ماندي تيرنر
ترجمة محمود الصباغ
*[هذا المقال مراجعة لكتاب حماية حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة: العمل من خلال الأمم المتحدة Protecting Human Rights in Occupied Palestine: Working Through the United Nations ( 2022) تأليف ريتشارد فالك وجون دوغارد ومايكل لينك (مع مقدمة بقلم فرانشيسكا ألبانيز)]
تلقيت، أوائل العام 2017، دعوة للمشاركة في ندوة نظمها المعهد السويدي للشؤون الدولية Swedish Institute for International Affairs (SIIA) في ستوكهولم للحديث بالذكرى الخمسين لاحتلال إسرائيل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة؛ أو هكذا اعتقدت. إذ بعد بضعة أشهر، لاحظت عند توزيع وتعميم المواد الدعائية للندوة كانت فحوى كلمات هذه المواد تصف الفعالية بصفتها ندوة بحثية لتحليل الذكرى الخمسين للحرب العربية الإسرائيلية، دون ذكر الاحتلال الإسرائيلي في العنوان أو الملخص بما يخالف مناقشاتي العديدة السابقة مع المنظمين. وعندما تساءلت عن الأمر وعبرت عن احتجاجي على ما جاء في تلك المواد، أخبرني أحد كبار الباحثين في المعهد: أن لا أحد -هنا- يعترض على الاحتلال الإسرائيلي؛ ولكن هكذا جاء عنوان وملخص الفعالية. فأعدت السؤال من جديد: “طيب.. إذا كان الجميع، لا يجادل بحالة الاحتلال الإسرائيلي؛ ولا يعترض على التسمية فلماذا، إذن، يتعمد المعهد عدم استخدام المصطلح”؟. ثم أعقبت سؤالي تهديد بالانسحاب من الندوة ما لم يتغيّر العنوان والملخص بما يعكس الإجماع الدولي على وضعية الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967. لقد رفضت، إذن، المشاركة في نقاش يتجنّب استخدام مصطلح “الاحتلال” كتعبير عن واقع الحال، الأمر الذي سيعني أن هذا التعريف القانوني الدولي المتفق عليه عالمياً (تقريباً) كان موضع شك ونزاع ومطروح للنقاش. لم أنجح، للأسف، في هذا المسعى. فقد تجاهل المعنيون في المعهد مخاوفي، وألغي الحدث دون تقديم تفسير (أو اعتذار).
يعود السبب وراء مراجعتي لهذا الكتاب ؛ إلى هذه الحادثة الشخصية، التي أردت منها إلقاء مزيد من الضوء على أهمية تعيين المصطلحات والتعريفات لأنها تشكل، في الحقيقة، فهمنا للعالم وسياقات عملنا. فثمة ما هو مريب، من ناحيتي على الأقل، عندما تحاول معاهد أبحاث محترمة -مثل المعهد السويدي المذكور- “التخفيف” المتعمد لعنوان وملخص حدث ما بتجاهلها القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وحتى المواقف السياسية الخارجية لحكومات تلك المعاهد البحثية ( والمثال هنا يتعلق بمواقف السويد). لنتخيل على سبيل المثال، كيف سيكون الأمر بعد عدة سنوات في ذكرى غزو روسيا لأوكرانيا واحتلالها أجزاء منها، لو كررت بعض المعاهد البحثية ما فعله معهد ستوكهولم.
هل يمكنكم تخيل ذلك؟ لا؟.. ولا أنا أيضاً.
ليس هذا إلا مثال من أمثلة كثيرة تبيّن تعمّد المؤسسات، وكذلك الأفراد، الابتعاد عن استخدام مصطلحات وتعريفات لا تحظى بموافقة إسرائيلية وتحتج عليها بشدة. وسواء كان هذا الإغفال بسبب الجهل أو الجبن أو التواطىء؛ فالنتيجة واحدة، سواء بسواء، من حيث عملها على تعميق الغموض والالتباس حول أسباب “الصراع” الإسرائيلي الفلسطيني. وكما تلاحظون فأنا أتعمد إحاطة كلمة “صراع” بتلك الأقواس المرعبة لأن الوضع يُفهم بصورة أفضل بصفته نضالاً ينحصر من أجل حقوق الفلسطينيين وتقرير مصيرهم إزاء دولة إسرائيل الاستعمارية الاستيطانية التي تمارس أساليب وحشية لقمع التمرد؛ وتمارس سياسات الاحتلال العسكري والفصل العنصري لإحكام سيطرتها على الفلسطينيين؛ وقمعهم وتجريدهم من ممتلكاتهم وتهجيرهم. وعبّرتْ عدّة منظمات تُعنى بحقوق الإنسان عن تأييدها لهذا الطرح مؤخراً؛ مثل منظمة العفو الدولية وبتسيلم وهيومان رايتس ووتش، بالإضافة إلى العديد من خبراء حقوق الإنسان، ومن بينهم أصحاب هذا الكتاب المهم.
