غاستون باشلار: حلم التحليق (1)

ترجمة: سعيد بوخليط

“عند قدمي، لدي أربعة أجنحة لطائر أَلْسيون، اثنان عند الكاحل، أزرقان وأخضران، تعرف كيف ترسم فوق البحر المالح رحلات وعرة” (غابريل دانونزيو).

تعامل غالبا التحليل النفسي الكلاسيكي مع معرفة الرموز كما لو أن الأخيرة مفاهيم. بل يمكننا القول بأن رموز التحليل النفسي مفاهيم أساسية فيما يتعلق باستقصاء التحليل النفسي.

يغدو الرمز مجرد أداة تحليل، ما إن يتم تأويله، وإيجاد دلالته ”اللاواعية”، ويتوقف اعتقادنا في إمكانية الحاجة لدراسته ضمن سياقه ولا أيضا عبر اختلافاته. هكذا، صار حلم التحليق بالنسبة للتحليل النفسي الكلاسيكي، من أكثر الرموز وضوحا، وأحد ”مفاهيم التفسير” الأكثر شيوعا: إنه يرمز، مثلما يقال، للرغبات الشهوانية. فجأة، تنكشف من خلاله، أسرار بريئة: هكذا، يبدو، بمثابة مؤشر لا يخطئ قط. بما أن حلم التحليق واضح أساسا ومدهش، ومثلما يبدو اعترافه، ظاهريا بريئا جدا، لا تعطله أيّ رقابة، فسيشكل غالبا، بالنسبة لتأويل الأحلام، إحدى أولى الكلمات التي فُكِّكَت رموزها، ثم تلقي ضوءا سريعا على وضعية حالمة برمتها(1).

تمنح منهجية كهذه معنى محددا مرة وإلى الأبد لرمز خاص مما يسمح فعلا بضياع قضايا أخرى. لا سيما قضية الخيال، كما لو أن الخيال مجرد استراحة بلا جدوى لانشغال وجداني مستمر. يفتقد التحليل النفسي الكلاسيكي، من الجانبين على الأقل، إلى واجب الفضول: لا يأخذ بعين الاعتبار الخاصية الجمالية لحلم التحليق؛ ولا مجهودات العقلانية التي تتربص بهذا الحلم الجوهري وتغيّر شكله.

لنقل فعلا، مع التحليل النفسي، بأن اللذة الحالمة تشبع حاجتها خلال تحليقها بالحالم. فكيف سيتلقى هذا الانطباع الأصم، الغامض، المبهم، الصور الرشيقة للتحليق؟ كيف، سيذهب عبر رتابته الجوهرية، نحو الاكتساء بما يثير الإعجاب غاية إضفائه على الحكايات اللانهائية أسفارا ذات أجنحة؟

ينطوي الجواب على هذين السؤالين، اللذين يبدوان خاصين جدا على مساهمة في الآن ذاته حول جمالية الحب وكذا عقلنة الأسفار المتخيَّلة.

نقف مع السؤال الأول، عند وجهة نظر جديدة بخصوص جمالية تتعلق باللَّطافة. لا تكتمل هذه الجمالية بمجرد وصف مرئي. يدرك جيدا كل برجسوني بأن المسار المنحني بلطف اقتضى انسيابه وفق حركة عذبة وحميمة. هكذا يكشف كل خط لطيف نوعا من التنويم المغناطيسي الخطي: يقود حلم يقظتنا بإعطائه استمرارية ثابتة. لكن أبعد من هذا الحدس التقليدي الخاضع، هناك دائما اندفاع يتحكم في زمام المبادرة.

يوحي الخيال الديناميكي بالبديل الأكثر جنونا، لدى متأمل الخط الرشيق: أنت، أيها الحالم، إنك تعكس قوة رشيقة، استشعرها في ذاتك. تمثَّل ذاتك باعتبارك ذخيرة طاقية، وأنك تمتلك قدرة على التحليق، هل تدرك بأنك تطوي من خلال إرادتك نفسها، أشكالا حلزونية ملفوفة، مثل ورقة فتية لنبات السرخس. أنت رشيق، مع من، بالنسبة لمن، ثم ضد من؟ هل تحليقك خلاص، أم اختطاف؟ هل تبتهج لطيبتك أو قوتك؟ مهارتك أو طبيعتك؟ حينما نحلق، فاللذة جميلة. حلم التحليق بمثابة حلم غاوٍ جذاب. يتراكم حول هذه الموضوع الحب وصوره. وسنرى من خلال دراسته، كيف ينتج الحب صورا.

