزن معناه الفلسفي الروحانيّ والتأملي.
هذا النوع من الحزن عند أمرأة هو زمن خاص لكنه ايضا (مجرد عام ) كما يقال بلغة القانون، وهو أيضاً زمن جمعي ، وهو ما أتذكره في مسرحية “عام التوهم( التفكير) السحري” (The Year Of Magical Thinking) وتقصدت ترجمة (thinking) بالتوهم او الوهم وليس التفكير لأن الأخيرة لا تعطي الظلال المرجوّة في الاستعمال الانكليزي فهي أيضا تدل على السرحان والتخييل والظنّ بالمعنى السحري . والأصل في المسرحية ، أنها سيرة ذاتية كتبتها الاميركية جوان ديديون، وهي مرثاة طويلة وتأملية في وضع المرأة في مواجهة الحزن على ضوء تجربتها في فقد زوجها وابنتها في حادث،.
المخرج البارع والكاتب المسرحي ديفيد هير هو من حوّل السيرة إلى مسرحية، وأناط به للممثلة القديرة فانيسا ردغريف ، وهي بنفسها ،بعد سنة فقدت ابنتها الشابة زوجة الممثل ليام نيسون ، فالمسألة لم تعد لفانيسا تمثيلاً بل تمثّلاً. وفي هذه المسرحية التي هي مونولوج ، يعني فقط من ممثل واحد، هدمت فانيسا ” الجدار الرابع” في المسرح بمعنى أنها تفاعلت مع الجمهور وحاورتهم بحزنها ولم يعد المسرح اربعة جدران يبصبص عليها المشاهد، بل ثلاثة والرابع هو الجمهور.
الزمن في المسرحية مكسور ان جاز التعبير لا ماض ولا مستقبل هو دائرة من الأسى والتذكر والفقد هو من جمّد الزمن، هنا المراة قادرة على التفكير السحري وعلى إخضاع الزمن بالعقل وبالوعي ،الزمن هنا هو البطل وتصنعه المرأة
كنت اشاهد المسرحية واتذكر نساء فلسطين ومعنى النكبة عندهن
اتذكر نساء فلسطين في وداع الشهداء
اتذكر نساء الجنوب اللبناني يُعدن بناء الجنوب مرة تلو مرة
اتذكر الآن نساء غزة
هنّ من سيبني المستقبل في غزة ، ما الزمن سوى النساء ، زمن الحزن حين يصير بموضوعيته هو العقل.
ما النساء سوى الزمن، يقلّبنه بحزنهن ذات اليمين وذات الشمال.
Aljarmaq center Aljarmaq center