“إن الطيور على أشكالها تقع”
لقد فهم الفلسطينيون وضعهم بهذه الطريقة، بما في ذلك واحدة من أبرز منظمات حقوق الإنسان، وأقصد مؤسسة الحق. لقد أدركوا هذا الوضع منذ أمد بعيد وما زالوا بانتظار أن يلحق بهم بقية العالم.
ويعتبر الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة (بما في ذلك الضم غير القانوني للقدس الشرقية) أحد أطول الاحتلالات العسكرية في التاريخ الحديث على الرغم من رسوخ حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم بشدة في القانون الدولي وتأييده المستمر في الأمم المتحدة. وإسرائيل هي الدولة السيادية الوحيدة التي تسيطر على كامل الأراضي من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط. ولا يغير من هذه الحقيقة الأساسية وجود السلطة الفلسطينية التي تأسست بعد اتفاقات أوسلو (والتي أعيدت تسميتها الآن باسم دولة فلسطين، ولكنها لا تزال دون حقوق سيادية). وتعمل التحالفات الجيوسياسية الحالية، لا سيما الدعم الغربي الواسع الذي تناله إسرائيل،[1] على عرقلة، بالأحرى منع إنهاء الاستعمار ، بل إنها توجه اللوم والإدانة إلى الفلسطينيين وتتغاضى عن سلوك إسرائيل الرامي إلى حصرهم في بانتوستانات خاضعة لعنف المستوطنين والجيش الإسرائيلي بالتوازي مع القمع وتراجع التنمية. ويزيد الطين بللاَ تفاقم هذه الأوضاع سوءً عاماً بعد عام كل عام. والأمم المتحدة (وهيئاتها المختلفة) هي أحد المحافل القليلة التي تعترف بالحقوق الفلسطينية وتدعمها في الوقت الذي تدين فيه إسرائيل لانتهاكها لهذه الحقوق، دون بذل أي محاولة تذكر لمحاسبتها. وقد حولت هذه الوضعية هيئات الأمم المتحدة المختلفة إلى ساحات نزاع مرير، لا سيما أن دول الجنوب العالمي ترفع أصواتها باستمرار وتصوّت لدعم الحقوق الفلسطينية، في حين تصوت الدول الغربية ضد أو تمتنع عن التصويت، كما تقوم الولايات المتحدة بحماية إسرائيل من خلال حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي. إنها القصة القديمة ذاتها: الضعفاء يدعمون بعضهم البعض، بينما يدافع الأقوياء عن أنفسهم.
لذلك ليس من المستغرب رؤية عدد قليل من المواقف الأممية التي تثير ذات القدر من التدقيق والنقد مثل موقف المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 (UNSRPHR). وتستقبل إسرائيل ومؤيدوها كل تقرير وتعليق من خبراء حقوق الإنسان الأمميين هؤلاء باتهامات تبدأ باعتبارهم متحيزين ضد إسرائيل ولا تنتهي عند وسمهم بمعاداة السامية (حتى من كان منهم من اليهود، مثل ريتشارد فولك). ولذلك يضيء الكتاب الذي بين أيدينا على هذا الجانب؛ وهو من تأليف ثلاثة من أصل أربعة أعضاء سابقين في لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة منذ العام 2001؛ وهم: جون دوغارد (2001-2008)، ريتشارد فولك (2008-2014)، ومايكل لينك (2016-2022)، مع مقدمة لفرانشيسكا ألبانيز التي تشغل حالياً -منذ العام 2022- ذات المنصب؛ وهي بالمناسبة أول امرأة في هذا الموقع الأممي. ويقدم الكتاب سرداً تراكمياً واقعياً لانتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطينية على مدى السنوات الـ 22 الماضية، كما هو موثق في التقارير المقدمة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة UN Human Rights Council (UNHRC) التي كتبها دوغارد وفولك ولينك، فضلا ًعن تأملات ذاتية لافتة حول العوائق والعقبات وحتى الهجمات التي تعرضوا لها، من داخل منظومة الأمم المتحدة وكذلك من قبل إسرائيل وحلفائها. ومن بين العديد من الذكريات التي لا تنسى في الكتاب، ما يقوله ريتشارد فولك عن جون بولتون ،وهو سفير أمريكي كبير سابق لدى الأمم المتحدة، حين أطلق عليه اسم “المختلط” (ص 30) -وهذا الوصف إنما هو بالتأكيد مصطلح إساءة أكثر ملاءمة لصقر مثل جون بولتون من المحافظين الجدد. [يستخدم جون بولتون الكلمة الإنكليزية Fruitcake (كعكة الفواكه)؛ ولعل أصل المجاز من هذا التعبير لوصف شخص أو شيء بالاضطراب أو الغرابة غير واضح لدى القارىء العربي، كما هو الحال في اللغة الإنجليزية وربما يكون الأصل الإنكليزي أتى من تنوّع الفواكه الموجودة في الكعكة، مما يعكس التنوع أو الاختلاف الذي يُمكن ربطه بأنماط السلوك أو الشخصية. ولعل أقرب تعبير له ما يقوله المثل الشعبي الشامي “مثل طبيخ النّوَر” لوصف أمر مختلط وغير واضح- المترجم]
يقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء رئيسية: يتكون الجزء الأول من مقالات فردية كتبها دوغارد وفولك ولينك تلخّص تجاربهم خلال فترة عملهم الرسمي. ويشمل الجزء الثاني مقتطفات من تقاريرهم المقدمة إلى مجلس حقوق الإنسان التي تسلط الضوء على أهم جوانب انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطينية. وتعتبر الأدلة الموثقة بدقة والمقدمة في هذه التقارير بمثابة سجل قيّم يعتمد عليه العديد من الصحفيين والسياسيين والدبلوماسيين والباحثين (وأنا من بينهم) للحصول على المعلومات. ويكمّل الجزء الثالث الكتاب بمقالات فردية كتبها دوغارد وفولك ولينك لتقويم ما حقّقوه خلال عملهم بالإضافة إلى تأمل الإخفاقات التي واجهتهم. ويدفع بيانهم الختامي المشترك باتجاه التأكيد على أهمية هذا الدور البارز “لتطبيع صيغ كانت محظورة في السابق” مثل “الاستعمار الاستيطاني” و”الفصل العنصري/ الأبارتيد” لوصف إسرائيل ونظام سيطرتها على الفلسطينيين (ص 372). وفي تقريرها الأول بصفتها الممثلة الخاصة لمنظمة حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة ، كسرت ألبانيز محظوراً آخراً بإصرارها على أن مصطلح “المستعمرَات” في الأراضي الفلسطينية المحتلة أكثر دقة من مصطلح “المستوطنات”، لأن هذا الأخير يحيّد طابعها غير القانوني”. [2] وكنتُ قد سألتُ ألبانيز عن رد إسرائيل على ذلك فأجابت: “لم يكن هناك رد فعل محدد، لكن جماعات الدعم الإسرائيلية كان ردها سلبياً بشكل عام، ووجّهوا لي تهمة التحيز -كما فعلوا مع أسلافي وغيرهم من مراقبي حقوق الإنسان ممن يتمتعون بسمعة طيبة-. من المهم التأكيد على أهمية استخدام مصطلحات دقيقة وصحيحة لإجراء مناقشة مستنيرة يمكنها جعل النقاش أكثر إيجابيةً والمساهمة في السعي لتحقيق العدالة والسلام في المنطقة “. [3]
مما لا شك فيه أن اللغة، أي لغة، تملك قوة وسلطة، لأنها (تعيد) تشكيل واقعنا. وبطبيعة الحال، استخدم الفلسطينيون والناشطون الأجانب والأكاديميون هذه التوصيفات لعقود. ولكن عندما يستخدمها خبراء حقوق الإنسان الدوليون البارزين والمعتمدين من الأمم المتحدة، سيكون لها تأثير أكبر وتصبح ذات أهمية رمزية لأنها تصل إلى جمهور أوسع، ويمكنها المساعدة في التأثير على الرأي العام، وتعميق القضية السياسية والإجراءات القانونية ضد إسرائيل. وتوافق ألبانيز على ذلك بقولها: “أعتقد أن عملي الحالي يلعب دوراً مهماً في تحدي التقاليد المحظورة السائدة وتعزيز الخطاب المطلوب المستوحى من حقوق الإنسان الملحة”. [4] وهنا يكمن سبب الهجمات الإسرائيلية على خبرة وموضوعية هؤلاء الخبراء الذين يشغلون هذه المناصب، فضلاً عن تفويض الأمم المتحدة نفسه.
نظام مقرر الأمم المتحدة الخاص ومهمة العمل في فلسطين
تأسست مهمة المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 في العام 1993 من قبل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (UNCHR)، وهي من واجهات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي يعمل بشكل وثيق مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان UN Office of the High Commissioner for Human Rights (OHCHR). تنتخب الجمعية العامة للأمم المتحدة 47 مقعداً لمجلس حقوق الإنسان، موزعة على المجموعات الإقليمية الجيوسياسية الخمس: ثلاثة عشر مقعداً لأفريقيا، وثلاثة عشر مقعداً لآسيا، وستة مقاعد لأوروبا الشرقية، وثمانية مقاعد لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وسبعة مقاعد لمجموعة أوروبا الغربية ودول أخرى. ويعني توزيع العضوية هذا أن المجلس هو واحد من الأماكن القليلة التي يكون فيها الغرب وحلفاؤه أقلية. ومن المهم أن نضع ذلك في الاعتبار عند النظر في الاتهامات الموجهة ضد المجلس بتحيزه ضد إسرائيل.