يلزمنا من أجل معالجة السؤال الثاني، توجيه انتباهنا نحو السهولة التي بحسبها يتعقلن حلم التحليق. خلال مدة الحلم نفسه، يؤول ذكاء الحالم هذا التحليق بلا كلل؛ فتشرحه خطابات مستفيضة يخلقها الحالم عن ذاته. الكائن المحلق، يعلن عن نفسه من خلال حلمه، باعتباره خالقا لتحليقه. هكذا، يتشكل داخل نفسية الحالم، وعي وضاء لدى الإنسان المحلق. مثال رائع من أجل دراسة، ضمن إطار الحلم، البناء المنطقي والموضوعي لصور الحلم. حينما نلاحق حلما محددا جدا كما الشأن بالنسبة لحلم التحليق، ندرك بأن الحلم قد تكون له: ”تتمة في الأفكار”، بقدر الإصرار الوجداني لشغفه العاشق.

ينبغي لنا منذ الآن، وحتى قبل تقديم براهيننا، الإحساس بأن التحليل النفسي لا يخبر عن كل شيء حين تأكيده على الخاصية الشهوانية للتحليق الحالم. يحتاج هذا التحليق، مثل باقي الرموز النفسية، إلى تأويل متعدد: عاطفي، جمالي، عقلاني وموضوعي.

طبعا، تكشف بدورها التفسيرات ذات الطبيعة العضوية عن عجز أكبر بخصوص اقتفاء مختلف الآثار النفسية لحلم التحليق. ألا ينبغي الاندهاش بأن باحثا موسوعيا في مجال الفولكلور كما الشأن مع بيير سانتيفز يكتفي بتفسيرات من هذا القبيل ؟ فقد ارتبط بالنسبة إليه حلم السقوط بـ: “انقباضات معوية ذات أعراض قوية” اختُبِرت إبان اليقظة: ”نتدحرج  على أدراج السلالم”(2). وقد كتب مع ذلك (ص. 100): “طيلة فترة مراهقتي، حينما أستيقظ بين طيات حلم من هذا القبيل (تحليق رائع)، انتابني دائما إحساس بالراحة فيما يتعلق بالتنفس”. راحة تقتضي تحليلا نفسيا، وينبغي الوصول من خلال ذلك إلى علم نفس مباشر للخيال.

سنكون بدراستنا لحلم التحليق، أمام دليل جديد بخصوص عدم إمكانية تطوير علم نفس الخيال وفق أشكال سكونية، بل يلزمه أن يتهذب بناء على أشكال في سبيلها نحو التحول، عبر إبدائه لكثير من الاهتمام بالمبادئ الديناميكية للتحول. يعتبر علم النفس المنصب على العنصر الهوائي الأقل ”ذرِّية” من بين المرجعيات النفسية الأربعة التي تدرس الخيال المادي. إنها أساسا تنزع نحو اتجاه. بالضرورة، تمتلك كل صورة هوائية مستقبلا، وتتعلق باتجاه نحو التحليق.

إذا كان باستطاعة حلم، تبيان الخاصية التوجيهية للنفسية، فالأمر يشير تحديدا إلى حلم التحليق. نتيجة خاصيته الجوهرية الحميمة، وليس بقدر حركته المتخيَّلة. هكذا، يخضع حلم التحليق بناء على جوهره، لجدلية الخفة والثقل. بالتالي، يحصل وفق ذلك وحده على نوعين مختلفين جدا: تحليقات خفيفة؛ وأخرى ثقيلة. تتراكم حول هذين الخاصيتين مختلف جدليات الفرح والحزن، الاندفاع والتعب، الفاعلية والسلبية، الأمل والحسرة، الخير والشر. ستجد الوقائع الأكثر شيوعا المتأتية جراء سفر التحليق مع هذه الحالة أو تلك مبادئ علائقية. ما إن يعطى اهتمام للخيال المادي والديناميكي، تكشف قواعد الجوهر المادي والصيرورة النفسية على تفوقها قياسا لقوانين الشكل: تتباين النفسية المتحمسة عن المتعبة ضمن سياق حلم التحليق يبدو ظاهريا رتيبا. سنعود إلى هذه الثنائية الجوهرية للتحليق الحالم حين دراستنا لتنوعه.