يمثل المقررون الخاصون “إجراءات خاصة” تابعة لمجلس حقوق الإنسان ويخدمون لمدة ثلاث سنوات، قابلة للتجديد لفترة ثانية مدتها ثلاث سنوات أخرى. والمقررون الخاصون هم خبراء مستقلون مكلفون بالإبلاغ عن حقوق الإنسان من منظور مواضيعي أو قطري محدد ببلد معين: فهم يقومون بزيارات، ويعقدون مشاورات مع الخبراء، ويكتبون التقارير، ويشاركون في أنشطة الدعوة. وتدعم أعمالهم المكاتب القطرية التابعة للمفوضية. وقد تغيرت الطرق التي يحدث فيها اختيار الممثلين الخاصين على مر السنين: فالإجراء المتبع الآن هو أن يتقدم المرشحون بطلبات، وتجري مجموعة استشارية من السفراء مقابلات مع قائمة مختصرة تقدم توصية إلى رئيس مجلس حقوق الإنسان، ثم يخضع المرشح بعد ذلك للتصويت من قبل جميع أعضاء مجلس حقوق الإنسان.
ظهر أول إجراء خاص لفريق عمل مخصص من الخبراء في العام 1967 بهدف التحقيق في حالة حقوق الإنسان في نظام الفصل العنصري/ الأبارتيد في جنوب أفريقيا. ويوجد الآن أربعة وأربعون مقرراً خاصاً بالمواضيع (مثل حقوق الإنسان للمهاجرين، وحق الإنسان في الغذاء) واثني عشر ب ممثلاً خاصاً للبرامج القطرية (مثل ميانمار والصومال)؛ ويقدم هؤلاء تقاريرهم مباشرة إلى مجلس حقوق الإنسان وإلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. والأهم من ذلك، وهذا ما يجعلهم مستقلين للغاية، فهم غير مدرجين في جدول رواتب الأمم المتحدة. وهذا ما يعطيهم قدرة أكبر لتقديم صوت مستقل غير مقيّد باللغة الدبلوماسية والمساومات التي ابتليت بها منظومة الأمم المتحدة والتي تؤثر على أدائها.
والدول ملزمة بالتعاون مع الإجراءات الخاصة المتمثلة بعمل المقررين الخاصين كشرط لعضوية الأمم المتحدة، ولا سيما السماح بجولات البعثات لجمع المعلومات للتقريرين الشاملين اللذين يجب على المقررين الخاصين إعدادهما سنويا. ولكن لا توجد وسائل مؤسسية للعمل ضد الدول التي ترفض ذلك.
كان دوغارد آخر ممثل حقوقي للأمم المتحدة سمحت له إسرائيل بزيارة الأرض الفلسطينية المحتلة، وهو في هذا الكتاب، يتحدث عن مدى أهمية هذه الرحلات، لا سيما رؤيته لعملية تقطيع أوصال الضفة الغربية وتفكيكها بسبب القيود الإسرائيلية العديدة المفروضة على حركة الفلسطينيين وحياتهم اليومية، ومسار الجدار، والمستعمرات الإسرائيلية. كما تمكّن من ملاحظة الأثر التراكمي والمدمر للحصار الإسرائيلي على غزة خلال فترة عمله: “زرت غزة كل عام بدءً من العام 2001 حتى العام 2007 ورأيت تحولها من منطقة ساحلية نابضة بالحياة إلى أرض محاصرة يعيش أهلها على وقع الخوف من أي هجوم إسرائيلي آخر محتمل” (ص 26). [يستخدم دوغارد كلمة evisceration وهي تعني حرفيا “نزع الأحشاء الداخلية” في إشارته إلى الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة؛ واستخدمنا هنا كلمة ” تقطيع الأوصال” وهي قريبة من المعنى الحرفي والمجازي للكلمة بهدف تقريب الدلالة المقصودة- المترجم]
وقد منعت إسرائيل دخول جميع مقرري حالة حقوق الإنسان اللاحقين. كما اعتقلت فولك وعملت على ترحيله في أول جولة من رحلات مهمته في كانون الأول 2008، رغم تمكنه من زيارة غزة عبر مصر في العام 2012 (وهو طريق أغلق بعد الانقلاب المصري في العام 2013). ولم يسمح لكل من “لينك| أو “مكارم ويبيسونو” (المقرر الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية في الفترة بين 2014-2016) بزيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي الواقع، استقال “ويبيسونو” بعد ثمانية عشر شهراً فقط بسبب إحباطه من رفض إسرائيل التعاون مع مهمته، على الرغم من وعدها القيام بذلك فيما لو انتخب لهذه المهمة. كما رفضت إسرائيل حتى الآن دخول ألبانيز، رغم أنها عاشت في القدس الشرقية لسنوات عديدة كموظفة في الأونروا خلال العقد الأول من القرن الحالي وشهدت الوضع عن قرب. وأدى هذا المنع من دخول الأراضي الفلسطينية لمقرري حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إلى زيادة الاعتماد على مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في البلاد وكذلك على المنظمات الأخرى (الفلسطينية والإسرائيلية والدولية) التي تصنف انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطيني -ويعترف الكتاب بالدور الأساسي لهؤلاء جميعاً ويقدر لهم هذا الدور.
تتمثل مهمة المقرر الخاص لحالة حقوق الإنسان في توثيق انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولا تشمل المهمة حالات انتهاك حقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات الفلسطينية الحاكمة في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ ولا انتهاكات أي من الجماعات الفلسطينية المسلحة التي تعمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة (ولا انتهاكات أي طرف داخل “الخط الأخضر”). ومع ذلك، انتقد الكتاب، في بعض الأحيان، السلطة الفلسطينية والجماعات الفلسطينية المسلحة بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان، رغم أن هذا يقع خارج نطاق عملهم. وتجادل إسرائيل ومؤيدوها بأن هذا التفويض المحدود هو دليل آخر على تحيز مجلس حقوق الإنسان ضد إسرائيل. وليس صعباً، في حالة الموقف الإسرائيلي هذا، استنتاج سوء طويتها من انتقاداتها هذه، لأنه حتى عندما يجري مجلس حقوق الإنسان تحقيقات تشمل كلاً من إسرائيل والجماعات الفلسطينية، مثل تقرير العام 2009 الصادر عن بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في نزاع غزة (المعروف باسم تقرير غولدستون)، تصر إسرائيل على عدم التعاون مع التحقيق (كان على فريق التحقيق الوصول إلى غزة عبر معبر رفح مع مصر). [5]. كما رفضت أيضاً استنتاجات تقرير غولدستون، الذي اتهمها مع حماس بارتكاب جرائم حرب؛ وربما جرائم ضد الإنسانية. وقد عملت الضغوط الإسرائيلية والأمريكية على عدم تنفيذ توصيات التقرير.
ومثّلت تداعيات تقرير غولدستون -بما في ذلك قرار ريتشارد غولدستون التبرؤ من تقريره- قضية غامضة ومدمرة على وجه الخصوص؛ كما أوحت لما يمكن أن يحدث عندما تُبذل محاولات لمحاسبة إسرائيل، سواء تم تضمين الجماعات الفلسطينية أم لا. وأشار معهد ريعوت في العام 2010، وهو مركز أبحاث هدفه تقديم “دعم صنع القرار” للحكومة الإسرائيلية، بأن تقرير غولدستون كان “مَعْلماً هاماً” فيما أسماه “حملة نزع الشرعية” عن إسرائيل [6] وهذا يعني أن التقارير التي يصدرها خبراء محترمون في مجال حقوق الإنسان وتنشر تحت عنوان الأمم المتحدة تؤخذ على محمل الجد من قبل إسرائيل ومؤيديها، وهذا هو السبب في تعرضهم للهجوم بشكل متزايد.
لماذا تحاول إسرائيل ومؤيديها “معاقبة ناقل الرسالة”؟
أجريتُ مقابلة مع فولك في العام 2014، وكذلك مع مسؤولين آخرين داخل الوكالات الأممية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونشطاء حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل، ومسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين من أجل فهم دور المقرر الخاص لحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية وتجربة عمله. وقد اعتبر جميع من قابلتهم أن الدور مفيد وضروري (باستثناء المسؤول الإسرائيلي الذي كرر الادعاء بأن فولك كان معادياً للسامية ولم يزعجه ردي أن فولك يهودي). ويحظى استقلال الوظيفة بتقدير خاص لأنه يسمح لشاغلي الوظائف بتقديم تقويمات واقعية لموضوعات تقاريرهم دون عوائق من خطر فقدان وظائفهم بسبب الضغوط الدبلوماسية. وأخبرني العديد من مسؤولي الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عن تجاربهم في التعرض للتدقيق والاعتداء بطرق لم تحدث في مواقع أخرى، وهذا ما دفعهم للصرامة والرقابة الذاتية. [7]
يفصح الكتاب عن مكاشفات مماثلة. ويأسف دوغارد: كما يقول في إحداها، لامتناعه عن استخدام مصطلح “الفصل العنصري /الأبارتيد” حتى كانون الثاني 2007، “مدفوعاً بالخوف” من عدم أخذ تقاريره على محمل الجد (ص 28). ويتأمل فولك في رسائل التشجيع الخاصة التي تلقاها من مسؤولي الأمم المتحدة أثناء التهجم عليه؛ رغم أن الكثير منهم لم يرغبوا في الإعلان عن دعمهم (ص 35). ويصف لينك كيف لاحظ عن كثب أن بعض كبار مسؤولي الأمم المتحدة ترددوا في التعامل مع هذه القضية بالنظر إلى (العاصفة والتوتر) التي استقبلت فيها كل محاولة لمناقشة الاحتلال الإسرائيلي وانتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني (ص 50). وتقدم مثل هذه المكاشفات نظرة خاطفة نادرة ومزعجة (وإن لم تكن مفاجئة) خلف كواليس الأمم المتحدة. ولا تنفك إسرائيل ومؤيديها يبذلون قدراً هائلاً من الوقت والطاقة لمهاجمة مجلس حقوق الإنسان ومن يشغلون منصب المقرر الخاص للأمم المتحدة. لكن مجلس حقوق الإنسان لا يملك سلطة التصرف، وتتمتع إسرائيل بشبه إفلات من العقاب بسبب الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن الدولي.
ولكن طالما الأمر كذلك فلماذا تهتم إسرائيل بهذا الوضع؟
لعل الأمر يعود لسبب واحد بسيط: تخشى إسرائيل من حدوث تغيير محتمل في الرأي العام الدولي ولدى النخب، الأمر الذي قد يؤدي إلى تكثيف وتعميم دعوات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. لذلك فهي تستهدف أربعة مواقع رئيسية لحشد الدعم وترهيب وتخويف المنتقدين لها. الموقع الأول هو حركة مقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل (BDS)، التي أسستها، في العام 2005، شرائح المجتمع المدني الفلسطيني. وتكتسب حركة المقاطعة دعماً في جميع أنحاء العالم، لا سيما من خلال تسخير الثقافة الشعبية للوصول إلى جمهور أوسع، بدعم من بعض المؤيدين البارزين مثل نجم الروك روجر ووترز والكاتبة سالي روني. الموقع الثاني المستهدف هو الدول والنخب السياسية. ولا جدال في مكانة إسرائيل في الغرب وما تتلقاه من دعم هناك، لكنها تفتقر إلى تأييد مماثل من الجنوب العالمي، الذي يميل إلى الإقرار بحالة الاستعمار والفصل العنصري/ الأبارتيد كلما رأى ذلك، وبالتالي من المنطقي أن يدعم الجنوب العالمي بشكل عام الحقوق الفلسطينية. أما الموقع الثالث فهو منظمات حقوق الإنسان وخبراء حقوق الإنسان الذين يشهدون على انتهاكات إسرائيل، ويشتغلون على ملف يزداد حجمه مع الوقت يوثق باستمرار جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المحتملة. وأخيراً يتمثل الموقع الرابع الذي تستهدفه إسرائيل في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، التي يمكنها إصدار أحكام قانونية، وتوصيات بالعقوبات، والشروع في الملاحقات القضائية.
وتحاول إسرائيل، بغية تعزيز الدعم الدولي لها، السيطرة على ما يراه العالم الخارجي في الأرض الفلسطينية المحتلة وكيف يتحدث عنها. وتحقيقاً لهذه الغاية، ترفض إصدار أو تجديد تأشيرات الدخول للموظفين الدوليين العاملين في وكالات الأمم المتحدة، وخاصة مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، و(كما ذكر أعلاه) تمنع دخول المقررين الأمميين لحالة حقوق الإنسان. كما استهدفت عسكرياً مباني وكالات الأنباء وهاجمت الصحفيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن بين ذلك، الحادثة الشهيرة التي أدت إلى مقتل شيرين أبو عاقلة من قناة الجزيرة في أيار 2022. وقامت بطرد ومنع دخول خبراء حقوق الإنسان، مثل مدير هيومن رايتس ووتش في إسرائيل وفلسطين، عمر شاكر، في تشرين الثاني 2019. كما حظرت ست منظمات فلسطينية لحقوق الإنسان باعتبارها “منظمات إرهابية”، بما في ذلك مؤسسة الحق والحركة الدولية للدفاع عن الأطفال، وهما مصدران مهمان للمعلومات حول انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان لتقارير الممثل الخاص للأمم المتحدة. كما عملت على تشويه سمعة من ينتقدون السياسات الإسرائيلية باتهامهم بدوافع معاداة السامية.
لا شك في أن تهمة معاداة السامية تنطوي على محنة بغيضة يحرص معظم الناس على تجنبها. وما من شك فيه أيضاً التجذر العميق لمعاداة السامية في المجتمعات الغربية، وهناك حاجة واضحة وملحة لتنسيق ردود قوية ضدها وضد أشكال العنصرية الأخرى. ولكن مساواة انتقاد إسرائيل، خاصة من قبل الفلسطينيين، بمعاداة السامية أمر خاطئ من الناحية السياسية وبغيض من الجانب الأخلاقي، ناهيك عن الركاكة الفكرية لمن يروّج لها. ومع ذلك، ما زالت تهمة معاداة السامية تستخدم بانتظام وبشكل متزايد، لا سيما في الدول الغربية التي تبنت تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست لمعاداة السامية (IHRA WDA) لأن سبعة من الأمثلة الأحد عشر التي يقترحها التحالف لتعريف معاداة السامية تتعلق بانتقاد إسرائيل. ومرة أخرى، سنجد انقساماً وفجوة بين الشمال والجنوب حول هذه المسألة: فمن بين الدول التي تبنت اتفاقية IHRA WDA، تكاد تكون جميعها تقريباً من أوروبا ( بما فيها دول أوروبا الشرقية) وأمريكا الشمالية؛ وقلة قليلة من دول الجنوب العالمي. وقد أصبحت الأمم المتحدة، إثر ذلك، أحدث ساحة معركة حولها، حيث تحث إسرائيل ومؤيدوها على اعتماد تعريف التحالف لمعاداة السامية، ويعارضها في ذلك أكثر من مائة منظمة لحقوق الإنسان. [8] وفي الواقع، سيغدو الأمر كارثياً لو تبنت الأمم المتحدة تعريف التحالف؛ لأن هذا يعني الحظر الفعلي لانتقاد إسرائيل ومنع الفلسطينيين من الحق في سرد تجاربهم مع العنف الاستعماري والفصل العنصري/ الأبارتيد .
لماذا يقع على عاتق الأمم المتحدة مسؤولية خاصة لإنهاء الاستعمار في فلسطين
تذمّري الوحيد على هذا الكتاب الكاشف يكمن في عنوانه المضلل. فحقوق الإنسان في فلسطين المحتلة ليست محمية، وكما يظن المؤلفون أنفسهم، تكمن المشكلة في انعدام الحماية، وانتهاكات إسرائيل المستمرة لهذه الحقوق؛ وإفلاتها من العقاب دون محاسبة. وهناك أسباب معروفة لهذا الوضع، مثل حق النقض الأمريكي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحماية إسرائيل، وكذلك تصويت الدول الغربية ضد أي إجراءات تهدف إلى محاسبة إسرائيل أو على الأقل الامتناع عن التصويت في أغلب الحالات. في حين أن الدول التي تدعم الحقوق الفلسطينية عاجزة عن فرض رضوخ إسرائيل للقرارات على الرغم من أنها تشكل غالبية أعضاء الأمم المتحدة. ولعل هذا هو السبب في عدم هذه مزاعم تحيز الأمم المتحدة ضد إسرائيل بالواقع؛ وهوسها بالوضع في الأرض الفلسطينية المحتلة.
ويقدم دوغارد وفولك ولينك دفوعات مركزة ضد هذا الاتهام من خلال شرح سبب تحمّل الأمم المتحدة مسؤولية خاصة لإيجاد حل سلمي وعادل، لقد انتهكت حقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم بسبب وعد بلفور ووضع بلادهم تحت سلطة الانتداب البريطاني بتفويض من عصبة الأمم [9]. وتفاقم هذا الظلم الأولي بسبب فشل خطة تقسيم الأمم المتحدة في العام 1947، التي أقرها قرار الجمعية العامة رقم 181، والتي كان من المفترض أن يؤدي إلى دولتين منفصلتين وكيان منفصل للقدس. غير أن ما حدث، بدلاً من ذلك، هو إنشاء دولة إسرائيل ونكبة وطمس فلسطين من الخريطة الجيوسياسية. ويقتبس لينك من مذكرات الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان التي يشير فيها إلى أنه نظراً لتزامن الحرب العربية الإسرائيلية مع تأسيس الأمم المتحدة ، فقد ظلت هذه الحرب تمثل “قرحة مؤلمة ومتقيحة تشعر بوجودها في كل جهاز حكومي دولي وفي كل هيئة من هيئات الأمانة العامة تقريباً” (ص 48). ومن الشائع، ولكن المخجل بذات الوقت، أن تتحدث شخصيات مهمة، بما في ذلك مسؤولو الأمم المتحدة والحكومات الغربية، عن هذه القضية فقط بعد مغادرتهم مناصبهم. وعند كل منعطف مهم كان الفلسطينيون يواجهون بخذلان الأمم المتحدة لهم؛ بما في ذلك عدم استخدام أي ضغط أو قوة لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 في أعقاب حرب العام 1967 ، والذي يطالب إسرائيل بالانسحاب الأراضي العربية التي احتلتها. وقد وفر ذلك بيئة مواتية لإسرائيل لخرق التزاماتها كقوة احتلال، وانتهاك القانون الإنساني الدولي مع الإفلات من العقاب، وارتكاب جرائم حرب.
كما يولي الكتاب اهتماماً ضئيلاً لجهة اتهامهم بعدم الحياد والموضوعية بصفتهم خبراء. لقد قال، ذات مرة، القس ديزموند توتو، المناهض للفصل العنصري/ الأبارتيد والحقوقي الناشط في مجال حقوق الإنسان والحائز على جائزة نوبل للسلام، مقولته الشهيرة: “إذا كنت محايداً في حالات الظلم، فقد اخترت الوقوف إلى جانب الظالم. إذا كان الفيل يضع قدمه على ذيل الفأر، ثم تقول إنك محايد، فلن يقدّر الفأر حيادك “. تحاول إسرائيل وأنصارها التشويش بالخلط المتعمد بين الموضوعية والنزاهة والحياد. ويشير لينك إلى هذا على أنه حالة عقيمة من نزعة يسميها “كلا الجانبين” (ص 342) ، ويختزل الموضوع، مثلما فعل دوغارد وفولك، بالقول إن الدفاع عن حقوق الإنسان ومناصرتها يستوجب بالضرورة انتقاد من ينتهكونها واتخاذ موقف ضد من يمارس ذلك، لا سيما في مواجهة حالة واضحة من عدم التوازن.
مما لا شك فيه أن إسرائيل تشعر بالقلق لأن تقارير خبراء حقوق الإنسان الأمميين تثبت عدم وجود تكافؤ في نزعة “كلا الجانبين” في هذه الحالة. بل هناك هرم سلطوي تقف على قمته دولة استعمارية استيطانية ومحتلة، ويقبع في قاعه سكان خاضعون للاستعمار والاحتلال ويعانون من انتهاكات جسيمة لحقوقهم الإنسانية. وتؤكد ألبانيز بإصرار شديد على أن “إحدى المحرمات الأساسية التي ينبغي تفكيكها تتمثل في تصوير “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني” بصفته نتاجاً لعداء متبادل أو اختلافات طائفية. وينبغي، عوض عن ذلك، ضرورة الاعتراف بعمق جذور العداء المنغرسة في مشروع استعماري استيطاني متواصل يسعى لتأبيد نفسه”. [10] وقد تعرضت لجان التحقيق الدولية، التي كان هناك الكثير منها، لانتقادات محقة لأنها قدمت للفلسطينيين “أملا كاذبا”. [11] بيد أن خبراء حقوق الإنسان الأمميين يلعبون دوراً مهما: فهم يصنِّفون، وبالتالي يوثِّقون، انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطيني، ويوفِّرون معلومات واقعية للمناصرين والناشطين، ويساعدون في إبقاء فلسطين على جدول أعمال الأمم المتحدة. ولهذا السبب تهاجم إسرائيل ومؤيدوها باستمرار هذا الموقف ومن يتبناه، ولهذا السبب أيضاً يجب الدفاع عن هذا الموقف ومن يمارسه.
….
العنوان الأصلي للمقال: Why Israel Fears the Facts: Reporting on Israel’s Human Rights Violations in the Occupied Palestinian Territory for the UN
المراجع
[1] يشير مصطلح “الغرب” إلى دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وسنغافورة واليابان وإسرائيل وكوريا الجنوبية. أي البلدان الحليفة الرئيسية والشركاء الصغار في السلام الأمريكي Pax Americana. ويشير “الجنوب العالمي” إلى (في الغالب) البلدان المستعمَرة سابقا في إفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وأجزاء من آسيا. وهذا يشمل مجموعة واسعة من البلدان بدرجات متفاوتة من السلطة والثروة، فضلاً عن السياسات الخارجية المختلفة.
[2] UN General Assembly, ‘Report of the Special Rapporteur on the situation of human rights in the Palestinian territories occupied since 1967’, Francesca Albanese, A/77/356, 21 September 2022, p.6, footnote 12.
[3] مراسلات بين المؤلفة وفرانشيسكا ألبانيز، 22 أغسطس 2023.
[4] مراسلات بين المؤلفة وفرانشيسكا ألبانيز، 22 أغسطس 2023.
[5] تحقيق أممي في “عملية الرصاص المصبوب”، الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة الذي استمر 22 يوما( 27 .12. 2008)، برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون. بدأ فيه في نيسان2009 ونشره في أيلول 2009. يمكن الاطلاع على التقرير الكامل هنا: https://digitallibrary.un.org/record/666096?ln=en.
[6] Reut Institute, ‘Building a Political Firewall Against Israel’s Delegitimization Conceptual Framework’, Tel Aviv: Reut Institute, 2010. Available at: https://www.reutgroup.org/Publications/Building-a-Political-Firewall–Against-Israel%27s-Delegitimization-
[7] Mandy Turner, ‘Richard Falk: “Citizen-pilgrim” in the Role of UN Special Rapporteur’, Journal of Palestine Studies, XLVIII: 3, 2019, pp.59-78.
[8] Chris McGreal, ‘UN Urged To Reject Antisemitism Definition Over “Misuse” To Shield Israel’, The Guardian, 24 April 2023. Available at: https://www.theguardian.com/news/2023/apr/24/un-ihra-antisemitism-definition-israel-criticism.
([9]) كانت عصبة الأمم مقدمة للأمم المتحدة ؛ تم تمرير جميع تفويضات عصبة الأمم إلى الأمم المتحدة بعد عام 1945.
([10]) مراسلات بين المؤلف وفرانشيسكا ألبانيز، 22 آب/أغسطس 2023.
[11] Lori Allen, A History of False Hope: Investigative Commissions in Palestine (California: Stanford University Press, 2020).