قبل بداية هذه الدراسة، لنلاحظ إمكانية أن تترك هذه التجربة الحالمة الخاصة المتمثلة في حلم التحليق، آثارا عميقة على مجرى حياة اليقظة. فبقدر قوة حضوره بين طيات حلم اليقظة، تتقاسمه القصائد بذات الزخم. قد يبدو، حلم التحليق مع التأمل الشارد اليقظ، خاضعا بالمطلق للصور المرئية. تأتي جل صور الكائنات المحلقة كي تخفي ثانية الرمزية المتماثلة التي يراعيها التحليل النفسي. سيكون، بالتالي، ظلما حين الارتياب فقط في تلك اللذة المتوارية خلف بعض التأملات الشاردة، وكذا بعض قصائد التحليق. ما دام الأثر الديناميكي للخفة والثقل أكثر عمقا. بحيث يحدد الكائن بزخم أوسع من مجرد كونه رغبة عابرة.

أساسا، يظهر لنا بأن علم نفس للارتقاء التصاعدي الذي نود توضيحه، ملائما أكثر من التحليل النفسي بهدف دراسة استمرارية الحلم وحلم اليقظة. ما دام كائننا الحالم واحدا، يواصل خلال نفس اليوم تجربة الليل.

أيضا، يلزم علم نفس الارتقاء التصاعدي تأسيسا ميتا- شعرية للتحليق تبرهن على القيمة الجمالية لحلم الطيران. بالتأكيد، يستنسخ غالبا الشعراء بعضهم بعضا. هكذا تُستثمر ترسانة من المجازات الجاهزة كي تضع – غالبا عشوائيا- أجنحة في كل مكان. لكننا سنرى تحديدا بأن منهجيتنا، من جانب إحالتها نسقيا على التجربة الليلية، تعتبر الأكثر يقينا من أجل تمييز صورة عميقة عن أخرى سطحية، وكذا الصورة التي تبث حقا فوائدها الديناميكية.

أخيرا، أشير إلى إحدى صعوبات مهمتي: أقصد قلة الوثائق المتعلقة بتجربة التحليق الحالمة. مع أنه، حلم متواتر جدا، مشترك جدا، وتقريبا واضح.

أكد هربرت سبنسر بأنه: ”ضمن جماعة تتكون من 12 شخصا، فقد أكد ثلاثة بأنهم اختبروا خلال حياتهم تجربة تخيل تحليقهم حين نزولهم سلالم درج، حقيقة تجربة واضحة جدا ومثيرة للغاية بحيث تطلعوا صوب الرغبة في استئنافها ثانية خلال فترات اليقظة. هكذا ما زالت إحدى تلك الشخصيات تكابد تبعات إصابات ناجمة عن سعيهم ذلك”(3). تكمن هنا بالفعل واقعة عامة جدا. يخلف حلم التحليق ذكرى قابلية التحليق بكثير من السهولة تجعلنا  نتفاجأ لكوننا لم نحلق طيلة اليوم. وقد عبر بريا سافاران بشكل لا لبس فيه عن الإيمان بحقيقة التحليق: “حلمتُ ذات ليلة أني اكتشفتُ سر التحرر من قواعد الثقل، فأضحى جسدي غير مكترث بصعوده أو نزوله، بوسعي المبادرة إلى الحركة الأولى أو الثانية بذات السهولة وتبعا لإرادتي(…) وجدتها وضعية لذيذة؛ وربما حلم أشخاص آخرون بوضعية مماثلة؛ لكن الذي أصبح أكثر خصوصية، تذكري خلال تلك اللحظة أني أشرح لنفسي بكيفية واضحة جدا (مثلما تصورت على الأقل) الوسائل التي قادتني إلى هذه النتيجة، وبدت لي هذه الوسائل بسيطة جدا بحيث اندهشت لأني لم أصادفها مبكرا (…) عندما استيقظتُ، فقدت تماما هذا الجزء التفسيري، لكن النتيجة استمرت معي؛ ومنذئذ تجلت لدي استحالة عدم الاقتناع بأنه آجلا أو عاجلا سيحقق عبقري أكثر حكمة هذا الاكتشاف، ثم بغتة تحدد لدي موعد ذلك”(4).

بدوره أشار جوزيف مايستر إلى نفس القناعة: “تعتبر فئة الشباب، لا سيما المجتهدين منهم، وخاصة أكثر الذين تذوقوا سعادة النجاة من بعض المخاطر، كيانات قوية كي ترتئي خلال فترة نومها بأنها ترتفع نحو الأجواء وتتحرك بإرادة؛ أخبرني شخص صاحب عقل كبير ذات يوم بأنه عاين باستمرار خلال فترة شبابه هذه الأنواع من الأحلام مما دفعه إلى التشكيك في الجاذبية وبأنها ليست معطى طبيعيا بالنسبة للإنسان. فيما يخصني، بوسعي الإقرار لكم بأن التوهم لدي اتسم أحيانا بحضور قوي بحيث استيقظت لثواني معدودة قبل أن أهتدي فعلا إلى رشدي”.

أيضا يلزم أن ندرج ضمن سياق التحليق الحالم بعض أحلام المشي المتزحلق، والصعود المتواصل. هكذا تبدو لنا حالة السرد الحالم الذي رواه دينيس ساورات: “جبل ليس وعرا ولا تغطيه صخور، غير أننا نحتناه ببطء خلال فترة طويلة… منحنى طويل متصل بكيفية منتظمة جدا… لا انزعاج على المستوى الجسدي: بل العكس، يشعرك المكان بمعنى للراحة والقوة…عشب نادر جدا في غاية الصغر، والثلج، ثم صخر عار، لكن خاصة رياح قوية أكثر فأكثر. نسير ضد هذه الرياح ونقتفي أثر ممر ينحدر بشكل خفيف جدا، قبل المرور ناحية منحنى أكبر يتجه نحو الأعلى، نعلم تلك الجغرافية سلفا، بالتالي لا يشعرنا الوضع بأي خيبة ”(5).

حذفنا بعض الإشارات التي تبدو زائدة. لكن الوحدة الديناميكية للسرد حافظت على تماسكها طيلة أربع صفحات ومكنتنا من اكتشاف البساطة والثقة الكبيرتين للتحليق الحالم. لكن في أغلب الأحيان نتغاضى عنه بين طيات السرد لأننا نعتبره مثل جانب قياسا لحلم أكثر تعقيدا؛ يوجهه باستمرار هاجس عقلاني، بحيث نعتبر هذا التحليق الحالم مجرد وسيلة من أجل بلوغ هدف. ولا نتأمله حقا كـ :”سفر في الذات”، “سفر مُتَخيل” لكنه الأكثر واقعية من بين جميع الأسفار، سفر يستثمر ما هيتنا النفسية، ويطبع في العمق صيرورتها الجوهرية. أيضا، وبسبب خلل معاكس، قد تكون الوثائق النفسية حول التحليق الحالم زاخرة بسمات طارئة. يلزم إذن المحلل النفسي للحياة الديناميكية مباشرة خطوات تحليل نفسي خاص كي يجابه في الوقت نفسه المبررات الواضحة جدا وكذا الصور المفرطة في الإثارة.

سنحاول مع قراءتنا هذه، لبعض النصوص، استيعاب المنطلق الديناميكي وكذا تحديد دقيق لحياة حلم التحليق الأولية والعميقة.

سنتبنى مع هذه الدراسة وجهة نظر المختص النفسي، بالبحث في التأويلات النفسية لهذه التجربة الليلية. بهذا الخصوص، كرس هافلوك إليس، في كتابه: ”عالم الأحلام”، فصلا تحت عنوان: ”الطيران في الأحلام”، وقد اهتم أساسا بالشروط الفيزيولوجية التي تنتج هذا الحلم النوعي، متحدثا عن: ”وضعنة الارتقاء وكذا الانخفاض الإيقاعي للعضلات التنفسية خلال بعض الأحلام، ربما، انقباض وتمدد عضلات القلب، نتيجة تأثير بعض أنواع الاضطهاد الفيزيائية الخفيفة والمجهولة”(6). لكن النقاش الطويل الذي خاضه لم يدرك جيدا السمة الرائعة-غالبا ناجعة من الناحية النفسية- لحلم التحليق. لم يشرح نقاشه تضاعف صور دقيقة جدا مع الخيال. لنبقى إذن ضمن نطاق المسألة النفسية للصور.

لكي نطرح البعد النفسي للتحليق الحالم، سننطلق من صفحة لصاحبها شارل نوديي.  فالسؤال الذي اقترح نوديي عرضه على أكاديمية العلوم إن حدث وأصبح ربما، مثلما يقول: “مشهورا جدا، غنيا بما يكفي، أو سيدا يحظى باحترام وافر مما يمنحه إمكانية الجهر بصوته أمامها”: “لماذا الشخص الذي لم يحلم قط بأنه يسبح عبر الفضاء بواسطة أجنحة، مثل  باقي الكائنات المحلقة التي تحيط به، يتخيل ذاته غالبا مرتفعا جراء قوة لينة، على طريقة المنطاد، ولماذا حلم بذلك طويلا قبل اختراع الأخير، ما دامت هذه الرؤيا وردت قديما بين طيات مختلف تأويلات الأحلام، إذا لم يكن هذا التنبؤ علامة على واحدة من تطوراته العضوية؟”.

لنخلص أولا هذه الوثيقة من كل أثر للعقلنة. لذلك دعنا نتبصر عمل العقلانية، ونرى كيف يشتغل العقل على الحلم، أو بمصطلحات أخرى، ما دامت، مختلف مَلَكاتنا شفافة أمام نفاذ الحلم، لنرى إذن كيف يحلم العقل.

لعبت المناطيد، بداية القرن التاسع عشر، أي اللحظة التي تؤرخ لسياق ما كتبه  شارل نوديي، نفس الدور التفسيري للطيران بداية القرن العشرين. بفضل المنطاد، والطائرة، توقف التحليق البشري على أن يكون عبثا. حينما تأتى لأحلام من هذا القبيل التبلور، فقد تضاعفت وسائل الطيران بل عدد أحلام التحليق الفعلي، على الأقل عدد أحلام التحليق التي رُوِيت. ينبغي الانتباه، إلى أن البناء المنطقي يتطلع غالبا نحو الاستفادة من تهيئ حالم، بحيث أن بعض المفكرين أحبوا تقديم أحلامهم في صيغة توقعات ”معقولة”.

تظهر بهذا الخصوص، مدى أهمية دراسة شارل نوديي حول: ”التناسخ البشري والانبعاث”. يكمن السبب المركزي في: ما دام الكائن الإنساني، يختبر إبان حلمه الليلي الصادق، تجربة التحليق، وما دام الكائن الواعي، بعد سلسلة أبحاث طويلة موضوعية، قد تمكن من إنجاح تجربة المنطاد، ينبغي للفيلسوف العثور على وسيلة تعيد ربط الحلم الباطني بالتجربة الموضوعية. من أجل إقامة هذه العلاقة، وكذا الحلم بصلة من هذا القبيل، يتخيل شارل نوديي ”الكائن المنبعث” الذي سيواصل الإنسان، ويطوره وفق أنواع كائن تحدده خاصيات المنطاد. إن بدا لنا حاليا هذا التوقع شاذا، فلأننا لم نعش جديد المنطاد. هكذا يمثل ذلك المنطاد، غير الأنيق ”كروي”، صورة عتيقة، فاترة، ومفهوم معقلن جدا. موضوع، افتقد حاليا لأيِّ قيمة حالمة كبيرة. لكن لننتقل بتأملنا إلى زمن منطاد الهواء الساخن كي نقيِّم صفحة شارل نوديي. على الرغم من الجانب الذي وجب تخصيصه دائما إلى اللعبة الأدبية حين حديثنا عن نوديي، فلن نتهاون أبدا، بخصوص تلمس ذاك الخيال الصادق المتواري خلف الصور، خيال يلاحق بسذاجة ديناميكية صوره.

* هوامش :

مصدر النص :

, josi corti ;1943 .PP :27-35.   et les songes l’air Gaston Bachelard :

– بالتأكيد، ينطوي تطبيق التحليل النفسي على تباينات دقيقة تضاعف من شأن الترميز. هكذا، وبخصوص الحلم المتعلق بالدرج، القريب جدا في أغلب الأحيان من حلم التحليق، أقر الطبيب روني أليندي بالملاحظة التالية :” يصعد الرجل السلالم (حيوية) والمرأة تنزلها (سلبية).أيضا، أشار أليندي من جهة أخرى إلى العديد من الانعكاسات التي تضفي مزيدا من التنوع على هذا الحلم البسيط جدا.

2-P .Saintyves :En marge de la légende dorée, paris ,1930.P.93.

 3-Principles of sociology ,troisième édition ,volume 1,page773.

4-Physiologie du gout ,édition,1867,P.215.

     5-La fin de la peur,p.82.

6-Le monde des rêves ;p.171.

About سعيد بوخليط

Check Also

موضوع السجن في الأدب الفلسطيني قبل العام 1948

في التاسع والعاشر من الشهر الجاري، قدمت ورقة في مؤتمر الرواية في جامعة اليرموك الذي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *